القائمة الرئيسية

الصفحات

بين النقد الأدبي الأكاديمي والنقد الأدبي الصحفي ، مدخل إلى نقد النقد جامعة الجزائر2 نموذجا



بوزيان بغلول* 

الملخص

     قد لا يطرح نقد النقد ـ حداثيا كان أو تقليديا ـ من جانبه الشعري أو الشكلي المحض مشكل تأويل نية أو الدافع الحقيقي لناقد النقد هذا، لكن نقد النقد في جانبه الأيديولوجي أو السياقي الذي يخص النقد الأدبي كنقد تطبيقي على النصوص و ليس في مستواه التنظيري، فالتنظير أصلا يقع خارج اهتمامات نقد النقد في مقابل الممارسة التطبيقية في مدى إخلاصها للمنهج ، فإذا كان وجود النقد الأدبي مرتبط في أصله بوجود موضوعه، وهو الأدب فيشتغل عليه تحليلا ودرسا و تنظيرا فإن نقد النقد مرتبط في أصله بوجود الممارسة التطبيقية على النص الأدبي، ولا بد من التفريق بين تسميتنا للنظريات والمناهج النقدية الموضوعة خصيصا لتحليا النص الأدبي بـ"النقد الأدبي" وهي التي تستحق التنظير وبين الممارسة النقدية التي تُخضع النص الأدبي للمنهج النقدي والتي تستحق نقد النقد، فعندما يمس نقد النقد صاحب العمل بالتماس ما يعتقد أنها عثرات نحوية وترجمية وغيرها فإننا بإزاء نية الانتقاد و ليس النقد ، بخاصة إذا كان المنهج المتبع في نقد النص الأدبي منهجا سياقي ( كالمنهج التاريخي) أو ما بعد بنيوي (كالنقد الثقافي) فلكأنما نقد النقد قد أوجده أصحابه خصيصا للنقاد الذين لا يطبقون البنيوية إلا وهي منظرة تنظيرا عربيا صرفا أو من لا يعتقدون أساسا بما أقدم عليه المغاربة تنظيرا للمناهج البنيوية تنظيرا لا يخلوا من توخي الحذر اتجاه ترجمة المصطلح وتعريبه ولا اتجاه تنوع المعجم العربي وأصالته ولا اتجاه الثقافة العربية. إذن ما نقد النقد في مثل هذه الحالة غير محاولة لتصفية الحسابات، أو ادعاء غير بريء للموضوعية العلمية[1].

     وفي هذا الإطار يدور هدف بحثنا ؛ استقصاء الموضوعية البحثية العلمية على المستوى الأكاديمي (نقد النقد والنقد الأدبي على السواء) و كيفية الأداء البحثي العلمي الصارم المبتعد قيد الإمكان عن شبهة الوقوف في المواقف المتحيزة، لأن كثير من المقالات المنشورة عندنا في مجلات جامعة الجزائر2 العلمية المحكمة تكشف عن نتائج قد توْهِم بأن صاحبها بصدد تجاوز أحكام القيمة[2] لكن الحقيقة قد تثبت العكس لأنه غالبا ما يكون الجانب المعرفي و التقني المتواضع و الهزيل هو الذي يكشف عن تلك الأيديولوجيا المرافقة بإطلاق الأحكام غير الموضوعية في ميدان لا تحسن فيه. كما نأمل من بحثنا هذا في الوقت ذاته الوقوف عن طريق نقد النقد أيضا ـ ولو جزئيا ـ على المنجز النقدي الأدبي الأكاديمي، بمقارنته بالنقد الأدبي الصحفي مستعينين بالمنهج التاريخي ونظرية القواعد التوليدية التحويلية.  

 

كلمات مفتاحية : نقد أدبي ، نقد أكاديمي ، نقد النقد ، نقد أدبي جزائري معاصر. مجلات علمية محكمة.

 

مقدمة

    لما وقفت على مجتمع الصحافة المكتوبة في العاصمة الجزائر مستكنها بعمق حقائقها الجلية و الخفية  و أنا بعد طالب في معهد اللغة العربية بالجامعة المركزية، ولما كنت القادم إليه من منطقة داخلية بعيدة كان من اليسير علي أن ألاحظ الفروق و أعقد المقارنات ، فتعامل هذا المجتمع مع اللغة العربية و في تهيب بعضهم البعض المنتمين إلى مشارب سياسية و انتماءات مختلفة تهيب الجارة لجارها ، و كأنه مجتمع غريب عن اللغة العربية و عن بعضه البعض قربا و وطنية . من هذا المنطلق ولّد ذلك كله في ذهني و بسرعة الحلول، و لعلّ الجزء الأهم و الذي لا يتجزأ من هذه الحلول هو الكتابة الدورية التوعوية ذات المستوى في تلكم الصحافة من قبل مجتمع معهد اللغة العربية نفسها ( المجتمع الأكاديمي لاحقا ) تلكم الكتابة التي تنقد، تنافس و توجّه ثم تبحث عن مواطن الخلل و مكامن القصور، لا أن تتقوقع لتتأخر فتهذي[3]. أي أن إشكالية البحث تطرح ثم تربط علاقة القصور المعرفي و التقني بأيديولوجية الناقد بخاصة اتجاه الإلمام بمعرفة اللغة العربية فصاحة و معرفة جيدة بقواعدها نحوا و صرفا.

     من ثمة كان بحثنا هذا الهادف على الوقوف عند المنجز النقدي الأدبي الأكاديمي المنشور في مجلاتها العلمية المحكمة بالنقد و التشريح العلمي الأكاديمي و المقارن إن صح التعبير، أي بالتماس أداة المنهج  الذي هو نُثار متفرق من المناهج ( التاريخي ، بالتحديد سياق حياة الناقد و المنهج اللغوي المعياري و المنهج المقارن ــ عند إجراء نوع من المقارنة بين النقد الأدبي الأكاديمي كمنتج يخص الجامعة الجزائرية ، باعتباره تجمع تقديري في إطار من التميّز بالعلم وجدية البحث عن سواه من النقد أي النقد الأدبي المعتمد على كفاءة و تجربة الإعلامي بخاصة في الصحافة المكتوبة الجزائرية ــ و نظرية اكتساب اللغة لتشومسكي    language acquisition device) كل ذلك مطعما بالتحّلي بالروح العلمية التي هي موضوع البحث و آليته في نفس الوقت. عندما نُخضِع النقد نفسه كموضوع للتفكير و التحليل تحليلا وصفيا بإطلاق الفروض و مناقشتها مناقشة منهجية. أما أنموذج البحث اخترناه من عددين من مجلة علمية محكمة اسمها اللغة و الأدب ، التي يصدرها قسم اللغة العربية و آدابها ، جامعة أبو القاسم سعد الله.

1ـ نقد النقد و أيديولوجية الناقد

1 ـ مفهوم نقد النقد

      عندما كان نقد النقد هو البحث في معرفة المعرفة ، فإذا كانت السرود بكافة ضروبها بحث في المعرفة فإن المناهج النقدية هي بحث في معرفة المعرفة ، فسيتجلى للباحث/ الطالب مدى درجة التلاحم في بنيانها إن أتيحت له درجة من الحسية النقدية و درجة متقدمة من الروح العلمية تسمح له من ملاحظة أن الممارسة  النقدية عندنا بالجزائر تمتح إشكالياتها من الأشكال و المضامين معا و أدناها إلى طرح السؤال ؛ أيديولوجية الناقد / الأستاذ الجامعي من عدمه!؟ الذي يمدّه بتلك المناهج عن طريق الإعلام السيّار أو يُلّقنها له على مدرجات الجامعة ، إذن نقد النقد هو نقد لنقد آخر و كلاهما مستكنِه أداة المنهج النقدي الخاص ، حسب جابر عصفور " نقـد النقـد قـول آخـر في النقـد ، یـدور حـول مراجعـة القـول النقــدي ذاتـه و فحصـه ، و أعني مراجعة مصطلحـات النقـد و بنیته التفسيرية و أدواتـه الإجرائية "[4] "فالنزعة إلى معرفة بفلسفة النقد و آليته ومقاصده هي مشغل نقد النقد و محوره"[5] ذلك "أن موضوع النقد الأدبي يتضمن عنصرا واحدا هو دراسة الأعمال الأدبية و طرق تلقيها و تذوقها، أما حين نمعن النظر في موضوع نقد النقد فسنجده يتضمن عنصرين مختلفين: أولهما النقد الأدبي في مستوييه النظري و التطبيقي، وثانيهما الأعمال الأدبية، و هذا يعني أن موضوع نقد النقد أوسع من موضوع النقد الأدبي، لأن النقد الأدبي نفسه يقع ضمن موضوع نقد النقد"[6] لذلك فان نقد النقد الذي اضطلع به حميد لحمداني هو ميتا نقد ومفاضلة وليس نقد النقد كونه يركز على أساليب النقاد لغويا و أيديولوجيا (فرانكفونيتهم أو أنجلوسكسونيتهم)

 

     و لعل هذا النوع من النقد قديم في الممارسة النقدية العربية ، إلا أن التنظيرات العربية الحديثة له لم تتجاوز بعد مرحلة التأسيس، بالرغم أن واقعنا الأدبي و النقدي يشير إلى تحقيق قدر مهم من التراكم، و لكنه يشير أيضا إلى تلك الثغرة المتمثلة في ضعف نقد النقد نتيجة عدم التماثل و التطابق في الموضوع و الغاية بين النقد الأدبي و نقد النقد ، الأمر الذي يستدعي إمكانية استقلال نقد النقد كما يقول الناقد باقر جاسم محمد : " يستلزم هذا الفرق الجوهري بين موضوع النقد الأدبي ، و موضوع نقد النقد بالضرورة العلمية ، العمل على فكرة استقلال نقد النقد عن النقد الأدبي ، كما يترتب على هذا الاختلاف في الموضوع أن يختلف نقد النقد ، بهذه الدرجة أو تلك عن النقد الأدبي في كل من آلياته و مصطلحاته و أهدافه التي يتغياها ، من منطلق أن نقد النقد ينطوي بالضرورة على النقد و الانتقاد و نعني به نقد الأفكار و الأسس و المناهج معا"[7]

1ـ 2 ـ نظرة تاريخية مقارنة بين النقد الأكاديمي و النقد الصحفي

      في الحقيقة البحث عن مكامن القصور أو اللا علمية في معقل العلم لهو أمر غريب حقا و يطرح إشكاليات أخلاقية و أيديولوجية و مريب في حالة عدم كفاية الأدلة ، لكن سنجد أنفسنا مضطرين من أجل تقريب الفهم و كشف الخلل إجراء مقارنات و نحن بصدد الوقوف على نوعية و تراكمية ذلك النقد الأدبي الأكاديمي الجزائري ، إذا جاز لنا أن نطلق عليه نقدا جزائريا معاصرا  لسببين رئيسيين ؛ السبب الأول هو أنه منتوج نقدي مصنّف في خانة البحوث التي لا تتعدى صفحاتها الخمسة و عشرون صفحة ، في الغالب الأعم و ليس كمصنّفات ، فالمصنّفات إن بحثنا عنها سنجدها تكاد تقتصر على رسائل الدكتوراه و الماجستير لعدد معين من أساتذة مخضرمين ، يعني أن الأستاذ يكتفي بطبع ماجيستيره و دكتوراته و نشر بحوث قصيرة في مجلة القسم ولا يشغل نفسه بتأليف كتبا جديدة ، كما هو الشأن بالنسبة لقسم اللغة العربية وآدابها في ملحقة ابن عكنون على سبيل المثال لا الحصر؛ أصبحت تشكّل مرجع تاريخي حتى لا أقول جبل تاريخي ، حتى أمام مؤلفات الأساتذة الجدد باعتبارها ألِّفت منذ عقود و أُكتُشف ما تحمله من عيوب مثلها مثل مصادر التراث في التاريخين الفقهي و البلاغي القابلة للنقد و التصويب ، والتي تمت قراءتها قراءات جديدة  و وُجدت الثغرات المنهجية التي تكتنفها ، غير أنها مازالت تحظى بالتصنيف الخاص و أثر السبق في المكتبات الجامعية منها : « الرواية العربية الجزائرية بين الواقعية و الالتزام » لمحمد مصايف و« في الأدب الجزائري الحديث » لعمر بن قينة و « اتجاهات الرواية العربية في الجزائر بحث في الأصول الجمالية و التاريخية للرواية الجزائرية » لواسيني الأعرج  و« دراسات في الأدب الجزائري الحديث » لأبو القاسم سعد الله .. إلخ. و السبب الثاني هو أن نسبة ليست بالقليلة من تلك البحوث النقدية الأكاديمية المنشورة  في مجلاّت و رقية فصلية ، أو سنوية و أخرى إلكترونية ، تصدرها معاهد و كليات اللغة العربية وآدابها في كامل ربوع الوطن تعود لأساتذة عرب مقيمين بالجزائر، أو يتم إرسالها كي تنشر كمساهمات عربية في المجلاّت الأكاديمية الجزائرية المعروفة و التي يطلق عليها اسم " مجلة علمية محكمة " ، كمجلّتي " اللغة و الأدب" و "الآداب و اللغات" التي تصدرهما جامعة الجزائر2 ، و مجلّة المخبر التي تصدرها جامعة محمد خيضر ببسكرة ، و مجلة الآداب التي تصدرها جامعة قسنطينة ، و مجلّة الجيل للدراسات الأدبية و الفكرية التي يصدرها مجموعة من الباحثين الجزائريين بالشراكة في طرابلس/ لبنان ، و مجلّة دراسات أدبية ، وهي مجلة أكاديمية نخبوية يصدرها مركز البصيرة في الجزائر.. و غيرها.

     في هذا البحث اخـترنا العدد 15 و 29 من مجلة " اللغة و الأدب " السنوية التي تعتبر المنبر الأول لأساتذة و بحاثة قسم اللغة العربية و آدابها بجامعة الجزائر2 ، أي منبرهم لممارسة النقد الأدبي ونقد النقد و تصنّف أبحاثهم عندئذ في خانة الأكاديمية ، دون الخروج به إلى الساحة الإعلامية التي توسّعت كثيرا في السنوات الأخيرة وعجّت بالأركان و الملاحق الأدبية كأي دولة من دول المشرق العربي ، خذ مصر مثلا ، تساهم نخبتها الأدبية الأكاديمية دون توقف في صحف و مجلاّت سواء كانت قومية أو حزبية ، كالأهرام و اليوم السابع ، الوقائع المصرية ، الجمهورية ، الوفد و الوطن ، روز اليوسف ، أخبار الأدب .. ، بمقالات و أعمدة نيّرة ، منذ مطلع القرن شهدت سجالات : محمود أمين العالم وطه حسين و زكي نجيب محمود ، ثم شكري عياد ، عبد القادر القط و جابر عصفور، عبد المنعم تليمة و عز الدين إسماعيل و قاسم عبده قاسم مع غيرهم من النقاد "الإعلاميين" الغير الأكاديميين ، كالعقاد و نعيمة و سيد قطب و محمد حسنين هيكل و رجاء النقاش ، وصولا إلى أبو المعاطي أبو النجا و فاروق شوشة وحياة أبو النصر وغيرهم كثيرون ، فرسّخت  كتاباتهم النقدية الأدبية و الثقافية للعقلية النقدية السجالية المفتوحة مع الطرف الآخر بدون عقدة التفاوت في المستوى ، و تعدّته إلى المشاركة في صناعة الحياة الثقافية و السياسية مع مختلف المراحل حتى يومنا و الدليل أمامنا : تجاوز محنة سياسية و أمنية عويصة بدون خسائر جسيمة عكس الذي حدث مع الجزائر، ذلك لأن المجتمع المدني المصري أنضج و نخبته المثقفة أقوى تأثيرا في الحياة المدنية و في شتى المجالات ؛ لا يهم في ذلك الدرجة العلمية بل المهم القيمة الفنية لِما يكتب من نقد ، لذلك من السياسيين من يرى أن محمد مرسي خلعه الناقد المتكاتف مع الأكاديمي و لم يخلعه العسكر، " الحل يتمثل في المجتمع المدني الفاعل القادر على تفكيك ثقافة الخوف ، و تفكيك ما يتعولم منها وما يرتبط به من إرهاب، تعديل ومعادلة الخوف بين الحاكم والمحكوم ورد المخاوف إلى مصادرها الاجتماعية الأولى "[8] 

    ثم إن التنظير (نقد النظرية النقدية الجديدة وليس نقد النقد الأدبي) قد بلغ مبلغا عن طريق التنافس بين النقد الصحفي والنقد الأكاديمي عبر الصحافة اليومية المصرية، لأن النقد الأكاديمي المساهم في جريدة الأهرام مثلا لم يقدر لوحده على أن يُعمل معاول التمحيص والغربلة المستمرة لتلك النظريات التي كانت ترده من أوروبا لينتقد البنيوية و الحداثة مثلا من جهة عدم ارتباطها بالجذور وافتقاد الموهبة واللغة أو غموض الشعر الحداثي آنذاك وهلم جر كما يقول الباحث المصري عماد محمد :" وقد فتحت الصفحات الأدبية للأهرام الأبواب علي مصراعيها للنقاد من رافضي الحداثة، ويستعرض البحث هذه الآراء بالتفصيل، فهناك من انتقدوا أغراض شعر الحداثة، وهناك من رفضوه متعللين بافتقاد مبدعيه للموهبة، وهناك من اعترفوا بقصيدة الشعر الحر، لكنهم لم يعترفوا بشعرائها بعد صلاح عبد الصبور ورأوا أنها قد انتحرت بعد وفاة فارسها، بينما حاول البعض أن يضعوا أسساً لقبول الحداثة من جهة ارتباطها بالجذور، وهناك من تسلل لمهاجمة الحداثة عن طريق اللغة، وهناك من النقاد من أكدوا أنهم لا يعادون الحداثة، لكنهم انتقدوا ما يرونه سلبياً فيها مثل كونها مستوردة من الغرب، كما احتل الغموض مقدمة الاتهامات التي أخذها النقاد والمبدعون علي شعراء الحداثة، وهو أكثر ما أُفردت له المقالات وبُسطت له المساحات، ويلفت البحث إلي أن الصفحات الأدبية بالأهرام لم تترك باباً دون استغلاله لمواجهة الحداثة، فانتقدتها وأبرزت سلبياتها عن طريق المقالات والحوارات والتحقيقات وقصائد الشعر.."[9]

     وبرغم نشاط مصري مفعم بالنقد والأدب في الاتجاهين لم يرضي ذلك أحمد أمين فذهب في ثلاثينيات القرن الماضي  في شكل خصومة نقدية قل نظيرها وجهها إلى وزير المعارف آنذاك طه حسين ــ وبعد قرابة القرن من الزمان من المستحيلات أن تجد له مثيلا في الجزائر ما يعني أن حداثة المصريين في ذلك العصر قد تغذت بفلسفة الأنوار حقا أما حداثتنا نحن فقد عميت بفلسفة الأيديولوجيات ــ التي مفادها ميل طه حسين إلى المداراة و المجاراة  وإيثار العافية على مزاولة النقد بعد الإستوزار والمكاسب المادية التي نالته، وطبعا أنكر حسين على أمين حكمه واصفا إياه بالتسرع و النقد الجديد بالهش، طبعا يذكرنا هذا بنقادنا الشباب نور الدين السد وبشير ضيف الله وعز الدين الجلاوجي .. و يوسف وغليسي من كثرة ما تملق أستاذه مرتاض حتى لكاد يعبده و هو غير مستحق له، فقدمه للصالونات وللجوائز في الخليج ليحافظ على دوران الحلقة[10] ، فلماذا لم يحصل ذلك مع أكاديميونا؟ النقاد الجزائريين أبو القاسم سعد الله و عبد الملك مرتاض و عبد الله ركيبي و صولا إلى عبد القادر بوزيدة و علي ملاحي و محمد شنوفي و عمار بن زايد .. إلخ لولا أن هناك مشكلات عويصة ارتبطت بالذوات لا الموضوعات أجلاها عدم النزاهة الأخلاقية والعلمية معا؛  ذوات غايتها الاسترزاق لا الذود عن الثقافة ، فطاحلة النقد والأدب المصري الحديث قبل عام 1967 كانوا يلجون الأدب عن حب وإخلاص له برغم قلة الموارد الاقتصادية في ذلك الوقت، وإذا ما توجوا مسارهم الدراسي بشهادات عليا فاللهم بارك وإذا لم يحدث ترى كل واحد منهم مِعول من معاول الثقافة البناءة في صحف البلد السيارة أو في السينما أو في التمثيل للإذاعة دون انتماءات ولا ولاءات والأمثلة كثيرة منها فاروق شوشة وفاروق خورشيد و ليلى رستم... أما عندنا في الجزائر ــ وفي الوقت نفسه تقريبا ــ كانت المحاصصات السياسية في الجزائر في أوجها لتولية المجاهد الفلاني و ابن الشهيد الفلاني على المجلة الأدبية الفلانية أو البرنامج الإذاعي الفلاني وجلهم مفرنسين ، فاضطر العدد القليل (بعد أن أدركوا أن الاصطفائية السياسية بدل الاصطفائية الإبداعية والنخبوية المعربة ستقود البلد إلى الهاوية) الانضمام إلى الأسلاك الأمنية أو العمل في التربية (مع التحفظ الشديد لأنه لم يكن هناك وقت كاف لبروز الأقلام والمواهب الإبداعية ) كما أن انضباط سلك التربية لا يسمح بتفجير الطاقات الإبداعية. لكن هناك من يقول أن المقارنة في شؤون النقد الأدبي بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين لا تجوز  ، فنقول له بل تجوز مادام أن هذه الفجوة في الإخلاص للعلم والنقد الحقيقين بيننا وبين عصر النهضة العربية ناتجة عن انتكاسة التنوير العربي بعد النصف الأول من القرن العشرين، انتكاسة راجعة لدخول الحاكم و الفقيه و داعي التقنية محك اقتسام الفائدة والمحاصصة في المكاسب على حساب قيم العلم.  أي رضى التيارات الفكرية والنخبوية بما فيها الأكاديمية العربية بالأيديولوجيا التي تقف ضد العقلانية. 

      بل وسيقول قائل منهم أن نقادنا الأكاديميون موجودين و يمارسون في "الشروق" و" الخبر" والقناة الأولى .. وكانوا قبلا في مجلة "آمال" أقول بلى، لكن هؤلاء كأمين زاوي (منتدى الشروق الخميسي - برنامج حبر وأوراق) و واسيني الأعرج ( عمود الخبر: دياسبورا و القدس العربي ) وغيرهم قد ساروا منذ ردح في نهج الروائيين الأكاديميين و ليس في مسار النقاد وهل انتهى النقد والأدب بانتهاء "آمال"؟ ناهيك أنهم اشتغلوا في بداياتهم كصحفيين ، فهم لا يخضعون الظواهر المستجدة في النقد الأدبي للتنظير العميق و لا الأدب الروائي و الشعري للمنهج النقدي المنضبط حتى لا نقول المحكم ، بل تكاد معظم مقالاتهم مقتصرة على تحليل إعلامي سطحي لراوية فلان أو التعريف بالشاعر علاّن ، أو عرض كتاب أو جرد شتات أخبار الرواية و الأدب المتعالق بالسياسي و الظرفي من هنا و هناك، من أمثلة ذلك التعليقات السياسية التي خاضها أمين زاوي ضد الإعلام المصري إثر أزمة مباراة كرة القدم عبر يومية الشروق مثلا كانت مشحونة بقيم التعصب القبلي[11]، و هناك من النقاد الأكاديميين يمارسون فعلا نقدا علميا في الشروق و وسائل الإعلام الأخرى لكنهم يعدّون على أصابع اليد ، و ينحون منحى واسيني و أمين زاوي كالنقاد الأكاديميين : عبد القادر هني ، مخلوف عامر ، أحمد منّور مثلا و حبيب مونسي و اليامين تومي من جامعات أخرى ، أما القائمة الطويلة من أساتذة قسم اللغة العربية و آدابها المعروفين أو المخضرمين أن صحّ القول كعبد الرزاق عبيد و خميسي حميدي و محمد العيد رتيمة ، و مصطفى فاسي ، عبد القادر بوزيدة ، و عثمان بدري و خولة الإبراهيمي و عبد الرحمن الحاج صالح و مصطفى حركات وعمار زايد .. فإن رؤية عمود لهم على صفحات الخبر أو الشروق يعد ضربا من ضروب الخيال ــ طبعا ستكون حجتهم هي "الانشغال" وهي حجة غير مقنعة كلما أجرينا المقارنة بينهم وبين أقرانهم أكاديميو الديار المصرية و حتى السودانية مثلا ــ و ليس الأمر مقصورا على الأعمدة الصحفية بل كذلكم على المؤلفات و البحوث النقدية ذات الصيت الوطني بالرغم أن معهدهم هو الأول وطنيا من حيث توفير الإمكانات اللوجيستيكية لكنه ليس كذلك في مستوى ما يقدمه من زاد علمي.

      السبب المباشر في رأينا واضح بحكم المقارنة مع نظرائهم المشارقة و جوهره هو في لا مطواعية لسانهم للغة العربية ، أي لسان الفصحى لديهم يستعصي عليه ترجمة الأفكار بخفة و رشاقة ، و ذلك ما يحيلهم إلى تبديد كثير من الوقت و ضياع كثير من الجهد إن هم حاولوا مزاولة الكتابة الدورية ، ناهيك عن الإحراج أمام مقالات منافسيهم هؤلاء و أولئك ، أي نظرائهم و أقرانهم النقاد الإعلاميين ، قد يكون إبراهيم رماني و عبد الوهاب شعلال و شوار الخير و سعيد خطيبي و عز الدين ميهوبي و حفيظ بن جلولي و عبد القادر بن سالم و محمد درود و عمر بوديبة و حميد عبد القادر و قلولي بن ساعد غيض من فيض ممّا نعني بهؤلاء و أولئك ، ممّن يحملون شهادة الليسانس بل ممكن البكالوريا فقط بيد أنهم متحكمين في اللغة كتابة و تلفظا و تداولا سلسا دون مشقة و عناء تحكم العقاد فيها.  صحيح أن هؤلاء مفتقدين للتبحر بعمق والمعرفة الأعمق بالمنهج لكن هذا لم يمنع الكثيرين منهم من مزاولة نشاط نقدي قل نظيره، وقد وقفت بنفسي على صحفيين يحضرون لمقالاتهم النقدية بجدية تمتد إلى أسابيع؛ عندما يريد الصحفي في قسمه الثقافي نقد نص جديد نقدا سوسيولوجيا أو تاريخيا ينزوي مدة من الزمن لتحصيل ما يمكن تحصيله لكنه في الأخير يرضى بخلاصة المنهج التي تساعده على التحليل[12]، لأن التعمق يستغرق منه وقتا أطول ، والنموذج الأمثل هو دراسة النص دراسة تاريخية حيث أن فهم منهج تين هيبولت (البيئة والجنس والعصر)  مرتبط بفهم منهج أستاذه سانت بيف، بل لابد من الإحاطة بالنقد الحديث بأكمله خاصة ما عرف بالنقد الجامعي الفرنسي أو النقد اللانسوني نسبة إلى صاحبه جوستاف لانسون، والأمر سيان مع المنهج السوسيولوجي فإن فك شيفرة البنيوية التكوينية لصاحبها لوسيان جولدمان غير ممكن دون فهم كامل وعميق للنظرية البنيوية في النقد الأدبي وهذا لا يعني أن الناقد الصحفي يفضل المناهج التقليدية عن المناهج الحديثة كي يعطي أحكام القيمة كما يدعي الأكاديميون بل يستطيع تحليل النص الروائي تحليلا بنيويا مختزلا : جرد الشخصيات وذكر علاقاتهم ووظائفهم ، تحليل علاقة البطل بالشخصيات بالراوي ، سرد كرونولوجيا الأحداث ثم التعقيب عليها مستفيدين ربما حتى من مفارقات جيرار جنيت الزمنية، إعطاء لمحات عن العناصر السردية الأخرى كالمكان والحوار والوصف غير أنه غالبا ما تجرهم جزئية من الجزئيات إلى الخروج عن المنهج والإشادة ببراعة الكاتب/الروائي ولعلّ مرد ذلك أن الصحفي مسكون لطبيعة عمله بالوقائع الخبرية والاجتماعية، و تحليلاته النقدية على هذه الطريقة تمتاز بدقة التعبير لا من جهة اختيار اللفظ المناسب للموقف المناسب ولا من حيث تحري السلامة النحوية، فأنا أشهد عموما أن الناقد الصحفي في الجزائر أفصح من نظيره الأكاديمي فهو يعرف كيف يصيغ الكلم بالسليقة لكنه لو سئل عن القاعدة النحوية ربما ارتبك قائلا " هكذا تعلمناها أول ما تعلمناها"

     أما الخصاصة التي قد تتجلى على الأكاديمي أيضا وفي مجال تخصصه (اللغة العربية) وللأسف فتحصيل حاصل؛ إذ أن الغيض أو القصور اتجاه العربية لا يخص فئة دون أخرى ولا بلد دون آخر فهو تاريخي ويشمل كامل منطقة المغرب العربي ، غير أن هذا لا ينفي عنهم شيء من التبحر في المعارف النقدية المعمقة ، أولا بحكم خبرة التخصص والتراكمية ، و ثانيا بحكم درجاتهم العلمية و ما يقدمونه من بحوث/ نقود منهجية في مجلاّتهم الجامعية المحكّمة تلك ، وهم يتفرعون ضمنها إلى حداثيين و تقليديين أو بالمفهوم السياسي والإعلامي :  1 - أكاديميون علمانيون و ماركسيون 2- أكاديميون إسلاميون ، أما الأكاديميون العلمانيون سواء روائيون أم نقاد فهم الأكثر غبنا اتجاه اللغة العربية و الأكاديميون الإسلاميون سواء روائيون أم نقادا فهم أغنيائها و العكس بالعكس عندما ننتقل من الشكل ( التحكم في اللغة ) إلى المضمون ( الفكر الحداثي المتحرر من سجن التراث و المتفاعل مع الآخر) في هذا السياق يقول الناقد حميد عبد القادر: " تلك الوصفات الجاهزة التي حاولت أن تصنع للجزائري هوية سياسية ثابتة ، معزولة عن الواقع ، فارغة ومجوفة ، لذلك فالجزائري كان يتعامل مع اللغة بنوع من الحذر الذي يجعله يعيش هنا في الهناك ، و الهناك في هنا، وضع معقد لم يُمكِّن هذا الإنسان من الإحساس بذاته بشكل سليم، فهو في حالة فصام وشرخ رهيب ، حالة من الغرابة و التعدد "[13]

     لذلك وُجد من المنتسبين إلى هذا الميدان/التخصص من طلاب و أساتذة حتمًا من يميلون إلى طرف دون آخر، أما أنا / كاتب هذا المقال فمن أشد الناس معارضة ــ و ليس نقدا فقط ــ للمضامين الفكرية التي يحملها الإسلاميون إلى مؤسسات الدولة من المساجد ، لكن عندما يتعلق الأمر بالتحكم في اللغة العربية بلاغة و فصاحة و إبداعا أدبيا و فكريا بها ، فإني أميل غير نادم إلى الإسلاميين ، بل و أناصر أدبهم شعرا و نثرا في الجزائر و أرجِّحُه على الّزمرة العلمانية المبدعة بين قوسين ، التي تبهدل العربية أكثر ما يبهدلها تلميذ أو مراهق في المشرق ، " فالمجتمع الجزائري ، يُعد مجتمعا اثنيا متعددا و هجينا ، لم يتمخض داخل تجربة اللغة العربية بشكل تاريخي سلس ، بل كانت العربية في هذا التاريخ وضعا طارئا قلقًا "[14]

فيما يلي عينة تطبيقية في نقد النقد على هذه النظرية (أي فرق التحكم في اللغة العربية في ميدان التخصص (الأدب و النقد) بين الإسلاميين و العلمانيين الجزائريين من جهة و الأكاديميين والصحفيين من جهة أخرى) مأخوذ من عددين من مجلة " اللغة و الأدب " الأكاديمية التي يصدرها قسم اللغة العربية وآدابها/ جامعة الجزائر2.

 

2ـ نقـد " النقـد الأكاديمي لعينة مأخوذة من العـدد 29 و العـدد 15 من مجلة اللغة و الأدب جامعة الحزائر2 " 

 

1.2ــ نقد النقد مـن الجانـب اللغوي و التطبيـقـي

     لعل للانتماءات السياسية و المشارب الفكرية لهؤلاء الأساتذة الدور الأبرز في عدم موضوعية أبحاثهم و منشوراتهم العلمية لكن طبيعة بحثنا الأكاديمي يفرض علينا النظر إلى الإشكالية من زاوية منهجية. فيتضح من ملاحظة عامة للجدول أدناه ، و هو فهرس المجلة المذكورة أعلاه ، أي العدد 29 ، فالقراءة الأولية له تجلي ما يلي :

ــ أولا : القصور التاريخي المزمن اتجاه اللغة العربية ، في قول الباحثة وريدة أغادير على سبيل المثال لا الحصر ما يعضد طرحي : " و في الحقيقة الآصرة قوية بين العِلمين : النحو و الصرف.."[15] لماذا نقول "الآصرة" المفردة التي تعكس مودة و لا تستعمل مع غير العاقل مادام هناك مفردة العلاقة أو الرابطة ، في الحقيقة هذا التعبير لا يفسر شعرية الباحثة بقدر ما يعكس أيديولوجيا الهروب إلى الأمام، لأنهم أدركوا مسبقا أن مقالاتهم ستُجاز، فالمجاملات و الإطراءات ستغيّب النقد النزيه الموضوعي المتميز منهجا وقدرات تعبيرية، ستغيبه وفي عرين النقد؛ باسم الموضوعية العلمية تكيل مع سلسلة طويلة من زملائها بمكيالين، إذن فما بالكم إذن عندما يحاولون طلبتكم استعراض قدراتهم التعبيرية تقولون لهم تحروا الدقة العلمية في اختيار الألفاظ! ليت شعري تنهى عن منكر وتأتي بمثله لما كانت في خصاصة من أمرها اتجاه اللغة والتي لا تفسرها غير نظرية الاكتساب تبع نعوم تشومسكي لكنه الاحتيال والمكر المتذرّع بالموضوعية! ضف إلى ذلك أن مفردة الرابطة أو العلاقة هما الأنسب و كونها تتناول قضية بيداغوجية نقدية لا إبداعية يعني هي بصدد النظرية وليس النص، و هذا إن أثبت شيء أثبت فعلا على أن اللغة ممارسة و رصيد لساني مجتمعي لكن مع وجود فوارق أو مستويات أداء اللغة تتبعه بحسب السياق، وهي المقدرة فردية على أداء الخطاب/ الكلام[16]، وقد ذكّرني  قولها بقول عالم اقتصادي جزائري كبير على وهو يقول على المباشر ــ و هو معذور درس في فرنسا ــ : " الاقتصاد الوطني ترعرع في سنوات الاستقلال .. " طبعا الباحثة لو أنها سُئلت عن خطأها ستقول أن ذلك من محض التعبير المجازي لتتملّص، ليس هذا فقط بل ستنفي كلية وجود مشكل للأساتذة مع اللغة العربية عكس ما كان حاصلا في سنوات الثمانينيات، لأنها تتلمذت على يد جيل من الأساتذة جديد متعصبين لقبيلتهم الكبيرة تعصب الجاهلية الأولى، بغض النظر إذا كانت على صواب أو لا.

   في كلمة العدد 29 هذا نجد المحرر يتساءل في قوله : " يتساءل الكثيرون من المتتبعين عن أسباب تراجع الشعر في المشهد الثقافي الغربي و عن أسباب اكتساح الرواية صدارة هذا المنجز الأدبي . هل هذه الظاهرة ذات صبغة بنيوية أم أن الخارجي هو من يتحكم في زمامها و مراميها؟ "[17] و نحن نتساءل بدورنا أي المتتبعين يقصد المحرر؟ هناك سماسرة النشر منهم من لا يعرف القراءة والكتابة أصلا لكنهم يدخلون بحسب هذا التعبير ضمن متتبعي الحركة الشعرية . فقد ترك المحرّر الحبل على الغارب نتيجة عدم القدرة على الصياغة المضبوطة لأفكاره ، فصياغته فضفاضة إن صح التعبير، فاتحا الباب لقراءتين مختلفتين : الأولى هو أن الظاهرة المقصودة هي اكتساح الرواية للمنجز الأدبي ويعود الأمر حسبه لبنية النص الروائي أو للعوامل الخارجية المنتجة للنص الروائي ، كالمؤلف و السياق الاجتماعي. القراءة الثانية هو أن الظاهرة المقصودة هي تراجع الشعر، لأن بنية الرواية تختلف عن بنية القصيدة الشعرية و إن كانت العوامل الخارجية المؤثرة في إنتاج النص الشعري و الروائي تبقى نفسها.

ــ ثانيا :  نتيجة عدم استفاء شرط التحكم الجيد في اللغة لا يألو المتخصص و ما بالك بالدارس العادي جهدا لمحاولة تطويعها بل سيُغض الطرف عن التلاعب بالمصطلحات بالرغم من أن بعضها ــ الغير معرّبة و الغير مترجمة ــ واضحة المعاني وضوح الشمس في واضحة النهار. كقول الباحثة نفسها: المنهاج[18] عوض المناهج ، هناك خلط بين مفهوم المنهج : خطة البحث العلمي و جمعه مناهج و المنهاج : خطة عرض البرنامج ( التعليمي مثلا). شتّان ما تعنيه الكلمة و ما يصبو إليه بحث الباحثة. لهذه النتيجة علاقة بالجبلة على اللغة لهذا ما فتئ نقاد المشرق العربي عامة يصفون النقد المغاربي بصفة عامة بالغموض و الاغترابية وفي نفسهم  شكا بأصل المشكلة[19]

ــ ثالثا أحصينا في هذا العدد من مجلة اللغة و الأدب ما تصل نسبته إلى الستين بالمئة بحوث نظرية عبارة عن نسخ حرفي للدرس النظري ( أنظر في مقالات العدد أسفله) ، مساكين هم الروائيين و الشعراء الذين يدرّسون في نفس القسم كأمين زاوي و محمد ساري و فاتح علاق و واسيني الأعرج كل نصف عام يصدرون عملاً يسارع النقاد الأكاديميين المغربيين ــ المغرب الأقصى ــ إلى دراسته باستخدام أحدث المناهج النقدية خارجين بدراسات أقل ما يقال عنها أنها تولّد المعاني و المضامين الفكرية و تستقصي القوالب الفنية و الخطابية المستجدة و تستجليها بمعونة المنهج وليس العكس، متوصلين إلى حقائق ونتائج مبهرة تخص راهن الرواية و الشّعر الجزائريين بخاصة ما تعلق بالتحوّل في مضامين خطاباتهما و دلالاتهما الفكرية في العشريتين الأخيرتين. بينما نظرائهم الجزائريون ينتهجون سياسة ملء الفراغ بنسخ الدرس النظري و الإفاضة فيه ، سواء إما بالتعرّض لمناطق الظّل المُستعصية على فهم الطلبة في الوحدة الأدبية الواحدة كنظرية الأدب أو تحليل الخطاب أو الأدب المقارن ، و إما عدم القدرة على تجاوز الدوران في الحلقة المفرغة ، بالاستمرار في التنظير للمناهج الكبرى التي يعتريها غموض و صعوبة تمرس كالأسلوبية و السيميائية و السوسيو نقد و سوسيولوجيا الأدب و كأنها مناهج جديدة و قدرها في أن تبقى جديدة! بينما هي في الحقيقة أصبحت قديمة في بعض الدول كمصر و المغرب نتيجة للقابلية للتطبيق ، أما المناهج الأحدث كالنقد الثقافي و نظرية القراءة و علم التأويل و نيو كولونيالية و حتى النظرية  الحوارية و نظرية التناص و نظرية التعدد اللغوي ( التي لا يقصد بها باختين اللغة الاجتماعية بمختلف صيغها التركيبية و النحوية ، و إنما يقصد الخلفيات السوسيو تاريخية ، و الطبقية للأفراد[20] ) أصبحت من مطامح الباحثين الجزائريين بخاصة الذين يحضّرون دكتوراتهم في نظام LMD ، لكن بغير تقيد صارم بالمجال المعرفي لهذه المناهج يخلطون بين المناهج ناهيك عن تكرارهم المادة الأدبية المعنية بالنقد أعني روايات صالحة بعينها للمنهج (السرقات) ، كالتي تخص الديار المغربية و الديار المصرية و التي حللت نقديا سابقا تكرارا ومرارا عندهم كروايات معينة لنجيب محفوظ  و لمحمد برادة. من خلالها يتم تكرار المفاهيم و المصطلحات الغامضة دون وعي لدى طلبة الماستر ، و كل ذلك إنما ينم عن النشر لأجل النشر و سد الفراغ و لأجل الشهادة الورقية لا أكثر و لا أقل .

    ليس بالعسير تلمس مكر واحتيال متذرع بالموضوعية العلمية وهو ذاك الخاص بإلزام طلبة خُزاعة بالتطبيق الحرفي للمنهج أو إلزامهم بمقولة المنهج ثم المنهج ثم المنهج التي علموها لنا ولهم في حالات ما غالبا لا يعرف كنههَ غيرهم، حين تُبلع إزاء طلبة غُزيّة لتحل محلّها مقولة الشكر ثم الشكر ثم الشكر ثم تعود تُجتر في سياقات أخرى وهكذا دواليك، كأننا عدنا للجاهلية الأولى كلٌ يدافع على قبيلته بعصبية ولا يقدم الأنموذج لطلبته إلا ملتبسا بهذه القاعدة، خذ مثلا مقالا نشره الأستاذ شنوفي محمد العام 1994 في العدد 5 من مجلة اللغة والأدب يخبط فيه خبط عشواء دون تقيد بأي منهج واضح، خلطة من التحاليل تأخذ من كل منهج فقرة أو اثنين بل يكاد يحلل قصة الصور السلوكية لأبو العيد دودو[21] كتحليل طلاب الثانوية العامة، بحث لا يتعدى الست صفحات كان الأجدى به أن ينشره في يومية الشعب أفضل ـ وكان أبو العيد آنذاك من القائمين على مجلة اللغة والأدب لذا تحس وكأنه بصدد تملّقه ـ تارة يتحدث فيه عن البطل وتارة يتحدث عن الشخصية المحورية وتارة أخرى عن الراوي (المنهج السردي البنيوي ) ثم ينتقل للتعليق على سخريتهم متعديا إلى المنهج الاجتماعي حين يقول أنها سخرية مقصودة  تعكس القيم الاجتماعية والأخلاقية التي ينقد من خلالها الدودو مظاهر سلبية ميزت المجتمع الجزائري (تعليق انطباعي نفسي) ولم يوفي فن السخرية (كأسلوب)حقه من التعريف الوافي الشافي، فكان مقال إطراء ولباقة صالونيه لمصلحة السادة، الأستاذ الذي درس بألمانيا باللغات الأجنبية كلها لكن لغته الأصل وأسلوبه لا يختلف عن لغة وأسلوب المهاجرين الأمازيغ في أوروبا.

     و هناك من النقاد من تفرغوا بل تخصصوا في نقدهم الأكاديمي في ترجمة مقالات بعينها تتبع التخصص كعبد القادر بوزيدة و خولة طالب الإبراهيمي ، هذين الأستاذين بالتحديد درست عندهما و كثيرا ما شدَّ انتباهي صعوبة مطواعية لسانهما للعربية الفصحى بسلاسة لأنهما من مواليد فترة الاستعمار، قطعا يكونان درسا أول ما درسا الفرنسية لأنهما من مواليد العاصمة ، لا يعتقد بتاتا أنهما ولج كُتابا نائيا قبل دخول المدرسة الفرنسية و كما نعلم أن اللغة تُطبع في ذهن الطفل كما تُطبع الحروف على ورقة بيضاء ، وإذا ما وجدت عربيتهما المكان قد شُغل بعدما انطبعت في ذهنيهما الفرنسية خرجا إلينا معها بتلكم الحال كما تقول به نظرية اكتساب اللغة لتشومشكي  theory language aquisition device ، التي ترى أنَّ الطفل يمتلك بالفطرة تنظيماً ثقافياً ، يمكن تسميته بالحالة الأساسية للعقل ، يمكنه من اكتساب لغة قومه من خلال تعرض شفاف لما يسمعه ممن حوله"[22] و في مقال بوزيدة ما يؤكد طرحي ، إذ يقول في بحث حول فلسفة اللغة و المبدأ الحواري عند باختين عدد 15 من مجلة " اللغة و الأدب"  : " .. هي قوانين محايثة وخصوصية. وهي ، على عكس القوانين الأيديولوجية ( المرتبطة بالعمليات المعرفية و الإبداع الفني .. )، لا ترتدّ إلى الوعي الفردي."[23] كلمة ترتد هنا تقف عائق أمام فهم الطالب لمعنى المحايثة النصية ، فإذا كان الباحث يقصد الارتداد فحري به القول ترتد من الوعي الفردي ، الوعي عملية ذهنية نفسية سابقة يترجم لغةً و ليس العكس وهذا الفهم يدل على أن الباحث ــ بالرغم من كونه مترجما ـ إما أنه نسخ ترجمات عربية وما أكثرها لهذا الكتاب سنوات الثمانينيات قبل تبلور نظرية القواعد التحويلية التوليدية التي تقول أن بنية اللغة بنية عميقة/ ذهنية وبنية سطحية/ شكلية، وإما استسهالا لم يكلّف نفسه البحث عن أصل كلمة ترد وترتد والفرق بينهما لأن الرّد غير الارتداد. ثم إن الباحث بوزيدة في رصيده لحظة إنجاز هذا المقال ما يفوق أربعين سنة تمرّس أكاديمي لكنه لم يتخلص من تأثير عدم الجبلة على اللغة ومن يطلع على هذا الرصيد عبر مجلة اللغة والأدب يجده ينقسم إلى قسمين : المرحلة الأولى من الثمانينيات إلى نهاية التسعينيات أين كانت مقالاته جد هزيلة أسلوبا ومستوى منهجي وفكري تصلح مقالات للصحف اليومية لا بحوثا أكاديمية، من أمثلة ذلك مقال له بها بعنوان "طه حسين ومنهج الشك الديكارتي والمسألة الهوميرية، دراسة مقارنة" ومرحلة تالية تحسّن فيها أسلوبه التعبيري والتحليلي ولو أنه بقي منتقيا للمنهج مجتزئا التطبيق دون الإقرار بذلك مسبقا في المقدمة، ويعود سبب ذلك التحسن إلى الاستفادة من الوورد والأنترنت في إنجاز تلك البحوث بعد 2002 .

   لعلّه لا يوجد أفضل من الأستاذ مصطفى حركات لتوضيح علاقة النشأة المضطربة مع اللغة العربية، فهذا الأخير أستاذ التعليم العالي في قسم اللغة العربية جامعة الجزائر2، ولكنه فصيح اللسان الفرنسي وركيك اللسان العربي، وجد صحفي استضافه في الإذاعة الثقافية إحراجا كبيرا في محاورته، بل إنه يكاد يتأتئ ما إن ينطلق لسانه بكلمة إلا وعقد لسانه فتلجلج، لذلك يحرر بحوثه في ذات المجلة بالفرنسية، والسؤال المحير كيف لم تحُول هذه العجمة بينه وبين الشهادات العليا؟ لعل الإجابة تكمن في أنه من جيل زمن الغفلة. فاكتساب اللغة  language Acquisition غير الاكتساب اللغوي   Acquisition  linguistic  وهو النشاط والمقدرة على تعلم اللغة عند الطفل باعتبار أن هذا النشاط عملية فطرية يقوم بها نحو التجربة العشوائية للكلام سواء أكان الكلام موجها إليه أو منطوقا في حضوره.  وهذا النشاط يعتمد على مكون معين موجود في العقل أو المح على نحو وراثي، وعلى هذا الأساس فان اكتساب اللغة الأولى الذي ينجزه الطفل دون ملاحظة غالبا ودون تعليم منظم يتميز بشكل محدد عن تعلم اللغة الثانية، وباعتباره يقوم على التعرف على أنماط الجمل خلال مع تغييرات المفردات والفئات القواعدية.."  أما الاكتساب اللغوي " عمليات نقل الخبرات للأخرين وتلقيها، سواء بواسطة القراءة أو التعلم أو التدريب النطقي أو الكتابي بقصد الوصول إلى مرحلة افضل من المرحلة السابقة التي كان عليها الفرد .."[24] 

     أما النموذج الآخر عن هذه نظرية اللغوية التي تصدق على أغلب نقاد المغرب العربي ـ للأسف ـ وهو عبد الملك مرتاض الذي نزل أستاذا في جامعة الجزائر 2 سنوات التسعينيات، يقول أن فرنسية الناقد الشهير تزفتان تودوروف بها عجمة[25] لأن أصله بلغاري وقد صحح له مرتاض لغته وقال له قل Méta - métacritique  ولا تقل  critique de la critique مع العلم أن اللغة الفرنسية بالنسبة لتودوروف لغة ثانوية ولغة مرتاض الفرنسية أيضا من المفروض أنها كذلك ثانوية لأن لغته الأصلية الأساسية هي العربية لكنه عندما تجاوز وضعه إلى التصحيح للأوروبيين فإن هذا يعني أن لغته الأساس هي الفرنسية وليست العربية، والحقيقة أن التحكم إلى هذه الدرجة لزمرة نقاد المغرب العربي المخضرمين باللغة الفرنسية (وحتى الجيل الجديدة لكن بنسبة أقل) هو وبال على مستوى اللغة العربية في مدونتهم الأدبية والنقدية على السواء مقارنة بالنقاد العرب المشارقة؛ الذين عندما يأخذون اللغة الثانية لا يحاولون أخذها بالفطرة وإنما يأخذونها بالتعلّم، وهذا هو الوضع الطبيعي الذي يجعل دائما من العربية هي الأساس واللغة الأجنبية مسخّرة لكي تخدم العربية، وهذه الآية انقلبت عند مرتاض وزمرته بسبب اكتسابهم الغريزي في سنوات الطفولة الأولى للغة الفرنسية بدل العربية ( العربية فيما بعد يحاول من أحس بالنقص فيها أن يتقنها كما أتقن الفرنسية لكن هيهات حتى لو استنجد بحفظ كل المعلقات وكل القرآن، فاللغة تنقش فقط في مرحلة الصغر في لوحة عبارة عن جهاز نفسي ذهني غريزي معد مسبقا في الإنسان، ومستحيل أن يجمع الإنسان بين لغتين في وقت واحد؛ دائما لابد من أن تكون للغة الأكثر تواصلا هي من تنغرس وتصبح أساسية والأقل تواصلا هي الثانوية) وهذا ما يفسر عدم التحكم في العربية نطقا وأسلوبا عموما عندنا بالجزائر مقارنة بعرب المشرق، فملكة من تَطبَّع أو تَفطَّر على اللغة العربية حقيقية غير مفتعلة تقود صاحبها إلى الفصاحة والبلاغة، ومن لم يتطبع عليها تعود بصاحبها إلى مسخ اللسان العربي ــ زلات النطق والتهجية والعجمة ــ وإلى هزال الأسلوب والأستاذين حركات ومرتاض من هذا النوع، ويبقى نجاحهما جزئي كونهما مكتسبين للمعارف اللغوية والأدبية لكن غير مكتسبين للجهاز أو الأداة التي تجعلهما لا يصححان أبدا لشكري عياد أو لجابر عصفور لغتهما لكنهما يصحح لتودوروف لغته.

     وما انتهاج مرتاض منهج النقاد المغاربة حسن بحراوي وحميد لحمداني وبرادة و يقطين وغيرهم في التمكين الأكاديمي لميتا لغة خاصة بالنقد الأدبي المغاربي يعود في جوهره إلى معاناة المغرب العربي في هذا الإطار، ولعل محاولات المضي في هذه الخصوصية لا تؤدي إلا لمزيد من تفاقم الإشكاليات، كغموض مدونتنا النقدية بسبب ضعف الترجمة؛ الترجمة التي تشترط اللغة الأصلية كأساس، واللغة الأجنبية كلغة ثانوية لا العكس فعلى مرتاض إذن أن يترجم من العربية إلى الفرنسية من منطلق أنه غير مطلوب من المترجم التفقه في لغته الأجنبية إلى درجة التي تضعِف لغته الأصلية، لأنه حينئذ سيفقد الأسلوب ومن فقد الأسلوب لا يقدر الإخلاص لمتطلبات الترجمة من توصيل دقيق للمعنى في ثوب من جسد هو جسد اللغة والثقافة الأصيلتين. والحقيقة أن دور الدّربة على اللغة غير مستقلة عن المجتمع، فالمجتمع بثقافته الفرانكفونية واللهجية المهجّنة بمختلف اللغات تحافظ على عجمة الجزائريين في جميع مستوياتهم عاديين أو معلمين أو حتى المثقفين و الأكاديميين، فمرتاض لا يتكلم بالفصحى في هذا المجتمع طيلة عمره الذي تجاوز الثمانين (أطال الله في عمره ) إلا عمرا قصيرا مقارنة مع ما قضاه مع اللهجة المهجنة ومع الفرنسية مع الأصدقاء ومع وسائل الإعلام المفرنسة التي يستريح إزائها و لا يستسيغ من أفلامها إلا ذلك الفيلم الفرنسي، زد إليها المؤسسات الجزائرية التي يقضي فيها حوائجه من بنوك ومطارات، التي يافطاتها و إعلاناتها السمعية كلها مفرنسة. فكيف سيصحح لكمال أبو ديب بل سيصحح بداهة لتودوروف.

     وهناك منهم من يسعى سعيه لإلباس العمل الأدبي معطف المنهج و مُقاسا عليه مُقاسا يحيّر الألباب. فالأستاذ الناقد عبد القادر بوزيدة في مقال له بعنوان " فلسفة اللغة و المبدأ الحواري عند باختين "[26] بالعدد 15 من مجلة " اللغة و الأدب " ، يخصص حوالي 11 صفحة لجرد تفاصيل علاقة النظرية الحوارية/ تعدد الأصوات لباختين بالثنائية اللسانية الديسوسيرية لغة/ كلام مستفيضا في العرض و التعريض للمحطات التاريخية المحيطة بولادة النظرية و نشأتها ، و يُشكّل نهايات حروف كلمات المقال مخافة أن يُخطئ في الإلقاء لأن المقال مُعد ليلقى مداخلة في ندوة ، ثم تنشر جميع المداخلات في عدد خاص بالمجلة المذكورة ، و كما نعلم أن أهل المغرب العربي كُلفاء يهمهم أمر اللغة العربية جدا ، فعوض تسكين نهايات الكلمات يسعون لإظهار قدراتهم بتحريك النهايات فيجانبون في أحايين كثيرة الصواب.

     في آخر البحث يعرّج على التطبيق فيكتفي من رواية ابن هدوقة التي تعد 102 صفحة بفقرة واحدة و هي التي وجد فيها ما ساق و أفاض حول الحوارية و اللسانيات ، بين سنكرونية اللغة و نزعتها و دياكرونية الكلام و نزعته و منشأ حوارية باختين ، إذ يقول : " و لا بد قبل إنهاء هذه المداخلة من تقديم بعض الأمثلة التي تجسد الحوارية في الخطاب. و قد كنت أنوي الاشتغال على بعض النصوص الروائية الطويلة مثل روايات الطاهر وطار " الحوات و القصر" و " الزلزال " الخ .. وتحليل التعدد الصوتي واللغوي فيها و تسخير الكاتب أحيانا كثيرة لغة الآخرين لخدمة نوياه الخاصة. لكن ضيق المقام جعلني أكتفي ببعض النصوص القصيرة مثل هذا النص المأخوذ من رواية ريح الجنوب لابن هدوقة "[27] ، فهو وجد في الأخير، لا شك أنه بحث أخيرا ليجد ما يطابق المنهج الذي لا مانع من أن يختم به الإحدى عشر صفحة من الشروحات النظرية . أليس الأحرى على الناقد قراءة الرواية أولا ثم تحديد المنهج و ليس العكس؟[28] ثم أن الطلبة و الباحثين يكونون في أمس الحاجة في حال النظريات المستعصية كنظرية تعدد الأصوات إلى التطبيق لا إلى إعادة الدروس النظرية، فإذا كان الباحثون يخلطون بين نظرية تعدد الأصوات ( كمجال بحث يخص محتوى بنيوية السرد ـ السوسيولوجي ـ أو البنيوية التكوينية وتموقعها الوسط بين الداخل النصي والخارج النصي) وبين التشكيلات الأسلوبية أو تعدد الأساليب ( التي تنهض بها الشخصية الحكائية التي تبقى دراسة محايثة لا علاقة لها بما يقع خارج النص) فما بالك بالطلبة.

   ولعلّ السؤال المحيّر هو لماذا لا يضبط أساتذة قسم اللغة العربية جامعة الجزائر 2 أنفسهم؟ ما داموا يتحججون بضيق الوقت ؛ قسم يعهد له التدريس فقط ، و قسم الإشراف فقط ، و المسيِّر لا يكلف بغير التسيير حتى تتفرغ كل فئة للكتابة. تقسيم العمل من شأنه الحفاظ على الروح العلمية للأستاذ الباحث و الناقد الأكاديمي على السواء إلى أن سارت و على نحو مقلق بين نقادنا الأكاديميين المخضرمين الذين يُطمع في زادهم عادة نقدية سيّئة أن صح التعبير، هي قراءة القراءات النقدية ، حجتهم ضيق الوقت و الانشغال لكن الحقيقة هو أنه ضعف و استكانة لتجنب عناء المشقة ما يجعل الجيل الجديد طلبة كانوا أو أساتذة يحذون حذوهم ، حيث ألفينا جابر عصفور و زمرته في مصر الأدب و الثقافة يقرؤون التراث البلاغي و النقدي العربي ، و زمرة نصر أبو زيد يقرؤون التراث الديني بينما يكتفي باحثونا الجزائريون بقراءة تلك القراءات! كما أن هناك ما يقال حول النزاهة و الروح العلمية في الإشراف على مذكرات التخرج عندنا ، غير أنّ أسوأها على الإطلاق هي تلك التي تجمع بين مشرفة تتسلح كذلك بأنوثتها ، نعم بأنوثتها في موقع لا يجوز فيه التسلح بغير سلاح الإلمام بالمادة المعرفية ، أمام طالب باحث همُه طموح البحث وفق مقتضيات الروح العلمية ، أي وفق المناقشة و المجادلة لا غير ، لكن يحدث و أن تُعرّي تلك المناقشات و الجِدالات الموضوعية بغير قصد مستوى المشرفة المعرفي و نزاهتها فتتهمه بعدم للباقة و الأدب! وهذه قمة تعاسة الروح العلمية "* 

ــ رابعا : فقر نوعي في تخصصي الدراسات التراثية و الدراسات / القراءات النقدية في صفوف الأكاديميين الجزائريين للأعمال الأدبية في جانبها الأسلوبي و اللغوي أي البياني البلاغي  و ليس اللساني البنيوي ، فهُم على كثرتهم ، المجلاّت الأكاديمية المحكمة التي لا يتعدى عدد طبعاتها عدد معاهد أقسام اللغة العربية في ربوع الوطن مضروبة في العدد خمسة أي تطبع و توصل إلى الأستاذين الذين يدرسان التخصص زائد الثلاث طلبة المعنيين بالبحث في التخصص على أكثر تقدير أو ربما لا تطبع أصلا (تبقى طبعة إلكترونية) . أجل إنه بعد ستين سنة استقلال لم تقدر على ملء المساحة الشاغرة بأكاديمييها فاستعانت و لجأت إلى النقاد و البحاثين العرب ، كما فعلت المنظومة التربية و الجامعية خلال سنوات الأولى للاستقلال ، قد تصل نسبتهم إلى ثلاثين بالمئة أو أكثر حسب الحاجة لبعض الدراسات بخاصة في القضايا و الموضوعات اللغوية و الأدبية المستعصية ، طبعا حجتهم التفاعل العربي العربي و تبادل الخبرات و القضايا و الرؤى النقدية المستجدة . وفي بحوث العدد 29 ما يثبت قولنا.

 

ــ عناوين بحوث العــدد 29 من مـجـلة اللغـة و الأدب/ جامـعة الجـزائـر2

 

ـ إشكالية تعليم النحو ، وريدة أغادير

ـ تطور النظرية اللغوية من سوسير إلى جاكبسون ، عماد غنوم

ـ أغلاط وارثي العربية من متعلميها في بريطانيا بين ازدواجية اللسان و ثنائية اللغة، منتصر فايز الحمد

ـ المقاربة النصية في الكتاب المدرسي ، رشيدة آيت عبد السلام

ـ مفاهيم لسانية عند الشيخ محمد لحضر حسين الجزائري ــ قراءة استكشافية لنحوه ، سعاد معمر شاوش

ـ التزمين الخطابي في لهجات منطقة عسير ــ دراسة صوتية ، فهد بن سعيد آل المثيب القحطاني

ـ المصطلح النقدي وإشكالية التفاعل مع النظرية الوافدة ، نسيبة العرفي

ـ شعرية الانزياح في النص الصوفي ، خناتة أم هاشم

ـ الصفة السردية في القصص القرآني ــ قصة نبي الله موسى أنموذجا ــ دراسة تحليلية ، إسماعيل إبراهيم فاضل و هيثم أحمد حسين

ـ المرأة و درة الغواص و البحر في الشعر العربي القديم ، عمر برداوي

ـ آراء العقاد النقدية في الشعر، حورية عروي

ـ رهان السرد وإنتاج الدلالة في رواية " كولونيل زبربر" ، عبد القادر فيدوح

ـ "ألف ليلة وليلة" في روايات وسيني لعرج ، زهيرة بولفوس

ـ الرواية بين خطاب الفلسفة و تشكيل المتخيل ــ قراءة لتحولات الشخصية في رواية " عندما بكى نيتشة " ، سليمة عذراوي

ـ بلاغة الأنساق و الانسجام في قصص سعيد بوطاجين ، ليلى مزواغ

ـ بشرية الآلهة الأسطورة ، حورية بوشريخة

ـ جماليات الشعر النسوي الجزائري ــ البوقالة أنموذحا ، نعيمة العقيرب

ـ استراتيجيتا الحذف و الإضافة بين صعوبة الترجمة و ذاتية المترجم وأيديولوجيته ، مريم بن لقدر

ـ أبرز المحطات التاريخية والأدبية في نشأة الأدب الإفريقي الحديث ، مونة عبد الله بن شريف[29]

 

من هؤلاء الباحثين العرب المساهمين في العدد بنحو الثلاثين بالمئة نجد :

الباحث عماد غنوم وهو من لبنان/طرابلس

و الباحث منتصر فايز الحمد من قطر و مقاله طويل : 46 صفحة أخذ خمس العدد.

و الباحث فهد بن سعيد المثيب آل القحطاني من السعودية.

و الباحثان إسماعيل إبراهيم فاضل و هيثم أحمد حسين من العراق.

 

 2.2 ــ نقد النقد من الجانـب الأيديولـوجي

 

    يقول عبد القادر بوزيدة في مقاله " فلسفة اللغة و المبدأ الحواري عند باختين " بالعدد 15 من مجلة اللغة و الأدب: " و لابد قبل إنهاء هذه المداخلة من تقديم بعض الأمثلة التي تجسد الحوارية في الخطاب. وقد كنت أنوي الاشتغال على بعض النصوص الروائية الطويلة مثل روايات الطاهر وطار الحوات و القصر و الزلزال الخ.. و تحليل التعدد الصوتي و اللغوي فيها و تسخير الكاتب أحيانا كثيرة لغة الآخرين لخدمة نوياه الخاصة. لكن ضيق المقام جعلني اكتفي ببعض النصوص القصيرة مثل هذا النص المأخوذ من رواية ريح الجنوب لبن هدوﭭـة "[30]  وهو يقصد هنا إعطاء رؤية عن الحوارية في الخطاب، التطبيق الذي اشتغل عليه وهو مقالات نقدية نشرت لمدير الخبر الأسبوعي آنذاك (2001)    الأستاذ عبد العزيز بوباكير زاعما أن بها ملامح من نظرية التعدد اللغوي أو بالأحرى تعدد الأصوات السردية ، و هي الركيزة الأساسية في تحقق الحوارية ؛ حيث الشخصية تتحدث حسب انتمائها الاجتماعي و مستواها الثقافي ، من دون تحيز، مستقلة عن صوت الراوي و الكاتب ، و تبنّى بوباكير هذه النظرية لنقد قصيدة للشاعر أبو جرة سلطاني ثم الرد على نقده بنفسه حسب قول عبد القادر بوزيدة. لكن كيف يسخّر الكاتب بوباكير لغة الآخرين لخدمة نواياه الخاصة مع خصمه السياسي؟ و هو يفتقر إلى المعرفة العميقة بالتخصص، نستشف من هذا الكلام إيديولوجية دكتاتورية للناقد تشبه أيديولوجية القذافي، المستعيرة لخطاب الآخرين حوله ورده عليهم ( بأنهم ديكتاتوريون وأن شعبهم سيثور عليهم ) ، بل بالعكس فالحوارية تُضفي مساحة للرأي و تقلّص من إيديولوجية الفكر الواحد التي تضطلع به المنولوجية/ سرد السيرة الذاتية إلى أبعد الحدود  ، ماعدا في حالة تقمّص الكاتب لأحد شخصياته ضمن تلك الحوارية حسب جيرار جينيت[31]، و تحسب حينئذ هذه التقنية للكاتب شطارة و حذق فني.

     أما عبد الحميد ابن هدوقة رحمه الله فكان روائي اشتراكي نقدي ، منتقد للسلطة وهذا ما تجلى في روايتي « الجازية و الدراويش » و « غدا يوم جديد » حين يجعل الدراويش / الإسلاميين و السلطة / الشرطي في خانة واحدة ، و منتقدا بالضرورة من يتخندق في فلكهما من المثقفين كالطاهر وطار في تلك السنوات من الثمانينيات على الأقل ، و كان الأخير يتملّقهما كليهما بأيديولوجية الأدب الملتزم كعادته ــ أحادية الصوت السردي في رواياته ــ ويلتقي بهم عبر متخيله السردي أي عبر شخصية برهما و شخصية الطالبة الجامعية جميلة في رواية « العشق والموت في الزمن الحراشي » ؛ حيث يتفق برهما مع جميلة على الدفاع عن "مكتسبات الثورة" و منها الثورة الزراعية ضد البورجوازية الصاعدة ، فنال وطار رضى السلطة على إثرها وعيّن مديرا للإذاعة الوطنية ، أما ابن هدوقة فهو من المثقفين القلائل الذين حاولوا الوقوف على الجرح قبل فوات الأوان للأسف همشوا ، و لعل الناقد بوزيدة لم يدور في خلده ما جرّته أيديولوجية الإقصاء من آلام على البلاد و العباد لأنه ينتمي لمؤسسة واجبها الطاعة ، " هناك محاولات من الفلاسفة و المفكرين و من فئات اجتماعية وحركات دينية عبر التاريخ كانت تطفو على السطح ، لكنها دائما ، إما أن يقضى عليها أو تهمش. وفي كل مرة كان ينجح نسق الطاعة في فرض اجتهاداته "[32]

 و يرغب الناقد و الأستاذ الأكاديمي عبد القادر بوزيدة تحليل روايتا « الحوات و القصر » و « الزلزال » بمنهج لابد أن يأتي على المقاس ، على قصر رواية ريح الجنوب لم تظفر منه بغير فقرة واحدة للتحليل ، كيف له إذن أن يتناول روايتين طويلتين ، لعلّه سيكتفي آنئذ بسطرين فقط منهما ، ثم أن الحوارية ليست التحدث بلغة الآخرين بضمير (أنا) فقط بل كذلك بضمير (أنت) و ضمير(هو) فلماذا لم تبحث لنا لهم عن أمثلة؟

   في نهاية مقاله " فلسفة اللغة و المبدأ الحواري عند باختين " يورد بوزيدة تعقيبا أو  نقد النقد ، في إطار تطبيق نظرية حوارية اللغة موضوع بحثه النظري على أحد النقاد الصحفيين* كان حريّ به التعقيب عليه في جريدته التي نشر فيها مقاله و جريدة كل من جزائري حامل لبطاقة هوية خضراء ، شأنه شأن النقاد الأكاديميون في المشرق العربي و مصر الذين ذكرناهم أعلاه ، لكنه أولا يتعالى من موقع أستاذ أكاديمي عريق فيتقوقع معقبا عليه في مجلة "اللغة و الأدب" مجلّة نخبة النخبة مساهما في انحصارية الفعل النقدي الأدبي بشكل عام ، و ثانيا متحاشيا حتى ذكر اسمه مخافة التعقيب أو ردة الفعل ، و خلاصة التعقيب أن عبد القادر بوزيدة يقف موقف نقدي أيديولوجي نفعي مع الإعلامي عبد العزيز بوباكير مدير الخبر الأسبوعي آنذاك / في بداية الألفية الثالثة ــ الذي دخل مؤخرا مجال كتابة التاريخ « مذكرات الشاذلي بن جديد » ففشل مثيرا ضجة بشهادة المختصين ــ ضد الشاعر أبو جرة سلطاني من التيّار الإسلامي المعتدل قائلا : " في الآونة الأخيرة نشرت إحدى الصحف الجزائرية مقالا يردّ فيه صاحبه[33] على مقال كتبه رئيس تحرير جريدة الخبر الأسبوعي ، الأستاذ عبد العزيز بوباكير يقول صاحب المقال : " يبدو أن القصيدة الديوان أو الديوان القصيدة الذي نزل السوق خلال شهر مارس المنصرم تحت عنوان : < سيف الحجاج بين نار الدمار ورياح الوئام > لصاحبه الوزير الشاعر أبو جرة سلطاني بدأ يملأ الدنيا ويشغل الناس.

    و لا أدل على ذلك من الحملة المسعورة التي شنّها ويشنّها عليه الشويعريون و النويثريون ، شأنه شأن أبو الطيب المتنبي الذي كثر حساده و مناوئيه من الشعراء و الأدعياء حين قال فيهم : أفي كل يوم تحت ضبني شويعر     ضعيف يقاويني قصير يطاول ، و هو موقف ينطبق على شاعرنا أبو جرة سلطاني. و من آخر مناوئيه النويثر عبد العزيز بوباكير صاحب مقال " الوزير الشاعر و النمونكلاتورا " (..) الذي شنّ حملة أحسن فيها إليه من حيث أراد الإساءة (..) وذهب الحقد بهذا المناوئ إلى حد الزعم أن أبو جرة سلطاني انتهى كشاعر لانصراف شيطان شعره عنه بعد أن بالغ في مدح سياسة الوئامين .. المدني و الوطني (..) و لجهله بمدلول المصطلحات ، مدح السيد الوزير من حيث أراد ذمّه لم يتردد أن زعم أن " الشاعر الوزير امتنع عليه قول الشعر ونضب فيه معين الأخيلة وجفّت عنه القريحة وخانه الكشف الذاتي حين عاد إلى نثر الحياة ففقدت لهجته وهجها و حرارتها " وإني أسألك يا صاحب المقال متى كان ذلك؟ هل بعد العودة إلى نثر الحياة أم قبلها؟ وقد أجبت بقولك : " إن الوزير الشاعر حين عاد لنثر الحياة فقدت لغته وهجها وحرارتها " فأنت بذلك تقر بأن لغته الشعرية ذات وهج وحرارة..! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تنفي عته الشاعرية وأدواتها! اللهم إلا إذا كنت متحاملا مكابرا! "[34] والأستاذ بوزيدة هنا فهم نثر الحياة على أنه الشعر بينما المقصود به هنا اللهجة الجزائرية.

     حسب اعتقادي الجازم المدعم بالبراهين أن هذا الكلام هو لناقد صحفي محترف وليس كلام عبد العزيز بوباكير ، أما الرّد فلا يأتيه من قبل الشخص المنقود بوباكير، و لكن يأتيه من صديق بوباكير و ابن حومته و ابن حزبه و ابن اتجاهه الأيديولوجي ، وهو الأستاذ الجامعي المختص في الأدب المقارن و الأنثربولوجيا الثقافية عبد القادر بوزيدة ، و ليس في جريدة الخبر اليومي بل في مجلة اللغة و الأدب التي لا يتعدى نشرها أصوار الجامعة قائلا : " كلام من هذا؟ إن هذا الكلام موضوع كله على لسان الشخصية التي توجه بأسلوب جدالي نقدها إلى الأستاذ عبد العزيز بوباكير، عدا بعض الاستشهادات التي ضمنها الناقد مقالته/ وهو ما يُدخل بعدُ التعدد اللغوي بشكل ظاهر. هذا المقال ينافح فيه صاحبه عن الوزير الشاعر، ويبلغ في ذلك حد المبالغة أحيانا. كما يوجه سهام النقد إلى مناوئيه فيسميهم " الشويعريون " و" النويثريون " و " الحساد " و " الأدعياء " ؛ و يطلق على الأستاذ بوباكير لقب " النويثر" و " الحاقد المتحامل المكابر" و " الجاهل بمدلول المصطلحات " الذي مدح الوزير من حيث أراد ذمّه.

     ولو نظرنا إلى هذا المقال (يواصل كلامه) في ضوء العلامات النحوية لفهمناه على هذا النحو لكن هذا المقال هو في حقيقة الأمر مقال كتبه الأستاذ عبد العزيز بوباكير، انتحل فيه شخصية أخرى و اقتبس منها لغتها ليشحنها ، جداليا ، من خلال اعتماد الصيغ المبالغ فيها ، بمدلول هو النقيض للمدلول الظاهري لتلك اللغة وليعبر بها عن قصيدته الخاصة. هذه القصيدة ليست لها في المقال لغتها الخاصة ، إنها تستعير لغة الآخر وتتجادل معها من خلال المحاكاة الساخرة ، فتتداخل اللغتان والصوتان في لغة واحدة تعني الشيء ونقيضه ، وتعبر من خلال العلامة الواحدة المتصارع حولها عن موقفين اجتماعيين إيديولوجيتين مختلفتين ، لكن صاحب المقال الحقيقي، خوفا من التورط في وحل اللغة الوثوقية ذات الصوت الواحد يضع ، مثل رابليه ، رغم أنه كتب مقالا وليس رواية، يضع مسافة بينه وبين اللغة فيعبّر، بلغة الآخرين عن قصيدته الخاصة. ونحن لا يمكن لنا أن نكتشف تلك القصيدة الخاصة دون النظر إلى النص في إطار السياق الخاص الذي جاء فيه ؛ ولو فعلنا غير ذلك واعتمدنا الدراسة النحوية المحايثة وحدها لأوّلنا المقال كما يبدو في ظاهره على أنه موجه لنقد طروحات الأستاذ عبد العزيز بوباكير و قد تحول إلى حُطيئة معاصر يهجو نفسه"[35] 

        أما أنا فأصر على أن المقال هو من تأليف صحفي ناقد متمرس ، ينقد لأجل النقد و جماليته لوحدهما ، و الذي لم يشأ الناقد بوزيدة ذكر اسمه لأنه جرح كبرياء صديقه ، فيُعمل معاول النقد الإيديولوجي المتمذهب انتصارا لصديقه بالدليل العلمي أي نظرية فلسفة اللغة  ـــ عدم الذكر هذا وحده خطأ منهجي في مجال النقد أكاديميا كان أو صحفيا من المفروض من لا يأتي بالاسم المنقود لا يُنشر عمله النقدي ـــ و يطلق هذا الصحفي الناقد على الأستاذ ع . بوباكير لقب النويثر" و" الحاقد المتحامل المكابر" و" الجاهل بمدلول المصطلحات الذي مدح الوزير من حيث أراد ذمه (..)  و هذا صحيح مثل ما ذكرنا اللغة و الإبداع التي تطلع من لدن الإسلامي هي أرقى مستوى من التي تطلع من عند العلماني عندنا بالجزائر ، و شرحناه أعلاه منتهجين بالمنهج التاريخي وهذا ما يؤكده الواقع حيث الشخصية الحضرية العلمانية في المدن الكبرى لا تكتسب العربية كما يكتسبها المحافظ في سياق الكُتّاب و اللسان الصافي القريب من لغة القرآن الكريم ما أمكن ، و الخالي من الشوائب  المتمثلة في المفردات الفرنسية و اللهجات المختلفة من منطقة لأخرى المشبعة بالألفاظ التركية و الأمازيغية.

     أما عبد القدر بوزيدة فإنه يصر على أن المقال هو لبوباكير، يرد فيها على نقد سابق يُدخِل فيه المنافس ككبش فداء ، وهم الإسلاميين إجمالا الذين يهابونهم كثيرا علمانيو الجزائر لبلاغتهم و فصاحتهم ، و كأنه عندما يمسح الأرض بالإسلامي انتقادا فأنه بالضرورة يرفع بنفسه و معشر العلمانيين المتعاضدين بينهم ( بوزيدة مع بوباكير) و شعرهم إلى عنان السماء بالتقابل جدليا ؛ أما التقابل في حد ذاته بين بوباكير و سلطاني يضعنا ندرك السجال الأيديولوجي و المذهبي من الطبيعة الثقافية للمجتمع ، و بوزيدة كأنه ينافح عن ذاته ضد أبو جرة سلطاني كون وجه الشبه بينه و بين بوباكير أكثر من جلي ، من منطلق كما ذكرنا سابقا أن العلماني و الشيوعي أو الماركسي عندنا بالجزائر خاصة المتحضّر دون الريفي ، يصعد للسماء يهبط يبقى متواضع اتجاه ملكة اللغة العربية ، أو عاجز على حد تعبير عميد الأدب العربي أمام الإسلامي في صورة سلطاني  ، فنظرية استنساخ اللغة في مرحلة الطفولة المبكرة على صفحة بيضاء بالجاهزية الغريزية وهو ما يعرفه العامة كذلك في عبرة " اللغة في الصغر كالنقش على الحجر ".

    والتفسير العلمي لهذه النظرية تشومسكية تؤكد عودة  مزيتها على صاحبها/المتكلم أكثر من لسان الجماعة ، هي التي تؤكد طرح قصور من تلقوا اللغة الفرنسية بدل العربية في بدايات حياتهم  ولظروف ما قد تكون تاريخية أو بيئية أو هما معا، فمعرفة الأسماء و الأفعال و الصفات هو ما يعرف بالكنز اللغوي ثم التمييز بينها عن طريق التوليد العشوائي للجمل غير مقصور على مستوى دون آخر حتى الأستاذ التعليم العالي واقع في أحبولتها، لأنها ترجع كلها إلى النظم الأساسية أو مجموعة العناصر اللغوية التي يستخدمها هذا الأستاذ عندما كان طفلا والأساتذة الذين درّسوا في جامعة الجزائر 2 منذ الاستقلال كمرتاض وعمر بن قينة و أبو العيد دودو[36] و بوزيدة و خولة الإبراهيمي ومصطفى حركات انطبقت عليهم هذه الظروف. فجهاز اكتساب اللغة كما يسميه تشومسكي يعمل في فترة الطفولة المبكرة و إن فاتت هذه المرحلة يصعب على الإنسان تنمية قدراته اللغوية، وقد شوشت الفرنسية لمّا تطبعوا عليها والسياق الفرانكو ـ أمازيغي على تلقيهم للعربية تلقيا طبيعيا، ولا يُلحظ ذلك في لا مطواعية لسانهم للعربية فحسب بل كذلكم لترهل مستوى ترجماتهم من الفرنسية إلى العربية وفي نشاطهم الأدائي والتحريري لوسائل الإعلام بالعربية الفصحى، " يعتقد تشومسكي أن نمو اللغة حالة مبدئية من النضج ، و أن العامل البيئي الوحيد الضروري للطفل كي يتعلم اللغة هو أن يتعرض لبعض اللغة و بعبارة أخرى المعرفة بقواعد اللغة  ، أي قواعد كيفية تجميع الكلمات في جمل وعبارات ذات معنى (..) "[37]

     ناهيك أن هذا الإسلامي الذي يناوئه بوزيدة ترعرع أول ما ترعرع في سياق العربية التامة الصفاء بضواحي تبسة ، و ليس الفرنسية أو اللهجة العاصمية الكثيرة الحشو بالألفاظ الأجنبية التي ترعرع عليها بوباكير ، كما أن سلطاني ليس أي إسلامي فهو إسلامي أكاديمي بل و ناقد مثل بوزيدة و شاعر مشهود له بالشاعرية ، وفي الحقيقية ما يُغيّب هذه الحقائق النقدية كلها هو  الدفاع عن الاطار الأكاديمي للنقد الأدبي بكل السبل حتى وان كانت غير عقلية ما يجر إلى التعصب وانتكاس الروح العلمية، حري بالناقد الأكاديمي الفكاك من أسر النفعية و حري به أيضا أولا و قبل كل شيء التزام الحيادية اللّهم في ظروف غير اعتيادية تتعلق بالمساس بالمقدسات الثلاث للهوية و رموزها ، من شأن  الروح العلمية الرُّقي بالبحث العلمي و بالثقافة معا و عندما لا يستجيب  ـ يعترف ـ الناقد بأفضلية الآخر المفارق نتيجة أيديولوجيته أو مذهبه ماذا تنتظر من الساحة الثقافية سوى أن تكدس نويثريون و شويعريون و نويقديون ، بل و استقطابا يُبقي حال اللغة العربية الغير مطمئن على ما هو عليه.

    فلو أن نظرية التعدد اللغوي التي ساقها عبد القادر بوزيدة دفاعا عن شريكه في المذهب الأيديولوجي / التوجه العلماني و السياق / الإقامة بالعاصمة ، صادقة ، كيف يهجو عبد العزيز بوباكير نفسه و يبهدلها ، يرد على نفسه بنفسه بتعابير مهينة يسمّيها بوزيدة " لغة الآخر" و هو مدير مؤسسة الخبر الأسبوعي التي هيبتها من هيبة الوطن ، لو كان مجرد صحفي لاستسغنا الموقف ، خلاصة القول أن عبد العزيز بوباكير لم ينوي هذا التأويل أصلا لأن مستواه و مؤهله التكويني لا يسمح له الرّد مستعملا هذا التأويل ، أي أسلوب تقمص لغة شخصية أخرى في نفسه لمناقضة شعره جدليا بأنه أجود من شعر الوزير سلطاني : أي بنفي الشعر المقابل له يُثبت شعره ، ثم أن أبو جرة سلطاني ليس نائما على أذانه كما يقال ؛ لم يكن ليسكت لو كانت فقط قضية جدل نقدي آثارها بوباكير ؛ لأن الأمر يتعلق بالسخرية المجانية من شخصية وزير، كان سيثير نقاده وهم كثر، فحقيقة الصحفي المجهول الذي بزّ و بهدل بل مرمد كاتبا سبقه إلى الميدان و هو مدير الخبر الأسبوعي ثابتة و لا غبار عليها ، و حقيقة عبد العزيز بوباكير هو أنه هاجم سلطاني منتقدا و لم يكن مسلحا كفاية فأتاه اليقين من صحفي غيور؛ مدرك للغث من السمين شعرا ونثرا لأنه يعمل في وسيلة منفتحة على جميع التيارات لا تأتيها إملاءات السلطة كما في حالة المؤسسات الجامعية ، بل أنّ " لغة التعدد اللغوي على لسان بوباكير" فَبْركة من تأويل الأستاذ بوزيدة تعاضدا وتكاتفا نفعيا مع ابن مدينته ، بعدما أهانه مجرد صحفي بسيط لكنه ناقد.

     يستطيع الباحث قراءة مقال لأنه قصير لنقده ــ و ليس "لانتقاده" التي ألح عليها بوزيدة كثيرا في مقاله و شتّان بين مصطلح " النقد" الذي نأمله جميعا و نبتغيه ومصطلح "الانتقاد" الهدام المفتش بنوايا أيديولوجية مذهبية في جبل من الإيجابيات عن النذر اليسير من السلبيات ــ أي ليبحث بعد القراءة عن المنهج النقدي الذي يلائم المقال ، بينما في حالة الروايات و النصوص الطويلة الحادث عندنا هو العكس ؛ دراسة المنهج النقدي دراسة معمقة وافية ثم البحث له من الروايات ما تلاءمه ؛ بحط مستواها (الروايات) إن كانت معارضة لأيديولوجية الناقد كما مر معنا ، ورفع مستواها إن كانت تقع في ساحة التمذهبية للناقد ، أي يرتكز النقد ها هنا على مذهب الناقد و أيديولوجيته على حساب ذوقه الجمالي للأثر، لهذا يوصف الخطاب النقدي الأكاديمي و النقدي الصحفي (في بعض مراحله) بأنه خطاب درامي أو ذلك النقد الذي غرباله مثقوب ، لأنه متقوقع في سياق ضيق كسياق الصراعات الدرامية في النصوص الأدبية ، أمام تنوع المناهج النقدية المعتمدة من طرف النقاد و الباحثين من كل الاتجاهات .

خاتـمة (نتائج وتوصيات)

     إن الحسم في مسألة اختيار المنهج المناسب لنقد أي أثر إبداعي يقتضي العودة إلى ما يشتمل عليه هذا الأثر من خطاب ، و ذلك لضبط أهم مرتكزاته ، وهذه العودة من شأنها أن تساعد الناقد على تحديد دعائم المنهج النقدي الملائم ، الذي بإمكانه أن يفي بممارسة نقدية علمية ، مستوحاة أصلا من طبيعة العمل الأدبي المنقود. و العملية العكسية الانتقائية غير مرحب بها و هي سبب ضعفنا النقدي بالمقارنة مع مدارس النقد العربي في المشرق، أقصد هنا البدء بالبحث للمنهج عن نصوص مناسبة. وذلك ما يجعل الناقد متحيز ومتعجل القراءة.

       إن إشكالية افتقاد خفة التحرير الأدبي لجريدة أو مجلة  أو إذاعة قصد المساهمة الثقافية من أكاديميو اللغة العربية وآدابها ترجع أصولها إلى علاقة الجزائري المضطربة تاريخيا مع اللغة العربية، حيث الظاهرة تعم وتتغول كما يقول الإعلاميون لتشمل حتى النقاد الأكاديميين، لأنهم يعيشون مع غيرهم في المجتمع اللهجي ذي الهجنة اللغوية ولسانهم من لسان مجتمعهم وليس من لسان الخطاب (كما رأينا مع الأستاذ حركات مصطفى) فأي خطاب كان هو بمثابة الجدول في بحر اللغة الاجتماعية التي تجب كل ما عليها وتظهره بلونها.

   لعلّ من بين الحلول الأخرى التي يقدمها هذا البحث في مجال النقد الأكاديمي كذلك ، هو لابد من أن تفتح الجامعة الجزائرية الباب أمام الجامعات الخاصة / المستقلة كما فتحته وزارة التربية الوطنية . حينها يستطيع الناقد الأكاديمي أن يعمل عمله بضميره و بصدق في ظروف مساعدة ؛ لا يخشى من أن يجد نفسه معزولا من وظيفته التي درس لأجلها عمره كله ، لأنه نقد بمسئولية و أمانة علمية سواء بمجلته المحكمة أو في المجلات و اليوميات السيارة التي تتجاوز في ظل هذا الواقع مستوى المجلات المحكمة لغة و أحيانا منهجيةً علمية حينها وفقط حينها يظهر هذا النقد على حقيقته و هو أنه نقد مسيس و أيديولوجي مفتقد للنزاهة العلمية تحت حجج و ذرائع واهية منها ضرورة موافقة شروط إعداد البحوث الشكلية كالخط ( قريبا في ظل ها الواقع البائس سيفرضون على طلبتهم الكتابة باللون الزمردي ) و هذه الذرائع تساق لرفض بحوث التي تتسم بالموضوعية و الروح العلمية.   

     أما بخصوص الإشراف على مذكرات التخرج ، لماذا تجاوز النقد ما بعد الحداثي النقد الحداثي الذي بدوره تجاوز النقد الكلاسيكي ، إذا لم يكن لإضفاء مزيد من الصرامة و الدقة البحثية ، و سحب البساط أمام الانطباعات و التأويلات الشخصية ، اعتقد أن الأمر سيان بالنسبة للمنهج المتبع في الإشراف على مذكرات التخرج في معقل هو معقل المنهج ، حان الوقت لسحب البساط من تحت أقدام الفساد في مجال الإشراف ، بإلغاء إشراف اللجنة ثم العرض أمام الملأ في شكل مناقشة تعطي الانطباع أن كل شيء جرى على ما يرام و استبداله بمجلس علمي مكوّن مثلا من خمسين 50 أستاذ مشرف عام ؛ يقسمون إلى خمسة مجموعات ، كل مجموعة مكونة من عشرة 10 أساتذة قدماء و جدد بالتساوي من جميع التخصصات و كل مجلس يتداول مهمته بالتناوب ــ كل مجلس مكون من 10 أساتذة يعمل شهرين في السنة ــ يتكلف بدراسة مذكرة زيد أو عمر بدون حتى معرفة شخصية صاحبها : في حضور شخص يقال له مرافق البحث العلمي و هو إداري يكلف بمرافقة الباحثين و الطلبة حيث يحضُر مناقشات المجلس دائما و يدون ملاحظاته عن كل طالب على حدى ثم يمد الطلبة بها خاصة في حالة الرسوب ، تخضع المذكرة لدراسة جماعية من لدن المجلس تقيمها و تمنح لصاحبها العلامة المستحقة. مجلس يقنن المناقشة ويوجِد لها ضوابط وقواعد تحد من السطو على أعمال الغير وانحياز الأساتذة.

         التنافس بين الأقلام الأكاديمية والأقلام الصحفية في مجال النقد الأدبي والظواهر الملازمة له معيار حقيقي للرفع من مستوى النقد في القطر الواحد، ولما تكون الغلبة للنقد الأكاديمي كما تبين لنا من خلال النموذج المصري فإنه الدليل على صحة البلد ثقافيا وأدبيا، إذن الجواب لجدلية من يغذي أو يزود الطرف الآخر بالنقاد أهو النقد الأكاديمي أم النقد الصحفي؟  فعندنا بالجزائر عكس ما هو جاري في مصر النقاد الصحفيون الجزائريون هم من يلتحقون بالماستر أو الماجستير فيكونون خير زاد للنقد الأكاديمي، بينما الحاصل في مصر هو العكس، وهذا كله دليل كاف على الخلل في منظومة البلد الثقافية وعلى ضعف النقد الأدبي الأكاديمي، بل زيفه لما طال عليه الركون في ضعفه و بأساليب عصبية، فالمجتمعات المتماسكة ثقافيا أقول ثقافيا فقط، تنزاح منظومتها الثقافية دائما لصالح ما هو أكثر رسمية أي إلى التعليم والأكاديمية وبعدها مديريات الثقافة ومؤسسات الإعلام، لذلك شهدنا في عصر النهضة العربية كيف أن المتخرج بشهادة ابتدائية يلج المؤسسات الإعلامية السيارة فيرفع من مستواها ويناقش النقد الأكاديمي فيرتفع مستواه به، كما حدث مع العقاد في معركه النقدية مع طه حسين عبر المجلات الثقافية والأدبية الحرة ثم احتدامها بالنخبة الأكاديمية؛ مع أحمد أمين وزكي مبارك وأحمد زكي  ثم جابر عصفور و زكي نجيب محفوظ هذا لأخير أورث أول ما أورث "أدب المقالة" لمعشر النقاد الصحفيين ولم يورثها للنقاد الأكاديميين، وكل هذا الحراك النقدي بين النقد الأكاديمي والنقد الصحفي ساهم في انضاج المجتمع المصري ثقافيا والجاً به معترك الحداثة، وهذا ما لم يحدث على الإطلاق في الجزائر.  

   حان الوقت أكثر من أي وقت مضى ـ تفاديا لتضييع مزيد من الوقت ـ ليس أفضل من استئصال الرداءة من الجدور لبناء أسس متينة جديدة على الأقل إن لم تعطي أدبا ونقدا رفيع فإنها ليست مترفعة عن النقد تقبله مهما كان مؤلما للذات فانه السبيل الأنجع لإحداث قطيعة مع كل ما هو قديم مازال ورثاء "الدودو" و"ركيبي" و"مرتاض" يعيثون به فسادا تحت مسميات عدة مخادعة ومضللة، أولا اللغة العربية لا يمكن علمنتها مثل الفلسفة والاجتماع والعلوم الدقيقة أبدا، ثانيا لابد من شرطين أساسيين يحظى بهما الدارس الناقد؛ علاقة الترعرع و النشأة وذكاء الذائقة، مع إعادة الاعتبار لفضل العرب المشارقة علينا، أساتذتهم ليس فقط علموا أجدادنا العربية وهم مصدر العلم الذي نحن بصدده بمدارسه وتياراته المختلفة في النحو و الشعر والنقد عندما كانت الجزائر غير موجودة أصلا، بل كذلك لم يتخلوا في فترات "العنجهية" التي  أصابتنا من تصويب ما أمكن التصويب، يكون للتلقين المشيخي فائدة تذكر فقط إذا استثمرنا الكفاءات في المجال المتواجدة في بوادينا و صحراءنا شرط النأي عن العصبيات والأيديولوجيات نأي أمريكي ولد بالمنطقة فلم يهمه لما شب سوى أنه فُطر على اللغة والأدب العربي أما أصوله الأوروبية أو الهندية الحقيقية هي حداثته ( الحرية والعقلانية والديمقراطية)  وما ميز تاريخيا أغلبية العرب المشارقة انهم اختاروا المدرسة الأنجلو ـ سكسونية أو النقد الجديد وتمسكوا به فكان أدبهم ونقدهم علمي إنساني في نفس الوقت، ولم يتعلقوا لا باليمين ولا باليسار الذي تعلق به المغاربة وهم يختاروا مدرسة النقد اللاتيني ومدرسة النقد الشعري، وشتان بين هذا وذاك في درجة غموض المعارف وبالاستئناس بدور الأيديولوجيا التي أخذت لها مسميات عدة كالجزأرة و"الوطنية" و بينما في حقيقتها ما هي إلا غرق في حمأة الغموض و التيهان عن الثقافة الأصيلة أو على الأقل الثقافة الشبيهة .                            

     كان بإمكان كاتب هذه العجالة أن يسير على ما سار عليه بوزيدة ؛ ينتفع هو الآخر و يمدح المضمون و يهمل الشّكل كونه ليس صديقا للإسلامين ، و مُقدم ربما على مناقشة أطروحة دكتوراه في عرين هؤلاء النقاد الأكاديميون العلمانيون و الماركسيون ، لكن مجال التخصص الذي اسمه اللغة العربية و آدابها و ليس علم الاجتماع، وكل ذلك إنما يمنعه من التحيز للرديء على حساب الجيد ، أو قل ببساطة و إيجاز تمنعه الروح العلمية. وتكاد تكون هنا عدم الموضوعية رديفة النقص المعرفي بل هي احدى سمات ذلك الاغتراب المستديم بين الأستاذ والتخصص. حيث أهمية الشكل أهمية جوهرية شرط أن تتصل بحد أدنى وعلى الأقل من الذوق، والذوق هو الضامن لعدم انحراف النقد الأدبي عن جوهر الأدب وهو جمالية المعنى، كما أن خطر علمنته متأتية ومتعدية من علمنة الأخلاق الأصيلة الغريزية في الإنسان تجعله لا يألو جهدا في سبيل تحقيق مآربه تطفلا وتحقيق هواجس، والاسترزاق مفطّر في الأنفس البشرية وعلى الأجيال يدور مطلوب لها كطلب اللب للقشور.

 


*ـ باحث جزائري متخصص في النقد الثقافي والنقد الأسلوبي.

[1] ـ  إنه من المفروض أن يكون تاريخ منجز نقد النقد يميل كما وكيفا لصالح نقد المشرق العربي تبعا لضخامة المنجز الأدبي والنقدي هناك مقارنة له بالمغرب العربي لكننا ألفينا العكس هو الحاصل: لقد اطلع بنقد النقد التلاميذ حينما  استنكفه الأساتذة الأكثر تأهيلا إلا ما وُجه لذات البين فكان ذو مستوى كيفي لا كمي، فهم وإن طالهم نقد النقد "المغاربي" الكمي لا الكيفي لم يردوا عليه لأنهم يعرفون أنه نوع من الغيرة التي قد تصل حد الغرور والحسد مع حميد لحمداني و محمد الدغمومي ومحمد القاضي وغيرهم ملتمسين أحكام القيمة التي ينهون عليها! فمحمد القاضي عوض أن يفعل مثل فعل الناقد عبد الله إبراهيم من نشاط و تبلور عبقرية راح يحسده متوسلا بنقد النقد (في إحدى الندوات النقدية المقامة في السعودية) ــ وقد نبه الناقد السعودي حسن الهويمل ثلة المغاربة الموجودين معه في تلك الندوة إلى الابتعاد عن إصدار الأحكام بدون تثبّت وكأنه كان يعلم أن جميع المغاربة مع التونسي القاضي سيسقُطون في الغرور والحسد، وفعلا جميعهم سقطوا فيما حذر منه الهويمل وكانوا الحلقة الأضعف في تلك الندوة لغة و وجاهة معرفية ــ  فمحمد القاضي قال أن عبد الله إبراهيم وضع يده على عدة معارف ومفاهيم نقدية فاتسمت بحوثه بالسطحية وشبهه بهتلر، والحقيقة أن عبد الله إبراهيم كان مثل الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبعض النقاد أمدهم الله بقدرة خلاقة في فروع عدة من تخصص واحد على منوال أجدادهم العرب، الذين كانوا أطباء وفلكيين ورياضيون وموسيقيين وشعراء و نحويين.. فعبقرية القاضي أبت إلا أن تنحرف عن التطبيق والمثابرة ــ لمَّا لم تقدر ــ إلى إصدار أحكام القيمة بسطحية وسلبية غيرةً وحسدا، ثم ماضرّك أيها الحاسد ــ موجه للمنتسبين الجزائريين بالأخص ـ من طالب علم وُجّه لدراسة الطب بمعدل 14.83  وكانت هوايته هي الأدب وفي السنة الثانية طب قرر ترك الطب، لأنه لم يتعود على الحفظ، وعزم دراسة بدله جملة من العلوم الإنسانية كالصحافة والأدب العربي ثم الترجمة واحدى اللغات الحية، وهذا كله ليس من أجل أن يهتم بأكثر من تخصص إن هو تفوق في دراسة الأدب العربي ولكنها الطاقة الاحتياطية من الذكاء والانضباط والهواية  خولته ذلك، وفعلاً مكنّته بعد التخصص في النقد الثقافي مثلا من التعريج على عدة تخصصات أخرى حتى ولم يتعمق  فيها، فهكذا هو المتفوق، يجب على كل ذي لب مباركته مادام أنه تعمق في تخصصه الأصلي وليس حسده.

[2] ـ  لقد فهمنا أن المناهج الشعرية والبنيوية تستبعد نهائيا من فكرها الحُكم على نص إبداعي ما سواء كحكم قيمة إيجابي (مدح) أو سلبي (ذم )، طيّب لكن الإشكالية ليست هنا فالإشكالية كل الإشكالية التي لا نجد لها حل غير تجاوز هذه المناهج (في حالة بلدنا الجزائر والمغرب) هي أن هناك شعوبا لا تحسب على هذه اللغة ولا على هذا الأدب التابع لهذه اللغة بالمرة، أي أن اللغة العربية دخيلة على مجتمعاتها الأصلية وبقيت هكذا دخيلة عليه نتيجة عوامل التاريخ كالاستدمارات المختلفة فلم تستوطنه لما استوطنته إلا وهي مُهجّنة وقد ضاعت هويتها الأولى التي دخلتها بها، إذن لا يمكن أبدا أن يقبل عاقل بأن يعلّم السي حميد لحمداني والسي محمد مفتاح مصريا، أيا كان، من الجيل الحالي أو الجيل السابق النحو والترجمة، أبدا هذا غير مقبول بل هذا هو حكم القيمة البشع جدا لأنه بغض النظر عن الغرور  والعصبية يتجاوز عرفا أخلاقيا وهو احترام الكبير والدا أو أخا ــ أوَ يجوز أن يقول الابن الصغير لوالده و شقيقه الأكبر أنا أسبق منكما لِثقافتنا وأصالتنا؟!  نفس الشيء ما عمله لحمداني مع النقاد المصريين روادا أو تلامذتهم في كتابيه " سحر الموضوع" و" بنية النص السردي" باسم نقد النقد! وقلده في ذلك أغلب نقاد المغرب والجزائر الذين جاءوا بعده، فمصر بالنسبة لجميع الدول العربية الأخرى بمكانة الوالد أو الشقيق الأكبر، إذن حاكِم نفسك وتواضع قبل أن تحاكِم غيرك، وبينهم وبينك ليس قيمة حُكْم أو حكمين بل قيمة نصف قرن من الأدب الراقي، بإيجاز عاش من عرف حق قدره.

[3] ـ  من جملة ما صادفته كذلك كتابات كارثية لا تستطيع أدراجها في أي خانة سوى أنها ردة فعل "النقص" والعلاقة الجد مضطربة بالأدب نثرا وشعرا، و من ثمة علاقة واهمة ضالة عن جادة الصواب تربطهم بالنقد الأدبي، منجرة عن تأثرهم الشديد بالمناهج الشعرية والبنيوية دون تنظير وغربلة منذ نهاية السبعينيات ( ربما كانوا غير ملومين في ذلك الوقت، أما لآن وقد دخل النقد الثقافي و نظريات نقدية عدة مغايرة للمناهج المحايثة رافعين الغطاء عنها، إن لم يكن من خلال النظرية التداولية فإنه من خلال الحدس في أداء اللغة performance وتوليد الجمل اللذين جاء بهما نعوم تشومسكي ، فإذا هذا التجاوز بغض الطرف عن كل ما هو صائر من تحول يطرح عدة أسئلة من قبيل التعصب للرداءة أو قل التطفل على الأدب والاسترزاق منه )

    فعلا وقد قال  أحدهم في مجلة البيان الإلكترونية اسمه عبد القادر المهيدي، احتمال أن يكون أستاذا ثانويا هاويا للنقد الأدبي في مقال له بعنوان مخاطر النقد الصحافي ـــ مع ملاحظة وجود خطأ نحوي في عنوانه : عندما تدخل الألف واللام على صحافي يتحول الاسم إلى الصحفي، مع العلم أن من يساعده حدسه على تلمس الأخطاء النحوية من النظرة الأولى قد تطبع على اللغة وإلا ما كان بقادر على الحدس ــ قال أن : " النقد الأدبي الصحفي ينزع إلى إطلاق أحكام نقدية غير معللة وغير صائبة. ويطلق أحكاماً قيمية بعضها قاسٍ وجارحومن الطبيعي أن يحدث ذلك ردة فعل سلبية لدى الأدباء، وهذا ما تسبب في ذلك التوتر، الذي يسود علاقة الأدباء بالنقاد نتيجة سطحية هذا النقد وتحليلاته التعسفية وأحكامه الغير موضوعيه، وتقصيره في مواكبة الإبداع الأدبي "

أما العبارات المسطرة ذات الخط العريض فكارثية تحتاج لدراسات عميقة تتعلق بطبيعة الظاهرة الأدبية والنقد الجديد بما فيها نظريات تحليل الخطاب ونظريات الألسنية الجديدة. أما المسطرة فقط فمغلوطة أشد الغلط نكتفي بتعليق بسيط عليها :  التعود على التربيت على أكتاف بعضهم البعض حتى أصبح النقد لا بد وأن يرضي صاحب العمل المنقود!  ثم من له تجارب طويلة مع النقد التطبيقي الناقد الصحفي أم الناقد الأكاديمي إذن من هو المواكب للإبداع مِنهما؟

مواصلا قوله: " إن النقد الأدبي العربي يتأرجح بين طرفين: نقد صحفي سطحي متسرع، يعج بالأحكام النقدية التعسفية، و يقوم على انطباعية غير معللة مما يفقده مصداقيته وتأثيره الإعلامي، وبين نقد أكاديمي شديد التخصص، لا يصل إلى جمهور عريض، ولا يؤدي دوراً إعلاميا ولا أي وظيفة من وظائف النقد الأدبي. إن وسائل الإعلام مطالبة بدورها بأن تستقطب النقاد الأكاديميين، وان تفسح لهم المجال ليكتبوا لها، بدلا من أن تترك النقد الأدبي لصحفيين غير مؤهلين، لأن هذا النوع من النقاد الذين ينشرون كتابات نقدية ضحلة، يسيئون إلى الأدب والنقد والإعلام على حد سواء .."  لعل الجديد في هذه الإضافة هو "شدة التخصص" المضافة إلى (عدم تنظير الأكاديميين المغاربة ما استقوه من أوروبا من نظريات نقدية عكس الخصوصية العربية المصرية في هذا الجانب) هو آليات التحليل الشكلانية البنيوية الجافة الصماء التي تتلاعب بالدلالة وتقلبها كما يقلب الجائع مائدة عامرة بأنواع الأطعمة ولا يستهدف منها شيئا ظانا أن بعضها فاسد، فأين شدة التخصص؟ ويحَكُم إنكم لم تصيبوا جوهر الأدب بعد أربعين سنة ضياع وتيهان عن جوهر الأدب وهو المعنى الجميل!! لا بد وأن تذوق وتحكُم حُكم قيمة وإلا مت من الجوع، مع ذلك هناك عندكم كِبر مرضي قرين الجهل والتشيطن والتقوقع؛ أنتم الذين لابد أن تنشروا كتاباتكم على الصحف الوطنية تواضعا وإبداعية ومساهمة وطنية في تنمية بلدكم ثقافيا كما يفعل غيركم من المصريين والسودانيين والأردنيين وغيرهم لتنافسوا النقاد الصحفيين الذين يفوقونكم ذكاءً ( حسب نظام التوجيه في البكالوريا ) و مطواعية لغوية : أم لم يخطر في بالكم جماعة العقاد و عبد المعطي حجازي وفاروق شوشة يوما وغيرهم كثير؟

[4] جابر عصفور ،  قراءة في نقاد نجیب محفوظ ملاحظات أولیة ، ص 12.

[5] ـ نجوى الرياحي القسطنطيني ، في الوعي بمصطلح نقد النقد وعوامل ظهوره ، ص 35.

[6] ـ  باقر جاسم محمد ، نقد النقد أم الميتانقد ، محاولة في تأصيل المفهوم، ص118.

[7] المرجع نفسه ، ص107 .

[8] زياد العناني ، http://www.alghad.com/articles/651942 ، موقع الغد.

[9] ـ عماد محمد، اتجاهات الصفحات الأدبية في الصحافة المصرية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، من المستخلص.

[10] ـ مقال نشره طه حسين في مجلة الرسالة العام 1933 رد فيه على أحمد أمين : " أبانت خصومة الأدباء الشيوخ مع الأدباء الناشئين على أنهم ضعاف وأثِرون عجلون .. يريدون أن يبلغوا بالجهد اليسير ما بلغه أسلافهم بالمطاولة والمحاولة واحتمال الأذى وكثرة القراءة والدرس .. وفيهم كبرياء لا تخلوا من سخف تذكّر بأخلاق الأطفال فهم إن كتبوا رأوا لأنفسهم العصمة، ولم ينتظروا من النقاد إلا ثناءً وحمدا، فإن أدركهم بعض النقاد قالوا حسدا وتكبر، اضطهاد وإثار وتثبيط للهمم، وفيهم غرور يخيل إلى واحد منهم أنه ممتاز من أترابه جميعا .. .. ، أمام هذا الجيل الرخو من الأدباء الناشئين يضيق الناقد المخلص بالنقد ويزهد فيه ويصد عنه صدود في بعض الأحيان، ولكنه لا يلبث أن يرى حصاد الأدب عليه فاستقبل من أمره ما استدبر، ويثني على قوم وهو يعلم أن ثنائه سيملأهم غرورا وسيخرجهم عن أطوارهم ويعيب أقواما، وهو يعلم أن عيبه إياهم سيدفعهم إلى اليأس إن كانوا أخيارا وسيدفعهم إلى القحة إن كانوا أشرارا ". ويقول زكي مبارك في مقال نشره أيضا في أربعينيات القرن الماضي يدعو فيه طه حسين للمجادلة والاختلاف : " إن المقادير لا تريد أن أسكت عنك أو تسكت عني، وفي ذلك الخير كله، لو تعرف وأعرف وهل ارتفع العقل إلا بفضل الخلاف وهل يتصور الناس وجودا للحياة التشريعية لولم يثر الخلاف بين الشافعية والحنفية وهل تأصلت مشكلات النحو والصرف إلا بفضل الجدال بين البصريين والكوفيين وهل تفوق العقل المصري الحديث إلا بسبب النزاع حول القديم والجديد  والصراع حول المذاهب الاجتماعية والأحزاب السياسية، إن الخلاف نعمة و يا ويلنا إن لم نختلف .."

[11] ـ أذكر مقالا له بالشروق اليومي في سياق تلك الأزمة بعنوان "لماذا تغيب الجزائر عن اهتمامات المثقفين العرب؟" يسخر فيه من فاروق حسني الذي خسر انتخابات منظمة اليونيسكو، لكنه غاب عنه أن الفرق بينا ثقافتنا وثقافتهم أن مصر بلد الثقافة لأنها عملت على دمقرطة الثقافة ، فمصر بلد ديمقراطي الثقافة بالرغم من أنه ليس ديمقراطي سياسيا واقتصاديا، وعندما تغيب الجزائر عن اهتماماتهم، فهم يعلمون أن هناك شيء على ما لا يرام عندنا سبق وان عانو منه هم انفسهم  ، إذن مارس أولا نضالك وولي وجهك شطر بلدك واترك تلك الخزعبلات، من أجل أن تصبح الجزائر ديمقراطية الثقافة، فسترى عندئذ كيف تصعد الجزائر إلى اهتمامات المصريين والعرب.

[12] ـ أعتقد جازما مشفوعا بالشاهدة العينية أن الإعلامي  أو الصحفي الناقد في ظل النقص المعرفي يستمر في ممارسة نقدية مقبولة على العموم عندما يحجم المتخصص وينكفئ عنها لأسباب غير منطقية، وهذا دليل كاف أن الإعلامي عندنا في الجزائر أذكى من المتخصص في اللغة العربية وآدابها بل هو من سيكون له شأن كبير لو تمكن من النجاح في الماجستير من غيره، وذلك راجع إلى نظام التوجيه البيداغوجي في هذه التخصصات، حيث يوجه إلى فرع اللغة العربية وآدابها أغلب الطلبة الذين علاماتهم تقارب  10.00 أما فرع الإعلام والاتصال فلا يلجه إلا من تحصل في البكالوريا على معدل 12.00 فما فوق.

[13] حميد عبد القادر، https://www.alaraby.co.uk/diffah/herenow/2017/12/6 ، موقع الضفة الثالثة.

[14] - المرجع نفسه.

[15] -  وريدة أغادير ، إشكالية تعليم النحو ، ص13.

[16] ـ من المفيد جدا التذكير أن الدراسات الأسلوبية الحديثة مع ليو سبيرز و  ميشال ريفاتير ألغت النصوص الحاملة للقصور النحوي وحتى المعجمي من اهتماماتها، لذلكم جدير بالذكر أن أجدى المناهج في دراسة مثل هذه النصوص التي تعاني شركا نحويا ومعجميا هي المناهج السياقية، كالمنهج التاريخي الذي يسلط الضوء على تاريخ المجتمع مع اللغة العربية أو المناهج المعيارية كالبلاغة الأسلوبية والمعيارية اللغوية وهلم جر مع الاستعانة بالمناهج اللسانية الأحدث التي تربط اللغة بالخطاب والتداول، كالقواعد التوليدية التحويلية لأنها تهتم بقدرة الفرد على أداء الكلام وعلى توليد الجمل أو ما يعرف بالكفاءة الغريزية؛ و الترعرع على اللسان العربي هو ما يمكّن الفرد من تجاوز الرصيد المعجمي المحدود من اللغة ويتجاوز به الضعف التوليدي ثم التركيبي حين لا يجد اللفظ المناسب للتعبير عن فكره، أما القصور النحوي والصرف فيمكن تجاوزه بتعلمه.

[17] المرجع نفسه ، ص11.

[18] وريدة أغادير ، إشكالية تعليم النحو ، ص20.

[19] ـ  أصل يعود إلى عدم الجبلة على اللغة في سياق جزائري معروف، سياق تغيب فيه عن الأطفال ألفاظ عربية كثيرة، لا يصطدم بها إلا وهو في العشرين من العمر، إذ ليس للمنهاج غاية الوصول إلى نتيجة لكن هو طريقة عرض الموضوع فقط، فالبرنامج الدراسي programme المعد للتعليم الابتدائي منهاجا وليس منهجا، كما يجب التحرز من قول المنهجية بدل المنهاج لأن ذلك من شأنه الإحالة إلى المنهج، عدم الضبط الدقيق للمصطلح غالبا ما يؤدي إلى الخلط في المفاهيم و الوقوع في الأغلاط.

[20] عمرو عيلان ، الأيديولوجيا و بنية الخطاب الروائي دراسة سوسيو بنائية في روايات عبد الحميد بن هدوقة ، ص62.

[21] ـ محمد شنوفي ، فن السخرية في الصور السلوكية  عند أبو العيد دودو ، ص 19ـ 25.

[22] زكريا ميشال ، الألسنية التوليدية والتحويلية و قواعد اللغة العربية (النظرية الألسنية) ، ص54.

[23] عبد القادر بوزيدة ، فلسفة اللغة و المبدأ الحواري عند باختين ، ص61.

[24] ـ سمير حجازي ، معجم المصطلحات الأنثروبولوجيا والفلسفة وعلوم اللسان والمذاهب النقدية والأدبية ، ص9ـ10.

[25] ـ ينظر عبد الملك مرتاض، في نظرية النقد ، ص223 . 

[26] عبد القادر بوزيدة، فلسفة اللغة والمبدأ الحواري عند باختين ، ص59.

[27] -  المرجع نفسه ، ص71.

*- بل وقد تجعل طالبها ذاك يصحح الأخطاء النحوية و الصرفية لشواهد مأخوذة من أطروحات سابقة أخذ أصحابها درجة امتياز ليأخذ هو درجة مقبول!!

[28] ـ  ينظر حميد لحمداني، بنية النص السردي من منظور أدبي، ص 127.

[29] - ينظر مجلة اللغة و الأدب العدد 29 ، من فهرس العدد.

[30] عبد القادر بوزيدة ، فلسفة اللغة والمبدأ الحواري عند باختين ، ص71.

[31] جيرار جينيت ، عودة ٳلى خطاب الحكايا ، ص 192.

[32] زياد العناني ، http://www.alghad.com/articles/651942 ، موقع الغد.

[33] فيما نعتقد فرضا نحن أنه صحفي و ناقد و روائي يعمل في الخبر اليومي أو الأسبوعي ، يصر الأستاذ عبد القادر بوزيدة مطبقا نظريته تلك على أنه هو عبد العزيز بوباكير نفسه ، ينقد نقده الذي سبق أن وجهه لقصيدة هي قصيدته ، لكنه ينسبها عمدا للشاعر أبو جرة سلطاني ليُعمل معاول النقد الجارح في شخص آخر غيره ، و نقده في المرة الأولى كان سلبيا على المنقود أي ذاته المستبدلة بالشاعر الوزير ، تحت عنوان " الوزير الشاعر و النمونكلاتورا " ، أما الثاني فكان إيجابيا على المنقود المستبدل به / الوزير و سلبيا على نفسه من خلال هجاءها. 

[34] عبد القادر بوزيدة ، فلسفة اللغة والمبدأ الحواري عند باختين ، ص71.

[35] المصدر نفسه ، ص71.

[36]  ـ يعتبر الأستاذ الأكاديمي أبو العيد دودو ( 1934 ـ 2004 ) مترجما رائدا لتمكنه من عدة لغات غير أن المنقب في ترجماته عن أسلوب أو أصالة عربيين لا يقع منهما على شيء؛ وقد وقعت له في مقال موسوم بـ" كالديسا" على عدم تحرٍ للسلامة اللغوية وعدم الدقة الناتجة عن بساطة قاموسه المعجمي ، إذ يقول عواطفهن بدل أعطافهن أما قوله:" فلعلي أستطيع نقل هذا الإعجاب إلى القارئ أو أدعوه على الأقل إلى قراءة قصائده المطولة ومسرحياته في اللغة الأجنبية التي يحسنها إن هو لم يتمكن من قراءتها في اللغة العربية " فكأنه يتحفظ من مستوى ترجمته للقصيدة المطولة كالديسا إلى العربية عندما يخير قراءه بينها وبين القصيدة في اللغات الأخرى.   ينظر أبو العيد دودو، كالديسا ، ص128.

[37] - وجيه المرسي ، http://kenanaonline.com/users/wageehelmorssi/posts/402215 ، موقع كنانة أون لاين.


المـصادر و المراجــع

1ـ الكتب

1ـ حميد لحمداني، بنية النص السردي من منظور أدبي، المركز الثقافي العربي،ط2 ، بيروت 2000.

2ــ جيرار جينيت ، عودة ٳلى خطاب الحكايا ، ترجمة محمد معتصم، المركز الثقافي العربي،ط2 ،الدار البيضاء 2000.

3ــ زكريا ميشال ، الألسنية التوليدية والتحويلية و قواعد اللغة العربية (النظرية الألسنية) ، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت 1982.

4ـ عبد الملك مرتاض ، في نظرية النقد، دار هومة، الجزائر، 2005 .

5 ــ عماد محمد، اتجاهات الصفحات الأدبية في الصحافة المصرية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي صحيفة الأهرام نموذجا، رسالة ماجستير، جامعة عين شمس، 2010.

6ــ عمرو عيلان ، الأيديولوجيا و بنية الخطاب الروائي دراسة سوسيو بنائية في روايات عبد الحميد بن هدوقة ، منشورات جامعة منتوري بقسنطينة، ط1 ، قسنطينة، 2001 .

7ـ يوسف وغليسي مناهج النقد الأدبي جسور للنشر والتوزيع ،ط2، الجزائر، 2009.

 

2ــ المقالات

1- باقر جاسم محمد ، « نقد النقد أم الميتانقد محاولة في تأصيل المفهوم » ، مجلة عالم الفكر ، العدد 3، المجلد 37 ، مارس 2009 .

2- جابر عصفور ،  « قراءة في نقاد نجیب محفوظ ملاحظات أولیة » ، مجلة فصول ، عدد3 ، مجلد1 ، أفریل 1981.

3- عبد القادر بوزيدة ، « فلسفة اللغة و المبدأ الحواري عند باختين » ، مجلة اللغة و الأدب ، العدد 15 ، أفريل 2001.

4ـ محمد شنوفي ، «فن السخرية في الصور السلوكية عند أبو العيد دودو »، مجلة اللغة والأدب، العدد 5 ، 1994.

5ـ نجوى الرياحي القسطنطيني ، « في الوعي بمصطلح نقد النقد وعوامل ظهوره»، مجلة عالم الفكر ، العدد1 ، المجلد 38 يوليو ـ سبتمبر 2009 .

6ـ وريدة أغادير، « إشكالية تعليم النحو » ، مجلة اللغة و الأدب، العدد 29 ، ديسمبر2015 .

 

3ــ مواقع الأنترنت

 

1-حميد عبد القادر ، « نُقاد جزائريون ، فكرة المركز و الأطراف غيّبت الشعر الجزائري » ، موقع الضفة الثالثة ،     https://www.alaraby.co.uk/diffah/herenow/2017/12/6 ، 8 ديسمبر 2017.

2- زياد العناني ، « الطاهر لبيب عالم اجتماع فكك صورة الآخر و رفض الصورة النمطية للأكاديمي العربي » ، موقع الغد ، http://www.alghad.com/articles/651942 ، 8/8/2010.

3 ــ وجيه المرسي ، « نظريات اكتساب اللغة و تعلمها » ، موقع كنانة أون لاين ، http://kenanaonline.com/users/wageehelmorssi/posts/402215  ، 2/4/2012.

author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات