القائمة الرئيسية

الصفحات

التنظير النقدي الأدبي الأكاديمي في الجزائر وإشكالية غموضه، نماذج مختارة



بوزيان بغلول[1]        


 

 الملخص

 لعل إشكالية نقل المصطلح النقدي على مستوى الدرس النقدي والأدبي بما خلقته من فوضى المصطلح أضحت أيضا إشكالية من إشكاليات الترجمة، وهي ليست خاصة بالجزائر لِما أصبحت تمثله من أزمة عامة دارت وتدور في حلبتها جميع الأقطار العربية. غير أنه وبدون أدنى شك هي أكثر حدة و عمقا، وأكثر تأثيرا سلبيا أكاديميا و تربويا في الأقطار المغاربية، بخاصة في الجزائر نتيجة تاريخ التعامل باللغة العربية وآدابها في هذه الأقطار إن على جميع المستويات، والمشوب بالعلاقة غير الطبيعية تاريخيا.

التعامل الذي مرّ بأزمات شد وجذب ولا يزال مع التيارات الفرانكفونية و الأمازيغية، ناهيك عن غموض المدرسة النقدية و المعرفية الفرنسية بصفة عامة مقارنة بالمدرسة الأنجلو سكسونية، و التي تعتبر المرجع المعرفي المهيمن بالنسبة لأقطار المغرب العربي. على هذا الأساس يهدف مقالنا ( الذي هو بقدر ما هو عام ، يجمع بين موضوعات إشكالية ثلاث، بقدر ما هو ملم أو محيط ببعض النقاط المعتمة التي غالبا ما يمر النقاد و الباحثين عليها مرور الكرام) إلى تسليط الضوء على هذه الموضوعات الإشكالية الثلاث لعلاقتها المباشرة بالإشكالية الرئيسية المطروحة، وهي إضفاء صفة الغموض على التنظير النقدي الأدبي بهذا الاسم ( Theorize)  وليس تنظير النقد الأدبي حتى لا نقع في لبس مع نقد النقد méta-métacritique الذي يعرّج هو الآخر أحيانا على التنظير لما يدرس النقد الأدبي من ناحية التطبيق، ولعله يعزى ذلك الغموض إلى ضعف الترجمة، مضمونا وشكلا، و تعدد المفاهيم والمصطلحات النقدية، ثم أخيرا في لغة التنظير المواكب لهما، أي نحن ههنا بصدد شكل أو أسلوب اللغة التي تكتب أو تحرر بها تلك الترجمة، و كذلك لغة المقالات والمؤلفات المنظِّرة للإشكاليتين، من ناحية استعمالها لغة خاصة أُصطُلح عليها باللغة الشارحة أو التفسيرية أو الميتا لغة أو الميتا نقد critiqueméta- ، متبعا في كل ذلك منهج القراءة التاريخية و التحليل الوصفي، والقراءة المقارنة ( البحث عن إجابة للسؤال: هل هذه الإشكاليات موجودة في مصر أم غير موجودة ولماذا؟) 

 

الكلمات المفتاحية : إشكالية ترجمة المصطلح النقدي، الميتا لغة و إشكالية المصطلح النقدي، تنظير النظرية النقدية الأدبية، إشكالية الترجمة.

 

مقدمة

   يُحسب للتنظير النقدي الأدبي الأكاديمي في المغرب العربي شرف السبق ( الجزائر  و المغرب بالخصوص) في النهوض بالنقد الأدبي العربي منذ الثمانينيات بحكم العلاقة التاريخية بفرنسا، صاحبة الريادة في مناهج كان لها أثرها الواضح في العالم كله كالبنيوية بروافدها و ترجمة الشّكلانية الروسية، التي لم تكن لتعرف لولا ترجمات الفرنسيين المبكّرة لأعمالها ، لما راحت تترجم و تنظر وتدير الندوات، خذ المدرسة البنيوية الفرنسية مثلاﹰ باتجاهاتها الثلاث و الأدب المقارن في شقه الفرنسي/مدرسة التأثير، فإن كانت قد استهوت المهتمين و المشتغلين من النقاد العرب والمصريين ، وأغوتهم لتطويرها وتطويعها في مخابرهم العلمية ومجامعهم اللغوية، فإن نظرائهم الجزائريين قد فتنتهم وجعلتهم أسرى نظرياتها حتى بعد فوات أوان رواجها ، ويُحسب للجامعة الجزائرية الرّيادة في إدخال النقد السيميائي وتطبيقه على الساحة المغاربية، كما حاولت أن تجعل منه منهجا معياريا لتحليل النصوص الأدبية و ذلك في المؤتمر العربي للسيميائيات الذي عقد في جامعة سطيف سنة 1988. برغم ذلك تُلحق بتلك الترجمات و الجهود النقدية الجزائرية التي تشكل الآن بعد 30 سنة تراكما معرفياﹰ خاصية الغموض إن على مستوى المفاهيم ــ خلط بين المفاهيم و انفلات في المعاني نتيجة خلل يحدثه التلاعب بالألفاظ ، خاصة في اقترانها بالمصطلحات ، إنما يمضى في محاولة الإمساك بمعنى ما باستطرادات مفاهمية نقدية هي الأخرى مستعصية على الفهم ، تفسير كتفسير الماء بالماء هو و بعد جهد و مشقة ، أو في أسوأ الأحوال شرح الغامض بمفردات غامضة مقابلة في لغتها الأجنبية ــ أو على مستوى المصطلحات ، أو هما معًا المفهوم والمصطلح.

 يحاول البحث إيجاد مقاربة علمية للإشكالية المطروحة على عموميتها مع التقيّد بالمنهج الوصفي التحليلي ، بتقديم الأدلة و الشواهد و البراهين المنطقية المسنودة بالقراءتين التاريخية و المقارنة قصد الوصول إلى كشف العوامل التي تقف وراء فرضية غموض الدرس النقدي الأكاديمي الجزائري و بالتالي غموض المصنف النقدي الجزائري ، من ثمة غموض المدرسة النقدية المغاربية مقارنة بالمدرسة العربية (الشام، مصر و الخليج).


1ـ الإشكالية في إطارها العام و الخاص

  معروف عن النقاد الأكاديميين المصريين و العرب بصفة عامة و أمام إشكاليات الترجمة المختلفة يحاولون الاستناد في بحوثهم العلمية بالمغاربة عندما يتعلق الأمر بالنقد الحداثي المكتوب باللغة الفرنسية أو المترجم عنها. لهذا من غير المعقول القول بتحيّزهم أثناء حكمهم على منتوج المغاربة نقديا كان أو إبداعيا حكما يتعارض مع طموح الجزائريين. أما ترجمات الجزائريين عن المدرسة الفرنسية فهي التي أجمع النقاد العرب على غرابتها فمستواها حسبهم في مدى قربها أو بعدها عن الثقافة العربية، وما الترجمة إلا شكل من أشكال التنظير النقدي الأكاديمي المغاربي المتسم بطابع الندوات و المؤتمرات، أما التنظير الأكاديمي في المشرق العربي بالخصوص في مصر منفتح على الآراء الفردية وهذا راجع إلى تميُّز المجال الثقافي لعلاقته المزدوجة بالمؤسسات الرسمية كفروع الأدب العربي في كليات العلوم الإنسانية والغير الرسمية فنية وشعبية هذا ما أفضى ويفضي إلى نوع من الديمقراطية التشاركية بين المبدعين و الفنانين الذين يكثر عددهم، والاستقلالية عن الوصايا السياسية مناطة بالمنافسة لأجل تحصيل المورد الاقتصادي.

 

التنظير لغة : من نظّر وليس من نظَر ( رأى و لاحظ  والمصدر النّظر، يقال أمعن النَّظر في كذا : تأمّله، فكّر فيه بدقه) فالفعل نظّر من نظّرَ ينظِّر ، تنظيرًا ، فهو مُنظِّر ، والمفعول مُنظّر، يعني  نظّر نتائجَ بحثِه : وضعها في شكل نظريّة. و التنظير مصدر صناعي، كل ما يتعلّق بوَضْع نظريَّة أو وَضْع أمر في شكل نظريَّة استطاع أن يقدِّم لتطبيقاته بتنظيريّة رائعة[2].

  التنظير في الاصطلاح : هو البحث النظري من أجل الوصول إلى نظرية معينة في مجال ما. مصطلح "نظرية" يقع في علاقة جدلية مع مصطلح "التطبيق" ، و يرى لالاند أن " النظرية هي الفرضية المحققة بعدما جرى إخضاعها لرقابة العقل و النقد الاختباري، ويشترط فيها أن تتطور دائماً مع تقدم العلم ومتطلباته، مع الخضوع باستمرار للتحقق و لنقد الوقائع العلمية"[3]

 

 تقوم التجارب النقدية عادة على مرتكزين اثنين: مرتكز نظري يتأسس على المرجعيات الفلسفية والفكرية للنظرية والمنهج النقديين، ومرتكز عملي تطبيقي يعمل على استثمار تلك المرجعيات الفلسفية والفكرية ومحاولة إسقاطها على النص الإبداعي. أما المرتكز التطبيقي فقد أهملته المدرسة المغاربية تماما في بدايات تبلور البنيوية، أما التنظير الفكري والفلسفي فكان سطحيا لوقوف إشكاليات عويصة ثلاث حائلا مع افتقاد الأصالة الثقافية مقارنة بالتنظير الذي خضعت له المناهج البنيوية في مصر، و في هذا المرتكز بالذات ( وجدير بالملاحظة أن النقاد المغربيين الحمداني ومفتاح والدغمومي حرقوا المراحل وتوجهوا إلى نقد النقد وهم لم يتمرسوا على النقد الأدبي كفاية تنظيرا وتطبيقا وقد اشتهروا في المغرب العربي لهذا السبب لكن سرعان ما أفل نجمهم بعد ظهور النقد الثقافي وإحراجه للنقد البنيوي ) فسمة الغموض تلك سبق و أن أرجعها الناقد المصري صلاح فضل إلى الترجمات المتواضعة عن الفرنسية وهو كأنما يشير إلى مرتاض وحسن بحراوي آنذاك في قوله:" بُعد أو قرب هذا القطر أو ذاك من هذه الدولة الغربية (الأوروبية ) أو تلك ، قد أثر هو الآخر في استخدام لغة هذه الدولة أو تلك ، كما كان لتخرج أبناء هذا القطر العربي أو ذاك من جامعات غربية عديدة و متنوعة ، (..) أن عملية التثاقف القطرية الأوربية هذه ، كانت أحد الأسباب التي جعلت من ارتحال المصطلح ( ترجمته ) من تلك الدولة الغربية إلى هذا القطر العربي ، يختلف عنه لو ارتحل إلى قطر عربي آخر ، مما أفضى إلى نتائج غير سليمة ، و ذات تأثير سلبي على استخدام المصطلح ، و من ثم استخدام المنهج "[4] ، كما أرجعها في الحقيقة أجداد صلاح فضل منذ فترة المناهج السياقية، الذين بحثوا في منتوج يخص المغرب العربي ليدرجوه في مؤلفاتهم كـ"تاريخ آداب العرب" لمصطفى صادق الرافعي و "تاريخ آداب اللغة العربية" لجرجي زيدان فلم يجدوه أو أغمضوا الطرف عنه!  

 

   وأما الناقد السعودي حمد ابن ناصر دخيل فيرجع سمة الغموض إلى التسرع في الترجمة ، أو التماس الترجمة الحرفية التي أثبتت فشلها، أو من الطلبة و الباحثين الجزائريين أنفسهم ( لعل كاتب هذا البحث واحد من الذين فهم التفكيكية من حيث هي كل شيء ولا شيء من الترجمات العربية و لم يفهمها من تنظيرات الجزائريين و ترجماتهم ) و لعلّ بيّنة الحكم التي يأتي من المتتبع الحيادي من خارج الدائرة كإحدى الباحثات السودانيات المطلعة على التنظير النقدي بالمغرب العربي، وهي تقر بالغموض بل بغرابة السيميائية الخليقة بأصلها الفرنسي ، و ما بالك بفهم المغاربة لها مترجمة . ولعل الأجدى بالتنويه في قولها : " إن هذه الدراسة جاءت لتحقيق هدفين : الأول هو استكناه هذا الحقل (السيميائية) الموحي بالغموض والغرابة و الثاني .."[5] ولعلّ فهمها هو أحد نتائج مقارنة أعمال العرب المشارقة المؤلفة أو المترجمة عن الآثار الأنجلو سكسونية في مجال النقد بنظرائهم المغاربة ، حيث الاختلاف واضح بينهما في درجة الغموض منذ ترجمات أحمد حسن الزيات و منير البعلبكي و شكري عياد حيث لم يكن أمرا عسيرا عليهم أن يترجموا مثلا مصطلح  sémiologie إلى السيميائية* ولاlangue  science de إلى علم اللسان و لكنهم لم يفعلوا ، ولكن المغاربة أقدموا على ذلك بكل جرأة حيث sémiologie في مشرق الوطن العربي عرّبوها إلى السيميولوجيا أو ترجموها إلى علم العلامات أو اختصارا "العلاماتية" ، وlangue  science de  إلى علم الألسن أو الألسنية الاسم المرادف لعلوم اللغة. ليتبين فيما بعد أن ترجمات المشارقة لم توقعهم في إشكاليات معقدة كالتي أوقعتهم فيها ترجمات المغاربة ( سحبوا الاسم المجتمعي المعاصر و استبدلوه باسم اعتباطي جديد سبق و أن عاش في العصر الجاهلي في حين أن اللغة ألصق ما تكون بالمجتمع و التداول) و نجد لهذا الاختلاف امتداد إلى عصر الأجداد ، حيث ابن سيدة (متوفي 1066م ) في بيئة الأندلسيين المختلطة اللسان هو الذي أطلق على اللغة اسم لسان بدعوى أن مفردة اللغة غير موجودة في القرآن و يوجد بدلها اللسان كتعبير مجازي يوحي أن معناه الكلام أو الأسلوب وقد أخذ به في قوله [ أحلل عقدة من لساني] أي صحح كلامي وفي قوله [ هارون أفصح مني لسانا] أي أفضل كلاما. بينما الجوهري (متوفي 1003م) لم يأخذ بالتعبير المجازي واعتبر أن اللسان يشير في معناه الحقيقي عند العرب إلى الجارحة/ الجهاز و ليس إلى اللغة. ومازال اسم هذا العلم في المواقع والمدونات الإلكترونية الرسمية وغير الرسمية يأخذ طابعا متعددا غير أن جلها تبدأ بما يشير إلى اللغويات، في ويكيبيديا مثلا يقولون "اللُّغَوِيَّات أو اللِّسَانِيَّات أو عِلْم اللُّغَة"، فلا جرم إذن نتيجة متابعتنا للموضوع منذ نحو عقد و نيف أنّ إشكالية غموض التنظير النقدي الأدبي الجزائرية يعود إلى :

1ــــ ضعف مستوى الترجمة.

2ــــ تكديس المفاهيم النقدية في الدرس الواحد ، وعدم ضبط المصطلح النقدي ارتباطا بالعامل السابق ( يصبح فضفاضاﹰ أو مناقض تماما لمعناه النقدي الاصطلاحي فضلاﹰ عن معناه اللغوي ) 

3ــــ محاولة خلق لغة نقدية أدبية جزائرية ، على غرار اللغة النقدية المغربية وأكبر نموذج عبد الملك مرتاض في كتابه " في نظرية النقد" الصادر العام 2005 عن دار هومة بالجزائر.

4ــــ عدم منح الفرصة للنقد المتميّز وصاحبه حتى يطوي به العمر ويذوي بعيدا عن المراكز والجامعات الكبرى ، فلا يعرفه البحاثة و المختصون ، كحال الناقدين بشير بويجرة من جامعة معسكر و صالح مفقودة من جامعة بسكرة ، وحتى مخلوف عامر من جامعة سعيدة إلى حد ما.

ــــ النشر الإعلامي المكثف للدرس النقدي ، الذي يهدف صاحبه إلى اكتساب الشهرة على حساب دقة ما ينشر، حتى وإن كان المعنيون ها هنا دكاترة وأساتذة شباب مختصون، لكنهم لا يتحرون تدقيق ما ينشرونه هنا و هناك ؛ لا يستثنون قناة من القنوات و لا فضاءً من الفضاءات إلاّ و غزوه بمقالاتهم التنظيرية  ــ حتى و إن كانت مكررة ــ طمعا في تكوين الاسم ، من هؤلاء أذكر الدكتور جميل حمداوي من المغرب والدكتور واليامين بن تومي من الجزائر.

وسنحاول تحليل و مناقشة هذه النقاط نقطة فنقطة عبر نماذج مختارة بصفة عشوائية، ليس قبل أن نميز بين غموض فلسفي: سواء كان غموضا تجريديا ( والنقد الحداثي مثلا الذي لا يُشخّص، يبقى غير محدد زمانيا ومكانيا هو نقد غامض) أو غموضا مشخصا، وهو الذي يخلق الدهشة والتساؤل اللذين يجسدان أساس رغبة الإنسان في المعرفة وبين ذلك الغموض الأدبي المنقسم إلى: غموض إبداعي إيجابي وغموض غير إبداعي وهو الإبهام وعدم الوضوح نفسه فهو سلبي، أما الغموض الإيجابي فليس لنا إليه سبيل لأنه بقدر ملكة و شعرية المبدع يقرأ ويُفسّر بمناهج حديثة كنظرية القراءة إذن هو جزء أو موضوع الدراسات النقدية لأنه سمة جمالية بخاصة ما جاء منه في شعر الحداثة على اختلاف مدارسه، بخاصة في مدونة النقد الجديد الأمريكي حيث يقول ويليام أمبسير وهو أحد تلامذة قطب هذا النقد الجديد إيفور أرمسترونغ ريشاردز ( 1893 ـ1979 ) حول تعدد المعنى في الشعر في كتابه "سبعة أنماط من الغموض" عام 1930 أن مصدر الإبهام التشبيهات المزدوجة المعنى، التورية، الصورة المتعددة، الخلط العفوي، التناقضات، الترددات.. وهو ليس مشكلة تركيبية أو منطقية بل معيارا ضمنيا للقيمة الأدبية[6]

لكن الغموض الناتج عن ضمور الترجمة و ضعف التركيب ــ شعريا كان أو غير شعري ــ  للجمل يحدثه خلل في فهم معاني المفردات نتيجة عجمة الكاتب و ركاكة في الأسلوب أو لصعوبات ذاتية في هذا الاتجاه مُبرزة للسلبية :" وهو قرين بالإبهام كالألغاز في التعقيدات والتراكيب اللغوية والنحوية"[7] إما يعتقد صاحبه أنه الصواب أو معتقدا أنه اللبس الذي يقارب الخطأ لكن لا يصرح به كِبرا/ جهلا. 

1.1ــ ضعف مستوى الترجمة 

    ولم يطرح السؤال حول هذا المنجز النقدي النظري الأدبي التراكمي مؤلفات و ترجمات ، لماذا بقي حبيس مكتبات الجامعات الجزائرية إلاّ فيما ندر؛ عندما يتعلق الأمر بالصدقات وبالعمل في الجزائر؟ هل ذلك يعود إلى العامل التجاري فقط كما يدّعي البعض أم يعود إلى غموضه؟ فباستثناء المؤلفات الفكرية و النقدية لمالك بن نبي و محمد أركون و مرتاض في الجامعات والمكتبات العربية تبقى الأسماء النقدية السّاطعة في الجزائر باهتة ، بل غير معروفة في الوطن العربي إذا ما استثنينا عبد الملك مرتاض و الزواوي بغورة في الخليج العربي ، و لا نجد من محاولة لإيضاح المشهد ورفع غشاوة لبس الصورة هاته و تعسفها أفضل من المقارنة بالخماسي النقدي المغربي الخاطف للأضواء : محمد برادة ومحمد مفتاح، سعيد بن كراد و سعيد يقطين وحميد لحمداني لكن لا يمكن القفز عن الغرور الذي سقط فيه هذا الأخير مستهدفا بإغماط وتعسف ليس بالقليل في كتابه "بنية النص السردي" تلاميذ وأحفاد الجيل الذهبي من النقاد والمترجمين المصريين. وهؤلاء النقاد المغاربة من جيل لحمداني، هم و الجزائريين سواء بسواء في التحكم باللغة الفرنسية و ربّما النقاد الجزائريين أكثر منهم ضلوعا بيد أنه بالنسبة للجزائريين ظلت العربية مستعصية غير منقادة لهم بسهولة في غياب الجامعات التقليدية كالقرويين والزيتونة، وهو ما سبق وأن أشار إليه بشير محمد بويجرة بقوله : ".. الإشكال في المسار النقدي و الأدبي في الساحة الجزائرية ، إنما هو إشكال اللغة ، لكونها عرفت أوضاعا خاصة لم تعرفها بقيت الأقطار العربية الأخرى."[8]

   و بويجرة ههنا مُحق من زاويتين لهما علاقة ببعضهما و ربما تكون جرأته هذه سبب في تهميشه* ، أما الزاوية الأولى في عدم اعتراف بعض الحساسيات المنتمية إلى الميدان بالوضعية الحقيقية للغة العربية وآدابها في الجزائر عن عصبية و هي تتحكم في دواليبها ؛ إما في المؤسسات الاستراتيجية كالمجلس الأعلى للغة العربية أو كعمداء و مسيرين في الجامعات الجزائرية. أما الثانية فأساس الترجمة ( أي ترجمة ) هو الإلمام الجيد باللغتين المنقولة/الأجنبية و المنقولة إليها/العربية و ثقافة البلد ( الاطلاع الكافي على أداب البلد و عاداته و تقاليده ) ناهيك عن الثقافة العلمية الواسعة في علوم الفلسفة ، التاريخ ، الفنون و الحضارات وهلم جر** ، أما اللغة الأجنبية / الفرنسية سنجد أنفسنا أمام فريقين : جيل سابق هو جيل مرتاض و أبو العيد دودو و محمد مصايف رحمهما الله ، أخذ أول ما أخذ اللغة الفرنسية عوض اللغة العربية من المدرسة الجزائرية المفرنسة في الخمسينيات و الستينيات بالتالي لغتهم الفرنسية أفضل حتى من الفرنسيين أنفسهم أما عربيتهم فتعتريها شكوك ، حتى لا نقول غير ذلك ، و جيل لاحق هو جيل الناقدين رشيد بن مالك و سعيد بوطاجين على سبيل المثال ، و نُلفي الحاصل مع هذا الجيل هو العكس بالعكس، و النتيجة هو أن كلا الفريقين غير مؤهل لترجمة الدرس/ المنهج النقدي الفرنسي إلى العربية لأن شرط إجادة جيدة للغة المنقولة و المنقول إليها معًا غير مستوفاة . ولعلّ مفاد هذه الشروط كلها هو أن الترجمة  يجب أن تكون موائِمة بين الإخلاص للنص الأصلي والوفاء للثقافة الأصلية: العربية الإسلامية مع الحذر والاحتياط من المصطلحات ، وهو مربط الفرس هنا ، حيث جميع الترجمات العربية المعروفة الموفّقة التي جلبت الشهرة لأصحابها إنما وضعت بعين الاعتبار أساس الحذر في نقل المصطلح ، لأنه "عبارة عن وحدة معجمية أو علامة لسانية يعرف مدلوله داخل ميدان ثقافي أو تقني خاص وهو ما يعارض المدلول اللّساني الذي يعرف على مستوى اللغة"[9] ويرى الروائي والكاتب وجدي الأهدل أن " ثمة ثلاثة أنواع من الترجمة لعل أبرزها الترجمة الأمينة لنص المؤلف، وهي الترجمة السائدة في العالم العربي، وهناك الترجمة الإبداعية، وهي الترجمة التي تحاول إضفاء طابع المحلية على النص المنقول من بيئة أجنبية إلى البيئة المنقول إليها، وهذه الترجمة نادرة في الثقافة العربية، وهناك ترجمة ثالثة رديئة، وهي الترجمة الحرفية، وهذه الترجمة تتخذ في الغالب طابعا تجاريا.."[10]

ولعلّ أهم عناصر الترجمة ذات المستوى التي نحن بصددها مرتبة على النحو :

ـــ إجادة اللغة الأصل واللغة الهدف إجادة جيدة من جميع النواحي.

ـــ ثقافة واسعة في علوم التاريخ والحضارات والاجتماع.[11]

ـــ على المترجم أن يكون ملما بتراث بلده بخاصة ما تعلق بالترجمة في حقل النقد الأدبي فلا بد أن يكون ملما بالنقد العربي القديم بخاصة البلاغة العربية، لأنه سيركب جملا تقتضي أسلوبا ذي مستوى ولا يستثنى من ذلك المتخصصين في الأدب المقارن والدراسات الثقافية حيث الترجمة فرع أساسي في هذه التخصصات كما يقول الناقد عبده عبد : " باستطاعة الناقد أن يقرأ الترجمة ويتذوقها ويقيم سلامتها اللغوية والأسلوبية في ضوء انسجامها مع التقاليد الأسلوبية للغة الهدف، أي العربية فيبين مدى خلوها من الركاكة والعجمة والأخطاء اللغوية، و ما إلى ذلك من أمراض ترجمية"[12] لا ضير من أن نجد التخصصات الأدبية المعاصرة /الجديدة كالأدب المقارن تعتبر مفتقدة للأصالة[13] التي تميز التخصصات اللغوية و البلاغية القديمة، ناهيك أن الثقافة الأصيلة لا بد منها في الترجمة، لأن ليس الأساس فيها هو القواعد العلمية، بما في ذلك المصطلحات العلمية كما لازال يعتقد المترجمون المغاربة بل الأساس هو تكييفها بما يوافق الثقافة المحلية لغة وأسلوبا ( وهو سبب نجاح الترجمات المصرية على شاكلة غُنيم وشكري وإحسان عباس و محمد عناني ــ مترجم كتاب الاستشراق ــ صالح علماني وإلياس بديوي والسوريين الذين ترجموا محمد ديب و كاتب ياسين) مقارنة بالترجمات المغاربية التي مرت جانبا لافتقادها الحرص على رشاقة الأسلوب وخفته و الهوية والأصالة وحرمتهما، والتساهل مع العجمة والهجنة الثقافية[14]، فالأمر هنا يكاد ينسحب على اللغة داخل النص استقراءً للواقع التاريخي خارجه، حين حافظ فيه المشارقة العرب على أعراقهم نقية أمام الأتراك و الأجناس الغير عربية في المنطقة، بينما اختلط العرب المغاربة مع الأجناس الأخرى تحت طائلة لا فرق بين المسلمين إلا بالتقوى.

  ولعلّ الفرق بين النقاد المنظرين المغربيين المذكورين أعلاه ونظرائهم الجزائريين هو أن الأخيرين لا يقرّون في أغلبيتهم بضعف ترجماتهم، بل ويغترون أحيانا و يعتبرون الأمر ثانوي و هامشي! عكس المغربيين منهم سعيد بن كراد مثلا الذي يقر دائما وكلما سمحت الفرصة بكونه نقادا و ليس مترجما ـــ بعد أن تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعامل الزمن ــــ ثم لعله سبب من أسباب تقوقع الترجمات/ البحوث النقدية الجزائرية و انحصارها في الجامعات الجزائرية إلاّ ما رحم ربك أن فرانكفونية أصحابها زائدة عن اللزوم في وضع لا يجب أن تكون فيه كذلك، لأنها تجعلهم يرتابون بأي مستوى لغة يمكِّنُهم توصيل جوهر المعنى أو جوهر اللفظ؟ هل هو المستوى البسيط أم هو المستوى البليغ المجاري لجمال المعنى المنساق وراء بلاغة اللغة؟ و لمّا نعلم أن بعض المدارس النقدية كمدرسة باريس السيميائية تعنى باستفاء المعنى من سريان انتظام اللفظ انتظاما شاملا فإنها الطامة الكبرى في ترجمة مفاهيم هذه المدرسة النقدية، ولا تعني الفرانكفونية ههنا الكتابة والتأليف باللغة الفرنسية كما يفهمها الكثيرون، بل هي حب مفرط للغة و الثقافة الفرنسية متمكن نتيجة علاقة النمو و الترعرع تعليمياﹰ و أكاديميا / الدراسة العليا في السوربون و ما شابهه.

بادئ ببدء لا بد من الوقوف عند ظاهرة مستفحلة في بعض الأنساق الثقافية المعاصرة تماما كنسق البحث العلمي و الفكر النقدي الأكاديميين في جامعة الجزائر2 لها تأثير مباشر على مستوى ترجمة النقد الجزائري المعاصر، ولم يأبه الدرس النقدي عندنا بأهميتها و خطورتها لو بقيت مضمرة ألا وهي ظاهرة الناقد و الباحث الفحل ؛ التي ينمذجها بامتياز الروائي و الإعلامي أمين الزاوي، لعل غموض المصطلح وإشكالية ترجمته من غموض شخصية صاحبها العلمية ، عندما تراه يجمع بين تخصصات عدة فلا تخلوا مادته العلمية من السطحية. خطاباتهم التي يتجنبها النقد الثقافي عندنا بالجزائر تحمل في طياتها النموذج في السطحية و الغموض الفكريين، كالخوض هكذا بفحولة و بأبّهة النجومية في كذا من تخصص كون صاحبها قد منح شهرة أوصلته إلى درجة "مفكر فحل"! ؛ يخوض حتى في المقدسات و أعقد المواضيع المحيطة بها ، فماذا ستعني الترجمة و المقالة / الخطابة الإذاعية أمام هكذا مفكر حر و فحل؟ أكيد و لا شيء ، و الزاوي كما هو معلوم اختص بكتابة الجسد و وصف خطابه روائيا   corps  discours du هكذا يدعى في الثقافة الفرانكفونية ، ما من رواية يكتبها إلا و يكون الجنس والمرأة موضوعها الأساسي ، ما من ندوة أو مقابلة مع قامة كبيرة إلاّ و يكون الجنس ضمن الثلاثي الروائي المحرّم موضوعها الأساسي.

لكن في سؤال إلى ضيفه الشاعر اللّبناني الكبير تنكشف أدواء فحولة متمركزة حول ذاتها تمركزا لا شعوريا ، ليس ليكوّن جمهوره من خلالها، لكن كي يظل في مقابلة التراث بفكره العلماني ، طبعا المقاومة شدا و جذبا مع جمعية العلماء المسلمين و غيرها ــ كما حدث في قضية ازدراء الرسول (ص) عام 2008 إثر استضافته للشاعر أدونيس بالمكتبة الوطنية ــ ستثبته فرضا و ترسبه مفكرا فحلا في مخيال الثقافة الجزائرية الراهنة ؛ فهو بعد أن طرح السؤال : ما علاقة الجسد بالكتابة[15] ؟ على ضيفه الشاعر و المفكر أيضا بول شاؤول ، الذي كان ذكيا و لم يكن مراوغا ، كما قد يتبدى لغير المختصين ، بحيث كشف احتكار أمين زاوي  و التعاطي الغامض مع قضايا مثل هذه ، و المرتبطة بالسياقات الثقافية ، إما الفرانكفونية أو الأنجلو سكسونية. لكن  يظهر الالتباس مع محاولة ترجمتها ﻔلفظ le corps مثلا في فرنسا يحمل معنى الجنس ، و معنى "الجسد" غير معنى "جماليات الجسد" عندنا، لذلك كان حري به باعتباره أكاديمي قول "جمال الجسد" ،  ففي بلد كالجزائر وحتى لبنان ستبقى دلالات "الجسد" هي الجسد عموما ( خارج سياق الفن و الإبداع الروائي وداخله معا ) و في مستوى سؤال الزاوي الغامض جاءته الإجابة ، حيث إجابة ضيفه الشاعر بول شاوول كانت كالآتي : الجسد هو الذي يكتب موش إحنا ، الدماغ جسد ، اليد جسد هي التي تكتب.. و عُقد بعدها لسان أمين الزاوي تماما و لم يزد ببنت شفة! معتقدا أنه سيقول له أن الجسد عملة صعبة في الرواية ، وهذه الواقعة التي وقع فيها الزاوي تبين وجود إشكالية الترجمة حتى خارج النقد نتيجة عدم وضع المترجم لمشكل التباين الثقافي من بلد لآخر في الحسبان: " فالترجمات و المؤلفات العربية تختلف مشرقا و مغربا، بحيث أن الإنتاج الفكري في بلاد المشرق العربي و حتى المهنيون أنفسهم يميلون إلى المفاهيم الأنجلو سكسونية، في حين يستخدم المصطلح بالمفهوم الفرانكفوني في المغرب العربي."[16] ، فلبنان  بلد فرانكفوني مثل الجزائر لكن دائما هناك أصالة و ثقافة عربية مقدمة عن حب التراث الفرانكفوني ، يعني نحن بصدد المثاقفة لا الذوبان في ثقافة الآخر.

النموذج الأول المختار عشوائيا عن استسهال الترجمة بمجرد أن صاحبها ضالع في اللغة الأجنبية ، مأخوذ من العدد 12 مجلة اللغة و الأدب جامعة الجزائر2 ، صاحبته أستاذة اللسانيات خولة الإبراهيمي حين تقول : « مشاكل الترجمة و النقل من لغة إلى أخرى كثيرة و معيقة. ومن أصعبها نقل المفاهيم الأجنبية وقد وضعت في مجال حضاري معين، ومن أهم الصعوبات التي نلاقيها وجود المقابل الاصطلاحي العربي للدلالة على هذه المفاهيم »  حتما ذلك المصطلح الذي تبحث عنه يكون موجود بشكل مقارب في تراث اللغوي العربي، لكن هل ستهتدي إليه كل من له أصلا كبوة أو ثغرات تعلّم اللغة في مرحلة الصغر و ما بالك في مرحلة الكبر، جراء الظروف التاريخية و الاجتماعية المعروفة ، حتما لا ، حتى ولو كان أو كانت من الذكاء ، بل والعبقرية بحيث تجعلها تتخصص في اللسانيات العربية وهي التي ترعرعت في مجتمع لسانه أبعد ما يكون عن العربية وهي بنفسها تقر بذلك ، حين تقول أنها بصدد تعريب أساتذة التعليم العالي[17]  ثم تخوض في شرحها لترجمة كتاب " محاضرات في اللسانيات النصية" العنوان الذي اختارت له الترجمة التالية : مبادئ في اللسانيات النصية  éléments de linguistique textuelle  بمجال ارتياب واسع، بل الأقرب إلى الصحة هو مبادئ اللسانيات النصية بدون في dans ، ثم تدلف إلى الباب الأول تحت عنوان وحدة التحليل النصي فتترجم كلمةproposition  ﺒ "القضية" متحاشية الترجمة الحرفية، حيثla question  ههنا هي الترجمة الأقرب إلى الصحة لي "القضية" و هذه الترجمة الملتبسة موجودة كذلك في معجم المصطلحات اللسانية لصاحبه المغربي عبد القادر الفهري (ص329). أما  proposition فتعني الاقتراح أو الافتراض[18]  حتى و إن جاءت الترجمة في سياق الجملة ، ومن هنا كان على المترجمين اللسانيين الأوائل سعيد يقطين و الفهري و حسن بحراوي و غيرهم ترجمة مصطلح proposition  في اللسانيات إلى "القضية الافتراضية."

و في نموذج آخر مقال مترجم عن التداولية لنفس المنظرة في العدد 16 بمجلة اللغة و الأدب العلمية المحكمة/ جامعة الجزائر2 ، يتبين فيه انتفاء الجهد الترجمي من الوهلة الأولى في العنوان الفرعي الذي اختارت ترجمته كما يلي:  التداولية / المفهوم ، و يندرج ضمنه ترجمة فقرات حول مصطلح التداولية و يساعدها في ذلك زملاء كما تقول[19]  لكنها لم تذكر تخصصهم ، يعني في تقديرها في هذا العنوان الفرعي باستعمال الشرطة المائلة أن التداولية مرادف المفهوم! كما يلاحظ إهمال تام لنظام التنقيط في نصها الذي من المفروض أن يساعد على فهم جمل النص. وبالتالي فهم التداولية باعتبارها أصلا مفهوما نقديا جديدا وعصي على الفهم. وممّا جاء من ترجمتها لمفهوم التداولية كمصطلح جديد عن النقد العربي بحسب مقاربة اللساني الفرنسي Roland Eluard بقولها : " التداولية إطار(..) فيما أفرزته من تصورات صورية مبالغ فيها.."[20]  في هذه الترجمة غموض بيّن تجعل من مفهوم التداولية غامضا لدى الباحثين فضلاﹰ عن الطلبة ، لعلّ الكثيرون مثلي لا زالوا لا يعرفون كيف يتصور المتصور!؟ و هناك في نفس بحث الكاتبة عدة كبوات ترجمية لا يسع المقام لذكرها جميعها، بينما لا بأس من ذكر ما ورد في البحث الذي قبله مباشرة في هذا العدد من مجلة اللغة و الأدب وهو بحث بعنوان مفهوم النص عند المنظرين القدماء لمحمد صغير بناني، من أخطاء ترجمية عديدة بخاصة التي أوردها في حواشي البحث حيث يترجم الاستطراد discursives بالاستقراء  و théorie de l’évolutionnisme  بنظرية التطور الارتقائي مجانبا ترجمات مشرقية متفق عليها وهي النظرية النشوئية كما أن في الارتقاء معنى الصعود ، ولا يأتي بأداة التعريف : النكرة تتبع النكرة والمعرفة المعرفة كذلك في اللغة الفرنسية ، و يقول أن anomalie  هو الشذوذ لكن يرافقه بترجمة أخرى هي اختراق الدلالة! وعلى العموم يورد ترجمات تأخذ بعين الاعتبار المعاني و ليس الألفاظ و هي مقبولة عندما يتعلق الأمر بالتماس جمع المادة العلمية لا الحرفية الشعرية كقوله référentiel : تعيُني (بضم الياء) في تعريفات الجرجاني لا مرجَعي. إما إذا اتخذت الترجمة أسلوب الذوق الشخصي و العصبية القبلية فإنها الفوضى التي ترهن وضوح الدرس النقدي.

غير أنه هناك منهج سري يدعى الحفظ و أخذ الاستسهال بالعادة ، يأتي مخالط للمنهج العلني عند هؤلاء ، يصبح كل شيء واضح و يستمر دوران الحلقة أبا عن جد ، فخولة الإبراهيمي أستاذة اللسانيات و رئيسة مخبره ، غير أن فرانكفونيتها في قسم اللسانيات العربية لا يخالطها شك نتيجة تكونها باللغة الأجنبية في مراحل الصبا و تأليفها مؤلفات في اللسانيات بالفرنسية ، مما يجعلها تلجأ إلى الترجمة الظرفية المتسرعة أثناء ترجمتها للمقالات الأجنبية لطلبتها ، أما عن مطواعية لسانها للتحدث بالعربية ففيه كلام لا يمكن التملص منه بسهولة. إن ترجمات المغرب العربي النقدية دائما تحتكم وتأخذ بعين الاعتبار الأصل الأول الذي ترجم به المصطلح البنيوي والشعري من قبل المغاربة الأوائل حسن بحراوي والفهري وغيرهما وللأسف قد يأخذ المشارقة من الجيل الجديد بهذه الترجمات أيضا كناقد أردني اسمه ثامر المصاروة صاحب دراسة نظرية " البنيوية بين النشأة والتأسيس" لفائدة طلبة مرحلة الليسانس قائلا أنه تعريف للبنيوية وقد ارتآه جان بياجيه في كتابه (البنيوية) : [ أن إعطاء تعريف موحد للبنية رهينٌ بالتمييز " بين الفكرة المثالية الإيجابية التي تُغطي مفهوم البنية في الصراعات أو في آفاقٍ مختلفةِ أنواعِ البنياتِ، والنوايا النقديةِ التي رافقتْ نشوءَ وتطورَ كلِّ واحدةٍ منها مقابلَ التياراتِ القائمةِ في مختلفِ التعاليم"[21]] إنه تعريف أنموذج غير متسم بالوضوح والدقة إذا كان حقا تعريف يخص بنيوية جان بياجيه ( لأنه غير مهمش ) ينم عن عدم الاكتراث والهروب إلى الأمام، فكيف يفهم طلبتك هذا التعريف وهو ضارب بالغموض أسداس على أخماس ( تأمل الجمل المسطرة جيدا علك تخرج بنتيجة غير الطلاسم : فكرة إيجابية تغطي مفهوم: يعني أن هذا المفهوم الذي تغطيه سلبي فلماذا لم تقل تغطي عن؟ ــــ في آفاق مختلفةِ أنواع البنيات: هنا يوجد خطأ نحوي ولعلّه مطبعي أيضا : في إيقاع مختلفِ أنواع البنيات ــــ النوايا النقدية : هل نحن بإزاء بنية معينة أم قد حولتنا إلى قلب الناوي؟..) إلا إذا كنت ترغب في أن يحفظوه على ظهر قلب كما حفظته أنت قبلهم لا أن يفهموه.

أما الأستاذ عبد القادر بوزيدة الذي يشغل رئيس قسم مخبر الترجمة في قسم اللغة العربية و آدابها بجامعة الجزائر2 ، و كان موضوع بحثه للدكتوراه ترجمة فعل être et avoir في العربية، يأتي هو الآخر بترجمات غير مضبوطة تمام الضبط تنم عن الاستسهال المقنّع إذا ما أخذنا في الاعتبار خبرته في المجال، وجدت الكثير منها في أعداد مختلفة من مجلتي اللغة و الآدب و الآداب و اللغات المحكمتين اللتين يصدرهما القسم المذكور أعلاه ، غير أني حملت عينة فقط منها وهي تخص ترجمة المصطلحات اللسانية ترجمة خاصة كما يورد هو نفسه ( مختلفة عن الأصل في المؤلفات الأساسية الخاصة بترجمة المصطلح اللساني والبنيوي والتي يستند عليها الدرس اللساني وتعود معظمها للمغربيين كمعجم المصطلحات اللسانية لصاحبه المغربي عبد القادر الفهري ) لذلك يقول أن :

cohésion تعني عنده السبك ( التماسك) بينما الالتحام و الانصهار الأقرب إلى الدقة.

Situationalité هي المقامية ، لكن المقامية السياقية أو الموضعية ( في اللسانيات)هي الترجمة الأقرب إلى الدقة.

cohérence : الحبك (الانسجام) ، لكن الترابط وهي الأقرب إلى حمل المعنى.

intentionalité : القصد ،  الصحيح هو القصدية و القصد غير القصدية 

informativité : الإعلام ، الصحيح هو الإعلامية و الإعلام غير الإعلامية

intertextualité : التناص، الصحيح هو التناصية و التناص غير التناصية[22] أما نصوصه المترجمة من الفرنسية عن الأدب المقارن كترجمة مقال بعنوان " الاستقبال الأدبي ظاهرة تاريخية واجتماعية " لصاحبه مانفريد ناومان، هذه الترجمة تقترب في مستواها من ترجمات الصحفيين (الغير مختصين) لما تحويه من استسهال غير مبرر، لا من ناحية ضبط الدقيق للكلمة العادية ـــ وليس للمصطلح ـــ وهي بمعزل عن سياق التركيبي ولا من ناحية تغييرها وفق ما يقتضيه سياق الجملة، ثم يزيد عن ذلك عدم استغلال علامات الوقف والعارضات، كمن يعرف كيف يؤثر بهذه الترجمات الهزيلة على طلبته من مستوى الماجستير والليسانس معا في حال تجرأ أحد منهم و قال أنه عسر عليه فهمها، فسيضطر عندئذ إلى تحديد لهم ما يجب حفظه لا فهمه، كما فعل هو بنفسه عندما كان طالبا وقل عندئذ للأسلوب عليك مني ألف سلام.

ويقوم هذا المنظر و الباحث الجزائري في مقاله مدرسة " تارتوـــ موسكو" سيميائية الثقافة و النظم الدالة على إحراج الباحث المغربي جميل الحمداوي بتخطيء معلوماته حول المدرسة دون تنويه و لا إشادة بالجهد ، كما دأب أن يفعل مع طلبته ( كونه يحرص على التماس الدقة على طلبته فقط ولا يحرص عليها على نفسه أكان ناطقا أو كاتبا أو ضاربا للأمثلة! ) و كان ذلك في العدد 3 مجلد 35 الصادر العام 2007 من مجلة عالم الفكر الخاص بالسيميائيات ، حين يقول" أن الحمداوي خصص سطورا قليلة لهذه المدرسة وهي على قلتها تحتوي على العديد من الأخطاء وهذا ليس صحيحا بل الأصح أنها جاءت كذلك لما كانت مقتضبة ــــ نتيجة سياسة النشر حيث يكافأ الباحث ماديا بحسب عدد صفحات بحثه ـــ فظهرت منتقصة معرفيا. وبمقارنة بسيطة بين مقال الأستاذين من ناحية الأخطاء اللغوية سنجد أن مقال الحمداوي الأقرب إلى تحري السلامة اللغوية من مقال بوزيدة و لا ريب في ذلك ، كون الباحثين الجزائريين المخضرمين تلقوا أول ما تلقوا اللغة الفرنسية في حداثة سنهم في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ناهيك عن لهجة مدرسة العائلة ، فالعائلات الجزائرية في المدن و الحواضر الكبرى تلقن أبناءها عربية مشوبة بالفرنسية والألفاظ التركية و الأمازيغية وإذا ما تجاوز الشخص مرحلة الطفولة كما تقول به نظرية الاكتساب لنعوم تشومسكي لا يكون بمقدوره التحكم بيسر في قواعد اللغة لفظا أو كتابة ، والنظرية هذه تنطبق على بوزيدة وهو الباحث المخضرم في الصفحة الأولى فقط من بحثه هذا العديد من الزلات والأخطاء، كقوله: ".. أو التي تسعى إلى المعالجة النظرية للمسائل التي تثار بصدد العلامات وكيفية اشتغالها وإنتاجها للمعنى" فلفظة "صدد" هنا مقحمة على الجملة وهي بمعناها (الغاية) في غير سياقها مؤدية لغموضها، كان من الأجدر قوله: يتغيا أو يهدف البحث السيميائي إثارة العلامات وكيفية اشتغالها وإنتاجها للمعنى"  وكقوله: " مدرستي "تارتو" و"موسكو" والمشارب الفكرية والثقافية التي نهلتا منها "  ولمّا يقول أيضا : " وهو اختلاف يضرب بجذوره بعيدا في تاريخ.."[23] و الصواب : مدرستا "تارتو" و "موسكو" و المشارب الفكرية و الثقافية التي نهلتا منها ، لأن مدرستا مبتدأ وكان بإمكانه تفادي هذا الشرك ـــ الأسلوب المتواضع المشتت للذهن لمّا أدرج التثنية والجمع ثم العودة إلى التثنية في جملة واحدة ـــ بصياغة أخرى أكثر خفة وجدارة أسلوبية في قوله: مدرستا "تارتو" و "موسكو" بما نهلتا من مشارب فكرية وثقافية، وهل الجذور لما تضرب بعيدًا تضرب أفقيا أم عموديا؟ بل الأصوب هو تضرب عميقا، والملاحظ في بحثه هو وجود خلل واضح في استعمال المزدوجتين و الأقواس التي كثير ما يحرص على اتباع خطوات محددة بخصوصها على طلبته ، وفي توزيع الفواصل على الجمل بشكل غريب؛ حيث لا تنتهي الجملة بعد لكنه يعمد إلى قطعها وتكسيرها بالفاصلة كقوله: ولذلك فإن هذا المقال يمكن أن يلفت الانتباه إلى مدرسة "تارتو ــ موسكو" والتبصير،على الأقل، بضرورة الاهتمام بها، ثم يختم زلاته بالتعريف بنفسه في الهامش بأنه أستاذ لغة ـــ جامعة الجزائر، فقط دون تحديد!  مع التحفظ الشديد حول هذه الملاحظات من منطلق أن هذه الأبحاث التي ينشرونها في بعض المجلات الفكرية الثقافية ، كمجلة عالم المعرفة ، لا تكتسي صبغة البحوث الأكاديمية بمعنى الكلمة بل تشبه إلى حد ما ورقة أو خطبة معدة للإلقاء أو المقال الموضوعي.

 وخلاصة القول أن الترجمة ليست نقلا حرفيا ولا تحويلا أوتوماتيكيا للمعنى بل هي تحقيق تماسُك النص من الناحية اللغوية، وأن يترجم بمفردات ثرية وجُمل وعبارات حاذقة ورشيقة، وفي الوقت ذاته ينقل المشاعر والأحاسيس، ويحافظ على الأفكار والسياق الضمني للنص، كما لا يمكن إغفال غلبة النزعة الأيديولوجية على الباحثين الجزائريين تُعميهم عن أمور عدة منها ما هو مكلف كاستسهال الترجمة. ونقول عامة وليس خاصة، وهذه العامة أدركت جيدا معنى الترجمة الأدبية فصرفت كل مجهودها في التعمق في اللغة الأجنبية وفاتها الانضباط مع اللغة الأم والتنظيم التحريري ـــ حتى لا أقول الإنشائي ـــ يعني تتابع الأفكار وترابطها ونموها السلس من الأبسط إلى البسيط فالمركب فالعميق. فعندما تقرأ ترجمتهم تحس أنهم بصدد تحصيل أرزاق، والأمثلة عديدة لا تحصى، وقد أوجعتني ترجمات عدة قرأتها قبل قراءة ترجمة " طرائق تحليل السرد الأدبي دراسات" لنخبة من رواد المنهج البنيوي وبعدها.

و قد لا يُلتمس في التنظير النقدي الجزائري بخاصة ، والمغاربي بعامة الغموض من جراء الترجمة عن الفرنسية فقط ، بل كذلك من الترجمة عن الترجمة ، و الإطناب المصطلحي أو التقتير المصطلحي ، في وجود إشكالية ترجمة المصطلح كما في هذا الشاهد المترجم عن الكتاب الشهير"cours de linguistique générale"  : " إن السيميولوجيا تدرس العلامات و أنساقها ، سواء كانت هذه العلامات لسانية أم غير لسانية"[24] و هل هذه الأنساق هي غير العلامات لسانية و غير لسانية حتى يذكرهما المترجم معاﹰ؟ الأصح هنا وظائفها لأن السيمياء و البنية مرادفات للنسق وهذه الترجمة الضامرة من شأنها إرباك الطالب و تشتيت طاقته الذهنية في إدراك مفاهيم المصطلحات ؛ عندما يدخله الظن أن هذه العلامات هي غير الأنساق و إلاّ ما كانت لتُذكر، هذه هي الترجمة الحرفية التي تحدث عنها حمد دخيل. و غالب الظن أن هذا الغموض هو أحد أسباب سيطرة المنهج البنيوي على الدرس النقدي في الجزائر إلى درجة التغافل عن معاني النصوص، مع تطور دراسات الخطاب والتداولية والنقد الثقافي ونظرية التلقي وكلها أعادت الاعتبار اتجاه ما يسمى حدس المعنى وعلاقته بالمؤلف ، كما نعلم البنيوية وُلِدت مفهوما غامضا في أصولها الفرنسية و ظلت كذلك حتى انتقدها كثير من اللسانيين ومن داخلها برؤية لسانية منهم نعوم تشومسكي بإدخال مفهوم الوصفية، كون أن الاتجاهات الوصفية قد اهتمت بدراسة الجانب المعنوي اهتماما كبيرا.[25]

 

أما التقتير المُحيل إلى الغموض نجده في قول الناقد المغربي : " تستند البنية السطحية إلى مكونين أساسيين : المكون السردي ، والمكون الخطابي. يدرس المكون الأول الأفعال، و الحالات ، و التحولات ، ومنطق الجهات ، والبنية العاملية . في حين ، يدرس المكون الخطابي الصور من جهة ، و يقارب الحقل المعجمي و الحقل الدلالي والأدوار التيماتيكية التي يقوم بها الفاعل من جهة أخرى"[26]  أي صور تلك المقصودة؟ المتلقي يحتاج هاهنا إلى شرح ، لعلّ مشكل هذا التقتير راجع لعدم ضبط مفهوم الصورة ضبطا دقيقا ، ليصبح المكون الخطابي عبارة عن دراسة للصور ذهنية مجردة أم لصور مجسدة؟ ، فنحتاج هنا إلى ضبط المصطلح إمّا الصورة أو الوحدة الدالة في السيميائية و لا نقوم بتغييره بعد ذلك ، أي نلتزم بمصطلح الذي ضبطناه ، وبذلك نتفادى الغموض من جراء "الأوأوات" كما في قول الناقد جميل حمداوي : " و يكون قادرا على تدبر و فهم عميق للدلالات السياقية للكلمة أو الصورة أو الليكسيم."

ناهيك عن الفقر أو القصور اللغوي عند المنظّر و مصدره يعود لظروف أول اكتساب للغة في محيط العائلة و المجتمع المختلط اللغة فرانكفونيا و أمازيغيا ، كما أسلفنا غير ما مرة في مقالاتنا السابقة ــ لا يختلف المغربي عن الجزائري كثيرا ــ أما في النموذج التالي للناقد الأكاديمي عثمان بدري في نفس العدد من مجلة اللغة و الأدب الأكاديمية فغموض مقاله ناتج عن التناقض ؛ بحيث أن الفترة الجاهلية و الأموية أسبق من العصر الذهبي للبلاغة العربية ألا و هو العصر العباسي لكن بدري رأى العكس! إذ يقول : " (..) وفي سياق هذا التصور للغة الشعرية نستطيع أن نفهم لماذا وظف الشعر العربي القديم ــــ بشكل عفوي  و بشكل  واع  بعد ذلك مختلف المفاهيم البلاغية  كالتشبيه و الاستعارة و الكناية و التورية و المجاز و غيرها من المحسنات الأخرى بشكل مغاير ــــ إن لم نقل مفارق للأسس المدرسية المعيارية التي بنيت عليها البلاغة العربية من قبل كثير من البلاغيين المقولتيين"[27] ، و هو يقصد بالمحسنات ههنا أنواع البيان الأخرى وكأن المحسنات ليست بالمفاهيم البلاغية حتى يعزلها على المفاهيم البلاغية. البلاغة هي الشعر نفسه لذا هي دائما تأتي عفوية كما يأتي الشعر ومن أدرك مسبقا ماذا سيضيف وماذا سيحذف كان متكلفا غير مجيد، ثم إنه كان حري بالباحث ترك امرئ القيس و اختيار دراسة الصورة البلاغية لدى شاعر آخر من شعراء المعلقات أو من فحول الشعر العربي و ما أكثرهم ، لأن هذه الدراسة إذا لم تطرح في الحقيقة موضوع الانتحال و السرقات من بحوث الآخرين فإنها تطرح التشبّع المعرفي فيها من كثرة قراءتها و الاطّلاع عليها عشرية بعد أخرى ، فالصورة الشعرية في شعر امرئ القيس كثير ما طُرقت و أفاض فيها نقاد و باحثين من المشرق العربي و مغربه، سواء في شكل أطروحات أو بحوث قصيرة ، و لعلّ الدراستين المعروفتين المشهورتين التي لطالما اجتزأت منهما البحوث الأكاديمية الجزائرية موضوعها و منهجيتها دراسة بعنوان " إشكالية المعنى بين الصورة البلاغية و الصورة الشعرية ، نماذج من شعر امرئ القيس و المتنبي " و " نظرية المعنى في الشعر العربي القديم امرئ القيس نموذجا" وهما لمصطفى ناصف في بداية الثمانينات و دراسة أخرى بعنوان : " الصورة الفنية في شعر امرئ القيس" (1983)  لسعد أحمد محمد.

ونبقى مع نفس الباحث لنشير إلى غموض من نوع آخر يقف وراءه مستوى الترجمة ألا وهي ثبات فهم النقاد الجزائريين للمدرسة البنيوية، وهو الفهم الذي انجر عن ترجمة أعمال " جماعة كما هو  Tel Quel" ولم تتغير نظرتهم إليها مع التحولات التي طرأت على البنيوية إثر النظريات اللسانية والخطابية الجديدة مع تشومسكي وأستن وسيرل وفوكو وليتش و المنظرين العرب في مقدمتهم عبد الله الغذامي وإبراهيم عبد الله وحتى المغربيين، بالتالي بقيت أفكارهم ثابتة تستقى من ترجمات قديمة سنوات الثمانينات. عزاء ذلك أنه أثناء تلقيهم للاتجاهات البنيوية فرقوا بين التنظير والتطبيق، في حين أنه أي تنظير لا بد وأن يجاريه التطبيق تماما كما فرق ساستهم بين الصناعات الثقيلة والصناعات التحتية الخفيفة في الميدان الاقتصادي حتى أفلسوا.

ففي كتابه "بناء الشخصية الرئيسية في روايات نجيب محفوظ"  بإمكان أيٍ كان التأكد أن قدر الأدب الجزائري كان أن ولد متواضعا لظروف يعرفها الجميع ثم جاء قدره الثاني وهو مواكبة مولده انتشار و ذيوع النزعة البنيوية التي زادته تواضع عن تواضع ، و الآداب العظمى في العالم إنما عرفت بمضامينها الإنسانية و الواقعية أما الصغرى المهمشة الطريحة الفراش فلا تعرف إلا بأشكالها و ببنية نصوصها ، و يتجلى هذا الطرح في محاولة صاحبنا التغطية على الموهبة و المقدرة الإبداعية بالتحليل البنيوي أو نقد النقد ، برغم مظاهر العلمية و الأدبية تتجلى شيمة عصبية قديمة لعبت فيها ترجمات الفكر البنيوي الفرنسي دورا حاسما ، و العصبية التي نقصد هي هذا الناقد المدعو بدري عثمان مع ثلة نقاد المغرب سعو إلى انتقاد المنتج الأدبي و النقدي المصري و ليس إلى نقده ، و هنا يكمن الفرق بين النقد و الانتقاد ( حسب قراءاتهم وترجماتهم للمنهج البنيوي ؛ ترجمات راوحت المكان و الزمان غير آخذة في عين الاعتبار لمفاهيم لسانية وخطابية مستجدة عدة كوصفية تشومسكي مثلا و مفهوم الحدس عنده وتحليل الخطاب والرؤية في الخطاب وهو ما يصفه ميشيل فوكو بوضوح أكثر من غيره في كتابه نظام الخطاب[28] ، وكلها تشير إلى شكل من أشكال حضور السياق الخارجي متضمنا في أسبقية حضور المعنى المجرِّد للعالم الخارجي في بنية النصوص مهما عكف الناقد البنيوي تفادي ذلك )

  وفي الحقيقة أن لحمداني مع شلته وقعوا في خطأ لم يقع فيه قبلهم أحد وهو الخلط بين نقد النقد[29] و التنظير أو الدراسة الأبستمولوجيا للمنهج النقدي كون أن هذا الأخير علم و التنظير في موسوعة لالا ند نفسها يُعرّف بأنه فكر ليس له موضوع آخر سوى المعرفة أو التفسير، في مقابل الفكر الذي يكون وسيلة للفكر وينزع منزع الممارسة.[30] فكان حري بالحمداني أن يمارس نقد النقد على مذكرات طلبته ومؤلفات أصدقائه المغاربة البنيوية لا على مصنفات العرب المشارقة، فلو هو تمهل وأمعن النظر قليلا لقرأ أولا قراءةً أبستمولوجية لتلك النظرية البنيوية كما فهمها العرب المشارقة، لأنها نظرية البنيوية لم يأخذها العرب المشارقة بعواهنها لكنهم أخضعوها للتنظير بدءً من شكري عياد و أحمد درويش و كمال أبو ديب و جابر عصفور ومصطفى ناصف وصولا إلى يمنى عيد وسيزا القاسم[31]، فنظرية النقد البنيوي أخضعها العرب المشارقة للتنظير أثناء ترجمتها من أصولها إما تنظيرا فرديا في مقالات علمية أو تنظيرا جماعيا في مصنفات، وليس بالضروري أن يكون تنظيرا موحدا كذلك الذي تعود عليه المغاربة حيث أصبح التنظير بالنسبة لهم الاتفاق الأكاديمي المجاري لسياسة السلطة و المشهّر لها في شكل بريق إعلامي تحدثه الندوات و المؤتمرات " برعاية السيد فلان بن فلان"، بالتالي سيكون تطبيقهم له على أدبهم ليس بصورته الطازجة التي ظل لحمداني يروج لها وإنما بالصورة التي نظَّروا لها، تطهى على نار هادئة لتتلائم مع ثقافة معدتهم وهذا هو غلط لحمداني الكبير.

 ولو رجعنا إلى الوراء سنجد أن إخضاع ما لدى الغير من علوم للرؤية الثقافية العربية يمتد إلى ترجمة علوم الإغريق لكن النهضة العربية تميزّت بنقاد وقفوا على التنظير وألحوا عليه كطه حسين ومحمد مندور مع المناهج الحديثة السياقية ومع رشاد رشدي مع النقد الجديد/الفني و شكري عياد مع البنيوية التي لم يتقبّلها بصورتها الطازجة التي حاول جمال الدين بن الشيخ و المسدي إقناعه بها، والناقدان محمد شكري عياد و عبد القادر القط في حصة تلفزيونية عن الأشكال الجديدة في النقد الأدبي ( الشعرية والبنيوية ) التي طبعت الحياة النقدية آنذاك بثت بداية الثمانينات، قالا لفاروق شوشة ما مفاده أن افتقاد الأجيال الحالية للموقف الشخصي والتمرد على الواقع وإرادة التغيير، الموقف هو الذي يعمل الأعمال الأدبية الكبرى، وهذا التجديد في الشكل الفني يتجاهل الموقف اتجاه القضايا الكبرى، والتجديد في الأشكال هي مجرد مغامرات لا تُتقبّل إلا مع كثير من الشك، يحس المتلقي إزائها أنها مقحمة عليه، والموقف ضد التطفل والافتعال ( نحن ليس لدينا نظريات في النقد لكن لدينا نظرات في النقد أي لنا وجهتنا الخاصة في النقد التطبيقي، وأن اتجاه الشباب إلى الأشكال الجديدة بحكم طرافتها أحيانا وبحكم أنها تغطي على السطحية و عن عجز الموهبة)، فمحاكاة الاتجاه النقدي لا يمكن أن تكون إلا بعد دراسة متعمقة للاتجاه الأدبي الذي يحاكيه ، ولِما صدر عنه من فلسفة ومن رؤية الاتجاه ؛ ورؤية للحياة وموقف اتجاه الحياة ومصيبة نقدنا وأدبنا العربي المعاصر أنهما لا يتخذان موقفا، إذا كنت لا أمتلك شيئا لا داعي أن أدعي ملكيته بل أحاول أن أمتلكه، إذا لم يكن لدي موقف نابع من تراثي وموقفي الحضاري وطموحاتي نحو المستقبل فلا ينفعني في شيء أن أستعير هذا الموقف. ولعل هذه النقمة في طيها نعمة هو أننا بدأنا نرى أنفسنا على حقيقتها، وهي أننا أقوام عراة بحاجة لما يسترنا والذي يسترنا يجب أن يكون ثوبا من نسج أيدينا. الواد الأجنبي مجرد روافد لا نحتذيها ولكن نختار منها ما يمثل المرحلة المعاشة.

   أما بدري فمتأثر للنخاع بالمغاربة مفتاح ولحمداني، وإذا ما قام هذا الأخير في كتابيه "بنية النص السردي" و "سحر الموضوع" من السقوط في الغرور ( نتحدث عن الترجمة فقط ) فكيف لا يقع المتأثر به فيه؟ ولتتبع بينة ذلك لابد من إيراد البراهين التالية :

ــــ إعطائه لحمداني لدروس في الترجمة لأساتذته! و منهم مميزون كنصر حامد أبو زيد و سيزا القاسم وموريس أبو ناظر و محمود أمين العالم، مهملا بوقاحة تاريخ مصر الترجمي منذ الطنطاوي غير واعي بدور التنظير الثقافي في الترجمة حتى ولو كانت علمية كما أسلفنا.

ــــ أخذه بالمنهج البيئي في الترجمة متوهما أن المصريين أنجلو سكسونيين كلهم لا يفقهون اللغة الفرنسية كما يفقهها المغاربة. من ثمة الانحدار إلى التلقين الصبياني الساذج الغير المفهوم حين يقول أن سيزا القاسم لم تحسن كتابة اسم ريفاتير  M .Riffaterre

ــــ  يمضي إلى تصحيح كتاب سيزا القاسم نحويا في جدول دون أن يعطي القاعدة النحوية والحقيقة أن خمسين بالمئة مما ذكره هي أخطاء تعود له ــــ انظر بحثنا الموسوم " مقاربة منهجية بين البلاغة و القواعد التحويلية التوليدية دراسة تطبيقية على المنتج نقدي والأدبي المغاربي" وقد ميَزتُ للحمداني أخطاءه النحوية من المطبعية التي لم يقدر تمييزها لسيزا القاسم تعسفا ــــ مما يثبت النقص المعرفي اتجاه اللغة العربية نحوا وصرفا ومعجما وتصويتا و مطواعية لسانية عند أهل المغرب العربي لتطبعهم على اللغة الفرنسية (عام) مقارنة بمشرقه (خاص) حتى شكّل لهم ذلك عقدة لا يتروون التمهل حين يعمدون إلى التفريج عنها، لأن هناك مبالغة وشطط زائد عند لحمداني، بخاصة لما نعلم أنه تحت الحجج "العلمية ونقد النقد" ــــ الأولى به عن يجرب هذا المنهج الجديد على مذكرات طلبته أو أقرانه في الرباط ــــ يسقُط في التناقض مثبتا في الوقت نفسه أنها مجرد تعاليق غير علمية لا موضوعية، تقصد أول ما تقصد للتفريج عن النفس، ناهيك أن النقاد المغاربة ترجموا النظريات النقدية البنيوية ترجمات تكاد تكون حرفية ولم يطبقوها بينما النقاد المشارقة ترجموها باقتضاب بعد تنظيرها وغربلتها لكنهم طبقوها.

وقد فتح المغاربة باب هذا السلوك المشين منذ نهاية الثمانينات ولم يدركوا خطأ تصوراتهم حول ترجمتهم للنقد البنيوي وترجمة المشارقة له فلم يغلقه إلا مؤخرا بن كراد بمقولته " لسنا مترجمين وهو من ترجم عديد الأعمال في السيميائية! " ليقلدهم فيه من أرادوا خاصة من نقادنا الذراري أمثال يوسف و غليسي و نور الدين السد و فيصل الأحمر وغيرهم ، مسيئين إلى الرصيد الذي بلغه النقد الأكاديمي الجزائري.  فهناك كتابين آخران يعكسان ضمور الترجمة المؤدية للغموض وبوضوح حتى مع غير المتخصصين الأول " النقد العربي الجديد " لعمر عيلان بتحفيز ومساهمة من سعيدون ثلاث : بوطاجين و يقطين و علوش[32]* والثاني " في مناهج تحليل الخطاب السردي" حينما يترجم فيه الناقد فقرات كاملة ترجمة ضامرة من سلسلة Figures لجيرار جنيت في الصفحة تسعين منه يقول أن Diégésis هي القصة ثم في الصفحة المقابلة لها يأتي بترجمة أخرى Diégésis  وهو الكون الحكائي !  وفي الصفحة الثامنة والتسعين يقول أن Analepses  هي السوابق وفي الصفحة المقابلة لها يقول أن  Analepses  هي الاسترجاعات!

ورجوعا إلى مدونة عثمان بدري النقدية لِنجده يصف الروائي العبقري نجيب محفوظ أنه فنان في كذا من موضع من كتابه! ويصف الدراسات النقدية حول رواياته أنها مراجع! إنما هذا انتقاد لقامة نجيب محفوظ وليس نقدا لرواياته، يذكرنا بالنقد اللاذع الذي خاضه العقاد ضد أحمد شوقي فزاده كبرياءً من حيث أراد العكس. الانتقاد الذي لم يأخذ في الاعتبار أولا أن نسبة كبيرة من روايات محفوظ الأليق بها المناهج السياقية خاصة المنهج الاجتماعي غير أن هناك روائيون لا يقلّون أهمية عنه كاليوسُفين السباعي و إدريس مثلا، ينتظران في من يشرّحهما بنيويا فلماذا لم يفعل عثمان بدري ذلك؟ و ثانياً هو غموض فهمه مع أغلب معشر النقاد المغاربة للنقد البنيوي ، الفهم الذي تنبه له الناقد المغربي محمد برادة* الذي مفاده أن يناط بالنقاد مسايرة التغيرات الحاصلة جراء زخم من المناهج المبتكرة و التي أفسدت ما كانت تصبو إليه تحليلاتهم الشعرية، بخاصة مع اتجاه المعنى الرافض للبنية الواحدة و الذي مثله تشومسكي و الاتجاه الأيديولوجي / السيسيولوجي الذي مثله لوسيان جولدمان عندما يقول بدري : " العمل الأدبي ليس وثيقة اجتماعية أو إنسانية و ليس  موعظة بلاغية و ليس كشفا دينيا .."[33] إذن لماذا وصفت محفوظ بالفنان وما موقع بناء الشخصية في أعمال الطاهر وطار و مفدي زكريا مما تقوله يا بدري!؟  علما أن مستوى النقد في أي بلد من مستوى أدبه ثم " إن للنص غريزة مقاومة ، فهو لا يحب التطويع القصري كي يكون في خدمة تلك المناهج ، فعندما تتلاشى تلك الغريزة يتلاشى معها جوهر الأدب. والحال أن الحس السليم يقتضي تطويع المناهج لتكون في خدمة الأدب شريطة أن لا يُجريه نفس الناقد على نفس النص ، بل نقاد متعددون على نص واحد أو عدة نصوص."[34]

أما عن المصنفات الأساسية المشهورة في البنيوية و الشعرية و تحليل الخطاب المترجمة في الثمانينيات المتداولة بكثرة مغاربيا التي قلنا أعلاه بأنها مراوحة للزمان والمكان فنذكر: " Dictionnaire raisonné de la théorie du langage SÉMIOTIQUE:" لألجيرداس جريماس، وأغلب مؤلفات رولان بارث و تزيفتان تودوروف البنيوية، و كتاب " طرائق تحليل السرد الأدبي دراسات" لنخبة من رواد المنهج البنيوي، وأغلب مؤلفات جيرار جنيت حول البنية السردية ، و " مورفولوجية الحكاية العجيبة " لفلاديمير بروب (وهو ترجمة عن ترجمة) و "نظام الخطاب" لميشيل فوكو. فكتاب "قضايا الشعرية" لرومان جاكبسون مثلا، ترجمه في الثمانينات مترجمين غير مختصين تمام التخصص محمد الوالي و مبارك حنون، يحمل من الغموض و ضعف ضمور المستوى ما يحمل كقوله: "وعلى عكس اللسانيين الأمريكيين، أولى جاكوبسون عناية غير يسيرة للمعنى محاولا دراسته دراسة لسانية، فحدد العلاقة بين الدال والمدلول تحديدا خاصا و أوَّل اعتباطية الدليل باعتبارها مُجاورة مُسنّنة contiguité codée كما كان من بين اللسانيين الأوائل الذين درسوا المعيِّنات les embrayeurs "[35] ، يتأتى غموض هذه الفقرة في إسقاط المترجم مفردة "منهجية" من كلامه حيث من المفروض قوله : محاولا دراسته دراسة منهجية لسانية ، كما يتأتى في الترجمة ( المسطرة ) الغريبة جدا : أولا حتى وإن فرضنا أن المفردتين "المسننة" و "المعيّنات" تقاربان المعنى المراد، لا يحسن إيرادهما لأنهما غير مستساغتين في القاموس المصطلحي النقدي الأدبي العربي، ناهيك أنهما لا يقاربان المعنى الأصلي المراد الذي ابتغاه جاكبسون ضمن سياق الجملة فبالنسبة للترجمة الأولى نحن بصدد : مناظرة دلالية (مشفرة للمعنى) وبالنسبة للترجمة الثانية : ألفاظ باعثة للدلالة أو المعنى، هي التي تحدث الوصلة نحو المعنى.

 2.1 ــ تكديس المفاهيم النقدية و عدم ضبط المصطلح النقدي

إن العبث بالمصطلحات مرتبط بعشوائية و ضمور الترجمة، عندما يغدو المفهوم النقدي المراد غامض عصي على الفهم على حدى، أو لدخول مفاهيم أخرى عليه فاختلاط الحابل بالنابل، فكيف إذ ذاك نحبب الطلبة إلى المصنف الجزائري الذي موضوعه النظرية النقدية؟ بل إننا ننفّرهم إلى مؤلفات المشارقة أو نجعلهم يرتكسون و ينتكسون فيلتمسون الحفظ بدل الفهم، كأنها لغة غريبة عنهم تجعلهم يحفظونها أسوة بطالب الطب مع درسه المفرنس ، و هذا عكس ما هو حاصل في المشرق العربي النظرية النقدية يجب أن تفهم وكي تفهم يجب أن يكون هناك منطق يجتنب الاستطرادات ، يُحيل بالمفهوم إلى معنى واضح فآخر أوضح منه ، وكي تُفهم و تُطبّق يجب أن تأتي في ثوب لغوي جمالي يجذب المهتم و يجعله يغوص في التخصص أكثر وأكثر بمجرد أن تُحفّز حاسته و تطمح ذائقته ينحو ناحية التطبيق دون الرجوع إلى نص النظرية ثانيةﹰ.

فعادة تكديس المفهوم على آخر و عقليته التي درج عليها مجال التنظير النقدي الجزائري دون ما وضع حال الباحث و الطالب في الحسبان تظهر في قول محمد ساري في مقاله " السوسيو نقد " بالعدد 15 من مجلة اللغة و الأدب حيث يربط السوسيوــ نقد بكذا من مفهوم أعمق و أغمض من سابقه [36] ، وهو يصول و يجول في أكثر من صفحة[37]  ﻛقوله : التحليل السوسيوــ نصي و التأويل السوسيولوجي ، حيث التأويل هنا هو بحد ذاته منهج مستقل محتاج لبعض الشرح، مضيفا لهما مفهوم " السوسيولوجيا الجدلية للأدب"  ثم مفهوم الأدبية littérarité  و غير بعيد يذكر " شعرية النصوص"  ثم " البنيوية التكوينية " و يغطي الجميع بمصطلح الأيديولوجيا و المنهج التاريخي مع غياب تام للهوامش المساعدة فضلاﹰ عن افتقاد لسلاسة التعبير و جماليته. أصبحت الاستقصاء والتجميع أكاديمية ميكانيكية باردة كما يذكر الناقد الأردني إبراهيم خليل: "حرصت على التوضيح أكثر من الحرص على التجميع واستقصاء وجهات النظر، على ما فيها من تعارض وتناقض، وما بينها من اختلاف وتعارض، لأن من شأن الغوص في هذه المناقشات والإيغال في التباينات والمجادلات أن يضجر ويفسد سلامة التلقي"[38]

  فشتّان بين ذلك الغموض و بين هذا الوضوح و سلاسته في تعريف الناقد السعودي عبد الله خضر حمد لمفهوم الانزياح : " انحراف الكلام عن نسقه المألوف ، و هو حدث لغوي ، يظهر في تشكيل الكلام وصياغته، و يمكن بواسطته التعرف على طبيعة أسلوب الأدبي ، بل يمكن اعتبار الانزياح هو الأسلوب الأدبي ذاته "[39]  مدرجا لكثير من الهوامش التوضيحية ، و لا عجب أن يؤكد النقد المشرقي ممثلاﹰ في اسم الناقد محمد القاضي أن العرب سعوا إلى المناهج النقدية المعاصرة لرهانات ثلاث و جوبهوا بتحديات ثلاث ، يذكرها تباعا: التحدي المصطلحي و التحدي التطبيقي و التحدي المفهومي ، من طبيعة النظرية النقد أنها أولا وأخيرا الطريق الموصلة للهدف ، فكيف بها إذا كدّست مفاهيم أخرى صعبة الفهم ولا حتى المبالغة في ذكر المفاهيم المرادفة أو المتقاربة المعاني ستصبح كأنها متاريس قاطعة لتلك الطريق ؛ ولعل التطبيق هو الذي كشف عيوب مدرسة التنظير النقدي في الجزائر والتي نشاطها كمي متذبذب وليس كيفي ، كالتي تظهر في مصطلحات مرة تُذكر كمترادفات مرة تذكر كأنها غير ذلك ﻛ : البنوية و البُنيوية و البِنيوية و الوصفية و النسقية و النظام و النصانية و النصية ــــ السيميائية و السيميوطيقا وعلم الإشارة و السيميولوجيا و علم العلامات ــــ التشاكل و التقابل و التناظر ــــ المنهج الاجتماعي و المنهج السيسيولوجي ــــ الخطاب و التلفظ ــــ الحوارية وتعدد الأصوات ـــ التأويل و الهيرمينوطيقا و التفسير ــــ الشعرية و البويطيقا والشاعرية ــــ التحريف و المفارقة و المغالطة ــــ الانزياح و الانحراف و العدول ــــ الأبوية و البطريركية ــــ الرؤية السردية و المنظور و التئبير ــــ التفكيكية و التقويضية و التشريحية ــــ التناص و النص الموازي و التناسخ النصي و هلم جر .. كما درج عليه المنظرون الجزائريون دون أن يقفوا على تسمية مصطلحية ثابتة،وقد فتحوا الباب لإنجاز أطروحات عديدة في هذا الشأن تحت عنوان " إشكالية تعدد المصطلح النقدي " قد تتجاوز الدكتوراه إلى نيل درجة الأستاذية بها وهم المتسببين فيها مناصفة مع المغربيين*! لا يمكن اعتبار توظيف مصطلحات من مناهج مغايرة إلا علامة من علامات عدم التحكم في المنهج، ويؤدي ذلك إلى خلط في المفاهيم وفوضى واضحة في النتائج.

وبخصوص مفهوم الانزياح هذا يجعلُه الناقد الأكاديمي فيصل الأحمر يقارب مفهوم "سيميائية الخطاب الشعري"[40]  بل و يكدّس عرمرم من المفاهيم حوله ﻛ " الوظيفة العلائقية لتشومسكي" و" العلائقية في النص الشعري الكلاسيكي" إلاّ ليثبت أن الانزياح في اللغة هو كلام غير اعتيادي في علاقة بالخطاب اللغوي ؛ فيؤدي إلى إزاحة قدم الباحث إن لم يُدخله في حالة ملل أبستمولوجي إن جاز التعبير ، فإنه يدخله في عملية هدم الفكرة بالتي تليها نتيجة تفسير الغامض بالغامض ، بإطناب و إحالات إلى مفاهيم تحتاج هي الأخرى إلى تقصٍ. كما نجد في قول منظر آخر قوله أن النموذج العاملي " الذي يُعد تشخيصا غير تزامني ، و استبدالا لعالم الأفعال (..) "[41]  لعلّ الاختيار الغير موفق الذي يزيد من غموض هذا الشرح للنموذج العاملي يكمن في مفردة استبدالًا عوض تحولاﹰ لأن الاستبدال في اللسانيات يحمل مفهوم الآنية / التزامنية و الخطية كما هو محور الاستبدال المقابل لمحور التركيب في الجملة اللسانية الديسوسيرية. وذكّرنا مفهوم النموذج العاملي هذا، أو السيميائيات السردية الذي هو فرع من فروع السيمياء وهي سيمياء التواصل، سيمياء الثقافة وسيمياء الدلالة ، كما استوقفنا كثيرا تركيز النقد التنظيري المغاربي المزمن على مفردة "الصورة" هذه المفردة تجدها في اللسانيات و البلاغة و الأدب المقارن ، ولم يفرط في توظيفها معهم علمي الدلالة و سيمياء الدلالة ، بالرغم أن معنى "الصورة" في هذين الحقلين له نطاق معجمي يقارب معانى "الدلالة" و"المعنى" نفسهما. فغموض مفهوم مفردة "صورة"  يرجع أولا و لاريب في ذلك إلى غموضه في مصدره مدرسة باريس السيميائية، وثانيا في اقترابه من مفاهيم سيميائية أخرى عدة و مفارقته إياها في نفس الوقت كمفهوم:

 السيم  sème( ما يندرج في تكوين أصغر وحدة معجمية دالة / الليكسيم )

و السيميم  sémème( أصغر وحدة دالة تمييزية )

و الليكسيم  lexème(أصغر وحدة معجمية دالة)

و الكلاسيمclaséme ( السيمات السياقية )

فلمّا كان مفهوم الصورة مرتبط بالمسار التصويري أو التحول الذهني الذي يجعله يُجلي معنى أو مضمون ما ، كثيرا ما تتداخل مفاهيم السيم و اللكسيم و السيميم مع مفهوم الصورة بيد أن المنظر المدرك يفرق بينهم قائلًا : " فالنص يستعمل الصورة استعمالا خاصا يتم ضبطه باقتفاء مسار الصورة التي تتنامى فيه ، و ذلك حتى يتبين مدى كثافة الشحنة الدلالية فيها."[42]

نزوع الباحثين إلى اختيارات منهجية و طروحات تضع القارئ أمام ترسانة هائلة من المفا هيم والإجراءات غير المتداولة في لغته ، و في سياقه الثقافي ، و ينطبق الأمر على الدراسات السيميائية العربية ، كونها أصلا تعرف إشكالا مصطلحيا في منبعها الغربي ، كما استوقفنا أيضا التمثيل الغير المنسجم مع ثقافتنا و عدم تغييره ؛ لا يجوز للمنظر طرق التمثيل الوضيع الغير متوافق مع ثقافتنا كقوله : « و من المستحيل فصل تلك الشخصيات عن الحبكة ، و مجرد محاولة ذلك أمر غير مجد، مثل محاولة الفصل بين الرقصة و الراقصين في الباليه . تتكون الحبكة من شخصيات تكافح قوى الطبيعة ، أو ضد كائنات بشرية أخرى ، أو تعيش أزمة داخلية. وتنعكس طبيعة هذه الشخصيات من خلال هذه الحبكة في الأحداث » لأن ذلك ليس من ثقافتنا و مدعاة لتحقير الميدان الذي يجمع الباحث بالأستاذ بالطالب الأجدى به القول : الفصل بين الربان و السفينة أو بين السفينة و البحر..

3.1 ـ محاولة خلق لغة نقدية خاصة langueméta و محض مغاربية

   نحى كثير من النقاد و الباحثين الجزائريين و التلامذة السابقين منحى كبيرهم عبد الملك مرتاض في محاولة خلق لغة نقدية و بلاغية شبيهة بأسلوب المقامة في اعتمادها اللفظ القديم المهجور لكنها بلاغة مؤسلبة في اقترانها بألفاظ جديدة وأخرى أعجمية إلى حد من الاستهجان ، نخشى أن هذا المجهود كان حلقة من حلقات محاولة اللحاق أو مقابلة لغة النقد الأدبي في المشرق العربي إضفاءً للتميز و الاختلاف من جهة ، و تأثرا خاصا بنظريات البلاغة و النقد القديم الذي له على كل حال عصره، حيث ارتكزت اهتماماته على نوع من الكتابة التحليلية النقدية جامعة بين الخصوصية التراث و الخصوصية الحداثة ومقاربة للغة النقد الأندلسي أو مقلدة لها، لكن لا يمكن الحديث ههنا عن أسلوب متسم بنكهة عروبة صافية ولا حتى بخفة و سرعة متزنة مع المحتوى أو لغة عصر كل ما فيه هو ما قل ودل،  وبرغم استخفاف نقاد لهم وزنهم على الساحة كالأديب جهاد فاضل بقوله : " وهل يمكن أن يصل الأمر إلى حد أن تصبح اللغة العربية هي  لغة الكيمياء و الفيزياء و الطب ، هل تسير الجزائر في مثل هذه السياسة ؟"[43] إلا أن مرتاض مضى في مشروعه محاكاةﹰ كذلك لمشروع المغربيين / المغرب الأقصى الرّيادي مع ثلة مفكريهم و نقادهم (الجابري و طه عبد الرحمن و محمد مفتاح وغيرهم ) متحررا من لغة النقد العلمية إلى درجة الانتكاس ومجاوزة العتبة، أي درجة الصفر السالب لا درجة الصفر في الكتابة فحسب! لولا أن العمر داهمه ( أطال الله في عمره ) لخرج لنا بمدرسة لغوية تراثية في ثوب حداثي ، و محاكاةﹰ أيضا للمفكر الإنساني جون بول سارتر في كتابه ما الأدب؟ عندما يستطرد في المفاهيم الفلسفية و الاجتماعية التي تعتبر منبت و مصدر المنهج النقدي الفلاني أو العلاني لعزلهما بعد أن لصقا بجسد النقد الأدبي ، خصوصا في كتابيه النقديين : الثاني "في نظرية النقد" و الأول الموسوم بـ "إشكاليات مصطلح الشعرية." أما كتابه "في نظرية النقد" يكاد يخرج فيه عن البحث الجدي بفعل أسلوب الاستهتار؛ أولا نتيجة عدم اعتماده على المنهج وهو يتحدث بعشوائية عن المنهج، فلو انتبه لذلك لساق البحث الخاص مبتدئًا بالأسس الفلسفية للنقد الأدبي في مقدمة الكتاب لا في مؤخرته وجعل البحث الخاص بتبلور نظرية القراءة من تاريخ الكتابةــ نقد في آخر الكتاب لا في مقدمته وثانيا وهو مربط الفرس الذي ميز تنظيرات مرتاض وهو اصطناع الأسلبة بتكلف لغة نقدية جديدة، كثير من ألفاظها مهجورة الاستعمال.

 وهذا التكلف وهذا الاصطناع بما خالجه و يخالجه من أغلاط وهنات نحوية ومعجمية وأسلوبية لها علاقة بالتطبع أو حتى بملكة اللغة، فما سار نقادنا المغاربة إلى اصطناع لغة نقد موازية إلا لخصيصة العلاقة المضطربة مع اللغة العربية ( انظر المفردات الغريبة التي انتقيناها في الصفحات التالية) وبالبديهة السقوط في فخ الغموض: إن مرتاضا أراد بلاغةً فسقط في الإطناب والصنعة المقززة (ممتلك لناصية اللغة متبحر في أغوارها مدركا لدقائقها ولطائفها محسن التصرف في نحوها وصرفها لقد أراد بشغفه إلى التخلص أن يخبرنا أنه مثل الإبراهيمي وآل خليفة  خطابة بل أفضل منهما) وأراد علو كعبه المعجمي فسقط في الهجونة والاستهجانية، لأن روح الدعابة المتعلقة باللفظ العربي المهجور شيء وجدية النقد ذو المستوى البلاغي شيء آخر، ناهيك أن تكرار النظرية النقدية لا يغني عن التطبيق وهو الأفيد للطلبة؛ ففي كتابه "في نظرية النقد" تكرار للمنهج البنيوي والتاريخي؛ صفحات عدة كان حري به أن يشغلها بمدونة تطبيقية، غير أن الأذواق تختلف لاختلاف ملكة اللغة عندهم منهم من اعتبر مرتاض ظاهرة لغوية فريدة لعل طالبه يوسف وغليسي الذي بالكاد يكاد يفهم معنى كلمة "عالة" في قوله:" أن تكون تلك التي بسطها عبد السلام المسدي في كتابه الأسلوبية والأسلوب الذي شكل عالة لكتابات أسلوبية لاحقة"[44] فهو لم يرث أستاذه عندما ورثه إلاّ وهو مصاب بالغرور ملتبسا بآفة الغموض واتجاه من؟ اتجاه فطاحلة النقد الأدبي العربي! من بربك كان عالة على الآخر في تاريخه الأدبي والنقدي المشارقة أم المغاربة؟

  ومازال طه حسين يقول أن هناك أدبا إنشائيا وهناك أدبا وصفيا، والذي ندعوه نحن في عصرنا "نقد"، هذا الأدب الوصفي الذي من خلال لمسة مقارنة بين أدبنا المغاربي ونقده وبين الأدب المشرقي عموما والمصري خصوصا وما أصوبها وما أجلاها من مقارنة، ليس فقط لأنها بالذات هي من ستعلم علامة الغموض علة مدونة نقدنا الأكاديمي في الجزائر لأن طه حسين ما يكني النقد بـ"الأدب" إلا لأنه أراد التأكيد على أن شكل هذا من شكل ذاك أي يتبعه في خصائصه اللغوية والأسلوبية، فإذا كان الأدب متين الأسلوب كان النقد بمثله في لغته وإذا كان أدبا عاديا كانت لغة النقد عادية، أما إذا كان أدبا متواضعا فمن المحتمل أن يجاريه النقد في تواضعه أيضا، فلماذا إذن خرج النقد الأكاديمي المغاربي عن هذه القاعدة أم تراها قواعد النقد الجديد وفتنته قد فعلت فعلها فيهم، لمّا لم تجد عندهم فراغا كان من الممكن أن يملأه النقد القديم ( النقد التقليدي المصبوغ بالصبغة العربية كما كان عليه الحال في مصر والشام)؟ إن خلق لغة النقد الموازية  métalangue  أو اللغة الثالثة[45] في الحقيقة كانت واقعة في الشكل الثالث أعلاه، حيث وجدت نفسها ملزمة بتعويض اللغة المتواضعة تلك الخليقة بأدب متواضع والتي لم تعد مسايرة لعوامل الزمن، مبدية من جهة الخصاصة من حيث تراكيبها، صرفها وتنوع معجمها بل حتى أنك تخال أن صابها خواجة ، وكتحصيل حاصل لانعكاس مدونة النقد الفرنسي الجديد من جهة ثانية لأن ترجمة المفاهيم والمصطلحات ستفضي بأصحابها إن لم يجدو مقابلا لها في العربية بأن يفتشوا عنها في التراث النقدي، وإن لم يجدوها ففي القواميس والمعاجم كقول الناقد المغربي أطراس كترجمة مباشرة لمصطلح palmpiste  ( صحيفة الرق أهون من أطراس غرابةً وهجرة استعمال) والحوارية كترجمة لمصطلح polyphonie  والتكوينية  كترجمة لمصطلح génétique .. ومن يلج إلى المعجم لا بد وأن يعود منه وهو محملًا بما علق بذهنه من ألفاظ عربية عتيقة ومهجورة الاستعمال، ليستعملها فيزيد إلى فوضى التعدد المصطلحي غموض النظرية النقدية عموما بحيث يصبح لدينا مشكلتين مشكلة المصطلح الغامض ومشكلة الميتا لغة[46] الغامضة هي الأخرى.

 وهنا لا ينطبق الموقف على النقاد المغاربة الأوائل الذين اضطلعوا بترجمة النقد البنيوي واللساني الفرنسي كعبد القادر الفاسي الفهري و سعيد يقطين و محمد مفتاح وغيرهم، بل أيضا الجزائريين سيد البحراوي و هو مصري مكث طويلا بالجزائر وفرنسا وجمال الدين بن الشيخ وعبد المالك مرتاض، هذا الأخير يعتبر من أوائل المتبنين لتلك اللغة النقدية في كتابه "في نظرية النقد" الصادر العام 2005 مُقابلا صنيع السعيد يقطين جزائريا، لا بأس أن نورد شاهدا من كتابه يتلاعب فيه بالعربية لعبا سلبيا متراوحا بين ادّعاء البلاغة وبين شطط التجاوز المعرفي:" .. ومع اعترافنا بوجود نقاد عرب كبار معاصرين إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة وجود نقد عربي، ونقاد عرب."[47]  ثم يناقض نفسه في ذم تطفل التفلسف و ذاتية الشاعر على النقد، بحيث ينهى عن خلق ويأتي مثله حين يقول من جهة:" فإن استطاع النقد أن يرقى إلى بعض منزلة دون أن يسقط في الثرثرة ودون أن يتورط في السفسطة ودون أن يقع في الانطباعي المتبلّدة .. فذلك هو النقد" ومن جهة أخرى يطلق العنان للتفلسف وذاته الشاعرة : ".. وهلاّ (حرف رجاء) كان الصمت كتابة؟ وهلا كان البياض سوادا لسطور الكتابة؟ وهلاّ كان الفراغ حيزا للكتابة؟ وهلاّ كان العدم كتابة؟ بل هلاّ كان المستحيل هو أيضا كتابة؟ "[48]

وهذه المقاربة النقدية الخاصة في عنادها وشططها للذهاب بعيدا للتمكين للغة نقدية واصفة جديدة هدفها مواجهة لغة النقد التقليدي المزهوة بلسانها العربي الأصيل الثقافة  في المشرق العربي بالارتكاز إلى علوم النقد الجديد الفرنسي بالخصوص من دون أي مقومات أصيلة ثقافيا أو لغويا من أجل تجاوز الأساس البلاغي و الثقافي الذي تلغيه مدرسة النقد الجديد من اهتماماتها والذي هو أصلا مفتقد جزائريا ومغاربيا، وبذلك ضرب العصفورين بحجر واحد؛ حجر النقد الموضوعي والعلمي الخارج من طوع إكراهات المجاز و البلاغة، ولمّا أُتيحت الفرصة استغلوها أحسن استغلال لتجاوز الهجونة والعجمة و ركاكة الأساليب التاريخية المنشأ عن طريق التنظير للغة النقد الجديد عن طريق آلية لغوية جديدة، لكنها آلية لم تكرس غير الهجونة والغموض مرة أخرى: بما حملته العبارة من مبالغة في تلقف الألفاظ الشاقة العسيرة واغترابية الترجمة ما انجر عنه أساليب مؤسلبة ضامرة العمق الدلالي والمعرفي.

لا شك وأن ناقد مثل جابر عصفور قد تلقى لغته أول ما تلاقاها في محيط الأسرة والحي المفعم بالأصول اللغوية العربية الصافية من الهجنة وإذا ما تعلم لغة أجنبية بعدها يكون دورها ثانوي في حياته الخاصة والعلمية التعليمية معا، بل لا تكون غير مُكّملة لتخصصه النقدي والأدبي العربي للاستفادة منها في الترجمة والتدريس بأمريكا، كما لا تؤثر على فصاحته قط باختصار لأنها كانت لغته الثانية المتلقنة ولم تكن لغته الأولى المكتسبة، كما في حالة الجزائريين، وهذا ما تقول به نظرية جهاز اكتساب اللغة Language acquisition device theory وهم غير معروفين عربيا حتى ننمذج بأحدهم عدا مرتاض لكن نذكر منهم واحدة معروفة مغاربيا وقد ولدت خلال فترة الاستعمار وتلقت أول ما تلقت في صباها المبكر اللغة الفرنسية بدل العربية ضمن محيط عاج باختلاط ألسنة وعجمة و تعدد وهجونة اللهجة وحتى أسرتها أسرة فرانكفونية أبا عن جد، فنشأت وهي تقرأ بالفرنسية وتكتب بها منذ ذلك الحين وبعد تخصصها في اللسانيات منذ سبعينيات القرن الماضي، تغدو تقريبا اللغة الأساس لديها في دراسة اللسانيات هي الفرنسية، فيعتري مقالاتها نوع من البساطة الفجة بحثا عن المفردة المعّبرة للفكرة التي تدور في خلدها أو ترجمة للمفهوم النقدي بمعونة قاموس الفهري المصطلحات اللسانية طبعا، فما هذا بلغة وأدب عربيين فلو أنك تخصصتِ في اللغة الفرنسية وآدابها لكان لكِ أهون، ولا يمكن أن نقارنها بالنقاد المصريين الذين تبقى لديهم العربية هي الركيزة الأساس في بحوثهم (العماد والأصل)، فبينما لدى نظرائهم النقاد والباحثين الجزائريين تبقى اللغة الأجنبية هي الأساس لذلك لا نستغرب غرابة وغموض إنتاجاتهم النقدية تنظيرا وممارسة تطبيقية في هذا الاطار يقول باحث أردني قدير مومئا بشكل أو آخر للنقد المغاربي : "أشكر طلبتي الذين شاركوني ها تيك المحاضرات مناقشتهم التي أفدتني في تجنب الغموض الذي يكتنف العديد من المؤلفات التي اطلعوا عليها، أو التمسوا فيها النفع لكن من غير نجاح مأمول.."[49] 

 يرى بعض النقاد والمنتسبين الشباب أن تمكّن رواد مغاربة من اللغة الفرنسية كان مزية على النقد المغاربي المعاصر، بل أجزم كل الجزم أنه كان وبالًا عليه؛ في غموضه على الأقل من جانبين، جانب ضعف الترجمة لأنه لا يحسن الترجمة إلا من كان أصيل اللغة الأم، متربي عليها، وليس العكس، ولا يأتي دور التحكم في اللغة الأجنبية إلا كي تساعد على دراسة النقد الحديث والترجمة منه مثالنا في ذلك : جابر عصفور، عبد العزيز حمودة، كمال أبو ديب، سلمى الجيوسي وغيرهم من النقاد العرب وليس العكس، فأغلب هؤلاء النقاد المغاربة تعمقوا وتبحروا في التراث الأدبي الفرنسي بل والنقدي أيضا و منذ مراهقتهم و طفولتهم ولم يكن ذلك منهجا سليما في سياقهم المزدوج اللغة، ليقفوا في شبابهم على رطانة لسانهم العربي كتحصيل حاصل، ونحن دائما عند نقارن ونحلل هكذا تحليلات مدعومة بالأدلة والبراهين العلمية الواقعية نأخذ على العام وليس على الخاص فقد توجد حالات تناقض ما نقول ولكنها تبقى خاصة وليست عامة، لذلكم وجدنا أن جل الأعمال النقدية المغاربية تميزت بالتواضع الأسلوبي وبالغموض المعرفي ابتداءً من ترجمات حميد لحمداني إلى محمد الوالي ومبارك حنون وصولا إلى سعيد بنكراد وعبد القادر بوزيدة الغير معروف مع أحمد يوسف، وهما جزائريان تخصصا في سيمياء الثقافة ولكن مدونتهما النقدية والترجمية هزيلة أسلوبا وغامضة اغترابية ترجمةً، بل حتى أن بوزيدة يعوزه الإلمام بالثقافة من ناحية التراث النقدي البلاغي والأسلوبي لفرانكفونيته في المقام الأول منذ مراحل صباه الأولى، مع ذلك تخصص بالترجمة الثقافية سيميائيا وأنثروبولوجيا! فليت أن طه حسين كتب كتبه بالفرنسية وكان قادرا على ذلك، كي تلجأ إليها مباشرة من دون وسطات الترجمة المهلكة لمدونته النقدية ــــ وأنتم المحسوبين على النقد العربي!ــــ

ثم أن اكتساب اللغة في مرحلة الصغر والتطبع عليها تزيد من درجة تذوق أدبها والتعلق بثقافتها مع مرور الزمن وكبح جماح الثقافة الفرانكفونية المعروفة بها حواضر المغرب العربي الكبرى بمعنى أنه يقدر على فرملتها متى أراد، أما عندما يكون يعاني من قصور أو صعوبة جنينية في التعامل مع العربية فإنها الهجونة النطقية و الثقافية معا، مع فقر القاموس ومحدودية المقدرة التعبيرية برغم حفظ المعلقات وما إلى ذلك، فإن غثيان المسخ والاستنكاف يبدو جليا على للغة لا صاحبها. فالتفطير على الأصولية الدينية instinctive readiness  بالنسبة لفئات من مجتمع الحضر الجزائري لمقابلة الفئة العلمانية لا يتم باللغة التي يتعامل بها الفرانكفونيين وإنما يتم باللغة العربية التي تمكن من تذوق القيم و الثقافة الدينية وحدها. فحري بالنقاد والمتخصصين الأكاديميين أن يعملوا ألف حساب للنقد ما بعد البنيوي وللنظريات اللغوية الأحدث، فالفرد في مجتمعه كما النبتة في تربتها، أي قلع لها من سياقها تكون له عواقبه إن عاجلا أم آجلا، فحتى ولو اعتكف عالم اللسانيات عبد الرحمان الحاج صالح أو دكتور الأدب المقارن أبو العيد دودو و بوزيدة بعد أن استشعروا ذلك النقص تعويضا لما فات، الأول لفك العقدة عن لسانه والثاني والثالث لتعبئة رصيدهما اللغوي الباهت فهم عبثا يعتكفون وهم ينأون عن دراسة أدب عصر النهضة العربية الراقي اللغة لذات السبب حسب ما طالعته لهم من بحوث أكاديمية في مجلات القسم المخصصة لذلك ــــ ثم إنه لم أرى في حياتي واحدا منهم قدم دراسة بلاغية أو أسلوبية عن ذلك الأدب عكس أقرانهم العرب ـــ بل سيتجهون للدراسات المقتضبة لأدب تلامذتهم أحمد بنور مثلا أو رابح بوحوش أو علي ملاحي ردا لجميل الاعتراف؛ فعبد القادر بوزيدة في بحث قصير له عن طه حسين يعود للعام 1993 نشره في العدد الخامس مجلة اللغة والأدب بعنوان: "طه حسين ومنهج الشك الديكارتي والمسألة الهوميرية ـــ دراسة مقارنةــ " كل ما احتاجه بوزيدة من مراجع عربية تحدثت بلغة ــ لا يتذوقها ولا يستسيغها طبعا ــ أو حتى كتاب طه حسين نفسه " مستقبل الثقافة في مصر" لم يستعن به! تركها ولجأ إلى دراسة تونسية باللغة الفرنسية لصاحبه التونسي طه مفتاح Taha Hussein : Sa critique littéraire et ses sources françaises   ، ونحن هنا لسنا بصدد التفصيل ـــ ربما سيكون لنا ذلك في بحوث قادمة ــــ عن انطباق نظرية تشومسكي أعلاه على أساتذة قسم اللغة العربية بجامعة الجزائر2 أنفسهم، لكن بلمحة بسيطة يظهر ذلك في:

ـــــ عدم تفريقه بين مفردتي القضية والمسألة، وفي ذلك التفريق يكمن جوهر البحث كله، فالقضية تعني موضوع محتمل للصدق أو الكذب، يصِح أَن يكون موضوعًا للبرهنة ، أما المسألة فتعني القضية التي يبرهن عليها، فهي موضوع يقتضي الحل بغض النظر عن ما فيه من صدق أو كذب ، لكن كثرة قراءاته بالفرنسية بدل العربية جعلته يترجم Questionnaire Hommerie  ترجمة متسّرعة كعهد غالبية النقاد المغاربة، فإذا ما تخّيل قارئ ما أن بحث بوزيدة هذا صاحبه من المحتمل أن يكون درس إجازته بالفرنسية ثم تحول عنها إلى الأدب العربي لَمّا كان هناك نقص في إطارات اللغة العربية في سبعينيات القرن الماضي فإني سأوافقه في تخيله.

ــــ كتاب "في الشعر الجاهلي" خرج عام 1926 قبل تبلور المنهج البنيوي الوصفي الذي اعتمده في التحليل!

إذن بحثه لا يندرج في خانة الأدب المقارن أصلا لكن يدخل ضمن استيعاب الحداثة وكانت في بداياتها صنو حداثة حسين المرصفي و الطهطاوي وغيرهما، فلو كان قد مضى على حداثة العرب مدة أطول أمكن أن تقارن بين القضية الهوميرية ومسألة الشعر الجاهلي.

عجينة القول أن من رثى أي منتج نقدي للجزائر والمغرب لافتعالهما لغة نقدية مشوبة بالهزال والغموض، فَعْلم أنه بالضرورة رثى واقع التعامل مع اللغة العربية في القطرين والذي مازال أثره مستمرا على الأدب، وما التذوق الأدب ومطواعية اللسان إلّا عوامل مساعدة لذلك الافتعال، إذن ما مصطلحا الميتا لغة و اللغة العلمية في حقيقتهما غير خصاصة وعوز اتجاه اللغة ولا تذوق لآدابها، فالابتداع وإحياء المجهور والتغريب والتهجين دون قصد كلها محاولات سد ثغرة العيب الذي أصبح تاريخيا شكل ويشكِّل وصمة عار في حبين الجزائر والمغرب، والذي من شأنه أن يكفل سد ثغرة العيب هو الإغماض والإغماط عن النقد الحقيقي، لكن النقد كما يقول أحمد أمين ذكر للعيوب وليس التغطية عنها:" النقد الأدبي مكون من كلمتين: أدبي منسوب للأدب أنه (..) ونقد، وهي كلمة تستعمل عادة بمعنى العيب، ومنه حديث أبي الدرداء: إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم تركوك"[50] فأينك يا دارس أدب طه حسين من مقولته الشهيرة : لغة النقد الواصف لابد أن تكون مقاربة للغة الأدب الإنشائي؟

 ومشروع كهذا كان له مفعول عكسي/ سلبي ارتكاسي من حيث أريد به العكس : وهو تعميق الهوة بين الإدراك باللغة و إدراك للغة  فيعسر التواصل بين المنتسبين لحلقة مثل هاته ، أي حلقة اللغة التنظيرية النقدية الراقية إن جاز أن نسميها و غيرها من اللغات ، كاللغة المستعملة في تلقين علم الاجتماع مثلا ، فقد كان مرتاض أول من دعا إلى جمع الناقد بين عدة مناهج فتأتيه أصوات من هناك : هل يخلط الناقد بين المناهج أم أن مفاهيمها تختلط عليه؟[51] و هو أول من رجع ليفتش عن المفردات والمصطلحات النقدية المهجورة الاستعمال في القواميس وينشئ أخرى لا تخلوا من الفكاهة كقوله الشُعرور بدل الشاعر و منهج التّحلِفْسي بدل التحليل النفسي، و اللسانياتين بدل اللسانيين ، و التّفضية أي دراسة الفضاء وإن تكلُّفه المفردات العسيرة المهجورة الاستعمال بخاصة التي ينتقيها من قصائد المعلقات (عندما تأتينا بمفردة قرآنية كالمساق مثلا أو مشتقة منه متحولة إلى اللغة العامية كقول لحمداني في "بنية النص السردي": استيحاء ص 57 ، فان ذلك يبدوا مقبولا لكن أن تأتي بمفردات عفى عنها الزمن من المعلقات وبصفة عشوائية فهذا لا يُفهم إلا كمحاولة للإيهام و التغطية عن الضعف) وهي تمتد من صفحة الخامسة في كتابه " في نظرية النقد" حيث يقول مرقونة والألتحاد! إلى آخر صفحة فيه حين يقول مهدإ بدل مهدئ، وقد جمعت له هذه المفردات التي يضع الوورد في جميعها علامته الحمراء تحتها : يتمحض أي يتعرض ، الوَكْد بدل التأكيد، الإيعاء بدل الإعياء، الحيدودة، لحظتئذ، أخراةٍ، اقترعها، الفهم التأثيلي ، يعتزون، ، يتولج، وسوائه، يستنام والاستنامة، فطير، تدُوول، تنوولت، تمحلاتهم، السّرق، أناثة، تنائي الاعصار، المعتاصة، يتعشّق، يزدجينا، الأشياء النادّة، يشقشقون بحناجرهم، طرائق قددا.. ، بل يُخلط بين كلمة يعتريه و بين يعتوره و الغريب أن مرتاض مُطّلِع أكثر من غيره عما تعنيه التداولية لكنه لا يتوانى عن الإتيان بمفردات مهجورة الاستعمال على المستويين العام و التخصصي للغة إذ يقول : " اللغة عطاء قائم، (..) ولا يبكُؤُ لجريانه غرب "[52]  وتعمُّد الغموض في قوله : " إن الأسلوب ، من بعض الوجوه يشبه اللغة ( المادة التي يتكون منه) .. "[53]، أما الحُفول و النقود هنا فهما على وزن شخوص / الشخصيات! كما يأتي بمفردات غريبة أخرى: كقولهم قُمّين بالإشارة بدل جدير بالإشارة و آواليات التي يعني بها محمد مفتاح في كتابه " النص من القراءة إلى التنظير" علاقات التعدي ، و هي مفردات ليس لها أصول في المعاجم العربية ، فهي مستحدثة ، من اختراع لغة النقد المغربي المعاصر ، والباحثون الجزائريون خاصة الشباب مقلدون، أوفياء ومخلصين لا يأخذهم شك بمستوى أساتذتهم لغويا أبدا سواء كانوا المغاربة مفتاح ولحمداني وبنكراد أو جزائريين الذين حاولوا" أولا ترجمة المصطلح السيميائي ، و ثانيا حصر المصطلحية في المعاجم والبحوث العربية المتخصصة ، ثم الجنوح إلى ترجمة ما استعصى نقله وفق عمليات التوليد و الاشتقاق و التعريب"[54] إذن فإذا ما جنحت هذه التجربة في الأخير إلى ترسيم الغموض فإنه ليس ذاك قدرها، و يستدعى المغربيون الآن لندوات الخليج الأدبية ذات الشأن للاستفادة من تنظيراتهم والاستمتاع لتهجيتهم العربية على طريقتهم، وإذا ما كان مرتاض افتعل لغة نقدية فتحذلق واستهجن مخرجا النقد الأدبي بها من شبه الاعتيادية اللغوية المقترنة بالعلمية (المشرقية) إلى لغة نقدية إبداعية مجازية مناقضا المنطلقات العلمية من دقة و وضوح وهو بذلك ينافس المغربيين.

 أما عثمان بدري فشعر هو الآخر بهذه اللغة فأصاب منها ما أصاب بخاصة من النقد المغربي المعاصر الذي يبدو على عكس مرتاض مفتونا به فراح في مؤلفه " المعالم المتصدرة للنقد الأدبي في العالم العربي" يغوص في الميتا نقد نتيجة حشد من المفردات المقحمة، و التي لا تُفهم في سياقاتها إلا بصعوبة كخلطه بين مفردة "الوسائط" الإعلامية وهي توظيف الحاسوب للملتميديا من كتابة وصورة وصوت والوسائط بمعنى الوسائل الإعلامية بما فيها دور النشر، وقوله المخارج والمداخل و التوصيف والأطلسة و التراجح .. إلخ، وكل ذلك إنما مرده عدم الابتكار كمرتاض، بل هو يحفظ ثم يقلد وهو في حكم الناسخ في مؤلفه المذكور أعلاه، كونه يأتي بفقرات من كتاب "فكرة الثقافة" لتيري إنغلتون ومن المجلاّت المغربية أو التي تحظى بسيطرتهم كمجلة عالم الفكر دون إحالة، ثم يدرج بينها ما هو له، وما يبرر ذلك قوله في الصفحة الواحدة تارة البنوي و تارة البنيوي وتارة النقد النصي وتارة النقد النصاني! أما إذا انتقلنا إلى غير المخضرمين فسنجدهم ينافسون أساتذتهم في محاولات تكريس تلكم اللغة، في مقال وجدته في العدد 39 من مجلة جيل اللبنانية للدراسات الأدبية والفكرية، وجدت الباحث الجزائري في بحثه الموسوم "المصطلحيات واللسانيات: في علاقة تبادل الخدمات" من خول لك أن تضيف مصطلحا جديدا وأنت بإزاء موضوع المصطلح نفسه! أوليس اللفظ في العربية مقيد بالأوزان أم حتى يأتي اللفظ على وزن اللسانيات أضفت لجمع مصطلح ألا وهو مصطلحات الياء ليصبح (مصطلحيات)؟ فبئس ما فعلت وبئس ما أنتم فيه من علاقة تبادل خدمة بينكم وبين مالكي هذه المجلة؛ إن قول المصطلحية بدل المصطلح لا يجوز حتى في حالة إضافته إلى اسم مؤنث كقولك الفوضى المصطلحية بل الصحيح فوضى المصطلح، ثم إن مصطلحات اللسانيات او الألسنية على الأصح لا تحلل المفاهيم وتسميات الألسنية كما ادّعيت، بل هي حاملة للمفاهيم البنيوية (دال ـــ مدلول) ويبقى تحليل مفاهيم الألسنية مقرون باللغة في عمومها بغض النظر عن الأهمية التي يكتسيها المصطلح فيها، أوتستطيع أن تتكلم عن الألسنية فقط من خلال مصطلحاتها؟ مؤخرا فقط سمعت أحدهم في الإذاعة وهو يؤصل لمصطلح جديد "السردنة"، قال أن السردنة هي النص المسرحي الديالوجي أو "السيناريو المسرحي" لكن لِمَا المساهمة بهكذا فوضى مصطلح؟ ربما لنشوة التدكتر دور جعلته يخوض في طريق وعر فاقدا للوعي، لأن العبث بالمصطلحات أصبح يشكل خطرا على النقد العربي ككل، وهو لو كان يتجاور مع إعلامي في المستوى لآثار معه الإشكالية قبل الولوج إلى المسرح درامي، لكنهما الاثنان مع دور النشر التي تُيسِّر لهما ولقافلة طويلة ممن لم تتعظ من واقعة أزمة المصطلح الأمر، وهذه اللامبالاة دليل قاطع على خلل في تكوينه الأكاديمي، ألم يكفيك مصطلحات: السارد والسردية والمسرود له حتى تضيف لهم أنت السردنة؟ فأخشى أنه لا يطول بك الوقت و تأتي لنا بالسردانو على وزن السيناريو! فهذا الانفلات لا يقع على الجلاوجي و لا على الإعلاميين ذوي الصلة بالنقد الأدبي لكن يقع على المخابر في الجامعات ومجامع اللغة التي لم تضبط وتسُن قوانين بهذا الخصوص.

كما نجد نور الدين السد في كتابه "الأسلوبية وتحليل الخطاب" يخصص فصلا كاملا لإشكالية المصطلح لكنه يأتي بما ينهى عنه، ومن يفعل ذلك عار عليه عظيم، و ربما ما انزلق به إلى تكريس الفوضى المصطلحية في كتابه هو فتح موضوع دراسته (الأسلوبية) على مفاهيم نقدية واسعة حيث حاول ربط تحليل الخطاب، من جهة، وكل من الألسنية والشعرية والبنيوية من جهة أخرى، بالاتجاهات الأسلوبية مهما كانت النتائج، ناهيك عن عدم الانضباط المنهجي الذي قال أنه نقد النقد في مقدمته، ومن ثمة خرج إلينا بعد أن رمى المنشفة تعَبًا بغموض و انفلات مصطلحي بل تناقُضهُ عندما يقول مرة الشعرية (ص249) ومرة الشاعرية (ص235) ومرة نظرية التواصل( ص38 ) ومرة نظرية الاتصال (ص237).

تركيب : أثر الإشكاليات الثلاث على المدونة النقدية المغاربية

إذن ما أسباب لجوء المغاربة دون غيرهم إلى خلق هذه للغة النقدية الموازية للغة النقد الأساسية التي هي مفردات ومصطلحات خاصة إلا بالمناهج النقدية، التي كما رأينا ألفاظها مهجورة غير مفهومة أولا، وتُركّب مع ألفاظ معاصرة كقوله " يتمحض وسائطا " مثلا؛ تركيب كهذا هو أسلبة سردية لا تستسيغه الذائقة في الأدب الإنشائي وما بالك بالأدب الوصفي، والإشكالية الأبستمولوجية المزمنة تبين أن أصحاب هذا النقد Métalangue من المغاربة يعانون من لا مطواعية العربية تهجية و كتابة حتى غدت تاريخية مكتسبة، فاهتدوا إلى المفردات المهجورة في المعاجم والمعلقات بخاصة ( كـ : استيحاء ، مبتسرة صاحبها حميد لحمداني ــــ نضخ ، تقرى ، تمحض ، تطرى ، أقييسة جمع قياس، الرعابيب صاحبها عبد الملك مرتاض ـــــ  التحاذي، الصورنة، الأسيقة كجمع سياق صاحبها أحمد يوسف) كي يملؤوا نقدهم تنظيرا وممارسة بها و يُمَلِئون بعضهم بعض بها، والحقيقة أن افتقاد تلك المطواعية بمعجميتها وسلاستها النحوية البسيطة العادية التي نجدها في مشرق الوطن العربي هي التي جعلتهم يسدون النقص بتلك الطريقة التي أسبغت ما حاولوا أن يوصلوه لنا من نقد و أدب مكتوبا أو منطوقا بالغموض، والأمثلة في الحقيقة عديدة لن نأخذها من كتاب مرتاض" في نظرية النقد " لكن نأخذها من إحدى مقالات تلامذتها وأصلها أمازيغي حين تقول: " هل يمكن للتأويل أن يكون بديلاً للنقد ونهاية له، وتجاوزاً للمناهج التي سادت من بداية القرن العشرين، وهل يمكن أن يعاد من خلاله بناء العلاقة بين النص والقارئ فنرجع إلى نقطة البداية (الذات) التي تمنحنا إمكانية التساؤل حول ما أفرزه النقد الغربي من علم ومناهج، وما بلورته الحداثة الغربية من مفاهيم وتصورات أوصلت الإبداع والنقد إلى حالة شبه عدمية صبغت الوعي الغربي برؤيات مختلفة من وضعية وتجريبية ونفسية .."[55] وخلاصة هذه اللغة أن لآمنة فكرة تود أن تنقلها لنا مفادها أن المناهج المابعد بنيوية أعادت النقد الأدبي إلى تقليدية المناهج السياقية في نفس الوقت ألغت هيبة البنيوية والحداثة الغربية. لكن عدم قدرة الكاتبة على الصياغة جعلها تلف وتدور في الإبهام، التـأويل نفسه منهج كيف يجاوز نفسه؟ تْحَاجي وتفُك كما يقول المثل.

و إذا ما اعتبر الفريق الذي يكدّس المفاهيم دفعة واحدة أن ذلك سبيل البحث العلمي و الدراسات العليا المتسمة بالعمق و الجدية فإن أسلوب مرتاض المنفّر هذا يعتبره من قبيل "الأدبية" و الثورة على المتطفلين على النقد الأدبي و مناهجه. وكلاهما كمن يلقي بحجته ليتملّص ، كون أن أعمال الجزائريين في مجال النقد النظري الأدبي غير مرحّب بها إجمالا و محاصرة في القطر الجزائري و هو ما يجعل كثير من الأدمغة الجزائرية تتجاوزها إلى المنجز المشرقي.

خاتـمة

خلاصة القول أن استسهال الترجمة وعدم ضبط المصطلح أكاديميا في الجزائر تحصيل حاصل لوجود إشكالية اللغة و التي لم تجد حلولا جذرية إذ كيف يحس الدارس بجذر المصطلح إن وجد، أو يميز بين المشتق و المعرب، أو كيف يجد مقابلا سليما للمفردة الأجنبية و هو لديه إشكالية مع اللغة العربية!  وطرق التلقين لم تفد في شيء حتى بعد ستين سنة استقلال مع تطور المناهج التعليمية. لأن أساس التحكم في بديهيات التعبير بلغة عربية سليمة يقتضي توفر قاعدة ممارسة اللغة في الصغر ضمن فضاء اللغة الاجتماعي و بالنسبة لأغلب المجتمع الجزائري فإن ذلك اللسان العربي الذي يتوق إليه المعلمون و الأساتذة إما مفقود أو تخالطه لغات عدة أخرى ( الهجونة و الصفاء ) لا غرو أن المشكل يعاني منه حتى أساتذة اللغة العربية أنفسهم! رغم نباهة أصحابه و تفوقهم في اللغات الأجنبية / الفرنسية ( لا نقصد بالتحكم كيفيات كتابة الهمزة في معتل الأول و الوسط و الآخر التي يركز عليها كثيرا الأساتذة الجزائريون حتى في إشرافهم على مذكرات التخرج! و التي هناك أصلا ما هو مختلف حولها في مدرستي النحو البصرة و الكوفة ، بل هو في سلامة التعبير الناتج عن معرفة نحو و صرف الكلمات و تركيبها تركيبا يطوّعها أي يجعلها سلسة مطبوعة على اللسان فلا يلجأ الطالب بعد ذلك إلى حفظ الدرس ، بل فهمه ثم التعبير بلغته لا إلى فهمه في لغته الأجنبية كما حصل و يحصل مع كثير من الباحثين الجزائريين) وعدم التحكم ذاك هو تاريخي و اجتماعي يصيب المرء في مرحلة تعلم اللغة الأساسية و هي مرحلة الطفولة كما ذكرنا ، و ينطبق هذا المشكل في الجزائر على كثير من أساتذة اللغة العربية في التكوين العالي للأسف ، الذين ترعرعوا في سياق مختلط اللغة ـــــ فرنسية ، أمازيغية ، تعدد لهجي مفارق محشو بمفردات تركية تعربت تاريخيا ـــــ  كما ذكرت أستاذة اللسانيات خولة الإبراهيمي نفسها.

 أما مشكل خلق لغة خاصة بالتنظير النقدي الأدبي عندنا فليس مشكل خاص باللغة العربية بل خاصية تميزت بها جميع اللغات ، كاللغة الفرنسية و اللغة الإنجليزية ضمن نطاق ما يعرف بالفرانكفونية و الأنجلو سكسونية ، و السبب يرجع إلى توق الشعوب الفطري إلى التمايز و الاختلاف ، لكن ذلك لا يبرأ عندنا بالجزائر نسبيا عدم القدرة على تــطويـــع العربية الذي أصبح مزمن والذي يثبت ذلك مستوى الإبداع الأدبي والنقدي الجد متواضعين.

لكن مع ذلك لا يمكن أبدا الوقوف مكتوفين الأيدي أو الهروب إلى الأمام بالتغطية العمياء على البخس و الضعف كما هو حاصل فعلا. بل في الوقت الراهن الذي تتعذر فيه الحلول الجذرية لتطلبها وقتا طويلا يمتد لثلاثة أجيال أو أربعة علينا كمسئولين على اللغة العربية في كل قطاعات بلدنا الجزائر بصفة عامة و في المراحل التعليمية بخاصة التماس حلولا جدية و غير ترقيعية بما أمكن الحال. لعلّه في انتظار تلك الحلول الجذرية لا بد من إعادة الشراكة مع الأساتذة العرب و لِمَا لا ليس فقط لأنهم أفضل حال من الأساتذة الجزائريين لكن عند عملهم بالجزائر يمنع ذلك الأساتذة الجزائريين من المغالاة في مدح ذواتهم و إيهام تلاميذهم و طلبتهم أنهم الأفضل لغة و أدبا. بالموازاة يتم فتح دور الحضانة لمن هم في سن ثلاثة أعوام. على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إنشاء جهاز لمراقبة قانونية للمتخصصين المتعاملين مع المصطلح، له صلاحية المعاقبة ويكون عمله مثل تعامل وزارة النقل مع جواز القيادة وإذا ما تمادى الباحث في أخطائه تفصله.

   بالنتيجة لهذا الغموض الذي ترعرعت فيه وعليه أجيال من الطلبة، أعني بالذات مجموعة من الأساتذة الحديثي العهد بالأستاذية وقد ألفيتهم شخصيا وقد تحولت ظاهرة الغش في انفسهم إلى هاجس حقيقي يطارهم فباتوا يتعاملون معه بنمطية غاية في الغباء والانعزالية؛ يعني ÷ذا صادف هذا الأستاذ طالبا متوسطا يكتب بأسلوب جيد يتهمه مباشرة بالغش حتى ولوكان هذا الطالب طالب دراسات عليا! لماذا؟ ببساطة لأن هذا الأستاذ تعود على تعليمهم الحفظ بدل الفهم من جهة، ولأن هذا الأستاذ نفسه ضعيف بحيث يعجز أن يميز أأنّ النص الذي حرره الطالب من إنشائه أو منتحل من جهة أخرى؟ والحق أن هذا الطالب الغشاش طالبا معذورا مهمل كان أو ذكيا (بل ومسكين فهو حسبه إذا غش) لأنه تعود على أستاذ يقدم له طلاسم لا دروس، فإذا حاول أن يقرأ بلذة ما يزودونه به من محاضرات ونظريات (صنو بارت) لم يفلح، وإذا حاول فهم الترجمات والمفاهيم النظرية التي زودوه بها بسهولة عبثا كانت محاولاته، فلا يجد من بد في الأخير غير الغش بعد ما لم تتح له فرصة التحول عن هذا الاختصاص بالأساس.

 


([1]) - باحث مستقل ، تخصص النقد الثقافي والنقد الأسلوبي ، الجزائر.

[2] ـ الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص 1536.

[3] ـ أندري لا لاند، موسوعة لا لاند الفلسفية، ص 1454 ــ 1455.

[4]- داود الشويلي ، إشكاليات الخطاب النقدي الأدبي العربي المعاصر، موقع مازونة أحلى منتدى ، دص.

*- اسم السيمياء يبقى في الثقافة العربية اسما محملا بدلالات غير علمية لأنه  يشير إلى عالم السحر و الشعوذة. ينظر تومان عازي الخفاجي، « السيميائية الباريسية مشكلة ترجمة المصطلح و صعوبة نقل حمولته المعرفية »، ص25.

[5] - سعدية موسى ، السيميائية أصولها و مناهجها و مصطلحاتها ، ص113 .

[6] ـ يوسف وغليسي،  مناهج النقد الأدبي، ص53.

[7] ـ محمد العزام ، بنية الشعر الجديد، ص 149.

[8] - محمد بلوفي ، واقع النقد الأدبي في الجزائر مساره و إشكالاته ، موقع ديوان العرب ، دص.

*- يرجع تهميش الطاقات المبدعة الحقيقية في مجال التنظير النقدي الذي نحن بصدده أو حتى مجالات أخرى إلى إيديولوجية الجامعة الجزائرية و ولاءاتها السياسية و تحزّب النخبتين الأكاديمية و المثقفة و إلى الجهوية المنطوية على الغيرة و غياب الروح العلمية.

** ــ أما إذا كان العمل المترجم نقدا فعلى المترجم الجزائري أن يكون مطلعا كفاية على لغة المراحل الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والمعاصرة، أي قارئا لأشهر ما جادت به كل مرحلة على حدى، ومطّلع ومطالع للتراث النقدي والإبداعي العربي، فالاطلاع والقراءة المتعددتين شرطين أساسيين لتكوين الرصيد الثقافي للمترجم.

[9] - زهيرة قروي ، مفهوم المصطلح وآليات توليده في اللغة العربية ، ص217.

[10] ـ  محمد النظاري، « الترجمة الأدبية فن منقوص في العالم العربي» ، موقع القدس العربي : https://alarab.co.uk/

[11] ـ المرجع السابق نفسه.

[12] ـ عبده عبود، الأدب المقارن مشكلات وآفاق ، ص189.

[13] ـ الأصالة هي التراث والثقافة لكن ليس بالضرورة أن تكون ثقافة وتراث إسلامي ، قد تكون أصالة ثقافية بربرية لها جماعاتها المتميزة الواحدة عن الأخرى.

[14] ـ فإذا أراد مترجم كتاب فلسفة اللغة والمبدأ الحواري تفادي ترجمة هزيلة لابد له أولا من قراءة نظرية النظم لعبد القادر الجرجاني.  وقد غلّب العرب منذ الجاحظ الأصالة عند ترجمتهم لعلوم اليونان والشعوب المجاورة لهم، وكذلك فعل طه حسين الذي كان يجيد الفرنسية وجميع المدارس الأدبية في المشرق العربي عدا مدرسة المهجر، التي كانت توازن بين ما هو دخيل على الثقافة العربية و ما هو أصيل، أما حركة الترجمة الأدبية والنقدية في الجزائر سواء قبل الاستقلال أو بعده فأنها تنكرت لثقافتها وأصالتها لتنقل النصوص كما هي، وإلى الآن مستمرة تحت حجج ملفقة وهي الإخلاص للمنهج ولدقته العلمية ! عدا جمعية علماء المسلمين التي كانت جهودها غير شاملة، وقد تفطن الحريصون على اللغة واللسان العربي المصري أثناء العهد المملوكي للخطر المحدق بها وأنقذوا ما يمكن إنقاذه. ينظر جودت الركابي ، الأدب العربي من الانحدار إلى الازدهار، ص196.

[15] - الإذاعة الجزائرية القناة الأولى ، حوار مع بول شاؤول ، 27/4/2016 ، الساعة الثانية زوالا.

[16] - غنية شوقي ، إشكالية المصطلح في مجال التنظيم الموضوعي : بين الأنجلو سكسونية والفرنكوفونية والترجمة العربية ، ص8.

[17] - خولة طالب الإبراهيمي ، قراءة في اللسانيات النصية ، ص113.

[18] - المرجع نفسه ، ص114.

[19] - خولة طالب الإبراهيمي ، عن التداولية ، ص116. و تعتبر التداولية و السيميائية بخاصة السيميائيات السردية أكثر موضوعات النقد إثارة للجدل ترجمةﹰ و تعدد مصطلحي بالجزائر و المغرب ـ لأنهما منهجين غامضين في الأصل حيث يعترف ألجريداس جريماس نفسه بتجريد و تشعب نموذجه العاملي المفضي للغموض و عسر التطبيق.

[20] - المرجع نفسه ، ص116-117.

[21] ـ ثامر المصاروة ،  البنيوية بين النشأة والتأسيس (دراسة نظرية) ، ص5.

[22] - عبد القادر بوزيدة ، فان ديك و علم النص ، ص11.

[23] - عبد القادر بوزيدة ، مدرسة " تارتو ـ موسكو" سيميائية الثقافة و النظم الدالة ، ص184.

[24] ــــــ p33.  Ferdinand De Saussure, cours de linguistique générale,

[25] - حيدر الجبوري ، إشكالية المصطلح و أثرها في تصنيف المناهج اللسانية ، ص545.

[26] - جميل حمداوي ، الاتجاهات السيميوطيقية ( التيارات و المدارس السيميوطيقية في الثقافة الغربية) ، موقع الألوكة ، ص81.

[27] - عثمان بدري ، إشكالية المعنى بين الصورة البلاغية و الصورة الشعرية ، ص175.

[28] ـ مشيل فوكو ، نظام الخطاب ، ص 39.

[29] ـ  نعني به نقد النقد الأدبي ، وحذف كلمة الأدبي أصبح جائزا مع هذا الاتجاه النقدي لأنه غير موظف في العلوم الإنسانية الأخرى فأصبح نقد النقد يشير إلى نقد النقد الأدبي.

[30] ـ عبد العظيم السلطاني،  مقاربات في تنظير نقد النقد ، ص80.

[31] ـ هذا التنظير يختلف طبعا من ناقد لآخر، هناك من ألغى البنيوية و رفضها من أساسها كعبد العزيز حمودة لاعتبار أساسي هو أن الأدب ليس دلالة شكلية بل الأدب معنى جميل ودلالة جوهرية تُطلب لذاتها ( ماهيتها وليس إجراءاتها البنيوية ) وأنا أؤكد هنا على كلمة جميل حتى لا يُفهم أننا نلغي الحداثة وعلمنة النقد والأدب علمنة نسبية و حتى نبعد أيديولوجيا من يبحثون عن المعنى لغايات دينية غير حداثية بالمرة، وعزيز حمودة كان علمانيا و أساتذته علمانيون أمريكيون؛ فهو يرى أن الموهبة و القريحة سُوي بينها وبين اللا موهبة و اللا قريحة تعسفا من قبل البنيويين فأدرك الضعف النقد والأدب مع البنيوية لأنها أهملت الجوهر وهو توصيل المعنى بجمالية أي أهملت اعتبارات الذات والمتلقي والسياقات المتعددة في نقده، وقد ساءت البنيوية بفروعها كالسيميائية و الأسلوبية البنيوية ولم ترُق كثيرا ـــ من هذا الجانب جانب جفاف الروح الإنساني ـــ كلا من محمد مندور و غنيمي هلال  و شكري عياد ، إذ يقول هذا الأخير : هي في نظري مذاهب تمثل جفاف الثقافة الغربية ولا تمثل الثقافة الغربية في ازدهارها ونمائها، متابعا قوله بالحرف الواحد أن المغرب العربي ولبنان كانا أوثق اتصالا بفرنسا والغرب لكن مصر تمتص هذه الأشياء ( يتحدث عن البنيوية كفلسفة ومنهج نقدي جديد في ذلك الوقت ) ثم تعود إخراجها بشكل عربي يقبله كل العرب، ويعطي مثالا عن المنفلوطي الذي هو تلميذ جبران، لكنه امتص رومانسية جبران وأعاد صياغتها بشكل عربي فأصبح مقبول في لبنان و المغرب أكثر من جبران، وطبعا لم يجرؤ أحد من نقاد المغرب العربي على طرح هذا الإشكال، لأنه يعوزهم تاريخيا ذلك المعنى الجميل في مدونتهم الأدبية والنقدية مقارنة بالمشرق العربي وهو ما حز كثيرا في نفوسهم فيسخرون إثر ذلك "علمية نقد النقد" لضرب ذلك التنظير، بل تحايل تلامذتهم وتطاولوا على موقف حمودة و اعتبروه حاملا لفكر أصولي ! ومن وعى منهم متأخرا وجد أنه يضرب جوهر الأدب، ليتأخر عن ركب المشارقة الأدبي والنقدي سنوات أخرى عدة.

[32] * ـ ينظر عمر عيلان ، النقد العربي الجديد مقاربة في نقد النقد ، ط1 ، منشورات الاختلاف ، الجزائر 2010.

 *- " .. الناقد أصبح مطالب بمحاورة النصوص و رصد مفهوم الأدب في تجلياته  وتحولاته.. صحيح أن تطور المناهج قد أفسد المجال أمام تحليل شعريات النصوص ومكونات خطابها ضمن أفق يراهن على تحقيق علمية التحليل ، لكن رهانات هذا المجال تظل نسبية مادامت العلمية الحقة متعذرة فيما يتعلق بالنص الأدبي"  ينظر محمد برادة ،أسئلة الرواية أسئلة النقد، ص7.

[33] - عثمان بدري ، بناء الشخصية في روايات نجيب محفوظ ، ص17.

[34] ـ هانس روبرت ياوس ، جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي ، ص8.

[35] - رومان جاكبسون ، قضايا الشعرية ، ص7.

[36] ـ السوسيوـ نقد فرع من المنهج الاجتماعي ، أو ما يسمى بعلم اجتماع الأدب رائده "سكاربيه " ؛ ناقد فرنسي له كتاب يحمل الاسم نفسه يُعنى بدراسة خضوع النص الأدبي ومن ورائه المؤلف لعاملي العرض و الطلب ، حيث دور النشر تجيز أولوية السوق أو فعل القراءة عن سواها ، وهذا ما يدخل الكاتب و القارئ في هذه الرؤية الاجتماعية للأدب.

[37] ـــ محمد ساري ، المنهج السوسيو نقدي بين النظرية و التطبيق ، ص21-22-23-2-25.

[38] ـ إبراهيم خليل : النقد الأدبي من المحاكات إلى التفكيك ، ص10.

[39] - عبد الله خضر حمد ، مناهج النقد الأدبي السياقية و النسقية ، 207-208-209.

*- ينظر طرائق تحليل السرد دراسات ، منشورات اتحاد كتاب المغرب ، ط1 ، الرباط 1992.  في هذا الكتاب ترجمات لأشهر النقاد الغربيين من قبل أشهر النقاد المغاربة و تبدو ترجماتهم ملتبسة بدءً من الصفحة الأولى في العنوان و الأسطر الأولى لترجمة حسن بحراوي.

[40] - فيصل الأحمر ، الدليل السيميولوجي ، ص90-91-92.

[41] - أحمد طالب ، المنهج السيميائي بين النظرية والتطبيق، ص23.

[42] - Groupe d’entrevernes , analyse simiotique de texte,p92.

[43] - جهاد فاضل ، وجه لوجه مع عبد الملك مرتاض ، ص72.

[44] ـ يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ص86.

[45] ـ تعود بدايتها لثمانينيات القرن الماضي عندما ظهر عدد مهم من تطبيقات النقد البنيوي في المشرق العربي فلجأ النقد الأكاديمي المغربي لنقد ذلك التطبيق منتهجا منهج نقد النقد الأدبي ثم تبعه النقد الأكاديمي الجزائري، مع العلم أن المغرب العربي والمشرق العربي كانتا مدرستان مختلفتان في التنظير للمناهج البنيوية والشكلانية وقد اختلفتا حسب رواد النقد العربي التقليدي/ السياقي الحديث في الأصالة  الناجمة عن التسرع في الترجمة، فعلا خرج ذلك التنظير النقدي بلغة مميزة منذ أن ترجم محمد برادة "الدرجة الصفر في الكتابة" عام 1985  وحسن بحراوي مع ثلة من النقاد " طرائق تحليل السرد البنيوي" و محمد الوالي ومحمد بكري "قضايا الشعرية" غير بعيد سار على منوالهم عبد المالك مرتاض متوغلا في تلك اللغة توغل من له دراية بالتراث السردي العربي بل كحاملا لمشروع، فشهد الفضاء التنظيري المغاربي تبلور لغة نقدية خاصة معه اتسمت بالتعدد المصطلحي والمفاهيمي و غرابة اللغة من الناحية المعجمية والتركيبية معا، في وُسع أي قارئ متذوق للأدب والنقد أن يعزو شيئا من غموض الدرس النقدي الجزائري إلى ضعف الترجمة خاصة ما تعلق بالإخلاص للغة الأم أصالة وأسلوبا، مع العلم أن المترجم الجزائري في ذلك الوقت امتلك من ناصية اللغة الفرنسية ما جب أو أنقص أو غطى عن ملكة اللغة والأسلوب فأبانت مفاصل ترجماته على أسلوب بسيط، بل حتى على لا أسلوب، وهذا الخلل قد أشار إليه عديد الناقد العرب المعاصرين من بينهم الناقد عبده عبود في الصفحة 189ـ190 من كتابه " الأدب المقارن مشكلات وآفاق دراسة".

[46] ـ في الـ   métalangue  و   méta-critique  الـ  méta وردت في قاموس Hachette بمعان متعددة منها ما وراء، الأفضلية، الاحتواء، والفوقية ، ينظر قاموس هاشات الفرنسي ط 2006، ص284.

[47]ـ عبد الملك مرتاض، في نظرية النقد، ص18.

[48] ـ المرجع نفسه، ص11.

[49] ـ إبراهيم خليل ، النقد الأدبي من المحاكات إلى التفكيك ، ص10.

[50] ـ أحمد أمين، النقد الأدبي، ص17.

[51] - المرجع نفسه ، ص74.

[52] - عبد الملك مرتاض ، في نظرية النقد ، ص166.

[53] - المرجع نفسه ، ص167.

[54] - رشيد بن مالك ، مقدمة في السيميائية ، ص72.

[55] ـ آمنة بلعلي، موقع ستار تايمز.


قائمة المـصادر و المراجع

1ــــ الكتب

 إبراهيم خليل، النقد الأدبي من المحاكات إلى التفكيك، ط4 ، عماندار المسيرة، 2003.

2. أحمد أمين، النقد الأدبي، ط4، بيروت 1967.

3. أحمد طالب، المنهج السيميائي بين النظرية والتطبيق، ط1، وهران: دار الغرب للنشر والتوزيع 2005.

4.جودت الركابي، الأدب العربي من الانحدار إلى الازدهار، ط6، دمشق: دار الفكر، 2010.

5.رشيد بن مالك، مقدمة في السيميائية ، الطبعة الأولى ، الجزائر : دار القصبة للنشر، 2000 .

6. رومان جاكبسون، قضايا الشعرية ، ترجمة محمد الولي و مبارك حنون ، ط1، المغرب :  دار توبقال ، 1988.

7. عبد العظيم سلطان، مقاربة في تنظير نقد النقد ، ط1 ، دمشق: تموز ديموزي، 2018.

8ـ عبد الله خضر حمد ، مناهج النقد الأدبي السياقية و النسقية ، دط ، بيروت : دار القلم للطباعة و النشر ، دت.

9. عبد الملك مرتاض ، في نظرية النقد ، ط1 ، الجزائر : دار هومة ، 2007 .

10. عبده عبود، الأدب المقارن مشكلات وآفاق، دمشقمنشورات اتحاد الكتاب العرب، 1999.

11. عثمان بدري ، بناء الشخصية في روايات نجيب محفوظ ، ط1 ، بيروت : دار الحداثة ، 1986.

12ـ عمر عيلان ، النقد العربي الجديد مقاربة في نقد النقد ، ط1 ، الجزائر : منشورات الاختلاف ، 2010.

13ـ فيصل الأحمر ، الدليل السيميولوجي ، الطبعة الأولى ، الجزائر : دار الألمعية ،2011 .  

1972.      14.Ferdinand De Saussure, cours de linguistique générale, paris : éd payot,

   15.Groupe d’entrevernes , analyse simiotique de texte,1eredition, Maroc : édition toubkal,  1987.

16. مجموعة من المؤلفين ، طرائق تحليل السرد دراسات ، ط1 ، الرباط : منشورات اتحاد كتاب المغرب ، 1992.

17. محمد العزام : بنية الشعر الجديد ، الدار البيضاء: دار الراشدية  ،1976.

18ـ هانس روبرت ياوس ، جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي ،  ترجمة رشيد بنحدو ، ط1 ، القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة ، 2004.

19. يوسف وغليسي، مناهج النقد الأدبي، ط2، الجزائر : جسور للنشر والتوزيع، 2005.

2ــ المقالات

1ــ جهاد فاضل ، « وجه لوجه مع عبد الملك مرتاض » ، مجلة العربي ، عدد 612 ، نوفمبر2009 .

2ــ حيدر غضبان محسن الجبوري ، إشكالية المصطلح و أثرها في تصنيف المناهج اللسانية ، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية و الإنسانية ، العدد24 ، ديسمبر 2015.

3ــ خولة طالب الإبراهيمي ، قراءة في اللسانيات النصية ، اللغة و الأدب ، العدد 12 ،أكتوبر1997.

4ــ خولة طالب الإبراهيمي ، « عن التداولية » ،  اللغة و الأدب ، العدد 16 ، ديسمبر 2003 .

5ــ زهيرة قروي ، « مفهوم المصطلح و آليات توليده في اللغة العربية » ، مجلة الآداب ، العدد 10 ، جوان 2009.

6ــ سعدية موسى عمر، « السيميائية أصولها ومناهجها ومصطلحاتها»، مجلة كلية الآداب، العدد1 ، دت. 

7ــ عبد القادر بوزيدة ، « فان ديك وعلم النص » ،  اللغة و الأدب ، العدد 11 ، ماي 1995 .

8ــ عبد القادر بوزيدة ، « مدرسة " تارتو ـ موسكو" سيميائية الثقافة و النظم الدالة » ، عالم المعرفة ، مجلد 35 ، مارس 2007 .

9ــ عثمان بدري ، « إشكالية المعنى بين الصورة البلاغية و الصورة الشعرية » ، اللغة و الأدب ، العدد 11 ، ماي 1995.

10ــ غنية شوقي ، « إشكالية المصطلح في مجال التنظيم الموضوعي : بين الأنجلو سكسونية و الفرنكوفونية والترجمة العربية » ، مجلة علم المكتبات ، العدد 1 ، مجلد 6 ،أوت 2018.

11ــ محمد ساري ، « المنهج السوسيو نقدي بين النظرية و التطبيق  » ، اللغة و الأدب ، العدد 15 ، أفريل 2001 .

12ــ الإذاعة الجزائرية القناة الأولى، « حوار مع بول شاؤول » ، حبر و أوراق ، تم البث يوم 27/4/2016 ، الساعة الثانية زوالا.

3ــــ المواقع الإلكترونية

1ـ آمنة بلعلي، « الثابت والمتغير في النقد العربي المعاصر» ، منتديات ستار تايمز، عنوان:

https://startimes.com/f.aspx?/،2010/07/17 .

2ــ جميل حمداوي ، « الاتجاهات السيميوطيقية ( التيارات والمدارس السيميوطيقية في الثقافة الغربية ) » ، موقع الألوكة ، العنوان :  www.alukah.net/books/files/book_7383  ، 29‏/05‏/2015.

3ــ داود الشويلي ، « إشكاليات الخطاب النقدي الأدبي العربي المعاصر » ، موقع مازونة أحلى منتدى ، العنوان :  https://mazouna.ahlamontada.com/t2380-topic  ، 15/2/2018 .

4ــ محمد بلوفي ، « واقع النقد الأدبي في الجزائر مساره وإشكالاته » ، موقع ديوان العرب ، العنوان : ،  http://www.diwanalarab.com/spip.php?article17946 ،  17‏/02‏/2015.

5ــ محمد النظاري، « الترجمة الأدبية فن منقوص في العالم العربي » ، موقع القدس العربي : https://alarab.co.uk/  ، 2020/09/16.




English in Abstract

Literary Critical Theorization in Algeria and its Problematic Ambiguity, Selected Models.

Bouziane Baghloul : Researcher in cultural criticism, from Algeria.

 

Abstract : The crisis of transferring the critical term at the level of a critical and literary lesson is a problem of translation, as it created the chaos of the term. However, without any doubt, this problem is more severe and deep, and has a more negative academic and educational impact in the Maghreb countries, especially in Algeria, as a result of the history of dealing with the Arabic language and its literature in these countries at all levels, and it is tainted by the historically unnatural relationship. The deal that has gone through tensions and is still with the francophone and Berber currents, not to mention the ambiguity of the French critical and epistemological school in general compared to the Anglo-Saxon school, which is the dominant knowledge reference for the countries of the Maghreb. On this basis, our article (which is as far as general, combines three problematic topics, insofar as it is aware or surrounding some dark points that critics and researchers often pass unnoticed) to shed light on these three problematic topics as they relate directly to the problem The main issue at hand is to impart ambiguity to literary critical theorizing with this name (Endoscopie) and not to theorize literary criticism so as not to fall into confusion with the méta-métacritique criticism, which also sometimes lends itself to theorizing what studies literary criticism in terms of application, and perhaps attributing that ambiguity To the weakness of translation, in content and form, and the multiplicity of concepts and critical terms, then finally in the language of theorizing that accompanies them, that is, we are here in the form or style of the language in which that translation is written or edited, as well as the language of articles and literature that discuss the two problems, in terms of using a special language I refer to it in the explanatory language, exegesis, meta linguistic, or méta-critique, following in all of this the methodology of historical reading, descriptive analysis, and comparative reading (searching for an answer to the question: Are these problems present in Egypt or non-existent and why?)

Key words : The problem of translating the critical term, meta-language and the critical term problem, theorizing literary critical theory, the translation problem.





لتحميل المقال مزيدا منقحا أنقر على الرابط1:


أو الرابط 2:


author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات