القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة سردية أسلوبية لرواية الجزائر التسعينية ‏ ‏"وطن من زجاج" لياسمينة صالح نموذجا




قراءة سردية أسلوبية لرواية الجزائر التسعينية

"وطن من زجاج" لياسمينة صالح نموذجا

زياد بوزيان *

الملخص: كان من الأجدر لهذا البحث أن يأخذ عنوان التحليل الأسلوبي لخطاب الرواية الجزائرية الجديدة "وطن من زجاج" أنموذجا؛ من منطلق أن الرواية التسعينية أو الرواية الاستعجالية كما عرفت إعلاميا بسماتها الخاصة عندنا ما هي إلا ذلك الجسر أـو تلك الحلقة المرتبطة برواية تقليدية أصابها ما أصابها من تحوير وتحوّل  شكلا ومضمونا، ولا شك أن هذه السمات أو الخصائص (الشكل ـــ المضمون) الجديدة الأجلى و الأوفى في رصدها هو المنهج الأسلوبي باعتباره من عائلة البنيوية التي تنظر في علاقة كل عنصر سردي مع باقي العناصر فقط، وتستكشف قيمته ودلالته التي اكتسبها من خلال موقعه في شبكة العلاقات التي تنظم عناصر النص وتنتج النسق.

   وعنوان الرواية "وطن من زجاج" يكشف دلالات مستفزة؛ انزياح لغوي بفائض معنى/ دلالات عدة، يمكن لِقارئ أن يستدل بإحداها عن هشاشة مكونات الهوية كما يمكن لِآخر أن يلتمسها من تأثيرات خارجية/العولمة. هذه الرؤية المختلفة لم تحملها سوى لغة مختلفة     ؛ رؤية صحفية ورافد من الروافد التي صبت في نهر رواية جديدة ذات خصائص متقاربة إلى حد ما.

الكلمات المفتاحية: الرواية الجزائرية المعاصرة، الأسلوبية اللسانية، الانزياح، البنية السردية، الأسلوبية البنيوية.

Abstract: It would have been more appropriate for this research to take the title of stylistic analysis of the discourse of the new Algerian novel “A Nation of Glass” as a model; On the basis that the nineties novel or the urgent novel, as it was known in the media with its special features to us, is nothing but that bridge or that link associated with a traditional novel that has been transformed and transformed in form and content. In monitoring it, it is the stylistic approach as it is part of the structural family that considers the relationship of each narrative element with the rest of the elements only, and explores its value and significance that it acquired through its position in the network of relationships that organize the elements of the text and produce the pattern.

   The title of the novel, "A Nation of Glass," reveals provocative connotations; A linguistic shift with a surplus of meaning / many connotations, one of which can be inferred by the reader about the fragility of the identity components, and the other can seek it from external influences / globalization. This different vision was carried only by a different language; A journalistic vision and one of the tributaries that poured into the river a new novel with somewhat similar characteristics.

المقدمة: شهدنا في سنوات التسعينات وما تلاها بقليل ثلة من الأقلام والمحررين في مختلف وسائل الإعلام تلج فجأة ميدان كتابة الرواية قصد تدوين "الأحداث" لكن أعماها الواقع المعاش عن النظر إلى ما يُدعى عامل التمرس على الكتابة حتى لا نقول هواية الكتابة الروائية فتجاوزت عامل الزمن وعامل التمرس لتحكي مرويات العنف وكل الأزمات التي صبّت في وحلها، وتداعت هذه الأقلام فيما بعد، بعد أن تحسّنت الأحوال وشكل التنافس فيما بينها وبين روائيين جزائريين مخضرمين شبه محاولة التأصيل لكتابة روائية جديدة لغة وخطابا، ونحن بصدد رواية استعجالية ساهمت فرضا في بلوغ جسد الرواية الجزائرية المعاصرة مرحلة النضج ببروز أشد مناطق حساسية في جسدها الروائي وتلونه بألوان لم نعهدها سابقا، وعن طريق جمعِنا بعض البيانات عن هذا الطرح من الأعمال الروائية التي ألفت من 1994 إلى 2006 م تقريبا وتحليلها، نحاول وضع النقاط على الحروف بالمعالجة الأسلوبية لأحداها وهي رواية "وطن من زجاج" قصد الخروج بإثبات الاستفسار إثباتا استنباطيا أو نفيه، ويكون منهجنا منهج أسلوبي في مستواه اللساني ومستواه الأدبي/الانزياح   لوضع السمات الأسلوبية العامة لهذا التيار الروائي.   

 1 ــ رواية التسعينيات في سياق التاريخ الروائي الجزائري:

   في أعقاب التحولات الكبرى التي شهدتها الجزائر منها أحداث 5 أكتوبر 1988 شهدت الساحة الروائية الجزائرية طفرات نوعية هائلة، صنفت من طرف المختصين بأنها حركة انعطاف غير مسبوقة متجاوزة إرهاصاتها إلى البداية الفعلية لتبلور تيار روائي جديد، امتد من عقد الثمانينيات إلى وقتنا لكن مخلفا انتقادات جمة، ما يعضد هذا الطرح هو أنه برغم الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر في عقد التسعينيات وما بعدها بقليل غير أنه كانت هناك استمرارية في الكتابة والتأليف من قبل الروائيين المخضرمين المعروفين: الطاهر وطار، واسيني الأعرج ورشيد بوجدرة، وصفت تلك الاستمرارية أنها أعمال تأصل لرواية عربية جزائرية جديدة نتيجة اشتغالها على مجموعة من التقنيات لغةﹰ وخطاباﹰ مغاير للتيار الروائي السائد/التقليدي المثقل بأثاره الواقعية والرومانسية والأيديولوجية الماركسية بالأساس الرواية الاشتراكية كروايات: السعير 1986 لمحمد ساري، ضمير الغائب عام 1995 وسيدة المقام 2001 لواسيني الأعرج، تيميمون عام 1994  لرشيد بوجدرة، الشمعة والدهاليز عام 1996 للطاهر وطار ودم الغزال  لمرزاق بقطاش في 2002 .

طبعا هناك روايات أخر عدة تحمل عناوين مستفزة لذائقة النقاد والقراء لكن لم يسلط عليها الضوء، فوقعت في طي النسيان وأخرى ثمانينية وتسعينية أكثر اقتراباً من هواجس وهموم الناس وتطلعاتهم الواقعية المعاشة، أي أبعد ما تكون عن السذاجة والتقليدية على غير العادة، وهي التي كأن بأصحابها صوروا أولا الأحداث بالكاميرا ثم نقلوها على الورق مغيرين أسماء الشخوص والأمكنة ما استطاعوا، والأهم من ذلك أنها أصبحت  ألصق بضمير المتكلم أي بسرد السيرة الذاتية، أين يقاسم هذا السارد العليم شخوصا آخرين دور البطولة حاكيا بأسلوب خبري متدفق تتخلله الأساليب الإنشائية كصيغ التعجب و الرجاء و المناشدة..، وطرح للسؤال الذي لا جواب له، ومهاجمة للمجهول لا رضى عن الذات بالعرفان[1]  

وهذا الوصف سرى على رواية التسعينيات في الجزائر التي سماها النقاد بالرواية الاستعجالية   التي عدت بمثابة جسرا للتحول نحو كتابة روائية جديدة، فالتغيرات التي لحقت الإشكاليات المطروحة على المجتمعات العربية خلال السنوات العشرين الأخيرة* كان لها ظلالها التي انعكست على المضامين والأشكال، فالحيوية التي تحظى بها الرواية العربية الجديدة متأتية من خلال قدرتها على التطور ومواكبة التحولات وصياغة النقد الجذري لأنساق الحياة و السلطة وتشخيصاتها وهذا يصدق على روايتنا التي نحن بصددها، إنها تنضوي تحت الرواية الجديدة لتجسد قلقاً وجودياً يتمركز حول الذات ( مثقفين و صحفيين بالأساس لهم تطلع إلى الديمقراطية والمدنية الغربيتين) ضد الواقع السلطوي و المجتمع اللاهوتي بوصفهما السبب في كل ما جرى.

   واكب بزوغ مرحلة الرواية الاستعجالية اعتلاء التيار الوطني الواجهة لدرء خطر العنف على النظام الجمهوري: جاءت فترة محكيات العنف المسلح على أيدي ثلة من الروائيين، 176 رواية كتبت بالعربية  الفرنسية[2]، ولم يمنعهم نقص التجربة الروائية من ذلك فجاءت سرديات ضعيفة فنياً؛ عنها قال الطاهر وطار: " إنني لا أعترف بمصطلح الاستعجال في الأدب و ٳن لم نكن نقصد بالاستعجال التهافت من أجل الظهور والبروز رغم حداثة التجربة"[3] موجهة ومصاغة قبلياً لتعبر عن الهجونة الثقافية لديهم بها ما بها من ركاكة التعبير و غياب الحبكة الفنية المعبّرة عن انفعال خارجي (العنف) لا داخلي (هاجس القريحة )؛ كمن يريد القول تحملنا الإرهاب لوحدنا مع الوعي المبالغ فيه بالثقافة الغربية ؛ كأن الإصرار على عيوب النظام و الهوية وعلمنة الدولة وتحييد الثوابت من الألاعيب السياسية هو الذي سيجلب الأمن والديمقراطية، المهم هو التعجيل في ترجمة الأفكار إلى روايات إن صحت التسمية لأن أغلبها مخالف لمنطق السرد. لا تنطلق من الماضي كالمعتاد ولا يعتورها صراع طويل بين الأجيال تتقلب من خلاله الأحداث، بل تنقل حدثا واحدا ناهيك عن قصر صفحاتها في الأغلب الأعم من 115 إلى 165 صفحة.

  ولعل رواية "متهات ليل الفتنة" لأحميد العياشي هي لَمتاهة حقيقية في الزمن حقا لأن الرﱠاوي يفك خطية السرد المألوفة؛ فبعد نقطة البداية التي هي مجزرة إرهابية تحدث ببلدية "ماكدرة" يسترشد بعدة أحداث في حياة الراوي/ الكاتب مع مجموعة من الصحفيين تجندوا لبحث حقيقة الإرهاب، من خلال انتقاله للعاصمة مستذكرا أحداث 5/10/1988؛ مجازر إرهابية تحدث أمامه في سيدي بلعباس فيعاني متاهة المكان و صعوبة التنقل التي عانى منها معه جل الصحفيين، وصولاً إلى نقطة النهاية التي هي بداية الرواية: حادثة مجزرة بلدة ماكدرة؛ فهي مثل رواية وطن من زجاج التي تبدأ من النهاية موت رجل الأمن رشيد على يد الإرهابيين، فهو بلا شك ليل حالك مرت به البلاد؛ واجه به الشعب بأطيافه ونخبه مع جيشه زمرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن قيمة هذه الرواية الاستعجالية ليس في بعدها الجمالي لأنه متواضع لغة و أسلوبا (إخباري تقريري) باستدعاء الشخصية التراثية وتمثلها فنياً؛ عندما نقارن بين الإرهابي صاحب الحصان الأشهب بشخصية أبي يزيد النكاري الفاطمي صاحب الحمار الأشهب والواقع ينافي أي جانب للمقارنة، ولو أنها استعادة للتراث لكن من جانبه السلبي (فكأنه جده الإرهابي) أراد صاحب الحصان الأشهب استعادته في واقع مختلف تسوده قيم حضارية مختلفة كل الاختلاف كالعدالة وحقوق الإنسان تحت مرأى الهيئات عالمية، لكن خطابها الثقافي يحمل إدانة التقوقع تحت طائلة الحفاظ على المكونات التراثية، من ثمة رفض الإجبار والقهر ورفض الاخر لأن انعكاسات عصر الحريات الفردية والجماعية، والتعدد والاختلاف الثقافي طالت قراءها.

    كما طرحت أحلام مستغانمي في روايتها "عابر سرير" العام 2001 التي تحمل هي الأخرى آثار الرواية الاستعجالية دور السّلطة في نشوب الإرهاب (من يقتل من؟)1 والتعاطف مع القرويين الأبرياء والمثقفين وتنتصر لهم، لمقاومة الإرهاب بالتذكير بفضائل الثقافة الغربية عن طريق الفن والكتابة، والاعتراف بالجميل لشخصية اليهودي المحب لمدينة قسنطينة و إدانة الحقد و تصفية المجاهدين ولما كانت الكاتبة مرأة ظهرت آنذاك وكأنها هجونة ثقافية.

   أما رواية "ذاكرة الماء" لواسيني الأعرج التي أنهاها عام 1997 تحكي قصة أستاذ جامعي وروائي يعيش رفقة ابنته بالعاصمة، تشبه سيرة واسيني الذاتية نفسه، يرفض فكرة زوجته بالهروب إلى باريس من بطش الإرهاب وزملائه يتساقطون الواحد تلو الاۤخر، لكن هل فكرته هاته واقعية ﺃي أنها جرت لأمثال واسيني ووطار وبوجدرة حقيقة؟ أخشى أنها بعيدة عن الواقع كل البعد كون الأول كان أستاذا حينها بجامعة السربون2، حيث كان بمنعة عن الإرهاب كلية. كذلك وطار الذي اختار تونس للعمل أثناء ثورة التحرير، شأنه شأن قافلة من الشعراء والأدباء فرارا من "الأحداث". وهذه سمة أخرى من سمات الكتابات الجديدة التي يلعب فيها التمحور حول الذات للتوافق مع قناعات أيديولوجية تقليدية ليس إلا، حيث التعارض/ الصراع نحس أنه موجود لكن مخفي بين المصرح والمضمر نتيجة الخوف من البطش فينقسم البطل إلى عدة شخصيات محورية وهو يشترك مع مستغانمي في عابر سرير والطاهر وطار في" الشمعة والدهاليز" والحبيب سويدية في "الحرب القذرة " في تحميل تردي الأوضاع واستفحال نخر ما تبقى إلى المسؤولين الذين تولوا قيادة البلاد بعد الاستقلال وفي تبنيهم النهج السياسي الخطأ، وهو يتعقب سيرته تلك بذاكرة شفافة كمياه الساقية في مواجهة غطرسة النظام، وصولاﹰ إلى مباركة أحداث 1988، ثم دخول البلاد في ظلام العنف وذاكرته لا تزال تمده باغتيال المثقفين وانهيار المدينة، وإفلاس البحث العلمي وتقهقر العمل السياسي والضمور الثقافي وتراجع الحقوق والحريات، حيث انتهاك حرمة رفيقة الكاتب من قبل جهاز الأمن وشقيقة صديقه تغتصب من قبل الإرهاب ولا أحد يرد، مع ذلك يصر الكاتب على البقاء والمقاومة، فهو بذلك شخصية تحمل ثقافة معتدلة معادية للتوجه الأصولي الإسلامي مناصبة بعض الميوعة/التزلف للسلطة المكافحة للإرهاب.

2 ــــ الأسلوبية منهجا نقديا:

   لأنه لا متسع لنا في محاولة الإحاطة بكل صغيرة وكبيرة تخص علم الأسلوب أو  الأسلوبية، الذي هو علم له أسس وقواعد ومجال في هذا البحث القصير، هذا المنهج الوصفي وُجدت آثار له ليست بالقليلة في تراثنا النقدي أي المنهج البلاغي بما فيه النحو المعياري والذي مازال يشد إليه الباحقين في تخصص نقد قديم وحديث معا لتقصي منعرجاته المنهجية الزلقة والخطرة [4]، ولذلكم سنكتفي بإعطاء نظرة عامة عنه بخاصة ما يفيد البحث نبدأها بتعريفه المستمد من تعريف شارل بالي المؤسس الأول لعلم الأسلوبية والذي يضع في عين الاعتبار:

ـــــ المنشئ أو المخاطِب: هو التعبير الكاشف لنمط التفكير عند صاحبه ولذلك قالوا الأسلوب هو الرجل.

ــــــ المتلقي أو المخاطَب: هو سمات النص التي تترك أثرها على المتلقي أيا كان هذا الأثر.

ــــــ الخطاب أو النص: هو مجموعة الظواهر اللغوية المختارة الموظفة المشكلة انزياحا، وما يتصل به من إيحاءات ودلالات[5]

   وإذا رمنا جمع هذه الاعتبارات فيكون التعريف الجامع التالي "الأسلوبية ليست علمًا واحدًا، فهناك علم الأسلوب التعبيري الذي يدرس علاقة النص بالمنشئ، وعلم الأسلوب التأثيري الذي يدرس علاقة النص بمتلقيه، وعلم الأسلوب الموضوعي الذي يقصر نفسه على معالجة النص في ذاته، وهكذا نجد أن علم الأسلوب يتفرع إلى علوم عدة"[6] وعلم الأسلوب يقف عند تحليل النص بناء على مستويات التحليل وصولا إلى العلم بأساليبه.

ويقول الباحث عبد السلام المسدي على إثر ذلك أن في مفردة الأسلوبية المنهج نميز بين " أسلوب" ولاحقته "يه"؛ فالأسلوب ذو مدلول إنساني ذاتي أما اللاحقة تختص بالبعد العلماني العقلي الموضوعي فيه[7]

1 مستويات ومحددات المنهج الأسلوبي:

    يعتمد الأسلوبيون دائما على أهم مستويات الدراسة الأسلوبية في دراساتهم الأسلوبية كالأسلوبية التعبيرية والأسلوبية البنيوية والأسلوبية النفسية والأسلوبية الإحصائية.. لأجل اختيار واحدة منها كي يوائمونها مع اتجاه من الاتجاهات الثلاث المذكورة أعلاه في تحليلهم. أما نحن فقد التمسنا النص السردي كائنا عضويا شعوريا (الأسلوبية البنيوية) متوخين في جميعها البحث في عنصر اللغة تركيبيا ودلاليا، بيد أننا في هذه العجالة أهملنا كل ذلك لصالح مواشجة لغوية سردية، أي في كل عنصر سردي طاغ مميز للنص الروائي نعالج فيه قضايا الاختيار والتركيب والانزياح (نقصد بالتركيب النحو بصفة عامة لكننا نركز على الصورة الشعرية الحديثة: الرمز والانزياح بدل الاستعارة التشبيه والكناية..)، يهدف البحث الأسلوبي في مقاربته للنص الأدبي بصفة عامة إذن على إظهار الاختيار والتركيب والانزياح الذي قام به الكاتب لوصفه و معرفة غرضه الدلالي.         

1 الاختيار:

   يكاد "الاختيار" أخذ مفهوم الأسلوب نفسه لأهميته كمصطلح أسلوبي، حيث لا يمكن  للكلام أن يكتسب صفة الأسلوبية إلا إذا تحققت فيه جملة من " الظواهر أو المسالك التعبيرية التي يؤثرها الشاعر أو الأديب دون بدائلها التي يمكن أن تسد مسدها لأنها في نظره، دون تلك البدائل، أو أكثر ملاءمة لتصوير شعوره وأداء معانيه"[8] ومن ثم كان الأسلوب ذاته اختياراً، أي " اختيار الكاتب لما من شأنه أن يخرج بالعبارة عن حيادها وينقلها من درجتها الصفر إلى خطاب يتميز بنفسه "أو هو" انتقاء يقوم به المنشئ لسمات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف معيّن"[9]؛ فالاختيار الذي نقصده هنا هو الاختيار الأسلوبي وهو "ما يعرف بالاختيار النحويّ بالمعنى الشامل الذي يراعي النواحي الصوتية والصرفية والدلالية والتنظيمية.‏

كل علامة لغوية من لفظ أو تركيب أو عبارة أو غيرها مما هو ضمن الخطاب تقوم بوظيفتها التي حددها لها المبدع‏ أي أن للاختيار صورا متعددة، منها ما يتم على مستوى اللفظ أو المعجم: تفضيل لفظة ما على غيرها من البدائل استثماراً وتوظيفاً للطاقات الكامنة في اللّغة؛ ومن صور الاختيار وأصنافه ما ينشأ من التعبيرات المجازية، فالاختيار في هذا النوع يتجاوز اللفظ المفرد إلى التركيب باعتباره صياغة للكلمة " وفق نظام لتؤدي الصورة الأدبية وظيفتها التأثيرية والإبلاغية والجمالية"[10]

2ــ1ــ2 التركيب:

   تكتمل صورة التعبير اللغوي ليخرج إلى حيز الوجود ذهنيا عن طريق التركيب، فالتركيب هو الذي يقوم بعملية نظم الكلمات المختارة في الخطاب الأدبي متوسلاً في ذلك بعمليتي الحضور والغياب اللتين هما عمليتين ذهنيتين؛ أي أن الكلمات في الخطاب تتركب من "مستويين، حضوري وغيابي، فهي تتوزع سياقياً على امتداد خطي و يكون لتجاوزها تأثير دلاليِّ وصوتيّ وتركيبيّ وهو ما يدخلها في علاقات ركنية، وهي أيضاً تتوزع غيابياً في شكل تداعيات للكلمات المنتمية لنفس الجدول الدلاليّ، فتدخل، إذن، في علاقة جدلية أو استبدالية، فيصبح الأسلوب بذلك شبكة تقاطع العلاقات الركنية بالعلاقات الجدولية، ومجموع علائق بعضها ببعض"[11] وهذا التصور لعملية الخلق الأدبي لا يخرج عن نطاق الاتجاه الذي تزعمه جاكبسون، الذي يعتبر الحدث الأسلوبي " تركيب عمليتين متواليتين وهما اختيار المادة التعبيرية من الرصيد اللغويّ، ثم تركيب هذه المادة اللغوية بما يقتضيه بعض قواعد النحو وبما تسمح به سبل التصرف في الاستعمال"[12]

   لا يقتصر الدرس الأسلوبي على توصيف بنية التركيب في الخطاب الأدبي؛ بل يهتم بأبعادها الدلالية متقصياً مختلف أنماطها، وما يتفرع عنها من استعمالات أو أشكال تعبيرية كالتقديم والتأخير، والحذف والذكر والإضمار، والتعريف والتنكير، إذ إن كل شكل من هذه الأشكال اللغوية يُعدّ خاصية أسلوبية تختلف من حيث التركيب عن النموذج وكذلك من حيث الدلالة، الأمر الذي يحمل على القول إن كل تغيير طفيفاً كان أو كبيراً، إنما يخفي وراءه غاية أو قصداً، والمؤكد هنا أن ذلك يعطي صورة تركيبية مختلفة ويترتب عن ذلك معانٍ مختلفة، لأن طريقة التركيب اللغوي للخطاب الأدبي هي التي تمنحه كيانه وتحدد خصوصيته، ولذلك كان ميشال ريفاتير " يركّز على الخطاب في ذاته ويعزل كل ما يتجاوزه من مقاييس اجتماعية أو ذاتية، فالخطاب الأدبي هو تركيب جمالي للوحدات اللغوية تركيباً يتوخى في سياقه الأسلوبية معاني النحو، ومن هنا يكتسب وظيفة الأدبية التي هي سرٌ من أسرار خصائصه التركيبية البنيوية والوظيفية"[13]

2ــ1ــ3 الانزياح:

   يعد الانزياح مؤشراً نصياً على أدبية النص وشعريته؛ ذلك أن الخروج عن النسيج اللغوي العادي في أي مستوى من مستوياته، الصوتي، التركيبي/النحوي، الصرفي، الدلالي يمثل في حد ذاته حدثاً أسلوبياً[14]

   يفهم معنى الانزياح على أنه " انزياح " أو انحراف عن قاعدة ما (انحراف الكلام عن نسقه المألوف، هو حدثٌ لغوي يظهر في تشكيل الكلام وصياغته) أو انحراف عن نموذج آخر من قول ينظر إليه على أنه نمط "معياري" أو هو "مجموع المفارقات التي نلاحظها بين نظام التركيب اللغوي للخطاب الأدبي وغيره من الأنظمة"[15] يسمى أيضا "العدول Ecart" يمكن أن يأتي خرقا للغة المعيارية، كما يأتي خرقا لقواعد الصياغة النحوية ذاتها في شكل تكرار صيغ معينة كالصفات مثلا.

    وإن كان البحث الأسلوبي قد توصل إلى ضبط الانزياح بتعريفه فإن الإشكال يبقى قائماً في المعيار الذي يعتمد في الكشف عن الانزياح أو الانحراف في النص الأدبي؛ إذ تباينت الآراء في هذا الشأن، حيث رأى البعض أن المعيار يكمن في اللغة بالمفهوم الديسوسيري، التي هي "النظام التجريدي الماثل في أذهان أبناء الجماعة اللغوية؛ فالأسلوب المنتمي إلى الكلام) بطبيعة الحال هو، بحسب هذا الرأي عدول مستمر عن ذلك النظام و انتهاك مطرد لسننه وأعرفه"[16]، ويرى البعض الآخر أن المعيار أو القاعدة التي ينحرف عنها الأسلوب هو " المستوى النمطي الشائع من استعمال الكلام؛ فهذا المستوى لحياديته؛ أي لخلوّْه بسبب ما هو عليه من شيوع  من أي شيات أسلوبية، هو المعيار الذي يتحدد بالقياس إليه أيّ انحراف جديد"[17]

   إلا أنه هناك رأي ثالث يجعل المعيار كامناً في "الكفاءة" أو "القدرة" اللغوية، وهي النموذج المثالي للغة، وهذا النموذج حسب تشومسكي وأتباعه، هو الذي يُمَكّنُ أبناء اللغة " أن يميزوا، على مستوى سطح اللغة بين ثلاثة أنماط من التراكيب: تراكيب صحيحة تؤدي المعنى وأخرى فاسدة لخلوها منه وثالثة لا تنتمي إلى أيّهما؛ إذ هي من جهة لا تتسم بالصحة الكاملة؛ لأن بنيتها التركيبية تختلف أو "تنحرف" بدرجات متفاوتة عن الصورة المثلى للكفاءة اللغوية، وهي لذا وذاك تسمى الجمل غير نحوية أو الجمل المقاربة" [18]وهذا المعيار لو لآخذنا به لأعفينا روايتنا هاته من الدراسة الأسلوبية كما أن هناك فريق يجعل المعيار مقتصراً على الاستعمال اللغوي مستبعداً أي علاقة للانحراف بالبنية العميقة التي هي مجرد فرض ذهني لا علاقة لها بالاستعمال والاستخدام الفعلي للغة؛ فالاستعمال الذي هو الذي يحدد الانحراف.

 

  3ـــ التحلـيل السردي الأسلوبي لرواية وطن من زجـاج*

 3. 1 جمالية التشكيل الأسلوبي (التفاصيل الشكلية):

     لعلّ الرغبة في كتابة مختلفة عبر التراكيب النحوية (أسماء الاستفهام والشرط وأدوات الاستفهام، الذكر والحذف التقديم والتأخير..) وانتهاك الشكل عبر الانزياح والصور الشعرية تتفق كلها مع ما حمله تيار الرواية الجديدة من خصائص على مستوى الشكل: تعدد الأساليب السردية أو تعدد طرائق السرد كطريقة تقديم الشخصيات، وعلاقتها بالراوي في إطار الزمان و المكان، تعدد الأصوات السردية والتعدد اللغوي، وأشكال الرواة مرتبطة في دلالاتها العامة بالأنساق الاجتماعية ذات المرجعية الثقافية المعبرة عن الواقع مثل ضبط اﻷخلاق على عقارب النص الديني الذي أصبحت مطلبا شعبيا وسياسيا ملحا لدى المجتمعات العربية بعد النكسة و الرؤية الصوفية والعلمانية المضادتين لهذه المطالبة مثلا، لتكون نبراسا للحياة الدنيوية لشخصية فلتان أو علان كما هو الحال بالنسبة لعائلة الحفيد/البطل: حيث الجد والعمة ملتزمين والأب المختفي ومعلم القرية والصديق النذير متحررون من التقاليد الدينية والأفكار الأيديولوجية، بل إن تطلب الأمر الوقوف موقفا جدليا في العلاقة مع اﻵخر وهي كلها شئنا أم أبينا سمات من سمات الرواية الجديدة، والرواية العربية الجديدة من وجهة نظر محمد برادة عكست ما يعتمل في النفوس من تشظٍ وغضب ويأس، وكأنها تسترد الأصوات التي سرقتها قوى القمع و الكبح لتوسع معجم الاحتجاج والمكاشفة[19]، التي يجدر بنا قراءتها أسلوبيا من جانبها الوظيفي؛ بحث في لغة النص من خلال مستوياتها المختلفة، بما تحمله هذه التراكيب من القيم ثم وصف هذه القيم، لذا ترانا نحلل الانزياح والصور الشعرية ضمن البنية السردية (الأسلوبية البنيوية ) عندما نعرض للمكونات السردية وعلاقاتها واحدة تلو الأخرى.

1.3 1. تعدد الأصوات السردية والتبئبر:

   الحدث الرئيسي في الرواية يكشف عن خطاب صراع أيديولوجي من جهة، بين الحداثة خير من مثلها معلم القرية و الحفيد وبين الأصالة خير من مثلها الجد ومن جهة أخرى، بين الإسلام السياسي والمجتمع الجزائري، اطّلعت به شخصية يهمها ﺃمر تمزق مكونات ورموز الأمة الثقافية وعدم الانتفاع من تنوعها في نهاية التسعينيات وهي شخصية الصحفي النذير، ثم بعد موته يحمل الأمانة عنه الحفيد، وهما اللذين أرّقهما العنف الفكري و الإرهابي الممارس أمام أعينهما وأفجعهما كذلك في أقاربهما، في مستهل الرواية نجد من المفروض أن الذي يخبرنا بوفاة الشرطي رشيد خطيب أخت النذير هو الراوي لكنه يدع ذلك ( بتدخل من الكاتب) لصوت آخر هو الزميل الأمني للرشيد، حتى يعطي صورة حية عن الإرهابيين القتلة مع مطارديهم الأعوان البواسل بخاصة أمام الأصوات التي تدعي أن الذين يذبحون الناس و الأعوان البسطاء في مداشرهم هم الكموندوس ملتمسين سياسة فرق تسد: « كيف نحب وطن يكرهنا؟ سأله وصمت ثم غادره. لم يغادره بمحض إرادته إنما غادره غضبا، غادره موتا. كان الموت رهيبا و هو يأتي محملا بالكلمات الجاهزة . قال عنه زميله: لقد مات في اشتباكات حين كان يطارد جماعة مسلحة ..! » [20] في هذا الشاهد صوتين سرديين: شرطي شجاع متعقب للإرهابيين المتوفي وزميله في سلك الشرطة الذي نقل لنا خبر موته، فدلالة الاستفهام بكيف والقصر ﺒإنما في هذا التعدد الصوتي هي تحميل موت الرشيد للوطن، فالوطن أصبح يقتل أبنائه وهو ما دلت عليهما مفردتا الصمت والجاهزة، فالإجابة لابد أن تأتي جملة طويلة ( لقد مات.. حين..) للوقوف على دواعي وحيثيات الموت لا المتسبب الرئيسي في الموت. وهذا يؤكد أن الكاتبة/ الصحفية نفسها واقعة تحت الضغوطات الأمنية.

 تعدد الأصوات السردية منذ المستهل من المفروض أن يبشرنا ببانوراما فسيفسائية من الخطابات الإيديولوجية المختلفة عن بعضها البعض كما بشر به ميخائيل باختين، نخشى أن دلالة هذه المزية الفنية المحسوبة للكاتبة جد محدودة في نص "وطن من زجاج" نتيجة أسلوب سرد السيرة الذاتية ولم تستقيها من التبحر في عالم النظرية الحوارية بقدر ما استقتها من تعددية واقع قطاع الإعلام أين تعمل وفي نقل المعلومة بمنتهى الشفافية ــ آنذاك على الأقل ــ هذا من جهة، و من جهة أخرى ارتباطا بسرد السيرة الذاتية تبلوُر حركات أثنية ونُخَبية احتجاجاً على واقع لا يحسد عليه، على إثره تساهلت السلطة مع المطالب الثقافية: الأمازيغية والفرانكفونية، والتي لم يكن يهمها من أمر ذلك الصراع شيئاﹰ كونها بدأت تقتطع من جسد الثقافة الوطنية هويتها الثقافية الخاصة ــــ استمر  تقوى بعد نهاية الأزمة الأمنية: ذلك أن العاميات أو التفرعات اللهجية كثيرة ومتباينة، والتواصل عبرها أو من خلالها، يكاد يكون بالغ الصعوبة، وهو أمر يلقي بظلاله التفكيكية على نسيج المجتمع الواحد، والأمة الواحدة، وقد يفضي إلى تباين ثقافي وتفاضل عرقي، قد يودیان بوحدة نسيج الأمة وتألفها وتعارفها، وفي ذلك ضياع الهوية والثقافة والدين[21] ـــ كما أن النخبة الفرانكفونية لم يكن يهمها سوى ممارسة ثقافتها الخاصة كعادتها والاقتطاع من جسد الدولة ما يتألم له الفقراء والبسطاء وحدهم،  وذلك ما لم يستسغه الراوي/الحفيد (ساردا سيرته بالضمير ﺃنا) إلى دخوله معهم في ﺃزمة تشظي عائلية انصهرت مع أزمة تشظي الوطن، وعمل السارد على تتبع بطل في مسيرة البحث على الطريقة المثلى للم الشمل والحد من تآكل عناصر الثقافة الوطنية وتهاويها، بتوظيف الرمز والحوارية المحدودة، وبمساعدة كل الأطراف يسخر جريدته للتصدي للأفكار المتناحرة التي تشتت الوطن إرهابية كانت أم سلطوية، ففي قوله: " كان رئيس التحرير يلغي ما ﺃكتبه ويذكرني ﺃنني صحفي ولست "شرطياﹰ اجتماعيا"[22] يمكن اعتبار "يلغي كل ما أكتبه" انزياح عن الاستعمال الجاري في اللغة دلالته صعوبة العمل الصحفي في مرحلة التسعينيات، العمل الذي مارسه بعضهم من دون تثبت من صحة الخبر والرأي كأنهم بوليس غير مكلفون! خاصة بعد ما ذاقوا حلاوة التعبير الحر مع بداية التسعينيات.

    أو حتى من استغلوا الصراع الدائر بين الجيش والجماعات الإرهابية للصيد في المياه العكرة وتعريض الوحدة الوطنية لخطر التمزق والانشطار: « كنت قد سمعت عن أولئك المنتحرين .. قرر ﺃن يحرق نفسه ﺃمام ﺃهله و سكان قريته »[23] ، هذا الاستغلال  لم يكتفي باتخاذ الثقافة مطلبا سياسويا أثنيا إقليميا ونخبويا، بل تعداه لمحاكاة نظرة الإعلام الفرنسي المتعاطف مع الإرهابيين والمنفتح على كل التيارات (شخصية المصور كريمو) حينما يكرر التغني بالاختلاف الثقافي والحرية والبلد تعيش حربا ضروس: "يعبر البعض دائما عن العلاقة بين "رفض العولمة" و"تأكيد الهوية" بأنها تأكيد عن علاقة قديمة بين "تأكيد الهوية" و"رفض الحداثة و ثورة التقدم" و لا ترغب الأقليات الوطنية في غالبيتها الساحقة  في الاعتزال والتقوقع، و لكنها  ترغب في اندماج  محترم  يراعي الخصوصيات المميزة للمجموعة "[24]. ولعبت الكاتبة على هذا المفارقة نسجته تضاريساً منها ما هو حاد التضاد اللغوي، مفردات أو جملا كقولها: الابتسام والبكاء، الرجال المحترمون ولغة الخدمات، كنا بخير ومتى كنا بخير؟، ومنصاعا للواجب بشكل عجيب.. واجب الوطن وواجب الوفاء للوطن من دون أن يقف يوما ليسأل لماذا لا يكون للوطن واجبه نحوي أيضا!؟ [25]  لتعبّر عن عمق التشظي الذي سار فيه البلد.

  لم تلعب السلطة دور مبدأ الحياد السياسي إزاء دورها التاريخي للمحافظة على الهوية الثقافية، حسب الدور الذي ﺃعطته الكاتبة للراوي (زاوية الرؤية من الخلف) كونها كانت واقعة بين ضغط فكي الإرهاب والعولمة المُطبقان، « فالعولمة الثقافية، تعمل على تنميط الثقافة المحلية وتقويضها، ومن ثم تهميشها وتكريس تبعيتها ودونيتها وتجعل المجتمع أسير لتطلعاته الاستهلاكية أي تؤكد البعد الاستهلاكي للإنسان، وتفعل فعلها في تذويب الانتماءات القومية والوطنية عبر مختلف الأدوات والتقنيات المعلوماتية »[26]، فعندما يفضح السارد العليم حتى وإن كان في ثوب جمالي مشبع بالتقريرية، بصوته اﻷحادي عندما يبالغ في محاولة درء خطر الفكر الأصولي غير مكترث بالتباعد بين النخب (أصدقاء البطل العلمانيين واللائكيين الأمازيغ) معتقدا أنه لا يهمهم غير مصالحهم الخاصة ، المتمثلين في شخصيتا كريمو و"نبيل" زميل البطل الثري في الجامعة ؛ والده ضابط كبير، لا ينتقل إلا بالحراسة، له سيارته الخاصة و شقته وعشيقه الخاص "المهدي" وعاهرات من كل الأصناف: «كان يقول مخاطبا البطل وأنت ما جديدك يا صاحبي، أمازلت تعتقد أن الصحافة ستحل المشاكل؟ الصحافة بنت الكلب يا صاحبي!»[27]، كان "كريمو" و"نبيل" و"المهدي" نماذج استغلال المنصب وسرقة أموال الشعب من قبل السلطوية آنذاك، وتسطّحها الفكري والثقافي عموما الذي لا يؤهلها كي تحكم ﺃو تضطلع بمسؤولية المحافظة على الهوية الثقافية للوطن من قيم الاغتراب، التفكك  والتشرذم، لعل في بنية هكذا نص روائي جزائري "تعرية للإيديولوجيا السائدة، ونقد لمنظومة القيم السوسيو- ثقافية المهيمنة، لقد مارس النص الروائي فضحا بالغا للسائد و الثابت بمفهوم ﺃدونيس.."[28]. فمن خلال علاقة الراوي العليم بهذه الشخصيات الحادة الاستقطاب أرادت الكاتبة نقد السياسات التوفيقية للسلطة العسكرية آنذاك المتسمة بالمزاجية الرعناء. وقد مهدت لها بنقد ظاهرة تصفية المتعاونين مع فرنسا/ الخونة والعملاء حتى بعد وقف إطلاق النار كأنها أرادت القول أن هذه من تلك.

   ولا أدل من ذلك الاغتراب من ظاهرة الشذوذ الجنسي في مجتمع محافظ ، الذي صورته الكاتبة على غرار فضيلة الفاروق في روايتها "ﺃقاليم الخوف" خطرا على تآلف كل أطياف المجتمع  بنخبه وطبقته الشعبية معا، والذي ما حاولت عبثاً الرواية التقليدية اجتنابه، لكن الكاتبة قفزت إلى لب المسكوت عنه، وهي قضية فئة الشواذ التي بدﺃت تنمو متأتية من تمثل الآخر في فضلاته الحضارية وهي آلية سردية جديدة كشفت عن صراع القيم في ظل الراهن الاجتماعي ـــــ  كمن يريد إعطاء صورة على فلسفة العبث واللاﱠجدوى في المجتمعات الغربية[29] بتقديمها أنها أحد أسباب العنف و الفوضى التي سقطت فيها البلاد ــــــ حتى وإن بدى ذلك تشهيراً لانحرافات ﺃخلاقية تخص الغرب ﺃكثر. لعلّ صراع القيم الجدلية  بين المقدس والمدنس حريّ بإثارتها أكثر السرود التي توصف بسرود الظل( ممنوعة النشر) المتربصة المترصدة لأنظمة المجتمعات الاشتراكية الواقعة فجأة تحت آثار العولمة السلبية وهي التي لم تنفتح سياسيا إلا مع التسعينيات كالجزائر ودول شرق أوروبا. ثم ماذا يبقى من موضوعات تطرقها الرواية لو جانبت صراعات كصراع الهوية ضد مظاهر التفكك التي جاءت بها العولمة، دفاعا عن قيم الذات كالأخلاق والتراث في مقابل الوارد المفارق؟ سوف لا توصف بالجدة لو أنها فعلت " مساءلة المكبوت والمهمش مثل الحب والجنس والمرﺃة باعتبارها تيمات تنتج الهيمنة بأشكالها، نقد المرجعية الدينية والسلفية، الدعوة إلى الحرية والاختلاف، نقد إيديولوجيتا " الإجماع الوطني " و"المشروعية التاريخية"  بإظهار الصراعات والتوترات المطموسة"[30]. وقد التمست الكاتبة من منطلق إقامتها بالعاصمة الألفاظ والمفردات اللغوية الدالة على التغير الذي مسّ المجتمع الجزائري ﻛ: تْشيبة، تمنشير، ذلك الشخص/ذاك البنادم، جنية، حزب الدولة، بيدون زبل، يبصق عليه، سوبرمان، بالجمع بين الأسلوب الإنشائي والأسلوب الخبري/التقريري أي التعجب و الاستهزاء/ السخرية والاستفهام المختلج للأسلوب التقريري في قولها: أمن فرنسا في الجزائر! / خطيبتك! ــــ الجندي الفرنسي الذي يتكلم عن الجزائريين البائسين يصفهم بالأوباش ــــ هل كان عليه أن يعيش كما يعيشها الفرنسي؛ مستمتعا بالحياة يعشق ويحب ويتزوج.. بجانب زوجة جميلة وسعيدة؟ أي أننا بصدد أسلوب غير مباشر حُر؛ غير مباشر في ما يشبه سرد السيرة الذاتية وحديث عن الشخصيات بتغيير الضمائر والأزمنة وحُر لأنه يوظف تقنيات الأسلوب المباشر كالتعجب و الاستفهام.

 2.1.3 تحول الشخصية إلى رمز وانزياح أسلوبي"

   باعتبار أن النظرية السردية الحديثة تعتبر كل مكون روائي حاملا لسيماته الدلالية في النص، ويعطي إشاراته كما تعطيها اللغة تماما، وهو ما لمحناه في شخصيات وطن من زجاج حيث أن الشخصيات التي لعبت الأدوار الإيجابية المحاطة بالبطل/ السارد بقيت دون أسماء ، فشخصية البطل بقي اسمها "الحفيد" ﺃو"جورناليست" ﺃو" لاكمورا " ﺃو" الساموراي " ﺃما ﺃبيه بقي اسمه "ذلك الشخص"[31] و"الحبيبة" بقيت بهذا الاسم إلى النهاية و"الجد/الحاج عبد الله" الإشارة إليه بالجد فقط في أكثر من مرة و المعلم (بقي هو المعلم: في مقام الأب الثاني للبطل) والأم الطيبة لم تشأ المؤلفة ذكر اسمها لحاجة في نفسها، وسوق الاسم عن طريق اللا اسم إن صح التعبير خاصية لسانية ذات بعد تداولي حيث المعنى المتولد من سماع الدال الصوتي "لاكمورا" المتولد في ذهن من يعرفون الحفيد هو نفسه معنى الحفيد لديهم، غير أن الشخصيات التي كان لها دور سلبي مثل المهدي و النبيل ورشيد وكريمو وهشام، ساقت أسماءها بحكم أن البطل السارد يقدم النص من منظوره الخاص، أي مدى التقاء و افتراق الشخصية سيكولوجيا عنه؛ قد تكون سمة تجريبية في الرواية الجزائرية التسعينية وما بعدها ﺃو رمز على فقدان المثقف الغيور على هويته للذاكرة: "فهل ثمة ٳنسان سعيد في هذه البلاد، سوى فاقدي القلب والذاكرة"[32]

   شخصية البطل التي نهضت عليها أحداث الرواية لم يكن حضورها طاغيا ومؤثرا على مجرى الأحداث كلية لذلك اُقتسمت أو تفتت بين شخصية الحفيد ــ محورية ــ والصحفي النذير ـــ رئيسية ــ لكن بعد موت النذير يفسح البطولة الكاملة لشخصية الحفيد، وفي هذه القصة التي نشرتها ياسمينة صالح عام 2006 أي بعد عشرية التسعينات مع ذلك فهي تحمل بكل المقاييس صفات وخصائص الرواية التسعينية لعل الكاتبة تكون صادفت مشكل النشر أو مشكل الأمن على حياتها وهي التي كانت تعمل صحفية أو ربما هما معا، تروي قصة الصراع  بين التحضُّر والتخلف، بين حكاية الجد عبد الله و حفيده "الحفيد" /الشبه البطل ومعلم القرية المتنور بالثقافة الغربية (الديمقراطية وحقوق الإنسان)، بعيدا عن أجواء المدينة (العاصمة) بكل ما تحمله في جعبتها من عادات تظهر كأنها ﺃمراض استهلاكية آتية من الغرب ملبساً ومأكلاﹰ  ثقافة متدفقة عبر الفضائيات ثم الأنترنت في  نظر الثقافة المحافظة، والتي يتأسى بها الشباب الواقع تحت لا مسؤولية السلطة (تسرب مدرسي وبطالة) وتحت وقع الإحباط النفسي المتولد عن العنف المسلح، ومن هذا التخبط بين الثقافتين ثقافة الاختراق وثقافة الردع ولا مبالاة السلطة، تبدأ حكاية الشخصية الرئيسية النذير مع البطل من العاصمة الذي احتفظ له السارد باسم الحفيد في ممارسة العمل الصحفي الخاص، وقوفاً في وجه الجبهتين،  والحفيد يحمل في ذاكرته نوعا شبيهاً بقهر السلطة الاستبدادية كالذي ورثه أبيه عن جده الإقطاعي، ما يجعله يتحفز معنوياً وهو في العاصمة، بعد النهاية الحتمية للتقاليد الأسرية (أسرة جدﱢه)، حيث يلتقي مجدداً بأسرة جاره المعلم المتنور وينجح مع ابنه النذير في إدارة أسرة ثقافية مواجهة لتفكك الوطن و تشرذمه، بعدما فشل في منع تشرذم أسرته الأصلية عندما كان يفتقد للمؤهلات الثقافية التي تمكنه من ذلك، فكلا الرفيقين الحفيد /الشخصية المحورية والنذير/ الشخصية الرئيسية عانا الحرمان، أولاً معاناة الحفيد الفقد و اليتم ولا مبالاة جده، ومعاناة أسرة المعلم ( أب النذير) لفصلها عن التعليم ومكابدة شظف العيش لكنه علم ابنته، لتحصل على شهادة طبيب وابنه نذير على شهادة في الصحافة لكنه من جراء مواجهته للإرهاب بقلمه يُغتال ليتسلم المشعل منه صديق العمر الحفيد.

   جمالية بعض النصوص الروائية الجديدة إنما تكمن في توظيف فني لعنصر الشخصية توظيفا يشابه دور اللغة، وهذه الرواية بالذات في انزياح أسماءها عن الأسماء المعتادة في اللغة وعندما توحي عن معاني لا مادية ومجردة ﻔ "نبيل" شخص شاذ مع ذلك يحمل اسم نبيل و هذه مفارقة دلالية جاءت إثر انزياح في اللغة، انزياح يومئ عنه (مدلوله) اكتشاف الدور المنوط بالشخصية والمناقض لاسمها مثل ما يومئ به دال الجسد لدى أرمدة من الروائيين الجزائريين الشباب عندما تكون صاحبته مومسا أو عارضة أزياء مثلا مركزين على " الشخصية العابثة بهويتها ( رمزية العبث بالجسد)  مصادر ثقافتها هي ثقافة الاخر والشخصية كمرتكز للحفاظ على هويتها التي مصادر ثقافتها تراثية"[33]. ومع كلا الشخصيتين نُلفي حضور الرعاية السلطوية اﻷبوية[34] ( patriarchal order ) اللذين هما الجد الإقطاعي والجنيرال الباذخ؛ فوجه الشبه بين نبيل كشكل وصفة الشخص النبيل غير قائمة، لكن هو الشخص الهجين المتهتك و المريض النفسي الذي يعكس انحراف مدنية الفضاءات الكوسمُبوليتانية الكبرى تماما كفضاء العاصمة الجزائر، " الانزياح ليست غاية يقصدها الشاعر/ الروائي، وإنما وسيلة بواسطتها يتأتى له تشكيل خطابه جماليا ومن ثم توصيله ، فكون الانزياح غاية يسلب الشعر/ النثر، حتما، جوهره"[35]

   عندما لقي ضابط الشرطة الرشيد خطيب أخت نذير غير المرغوب فيه حتفه على يد الإرهابيين، رمز ذلك إلى الانتهاء الحتمي لفساد السلطة وعنجهيتها في مرحلة اﻷزمة الأمنية وما تلاها اتجاه ما يفتت الوحدة، بمقايضتها الاعتراف بالحقوق المشروعة بالسكوت عن التزوير والاستبداد أو بمقابل مادي كالنسب، ﻷن خطبة أخت النذير الطبيبة جاء بقوة الجاه والنفوذ بمقابل السماح بالنشاط الثقافي والإعلامي؛ استلاب كاستلاب العنف للوطن من أمام أعين أحرار الجزائر من ترسب الحقد " والحقد الذي تعلمته يوما بعد يوم من القرية إلى المدينة، وطن لم يكن يبذل جهدا ليصنع مني حاقدا جديرا، ﺃلم يكن الحقد ثقافة قومية؟ حتى يلتقي الناس يتحول الكلام إلى وسيلة لتبادل اﻷدوار، ولاختزال المسافة بين ضغينة وأخرى... وجهك كان وطني مطالبي الشرعية بالخبز والحرية والعدالة والمساواة "[36] فلا تؤدي الممارسات السلطوية إلا لمزيد من تشظي لحمة الوطنية ، خاصة مع الممارسات الأخلاقية الغريبة التي أصبحت تستقطب الطبقة الوسطى في ضواحي العاصمة أين تكثر الشعوبية في اﻷحياء الجامعية، ما زاد في تبلور الصورة المتشظية وتشوهها إلى درجة المسخ تنافر مدلول الشخصية: فقدان الهوية الجزائرية العربية الأصيلة لصالح هوية دخيلة على مجتمعنا مع إصرار الطرفين الإرهاب والعسكر على الحل الأمني وطرف آخر ثالث مستغل للوضع مطالبا بإحياء تراثه اللغوي و الأمازيغي و استرداد حقه في الثقافة التي تجعله يرقص على ﺃوزان الموسيقى الغربية! و يجرب موضاته في العري و"نيولوكnew look " برغم اﻷزمة اﻷمنية الرهيبة التي تشهدها البلاد متسببة في إثارة سياق اﻵخر المحلي[37]، ما خلف فضاءا ثقافياً محتقنا و سهل في انشطار هويته الزجاجية بفعل الحقد المترسّب؛ "الهوية في الجزائر ﺃصبحت إشكالا عندما ﺃصبح التمايز اللغوي يلقي بظلاله على المنطقة.. فالإسلام صبغ المنطقة بروح الحضارة الإسلامية ٳلاﱠ ﺃنه فتح المنطقة على المذاهب الأيديولوجية و الثنائيات الضدية.. ﺃصبحت شمال ٳفريقيا منذئذ ﺃرض البحث عن هوية الذات وعن اﻷنا في مواجهة الاخر"[38] لا تُستعاد فيه هوية الوطن الحقيقية إلاّ بلم الأسرة المثقفة الصغيرة: بزواج الحفيد بحُلْمِه رفيقة الصبا؛ كرابطة عضوية معنوية لمواصلة الالتزام الثقافي اتجاه الأسرة الكبيرة "الوطن" رأباﹰ للصدع  وقفاﹰ للنزيف الحاد في الأرواح والممتلكات[39]، وهو ما فرحت له أمه الثانية " كنّته"، والرمزي في قصة التمام شمل العائلة بعد ثلاثين سنة من الفرقة والتشتت، هو التمام شمل العائلة الكبيرة "الوطن" واستعادة تماسك هويتها الثقافية العربية الأمازيغية والإسلام المعتدل المنوط بها ديناميكية المثقف العضوي الأصيل الثقافة، كالحفيد وﺃخت صديقه الشهيد النذير: « وجدتني أدفع الباب، لأجد تلك المرأة وقد أنهكها الحزن، كانت في سريرها شاحبة.. كانت الفرصة لاحتضانها والإجهاش بكاءً، في حضن يتسع لدموع جيلي كله، كانت تبكي أيضا وهي تمسح شعري »[40]، لعل جمالية هذا الرمز تكمن في رؤية ياسمينة صالح الثقافية المتوازنة بين الأصالة و آثار العولمة السلبية ويقينها بحوار الثقافات من عملها في الصحافة : « لقد دفع تفكك الأيديولوجيات وغياب المثل بالروائيين ٳلى رؤية يقينية للعالم٬ تجعل الشخصية المثقفة ﺃصيلة في نفس الوقت تهدف ٳلى فكر مثالي يتقاطع مع الخطاب الحضاري للاخر »[41]    

3 .3.1 تشكيل الفضاء الزمكاني:

  تجلى اهتمام السارد ومن خلاله الكاتب بالمكان والزمان في الرواية الاستعجالية التسعينية من خلال تحديدهما بدقة متناهية، لا عجب في كونهما قد انطبعا في الذاكرة الإعلامية والشعبية للجزائريين نتيجة الخوف والمجازر والإبادة الجماعية في كذا من حاضرة من حواضر العاصمة الجزائر، بخاصة في الثلاث سنوات التي قاربت تنظيم الانتخابات الرئاسية أي بين 1994 و 1995 و1996، أما في رواية وطن من زجاج  فتجلى من خلال العاصمة كحاضرة وواجهة  البلاد الأولى؛ كانت المدينة التي حظيت بوصف الأحداث والشخصيات على غرار مقر العمل "جريدة مدى الجزائر" التي جمعت الحفيد/البطل بالنذير وبأسرته؛ فهي المدينة التي يأمها المسؤولين الكبار كما حدث في زيارة الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" لها عام 2005، ويكون النشاط الثقافي فيها مؤثر تأثير السارد العليم نفسه في بلورة أفكار الكاتب فكرة بعد فكرة عندما لم يكن بمقدور البطل مزاولة نشاطه الثقافي في الريف؛ المكان المعزول الخالي من وسائل تأثير الثقافة الجمالية كونه مقابل للمدينة وعنوان للعادات والقيم الاجتماعية اﻷصيلة، والذي استغله الإرهابيين، يصولون ويجولون فيه باسم المجاهدين كما يلقبون أنفسهم ليلا ويراقبونه بمناظرهم عن بعد نهارا، فالحنين إلى الأمن وإلى الجزائر العميقة أيام العز والرخاء جعلت منه يلح على جمالية المكان/ريف القرية فعمل السارد على استرجاع الزمن وهو يتحدث عن الزمن الحميمي داخل أسرة البطل الريفية: أي البساتين و الحقول في أرض جده الثري، الهوية التي يسميها بول ريكور "الهوية السردية" أي ذلك النوع من الهوية التي لا تتحقق إلا بالتأليف السردي[42] وكيف كانت مشاعره تكبر نحو حبيبته ابنة معلم القرية وأخت صديقه النذير والتي كانت مازالت طالبة في الطب، ما أتاح له رؤية العالم من موقع مرجعي ﺃصيل ـــــ لعب المكان دور مطهّر بسيكولوجي ـــــ لم تؤثر فيه عوامل الانشطار والتفكك التي ﺃصابت العاصمة: مكنه من إمعان النظر في الصدع المتسبب في التشرذم واحتدام الأخطار بالهوية الوطنية.

وتأويل ذلك ﺃن للصراع السياسي والثقافي بين الجزائريين كان له الوقع الكبير في حياة الصحفية الكاتبة الروائية ياسمينة صالح الخاصة فأولت للوظيفة الثقافية والجمالية للشخصية اهتماما. فجاء أسلوب استحضار المكان قبل وبعد الأزمة مرتبط بالحب في حياة البطل ثم افتقاده فجأة ـــــ ﻓ "مفهوم الشخصية ليس مفهوم ﺃدبي محض وٳنما هو مرتبط ﺃساسا بالوظيفة النحوية التي تقوم بها الشخصية داخل النصفوظيفتها اﻷدبية حين يحتكم الناقد ٳلى المقاييس الثقافية والجمالية"[43] ــــ ولزيادة الإشادة بالسلم الذي كانت تعيشه البلاد وعبث المجرمين به راح  اهتمامها بالوصف (وصف الجسد) الذي رﺃينا ﺃنه غدا رمزا للبحث عن الحرية المفقودة، لا يخلو أي نص من النصوص الجديدة التي تبحث في قضايا الهوية منه، إنه التجريب المتبلور عبر تفاصيل شكلية مختزلة إجمالا إما ﺒ "المونولوج" وإما ﺒ "التقريرية الإخبارية" عندما يكون الروائي صحفيا وبالانسياق فيهما وراء اللغة العامية واللغة الفرنسية/الأجنبية إضفاءً للحركة و الحيوية على أجواء الحزن والكئابة لبعثها على النشاط وكسر الواقع الدامي والزمن الضائع المعاش، ويشد الديالوج والمونولوج في مثل هذه الحالة المتلقي بتشويقه إلى نهاية الأحداث لمعرفة تفاصيل ملغزة جرت وقائعها الدامية في حي يدعى بن طلحة:

" ـــ هذه الصورة وزعتها مؤسسة إعلامية رسمية!

نظرت إليه مستغربا.. فقال كأنه يكشف لي أن أمر سري للغاية:

ـــ هذه الصورة يقال أنها ملتقطة من مجزرة بن طلحة، صورة امرأة فقدت كل عائلتها.

سألته متغرقا: ـــ يقال

فرد بسرعة: ــ أجل يقال، لقد كتبت إحدى الصحف قبل فترة موضوعا عن الصورة ذكرت فيه أن المرأة لا علاقة لها بمنطقة بن طلحة وأنها ممثلة فقط"[44]

 حيث يتطور الوصف ويتنوع بتطور هذا الحداث على بساطته شأن جميع أحداث الرواية المتتابعة، وهذا ما يدعى "بالكفاءة الوصفية المقروءة "[45] حيث يتصل الراوي المشارك/ الحفيد بصحفي مصور يدعى كريمو قيل له أنه يعرف التفاصيل، وهو نموذج للصحفي العاصمي الفرانكفوني الأمازيغي (المستهتر المتخبط في هويته يعتبر الجميع أبناء الكلب بمن فيهم الموتى) فيخبره قائلا:

ــ واش من التفاصيل يا صاحبي، هذه المرأة خُرْطِي!

ــ كيف؟

صورة ملفقة ألم تقرأ ما كتب عنها التقطها صحفي تابع لوكالة أنباء أجنبية. يبدو أن المرأة ممثلة طلب منها أن تلعب دورا في مجزرة!

ــ ممثلة!

ــ إيه ممثلة une actrice ممثلة ولا أحد استطاع أن يعرف من أين جاءت ولا أين هي!

ويتكرر الحوار على مدار المتخيل السردي لأجل غايات إخبارية دائما بلغة الصحفي، هذه المرة المهدي المتهتك والمنحرف يتكلم مع النذير بهذا الأسلوب: 

ــ السلام عليكم عاش من شافك وأين غطست صاحبي؟

....  ـــ وأنت واش راك؟ comment ca va

ـــ ما تشكرش الحالة صارت merde  ربي يستر يا خويا العزيز.

صمت لحظة ثم عاد يقول كمن يعترف بسر لصديقه:

ـــ هل سمعت بالقنبلة التي انفجرت في مقهى la rose في العاصمة؟

وقبل أن يصله ردي أضاف:

ـــ إنها كارثة ما يجري كارثة حقيقية فليس أشد على المرء من خسارة وطن، نشعر أننا يتامى حقيقيين.

.... ــ إيه يا خويا اللي داروها راهم أمخبيين راسهم، أولادهم رأهم في فرنسا ولانجليز أحنا اللي نخلص واحنا اللي أنموت في بلاصتهم.

ــ .................

ـــ كأن الوطن صار كذبة يا صاحبي، اللي باعوا الوطن هم الذين يتكلموا عنه بحماس. الذين بقوا من الشعب يموتون كلما تصادموا مع ماهية الوطن، حين لا نجد شيئا نقوله نصمت وحين نجد شيئا نقوله نموت هذا هو الواقع يا خويا"[46]  

ثم عندما يلتقي الحفيد مع صديق الصبا النذير وقد أصبح رجلا :

" ـــ واش راك النذير    

 ـــ حين عرفت أنك تعمل هنا جئت لأراك

 ـــ يا إلهي هذا أنت؟   

 ـــ أجل هذا أنا.

ـــ واش راك يا خويا العزيز واشراك "[47]

فالألفاظ اللغوية المتمثلة في "خويا العزيز" و"واشراك" أتت بإضافات على مستوى الحوار هي دلالة الصدق والتعلّق بالمكان و الزمان الضائعين وفجأةً، أما أسلوب التضاد في السرد التقريري سواء بسواء طغت عليه المفردة الإعلامية والعامية، ‏باستعمال هذه الألفاظ المفارقة الضدية اختيار يعود لرؤية ومخزون المؤلف منها: القرية والبلدية بالرغم أن معناهما هنا واحد وبين الفلاحين والمسئولين الرسميين وبين الحاج عبد الله و الفقراء وبين الأحرار والإقطاعيين وبين الشريف واللا شريف وبين الحي واللا حي في قولها: " لم يكن لأحد مجادلة الاسم الثابت في أوراق القرية الرسمية، حتى حين قررت البلدية رسم طريق يلي القرية بين ناحيتين شرقية وغربية اضطر المسؤولون إلى التفاوض مع جدي على المشروع، لأن الطريق ستعبر أرضه، ولأن سيد القرية الأهم بعد رئيس البلدية، جدي الكبير في عيون الفلاحين.. اعتبروه كبيرا بموجب أرضه الواسعة وبموجب الذين كانوا يعملون في الأرض مستفيدين مما كان يمنحه لهم. كنت اسمع إلى بعضهم يتكلم عن "رضا الفقراء" الذين كانوا يقتاتون من أرضه مقابل أن يكونوا راضين تماما ومقتنعين أن الحاج عبد الله قادر على فعل ما لم يقدر على فعله المسئولون الرسميون!... مع ذلك، كان يقنعهم أن الأرض جزء من العرض،.. تلك مقاربة استطاعت أن تثير قناعة العديدين.. ألم يكن المعلم واحدا منهم؟ ذلك المعلم الوسيم والفخور الذي لم يكن يأبه بأحد حين يقرر بأنه على حق. كان أحيانا يخطب على الناس في المسجد يوم الجمعة، ليذكرهم أنهم أحرارا وأن زمن الإقطاعين قد ولى.. »[48]  فالمفردات والجمل المسطرة على عفويتها وبساطتها البلاغية حملت هم قلم إعلامي أراد مستعجلا أن يؤرخ لوطنا جريحا عبث به المجرمون من الجانبين ألمافيا التي سرقت مقاليد الحكم في 1962 من أصحابه الشرعيين وخوارج هذا الزمن الذين تدفقوا على البلد من كل حدب وصوب، فكان بإمكانها أن تعيد صياغة الجملة الأولى في هذا الشاهد صياغة سردية لا صياغة إعلامية تواصلية كما دأبت عليه في صحيفتها و أمكنها القول بدل الأسطر المسطرة ما يلي: شق الطريق ـــ المسئولين على ـــ شيخ القرية يأتي بعد العمدة أهمية ـــ بسبب ــ  حقوله ــ من هباته ـــ كنت أسمع بعضهم : حذف  'إلى' حذف جائز بلاغيا ــــ كان يحاول إقناعهم ــــ جزء من عرضهم ـــ نصيحة ــــ معتقدا أنه على حق ــــ كان يخطب في الناس من يوم الجمعة المسجد تحذف جوازا لوجود قرينة الجمعة الدالة عليها. ولكن لكل مقال مقال كما يقولون فلعلّ دلالات هذه التقريرية روح الخفة نفسها ورفع المشقة البلاغية على القراء العاصميين المقرونة بتقنية الاسترجاع الزمني لِإجلاء السديم المضروب عن الحقائق التي غدت طلاسم تغذي اللأمن والتي طالما عكّرت صفو الجزائريين آنذاك والتي لا يسمعونها إلا عبر القنوات الإخبارية.

واستقصينا تعالق دلالات استحضار مكون المكان تركيبيا من خلال الاستعارة والكناية والتقديم والتأخير والحذف دفعة واحدة: أما في قوله البلاد تمشي إلى الكارثة فاستعارة دلالتها التجسيد الذي يستشعر أكثر بالخطر المحدق من المجرد. أما قوله " خرجته " فكناية عن جرأة الشرطي الرشيد الكبيرة و بسالته في محاربة الجماعة الإسلامية؛ فالكاتبة تبدأ بالخبر جملة إسمية منتهية بالمبتدأ في قولها: " كيف نحب وطنا يكرهنا؟.. فقد كانت "خرجته" تلك مثيرة مليئة بالإيماءات والأسئلة المدفونة أبدا في قلب لن يتحرر من عقدة المدينة المكان الهباء"[49] وحذف ضمير الهاء العائد على الشرطي والواو حيث كان من المفروض قولها: أبدا في قلبه الذي لن يتحرر من عقدة المدينة و المكان الهباء، دلالة ذلك التفكك هو الإيحاءات بالتفاؤل كون تفكك الأسرة الصغيرة من جراء قبضة الشرطي ثم انجبارها رمز تفكك الوطن وجروحه ثم الأمل في عودته من جديد مثل عودة الحبيبة/أخت صديقه النذير إلى مكانها اللائق، بالتالي فخروج الوطن رويدا رويدا من محنته معقود على عودة الشخصية المثقفة المثالية ( الحفيد وصديقه النذير معا ) لمساعدة العائلتين ، كما أن للأسرة السوية المتماسكة دور يحاكي دور الخلية الحية في جسم الإنسان و يكون اعتدال سلوكها اﻷخلاقي بدون قهر و لا استلاب رمز في ﺃن تغمر سياسة البلاد الاعتدال بالحرية و الديمقراطية. فالممارسات الشنيعة من لدن السلطويين و الارهابيين و التي أثمرت عنف سنوات التسعينيات ما كانت لتقع لولا الممارسات اللا أخلاقية التي مهدت لها فترة السبعينات و الثمانينات و التي أجادت الكاتبة في استرجاعها.

 1.3 .4 التجنيس والتعدد/التشكيل اللغوي:

   مازال بعض الدرس التطبيقي الأسلوبي الأكاديمي الجزائري ضال عن طريق الأسلوبية الصحيح بالتالي يكون أصحابه أنفسهم مُنزاحين عن جادة الصواب بما كان، عندما يجعلون نظرية التعدد اللغوي أو التنوع اللغوي الذي تنهض به الشخصيات لغةً كوحدات متكاملة (لغة الطبيب ولغة الميكانيكي ولغة المناضل الشيوعي ولغة رجل الشارع / اللهجة) أو ما يعرف كذلك بالتشكيل اللغوي أو التعبير عن تعدد المستويات ثقافية انزياحا أسلوبيا، بالتالي أسلوب من الأساليب التي يجب على علم /المنهج الأسلوبي دراسته. كلا، هذا غير صحيح البتة، فحسب شكري عياد أحد المنظرين الرواد لهذا العلم أن ذلك لا يمثل معيارا من معايير الانزياح قائلا: " أولا لأن الانحراف لا بد أن تكون فيه ملامح شخصية الكاتب ( تماما كالتكلف) التي تميزه عن ما سواه، وثانيا لأن  الانحراف خروج عن اللغة الجارية وليس مخالفة القواعد و إن كان متفقا مع ما يسمى (قواعد) في النحو التوليدي، أما اذا استعملنا اصطلاحات النحو العربي فلا يصح القول بأن الانحراف يعني العدول عن الأفصح إلى الأقل فصاحة، لأن الجواز في النحو له معنى آخر لا يتعلق بدرجات الفصاحة"[50]

   ولم تحفل رواية ياسمينة صالح هاته بمقولة التعبير عن المستوى الثقافي لغويا كثيرا فكأنه عندما يتكلم الجد الحاج عبد الله بلغة الحكمة "ــ اسمع يا صغيري.. اسمعها جيدا من جدك، الرجال يكبرون بسرعة لأنهم لا يملكون الوقت، لهذا يكبرون بسرعة "[51]  لم تؤثر في القارئ جماليا لم تأتي بجديد يستساغ ، فذلك موافق للعرف اللساني الجزائري وهو ليس بالانزياح، لكن قول الراوي المشارك وهو الحفيد المتمشي مع جده راويا سيرته : « .. جدي الذي حين يراني يشدني من يدي ويجرني معه.. كنا نمشي على الأقدام على طول تلك الأرض الممتدة فوق تعب الناس، فوق عرقهم و أحلامهم الصغيرة أو الكبيرة، وكنت عبر تلك النزهات أتأمل مساحات الخير .. الفلاحين الذين يعملون.. بضمير حي و طازج »[52] هو انزياح أسلوبي  توضحه الجمل المسطرة ، دلالته أن فلاحي القرية لم يجدوا ما يشكروا به الحاج عبد الله جراء الخير الذي غمرهم به فقيمته لديهم تفوق الوصف.

والانزياح في قولها: حكمت عليك الجبهة بالموت يا كلب[53]؛ من منطلق أن الجبهة لا تحكم بالموت بل القاضي هو الذي يحكم بالموت فهذه الجملة انزياح و ليست استعارة حين تحول حزب الجبهة إلى محكمة فذلك إنما يعني غياب الدولة.

(لتبقى مقولة باختين "إذا نظرنا إلى الرواية من كل أطرافها فسنرى أنها ظاهرة متعددة الأساليب متعددة اللغات، متعددة الأصوات"[54] هنا مقولة مضللة لأن هذه الأساليب التي يتحدث عنها هي كلام/ تعبير شخص واحد هو الكاتب يعيش حتما في مجتمع لغوي واحد و الأسلوب ليس هو تنوع لغوي عادي لكنه انزياحات لها خصائصها النحوية التركيبة التي تميزها عن لسان المجتمع) نحن نوافقه عندما يتحدث عن التنوع اللغوي لأغراض فنية جمالية لكن هذا التنوع اللغوي كونه قد يقع خارج قواعد نحو اللغة ليس هو ما يجلي أسلوبا: فالتركيب والانزياح له قواعد نحوية، الأسلوب ليس بديلا للعقم اللغوي ونفاذ القريحة الإبداعية[55] و قد احتفت روايتنا من هذا المنظور الباختيني بعديد المفردات اللهجية العاصمية والاستفهامات باللغة الفرنسية والقول المأثور المغنَى باللغة الفرنسية كقولها:

 » De l'amour à la mort il n'y avait qu'un pas, et l'amour l'afranchi qui peut dire pourquoi ?

Qui peut dire comment il a mit une croix, sur nos rêves d'amant d'écrêtant l'amour hors la loi ! »[56]

 

  أما في مستهل الرواية، في تعليق زميل الرشيد عن موت زميله في العمل؛ حيث تظهر لغة شاعرية تحمل دلالات تفوق المستوى الثقافي للشرطي، هي أولا وأخيرا لغة الكاتبة الصحفية، والتي يدل عليها استعمال بعض الألفاظ في غير محلها ﻛ "الهباء" عوض "المأساة " و" الشتات" عوض "القلق " والأخطاء الصرفية كإطلاق الماضي ليجري على لسان شخصياتها مجرى المضارع[57] والنحوية في قولها: يعصاه بدل يعصيه والرثاية بدل الرّثة، كما هي لغة الصحفيين الجزائريين في العادة: " لشد ما تمنيت وقتها لو أستطيع البكاء. تمنيت لو أستطيع أن أمد ذراعي إلى محدثي لأوقفه عن الكلام أو لأبكي قبالته. لأبكي أمامه بلا خجل عن 'عيب' البكاء (..) لم يكن الرشيد صديقي كان صديق المكان (..) تعودت عليه مبتسما حتى في حالات الشتات (..) تلك الظلال الرهيبة التي يسميها الناس إرهابيون"[58] لكن ما دام أن الأخطاء النحوية محدودة جدا فإن ذلك يعد سمة مميزة و نظام بآن ، و يمكننا أن نعارضه مع النظام أيضا كما توحي بذلك عبارة فوسيون' الأسلوب مطلق. والأسلوب متغير [59]'

مع ملاحظة ﺃن لغة الشخصيتين المحوريتين النذير والحفيد أيضا في أغلبها جاءت مطابقة ‏للغة الكاتبة ياسمينة صالح، لا عجب في أن يكون الاختيار النحوي اختيارها و الصور الشعرية هي صورها إذن النموذج التقريري الإنشائي الذي تحاول فيه الإجابة عن الأسئلة الستة: من، ماذا، متى، كيف، أين ولماذا هو نموذجها، أو إن شئنا قلنا صياغة روائية في قالب من الألفاظ والتراكيب الإعلامية، فالمطابقة ها هنا بين ياسمينة صالح وبين البطل وصديقه واضحة؛ يعتبر ذلك خروجاً عن النظرية السردية حسب جيرار جينيت: "يشكل الإصرار على التطابق بين المؤلفين خروجاً عن النظرية السردية التي يستبعد مجالها المؤلف الحقيقي٬ ولكنه يتضمن المؤلف المفترض"[60] أي يعتبر ذلك عيبا ما لم يكن مقرون بتعدد حقيقي في الأصوات السردية/الحوارية. لكن الكاتبة كما رﺃينا قد حكت بتقريرية في ما يشبه سيرة ذاتية تكتبها صحفي؛ ﺃحادية الطرح الأيديولوجي عموما برغم تعدد الشخوص لكننا نجد في علاقاتها (الشخوص) بالراوي الكلي المعرفة ما يوحي بوجود نية المطابقة بينها (الكاتبة) وبين بطلها. وهذه سمة اشتركت فيها مع فضيلة الفاروق وواسيني اﻷعرج والطاهر وطار وأحلام مستغانمي عندما جعلوا في رواياتهم الأخيرة مهنة أبطالهم هي مهنتهم.

‏جاءت لغة رواية وطن من زجاج متراوحة بين اللغة التسجيلية: الشبه تقريرية كونها بصدد ﺃحداث سياسية وتاريخية من دون ﺃن ‏تقف على مرجعية لغوية أيديولوجية معينة، وشعرية التجريب (لا يقينية ولا جاهزية: لا يحدوها تقعيد ﺃو ‏قانون ما) تلك هي تجليات اللغة في الرواية الجزائرية الجديدة المخلخلة للخطاب اللغوي التقليدي، لا ‏تقف على شكل إلى درجة الخروج عن العلاقات التركيبية في محور تركيب الجملة الأفقي إلى العلاقات الاستبدالية الرأسي بالتالي خروج عن المعنى المراد كما يوضحه هذا الشاهد المنتقى:

" لشدّ ما تمنيت وقتها لو أستطيع البكاء

ــ تشدها بقوة كلما هاجمها الخوف أو الفزع.

ــ الجزء الذي يُجانب الوادي "‏[61]

فالاستبدال الذي يتم على مستوى المحور الرأسي عبارة عن قائمة من الوحدات تكون العلاقة بينها علاقة تقابل في حين يمثل محور التركيب الأفقي سيرورة الكلام، ويتميز بخطيته والعلاقة فيه علاقة تباين. ففي الجملة الأولى انفصام القائل عن زمن القول، وفي الثانية نلفي تقابل بين الهجوم و حالة الخوف، أما في الثالثة فيُجانب لها معنيين في مثل هذا التركيب للأسف الكاتبة اختارت المعنى الثاني الذي لم تقصده وهو يُباعد لذا كان من الممكن القول:

"لشد ما تمنيت وقتها لو استطعتُ البكاء

ــ تشدها بقوة كلما استولى الخوف أو الفزع.

ـــ الجزء الذي يُحاذي الوادي " وهو الصحيح نحويا، لذلك توسمنا فيها تداخل ما هو شعبي لفظا أو عبارات مسكوكة محوّرة عن المثل العامي: أمثال شعبية (الحي بقى من الميت وما يبقى في الواد غير حجارو والرجال دايما واقفين) و  كلمات من أغنية شارل أزنافور[62] وهي من جنس الشعر مع ما هو أرقى مستوا، وتوسُمُنا هذا يقع في خانة الوصف ليس إلاّ، لا لا نريد به التقييم  والتقويم الذي يخرجنا أصلا عن مجال القراءة الأسلوبية، مع التفاوت في درجة انزياحها للساني وانزياحها الاستعاري الأدبي، كونها جاءت في معظمها على لسان الشخصيتين المحوريتين الحفيد والنذير وهما شخصيتين مثقفتين بالرغم أنه لم تظهر على لسانهما لغويات الاستعمال الخاصة بالريف لكن قاموسهما غني بالمفردات الشعبية أو تلك ‏المتداولة كثيرا في الدارجة الجزائرية ﻛ: "تشف" و"غاشي" و" براشوت " و" بنت الكلب وابن الكلب" ‏و "فيزا" و"اتهلا في روحك" ومفردة الله غالب، وإنما صبّت دلالاتها في التعلّق بالأصل، إحدى الموضوعات التي طرحتها الرواية الجديدة متجاوزة الموضوعات السابقة البعيدة عن أماني ومطالب الشعب، وبهويته الحقيقية دون مغالطات، ناهيك أن جل شخصيات الرواية صحفيين لهم مشارب متنوعة آتين من القبائل ومن الداخل للعمل في المؤسسات الإعلامية التي تكثر في العاصمة أكثر من غيرها، وخلو مفرداتها من ثقل المضمون جعلها تحمل معاني عدة، أي ‏تجعل القارئ في مركز الاهتمام.

وينفتح البيان في شكل التشبيه القليل وبعض الاستعارات المتكلَّفة على دلالات غير مفهومة توحي إلى أن التقريرية قد تزيغ بصاحبها نتيجة التفلسف في اللغة من ثمة إلى غموض الأفكار مثل قوله: "ماذا أكتب فعلا؟ ماذا يمكن لأحد أن يكتب في هذه البلاد؟.. هل يكمن النص في جملة أو في نص أو مقال؟... لا يسكن الأغبياء سوى في أحلامهم الصغيرة التي تتسبب أحيانا في قتلهم ، أو في نفيهم أو في عزلهم"‏[63] وقولها كذلك: لا يمكن التباهي بالفشل حتى لو ارتكبناه عن لا قصد!

‏‏   اختيار وانتقاء الألفاظ والتراكيب المعبِّرة عن معنى مقبول يغدو محدود في مثل هكذا تواني واسترسال في لغة صحافة وإعلام التقريريتين بداهة، المراد هو "المحيل ٳلى الفعل لا ٳلى الجانب ‏الشكلي والدلالي بل الاستعمال والتداول"‏

‏ وإثر ذلك ألفينا عدم قدرة الأسلوب التقريري على استلهام حيوية المجاز العقلي ـــ الصورة الشعرية القديمة ـــ تعبيراً على حركية ‏الفكر، غير أن سلوك الشخصية التي يصفها الراوي أرادت من خلالها الكاتبة مواقف فجاءت بأسلوب التكرار مثلا عوض ذلك، كقول الحفيد: " كان النذير قبالتي يمتص السيجارة بنهم وينظر إلي بصمت لا يخلو من عصبية. ومن عصبية لا تخلو من خوف. بخوف لا يخلو من قلق. بقلق لا يخلو من وجع"[64] هذه التكرارات لمفردات العصبية والخوف والقلق غرضها البلاغي ليس الإيقاع الصوتي كما في القصيدة الشعرية لكن البحث لكشف أصل الأزمة منطقيا حتى بالسخرية عن طريق تكرار بعض المفردات والعبارات الطنانة مرات عدة ﻛ: "الأمن والسيادة الوطنية ودولة القانون والعدالة والحرية "‏ ‏ذلك لا يعني محاولات الكاتبة الجري وراء الإنشائية بيد أنها تظهر وأنها سقطت في شركها شيئا ما في قولها نام في بيت والده عوض بات في بيت والدته وقولها: " كنت أريد أن أقول له شيئا وحين لم أجد مناصا من الصمت غادرته"[65].  كانت تود أن تقول: كان لا مناص لي من المغادرة عندما حال الصمت بين أن أقول له شيئا. ويظهر ذلك كذلك في تكلف الأسلبة السردية أي عدم انسجام بعض الدراجة مع اللغة الفصحى (بقيت مدهوشا ـــ ما فائدة إصلاحها وهي بهذا الشكل من الرثاية؟)، وهذا ما ‏جعلنا نؤول ذلك مستعينا بمقولة ديسوسير بأن اللغة نظام مكتمل بسياقع الاجتماعي والكلام طاقة فردية فيه. الأسلوب يوجد دائما بمقابل المجتمع اللساني أو واقع الاستعمال اللغوي وإذا غاب استعمال تلكم اللغة غاب معه الأسلوب الفردي أو على أقل تقدير شابهه التباس وغموض. فاللغة الجزائرية التي تغالي في تركيب العامية بالفصحى حسب هواها خاصة في سيناريوهات الأفلام والمسلسلات وكلمات الأغاني لا وجود لها على أرض الواقع.

   لكن بهكذا ‏فهم بالنسبة للغة الرواية؛ يُعتقد ﺃن ياسمينة صالح اكتسبتها من السياق الثقافي لمجال تخصصها، ومن اطلاعها على الأدب الفرنسي ـــ وإلا ماكنت لتستمع لشارل أزنافور ـــ ذلك الأدب الذي يعبر عن لسان المجتمع الفرنسي وليس عن لسان المجتمع الجزائري، حيث  المظهر ‏اللساني للأدب هو في الوقت نفسه مظهر اجتماعي، وهذه النقطة يوضحها باختين في ‏‏"الماركسية وفلسفة اللغة" عندما يتحدث عن علاقة الدليل اللغوي بالمدلول الاجتماعي، فالدليل ‏لا يعكس الواقع و لكنه يدخل في سياقه ؛ الرواية كدلائل تتعامل مع الواقع الاجتماعي الثقافي‏[66] ‏فقد يتغير المعنى نتيجة رصيد الكاتب اللغوي والثقافي المغترف من عدة هويات/ سياقات ‏ثقافية مختلفة ناهيك أنه لا يبحث عن الإنشاء بل على إيصال المعنى بأبسط الطرق.‏

  إذن فإجمالا لغة الرواية لا تعاني ‏من شرك الإنشائية وما يتصل ذلك من تضبيب وتهويم الرؤية كما هو حاصل مع جل الأقلام الروائية‏ الشبابية العاملة بقطاع الإعلام إلا بالقدر اليسير، كونها ها هنا تستدعي ‏اللحظة التاريخية لتعري جوانب مخفية من تاريخ الإنسانية و تكشف عن ﺃخطاء هذا التاريخ على لسان البطل الحفيد الصحفي نفسه: " لعلي صدقت أن الحقيقة هي جزء من تلك المذكرات التي حلمت بكتابتها. كنت في الحقيقة أكره أن يكتب الأشخاص سيرتهم الذاتية ليلبسوا ذاكرة ليست لهم. أكره مذكرات الأشخاص لكني أحب مذكرات الأوطان"[67]

‏لعل الجمل التعجبية والاستفهامية التي عجت به رواية وطن من زجاج في شكل متتابع وفي جمل قصيرة (الصفحات 142 و26 و7 كلها استفهام) مرده أنّ الشخصية المحورية الحفيد بصدد سرد سيرته الذاتية، وكان إزاء هذا الفعل لا بد من أرمدة من الأسئلة وإلا ما استطاع أن يحيط في سردياته عبر الزمان والمكان بالحيثيات وقضايا الذات والوطن التي لها علاقة به، فلجأت الكاتبة التي هي مثله تعمل صحفية إلى الحوار الداخلي 'المونولوج' أي مساءلة ذاته بتكرار الجملة من أنا؟ ومن أنا حقا؟ خمس مرات وماذا يجري حقا؟ ثم الإجابة، فعندما يصل إلى مقر العمل تفتعل ياسمينة صالح سؤالا أو موقفا عجيبا من لدن احدى الشخصيات، حتى وإن كانت هامشية، ليستمر الحفيد من خلاله سرده بالتوقف عند لفظة "وجدتُن " و"أجل: فعل التأكيد الذي أفاد التقديم" اللتين تكررتا عدة مرات في النص ثم الاندفاع في السرد، بلورةً للرؤية التي ترمي إليها الرواية : " .. وجدتُني افتح باب الجريدة على زملائي وهم ينظرون إلي بصمت ، وإذا بالسكرتيرة تأتي و تقول بصوت بدا لي مسرحياً : ـــ هل سمعت بالخبر لقد قتلوا المصور كريمو؟" ...

لكن الصمت طال كثيرا، وجدتُني أقول أخيرا : ــ هل أنت خائف؟..

وبالتعليق على زيارة الرئيس أثناء مشاهدة التلفزيون على عبارته: لقد فهمتكم Je vous ai comprais! أو التعليق على الهرب بالحَرْقَة إلى فرنسا على فرنسا نفسها بعد اطلاق التعجب: فرنسا!la France ...

وهو ما يجعل ‏القارئ البسيط غير العارف/غير المحترف يتصور ﺃن الحفيد يعاني اضطرابا تجعله في مصف الثرثار المصاب بهذيان غلاء المعيشة فيرجع كل شيء للوطن كالمجانين تماما ويجاريه فيه الراوي ‏العليم كقوله: " فهو يعتبر الجميع أبناء الكلب ، بما فيهم الموتى الذين سلّموا رقابهم للقتلة!"‏[68]، باعتبار أن الأسوب هو جمالية الانزياح والانزياح  يتداخل في تحديده ثلاثة أقطاب الكاتب والقارئ والنص.

‏  لعل دلالات طغيان اختيار المنولوج و الاستفهام المتعدد تارة بالفرنسية وتارة بالعربية التعبير عن حالة الفوضى والغياب التام لهيبة الدولة وللمشروع الثقافي الأصيل، ﺃما الغياب و الحضور فتقنية أسلوبية مستمدة من النظام اللساني، حيث لم تجد هذه الكاتبة الشابة (آنذاك) أفضل من تجديد الخطاب السردي بالانزياح عن الخطابات الروائية السابقة الممجدة للجبهة والثورة ‏الاشتراكية إلى الخطاب الشعبي المعبر عن الواقع والحرمان، وللتعبير عن ذلك التمرد والاحتقان ثم العصيان المؤدي للعنف، لقد لجأت الرواية الجزائرية ‏الجديدة ٳلى تنويع خطابها السردي فخف وطء التأريخ وتراجع تأثير الخطاب الأيديولوجي ليسمح المجال لرؤية فنية مغايرة تحاول توظيف الرمز واللغة إلى جانب تشيُّأ الشخصية.. والنموذج ‏التراثي.. بحثاً عن شكل روائي جديد، ‏كما أنالخطاب الثقافي الجدلي على مستوى المضمون يضمر صراع بين اﻷنا والاۤخر بين ‏الهوية والعولمة الثقافية، ولا تستوي معها إلا اللغة الحاملة للصفات ذاتها، ﺃي التماس اللغة ‏المنجرة عن الهذيان وعدم اكتمال الصورة: ها انتم تنقرضون في وطن تعتقدون أنكم تدافعون عنه عبر صحافة يعشعش فيه الدود وخذيه! لم يعد يلزمني عقدك الذي خدش قلبي[69] هذا الخطاب الذي يعتريه الارتياب و هذيان اللغة أو شطحاتها إنما هو دال عن الحيص بيص واختلاط الحابل بالنابل إثر التصفيات الانتقامية ومن الجانبين، و على القارئ تأويل فهم البنية الدالة للنص، ليس فقط من ‏معايشة واقع متسم بالفوضى والقتل العشوائي ـــ ينظر ص 79 وص80 ـــ لكن إكمال ما انتقص من عمل المؤلف ‏كونه دخل عاملا من عوامل إنتاجية نص الخطاب كما قالت به أحدث النظريات السردية وهي نظرية التلقي ‏فضلا عن نظرية الأسلوب في الخطاب بصفة أعم: ".. لذلك لا يمكن ‏النظر ٳلى النص بمعزل عن العالم الذي انبثق فيه وهي علاقة نوعية بين النص والبنية ‏التاريخية الاجتماعية وعلاقة جدلية بين العناصر النصية بوصفها جمالية لغوية، وبين العناصر ‏الغير نصية أي ذات المرجعيات الاجتماعية والتاريخية "‏[70]

4 ــ الرؤية الدلالية العامة للرواية:

   لعله لا يمكن استكناه الدلالات العامة التي حملتها رواية وطن من زجاج إلا بعد وصف الممكنات البنيوية وصفا شاملا وافيا، ونحن بإزاء هذا العرض الجزئي للمنهج الأسلوبي المتواشج مع بعض التشكيلات السردية؛ التمسنا بعض آثار لدلالات لم تخرج عن تأثيرات السياق الذي وجدت من أجله الرواية الاستعجالية التسعينية وإلى حد بعيد، مومئة بشكل من الأشكال إلى الآثار الخارجية للعولمة بسلبياتها وهنا تتحقق مقولة استحالة انفلات الظاهرة الأدبية من السياقين التاريخي والاجتماعي إذ لا إبداع دون تجربة تاريخية واجتماعية لصاحبها؛ والرواية الجديدة أغراضها منحوتة من لدن الرصيد الهاجسي الذي كابده أو عاشه الكاتب؛ وياسمينة صالح واحدة من المتخوفين على الوطن من التكسر لذا ابتغت تمثّل خطاب هوية جزائرية جامعة، باحترام التنوع الثقافي ورفض الأيديولوجيات القديمة، ومناقشة المحظورات دون احتكار من أي طرف لذا لبست ثوب جديد ــ الشكل ــ يعطي أهمية للسارد في ضربين عليم و مصاحب وتقزيم البطل أكثر من سواهما..

1 هلامية الوطن من هلامية ضعف هويته الثقافية:

   انتهت الحرب الباردة وسقطت الاشتراكية، تراجعت القومية العربية وظهرت الدولة الوطنية محل الدولة الشمولية، منها ما تماهى مع الليبرالية الجديدة/العولمة إلى أبعد الحدود، ومنها ما التمس التريث في الدخول نظرا لوجود تنوع ثقافي واثني وطائفي ونخبوي فئوي (فرانكفوني ومستعرب في حالة الجزائر) لا مندوحة في أن نجد هذا التنوع مبني على هرمية الثقافات، على أساس أن هناك ثقافة أكثر تقدما وتعصب الهويات، وأن التعدد الثقافي يبنى على أساس رفض العالمية"[71]، وهذه إحدى إشكاليات الدولة الوطنية المعاصرة: اهتزاز الثقافة الوطنية انبرت معه الثقافة الجمالية (فنون وأدب روائي..) تحشر أنفها لعلها وعسى تساهم في إيجاد مخرج للأزمة دون أن يكون ذلك سببا لصراع جديد بين الثقافة العالمة مع تلك غير العالمة، بكل ما تحمله هذه الأخيرة من توق الانكفاء على الذات، تحت وهم المحافظة على الهوية حتى لو بالعنف، كما تقول شخصية "عمي العربي" المجاهد الذي شهد مراحل عدة في حياة الوطن وفجأة يجد نفسه يهمش ثم يغتال كما اغتيل الرشيد والنذير وكريمو وغيرهم كثير: ".. الوطن ليس رئيس الجمهورية، وليس الغيلان السياسيين ولا الجلادين.. ولا الخونة ولا الإرهاب"[72] ورواية وطن من زجاج حملت على عاتقها تشريح هذا الواقع المهتز والصادم عن طريق النخبة /الشخصية المثقفة والعامة/الغير مثقفة على السواء على رأي المهدي القائل للحفيد: " ـــ واش الدير يا خويا البلاد ما صارتش بلاد صارت بيدون زبل une poubelle حشاك! "[73]، فعلى أي خطاب ثقافي جديد أن يتحاشى  التعصب و الإقصاء العنصري كما أرادته صحيفة مدى الجزائر لأنه لم يكن تنازع الهويات و مطالبتها بحقوقها عنصرا مساهما في تشكيل الهوية /الثقافة الوطنية في الجزائر بقدر ما كانت إشكالات في الثقافة الوطنية[74] فما قول المهدي للحفيد أن الصحافة بنت الكلب إلا لأنه يمقت العربية وإن كان مكون العروبة مكون ثقافي عزيز متمخض عن المرحلة الأيديولوجية ولأن الثقافة الجزائرية بهكذا خطاب جديد قد طرحت من قاموسها الانتماءات الأيديولوجية فبقيت اللغة العربية متحولة ٳلى ركيزة و مقوم ثقافي شامخ في الدولة، إلى جانب الأمازيغية و الإسلام. فعلا وطن الطواغيت والقتلة الذي تتحدث عنه ياسمينة صالح كان قد طمس الأمازيغية وثقافتها وقد بدأ منذ اختيار للمنهج السياسي والاقتصادي بعد الاستقلال وثانيا لتوابع سياساته القومية الغير الصائبة لأنه تسبب في اكتساح التيار الإسلامي المتشدد للشعب الفقير فاكتسب ثقة الجماهير، مُقصياً كل آخر مختلف، رافعا شعار عليها نحيا وعليها نموت، بينما الهوية تستدعي وجود اﻵخر المختلف لأن في بنية الاختلاف أكسير حياة كما يقول الباحث سالم يفوت: " عماد الهوية ليس الذاتية بل الغيرية، ليس المؤتلف بل المختلف"[75]

4ـ 2 سؤال الهوية في مواجهة الاختراق الثقافي:

  تجلت دلالات قضايا الهوية والاستقرار كقضيتين محوريتين مركزيتين في الخطاب الثقافي لرواية وطن من زجاج وكأنهما من طينته وهما لا يجرآن الإنسياح إلا على ترابها، على اعتبار تاريخ حافل بصراعاتهما، فذات الجزائري المتأزمة هي من ذات الوطن لذلك صاغت الكاتبة السؤال: من أنا؟[76]، " لا صورة ﺃخرى غير صورة الوطن الذي يمتد واسعا كما الفجيعة، هناك، كل أرملة تشبه ﺃمه وكل معتقل يشبه ﺃباه ، وكل بيت يترك كرسياﹰ شاغرا هو بيته"[77] على لسان شخصية السارد/البطل في فترات طفولته في القرية لتقودنا من خلاله و عبر ﺃصوله إلى هوية الوطن الجامعة البربرية العربية. "وجه الشر" هذا المنسوخ الاسم ابن والدة باتساع وطن  ووالد منسوخ هو الآخر، ما هو إلا ذلك الأمازيغي الباحث عن هويته المهاجرة، ولأنه تسبب في قتل أمه عندما جاء إلى الحياة  يكتشف ثقافة المدنية والمواطنة في بيت عائلة معلمه المثقف وأسرته: النذير وأخته الحبيبة وأمهما التي كانت خير موجه له إلى الأم التي يبحث عنها، فلولا علاقاته الشخصية التي وجدت لها الكاتبة بنية ترمز إلى بنية الوطن بدءً من رجعية جده إلى زمرة تشيبة والجيب من دماء الكادحين إلى الزمرة الملهوفة على فرنسا ما كان تمسك بقلم الكتابة الإعلامية من أجل تنوير العقول وجبر لحمة الوطن، فتلك العلاقات والصحافة هي التي قادته إلى سؤال الهوية، من أنا ؟ تقود حتما إلى السيرورة التاريخية للوطن: ماذا يجري؟ واكتشاف التحولات التي أدت إلى تفكك الوطن والمواجهة المسلحة بين الإسلاميين والعسكر، في سوق الكاتبة لقدر الحفيد ما يحاكي القدر الذي سيقت أوضاع البلاد السياسية والثقافية ٳليه.

  ولأنه سيقود الجدل العالق بالذاكرة بين الجد ورئيس البلدية التقليديين والمعلم الحفيد إلى المسألة الثقافية كونه أمازيغي أصيل من ثمة اكتشاف انحلال الجامعة وتغلغل ثقافة تغريبية فيها: لم يكن ليصدق ﺃن "المهدي" عشيق "نبيل" وزميله جنسياً! ٳنه تحول القيم في المدينة: تحولت معها العاصمة التي أصبح صحفيا فيها بعد تخرجه وعمله مع النذير ابن قدوته معلم القرية، إلى خراب ودمار بفعل تفكك المجتمع بين ثلاث تيارات كل تيار يجذب لناحيته: السلطة وشرطتها التي لا تفرق بين الملتحين وتستغل ذلك في شراء المناصب بدفع تشيبة[78]، شكّل لها ضغط الإرهاب هاجس، سعت إلى التنفيس عنه عن طريق التحالف مع العروش مقابل امتيازات، حتى لا تواجه خطرا آخر لن يكون في مقدورها من لدن هؤلاء البربر، " ولكن التجربة التاريخية ﺃثبتت ﺃن ليس في الإمكان بناء مجتمع مبني على التعاون في حضارة وثقافة (قيم وﺃعراف ومعايير..) مبنيتين على التناقس و الصراع، ﻷن عقلية الصراع تغلغلت في كل خلايا و ﺃنسجة المجتمع (وقيّمه وﺃعرافه ومعاييره..) وﻷن الديانات السماوية قد امتزجت بقيم القبلية، فأعطتها شرعية وبعدا إيديولوجيا"[79] و لهذا كانت مشكلة الهوية في الجزائر شديدة الارتباط بالإشكالية الثقافية " فمن بين ﺃسباب اﻷزمة التي مست المجتمع الجزائري، الطابع اﻷحادي للتصورات السائدة في مجال الثقافة: التأكيد على الاسلام فقط ﺃو على العروبة وحدها ﺃو على اﻷمازيغية لا غير "[80]

   فشخصية الشرطي الرشيد العيّنة المطبقة لهذا المشروع  خطيب أخت النذير يلقى مصرعه على يد الإرهاب، ولعلّ ذلك إن رمز إلى شيء رمز إلى عودة أمل اندمال جرج الوطن لكن موت النذير رمز لتشظي الهوية الثقافية من جديد فقد رحل النذير ٳذن .. مات هكذا .. مات ﻷنه رفض العيش طويلاﹰ داخل هذا الهباء اليومي مات ﻷجل ﺃن يعيش هؤلاء الخونة الذين ساوموه على حياته..[81] وينبعث حلم الوطن اللحمة مرة أخرى يرفع لواءه البطل الحفيد بتكوينه الثقافي والفكري النموذجي، بالتركيز على مواجهة العنف المسلح رفقة جميع شرائح المجتمع وسحب البساط من تحت ثلة من المتغطرسين عشعشوا في عشوائيات المدن متقاسمين كعك الفساد والطغيان والثراء والفحش والسلطة العمياء، "زرع النظام و المعارضة كلاهما الريح٬ ليجني الجميع العاصفة التي ظلت تحصد الأرواح البريئة سواء بسواء"[82]. حتى تنخرط الثقافة العالمة في مكافحة الإرهاب وتستقر البلاد وتنعم بهويتها وعن طريق الصحافة ـــــ الصحيفة الخاصة "مدى الجزائر" التي يديرها الحفيد بعد وفاة النذير على يد الإرهاب ـــــ تنخرط في معايشة اﻵخر لا استعدائه، بالرغم ﺃن هذا اﻵخر يقدم الدعم للإرهابيين وصحافته تكتب عن الجزائر بدون تزييف للحقائق حسب تعبيرها. متسائلا كما يتساءل اﻷمازيغي والمثقف العلماني المتذمر من السلطة في صورة ذلك الشيخ الباكي على ﺃبنائه : " ﺃين هي الدولة؟ الدولة التي تكذﱢب ﺃخبار المجازر في كل مكان.. كانت الدولة تتهم اﻹعلام، وأن المجازر ﺃكاذيب تلفقها المعارضة لهز صورة الدولة في المجتمع الدولي »[83]، ثم أوليس كل المشاكل في تاريخ الجزائر كانت نتيجة تدخل اﻵخر في شؤونها بصفة مباشرة ﺃو غير مباشرة؟ بيد ﺃن المثقف لا السياسي ولا العسكري هو الذي جاء على يده الشفاء.

 

 4 ـ 3 أسلـوب روائي جـديـد/غير مباشر حر:

   علم الأسلوب منهج الشكل المرتبط بمضمونه ارتباط الكاتب بثقافته، لذا أُهمل أو تأخر بالقياس إلى ظهوره المبكر بداية القرن العشرين مع شارل بالي نتيجة لتأخر تطور علم المعاني مقابل علم اللغة (فرعي علم اللسانيات الحديثة) ولكن التقدم الذي شهده هذا العلم في بداية الستينيات عجل في عودت علم الأسلوب إلى الساحة النقدية التي هي أحوج إليه بما كان وبإيعاز من جاكبسون مؤسس البنيوية الأدبية. وقراءة "وطن من زجاج" قراءة أسلوبية تشي عن نوع من الاستلاب الثقافي، أحدثته موجة العولمة سرعان ما ظهرت آثاره في الجزائر بسرعة أكبر من غيرها هو المعنى الأبرز الذي أبان عنه أسلوب ياسمينة صالح (مع العلم أن الفرق بين الأسلوب الغير مباشر الحر والأسلوب الغير المباشر يكمن في خلو هذا الأخير من علامات التعجب والانفعال والاستفهام..) انعكس في الصراع بين الدمويين وبين حكومة عاجزة، وريثة أيديولوجية سلطوية عملت على تعزيز عدم الانسجام بين ﺃطياف المجتمع بسياساتها الترقيعية حتى وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، في ظل رياح العولمة الثقافية العاتية هذه منها رياح الحق في الثقافة ـــ ﺃكتب ﺃن الدولة التي تقتل شعبها لا تستحق ﺃن توجد"[84] ـــ ولعلّ ما حتّم إمعان النظر في العولمة والتحولات الثقافية التي ﺃثارتها هي الفنون وبخاصة السرود الروائية ﻷنه فن نخبوي والأثنيات بعيدة عن إدراك حقوقها دون نخبتها، هذا الاختراق الثقافي شرﱠع لنسق ثقافي معارض هو لحظة تقديم هذه الدراسة في أوج عنفوانه، أقصد به الهوية الثقافية البربرية شمالاﹰ وشرقا وجنوباﹰ تحت حجج الحق في التنوع الثقافي، لأجل بلوغ مرحلة تفاعل الثقافات وحوارها لا تقوقعها وانكفاءها، لا ريب من أن تتسلل بينها فئات لتعكر صفوها بنفس الحجة وهي ثقافة التطرف العنصري سواء ديني أو قومي الرافضة للتفاعل مع الاۤخر وهي المستهدفة في الصراع الثقافي الذي يشبه الحرب في خططه الجهنمية لكنه مضمرا وتلتمس له تلفيقا دواعٍ وحجج أخرى كالإمبريالية والصليبية وغيرها، كما تقول شهلا العجيلي: " ذلك أن المستهدف في هذه الحرب الثقافية التي تشنها أمريكا بشكل رئيس هو ثقافة الوطن العربي وإسلاميته، بذلك تضرب الوحدة بضابطيها، وليس المستهدف في هذه الحرب الثقافية أمازيغية الوطن العربي أو مسيحيته أو كرديته »[85]، لماذا لم تثر أمريكا حركة 14 آذار في لبنان (كدولة عربية) ضد حزب الله وتضرب هذا بذاك؟! أخشى أن المستهدف من العولمة الثقافية هو التطرف الديني ﺃما القومية المناهضة للإمبريالية الغربية فمدعوة للتفاعل والإصلاح والأولوية لمحاربة التيار الأصولي، فأمريكا والغرب يثيران الأمازيغ والأكراد ضد ثقافة القهر والاضطهاد الذي تتطلع به الأصولية المتطرفة وليس ضد العرب، لذلك ما سعت إليه يقع تحت مفهوم التنوع الثقافي الذي أقرته منظمة اليونسكو[86]. لعلّ هذا هو حال ثقافة الهامش أو النسق التابع إزاء النسق المسيطر(المركز) في عصر كوسمولوجي مفتوح على التعدد والاختلاف كالحالة الجزائرية التي شرﱠحتها الروائية ياسمينة صالح؛ الصحفية التي عايشت تكسر وطنها أما عينيها كتكسر قطعة الزجاج، فسخّرت ثقافتها الجمالية لخدمة الثقافة الوطنية الجامعة، مرجعةً النعرة الأثنية لاستفزازات الأصولية الإرهابية؛ "ﻷن الضغط الخارجي يؤدي إلى أصولية ثقافية عربية، هذه الأخيرة تحرك هويات لها ثقافة غير عربية"[87] أعمال أثارت أيضا الثقافة الشعبية الصوفية ضدها في كل ربوع الوطن وليس الثقافة الأمازيغية، وكلنا يتذكر منع إحياء التراث الأمازيغي وقتل معطوب لوناس وحرق أضرحة أولياء أمازيغ كان لهم فضل في صهر هوية ثقافية جامعة، ولئن كان تعيين حدود الهوية الثقافية لدى جماعة بعينها بالغ الصعوبة فإن "الثقافة تتمتع بفضيلة السماح بالاختلاف، مسلِمة بتنوع القيم الثقافية وممارستها، لكن سرعان ما شغلت الفضاء المتاح كله، فصارت تشرح الآن كل شيء، وتحدد ما كان موجودا، وتعرف هويتنا، وتجعل من أجسادنا حقيقة ملموسة"[88]

الخـاتـمة: آثرت التعبير عن هموم وانشغالات المجتمع الرازح تحت جحيم العنف بالتفتيش الدؤوب عن الحقائق الضائعة، بدءً بمهنة عمي العربي المجاهد السابق المكلف بمتابعة العملاء لتصفيتهم مرورا بالشرطي الرشيد المكلف بمتابعة الإرهابيين مهما كلفه الأمر أيضا حتى ولو تعلق الأمر بعمي العربي نفسه وصولا إلى ضرورة نشر الوعي الثقافي عن طريق جريدة "مدى الجزائر" لاستئصال مظاهر التخلف من المجتمع الجزائري دون التفريط في أصالته بملاحقة أيضا حتى الشهادة وبهكذا تفكير لم يخطئ من مازال يذكر أن الأسلوب هو الرجل.

   لا مناص من تجلي الأسلوب غير المباشر الحر في انعكاس الأبعاد الثقافية والسوسيوـــ ثقافية وهو بذلك رافد من روافد رواية جزائرية جديدة صاغت شكلها الجديد الأحداث التاريخية والاجتماعية المستجدة، وبرغم كل ما قيل عن خطابها ولغتها وأُثير عنه الجدل أكاديميا وإعلاميا غير أن هناك أسلوب خاص بفئة من الصحفيين مستمد من الكتابة الصحفية نفسها، وفي الاستعمالات اللغوية (الخبرية والإنشائية) المختلفة عفوية كانت أو متكلَّفة، وصالح استنجدت بذلك الأسلوب وكفى (بإدارة الجمل التعجبية والاستفهامية بكثافة، وتجميع الأحداث البسيطة في شكل تعليق أو مونولوج أو حوارات خفيفة في غياب الحدث الرئيس) تسويغا للتراكيب اللغوية الضعيفة من منطلق أن الكاتبة تنقل واقع مستوى لسان مختلف الطبقات الاجتماعية للعربية (اللسان الخاص بالجزائريين) ثم تكسير خطية تسلسل الزمن صعودا ونزولا. ومهما اعترى هذا الأسلوب فهو قد اشتمل على آثار لخطاب روائي جديد.

 

المصادر والمراجـــع:

1ـــــ الكـــتــــب:

1 ـــ إبراهيم أحمد جواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث، أطروحة دكتوراه، عمان 1994.

2ـــ إدوارد الخراط: الحساسية الجديدة مقالات في الظاهرة القصصية، دار الآداب، بيروت 1993، ص11. 

3ــــ باتريك سافيدان: الدولة والتعدد الثقافي، ترجمة مصطفى حسوني، دار توبقال، ط1، الرباط 2001.

4ـــــ بشير بويجرة: أزمة الهوية أم عبث الراهن في رأس المحنة، مقاربة حول تعالق راهنية الهوية، ملتقى رواية الراهن وراهنية الرواية  بجامعة سطيف 2 ، 1/2/3 ماي 2006.

5ــــ جان كوهن: بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال للنشر ط1، الدار البيضاء 1986.

6ـــ جان ريكاردو: القضايا الجديدة للرواية، ترجمة كامل العامري، دار الشؤون الثقافية، بغداد 2004.

7ــــ حسن طبل: أسلوب الالتفات في البلاغة القرآن، دار الفكر العربي، القاهرة 1997.

8ــــ سعد أبو الرضا: النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية و مناهجه المعاصرة رؤية إسلامية ط2 ، الرياض 2007 . 

9ـــ سالم يفوت: المناحي الجديدة للفكر الفلسفي المعاصر، دار الطليعة ط1، بيروت 1999. 

10ـــ خلدون النقيب: في البدء كان الصراع  جدل الدين والأثنية والطبقة عند العرب، دار الساقي ط1، بيروت1997.

11ـــ شهلا العجيلي: الخصوصية الثقافية في الرواية العربية، دار الكتاب اللبنانية المصرية، القاهرة 2011.

12ــــ شكري عياد: اللغة والإبداع مبادئ علم الأسلوب العربي، انترناشيونال برس، القاهرة 1988 . 

13ـــ عبد السلام المسدي: الأسلوبية والأسلوب، الدار العربية للكتاب، تونس 1977.

14ـــــ منذر العياشي: الأسلوبية وتحليل الخطاب، دار نينوى، ط1، دمشق 2015.

15ـــ منذر عياشي: مقالات في الأسلوبية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1990.

16ــــ محمد برادة: الرواية ذاكرة مفتوحة، دار آفاق القاهرة 2008، ص 49.

17ــــ عمر بن قينة: المشكلة الثقافة في الجزائر التفاعلات والنتائج، دار أسامة للنشر والتوزيع، ط1، عمان 2000.

18ــــ نور الدين السد: الأسلوبية وتحليل الخطاب، الجزء1، دار هومة، الجزائر 2010. 

2ـــــ المقالات:

ــــ مجلة حوليات الآداب واللغات: المجلد 1، العدد2، ديسمبر 2014.

ــــ مجلة دراسات أدبية: العدد8، نوفمبر2010.

ــــ المجلة الدولية للدراسات الأدبية والإنسانية: المجلد1، العدد2، سبتمبر 2019.

ـــ مجلة عالم الفكر: المجلد 33، ربيع وشتاء 2004.

ــــ مجلة العربي: العدد 579، فبراير2007.

              : العدد 500، يوليو 2000.

ــــ مجلة فصول: المجلد5، العدد1، خريف 1984.

ــــ مجلة مجمع اللغة العربية: العدد8، يناير 2014.

ــــ مجلة المستقبل العربي: العدد 275، بيروت 2001.

 

 

 

 

 



* ـ المرسل المؤلف

[1]ـ إدوارد الخراط: الحساسية الجديدة مقالات في الظاهرة القصصية، دار الآداب، بيروت 1993 ، ص11.

[2] - أمين الزاوي: حبر وأوراق، أسبوعية أدبية تبثها القناة الأولى للإذاعة الجزائرية. ذكر هذا الرقم عديد المرات في هذه الحصة وغيرها.

 [3]- اليامين ابن تومي: السرد الجزائري الجديد قراءة في الدال الثقافي، 17/4/2013 ، موقع عنوانه (تم حذفه) : .http://attanafous.univ-mosta.dz/index.php/2013-04-11-13-37-38/20-18    

1- أحلام مستغانمي: عابر سرير، ص 53.

²- انظر التعريف بالكاتب على موقع ويكيبيديا : واسيني www.wekepidia.org/

[4] ـ كما يقول الناقد جميل حمداوي [ أن الأسلوبية ليست نظرية أو مدرسة واحدة بل هي عبارة عن اتجاهات نظرية وتطبيقية متنوعة متعددة ، تنطلق من تصورات معرفية مختلفة ، تمتح آلياتها التطبيقية والإجرائية من حقول و مناهج متقاربة ومتباعدة على المستوى الأبستمولوجي] في كتابه   الإلكتروني اتجاهات الأسلوبية.

[5] ـ سعد أبو الرضا: النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية و مناهجه المعاصرة رؤية إسلامية، ط2 ، الرياض 2007 ، ص117.

[6]ـ سعد مصلوح: ندوة الأسلوبية، فصول، مجلد5، عدد1، خريف 1984، ص 217.

[7] - المرجع نفسه، ص34.

[8] ــ حسن طبل: أسلوب الالتفات في البلاغة القرآن، دار الفكر العربي، القاهرة 1997، ص34.

[9] ــ إبراهيم أحمد جواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث، أطروحة دكتوراه، عمان 1994، ص 40 ـ41

[10]ـ  شكري عياد: اللغة والإبداع مبادئ علم الأسلوب العربي، أنترناشيونال برس، القاهرة، 1988 ، ص 126.‏

[11]ـ عبد السلام المسدي: الأسلوبية و الأسلوب، ص 57‏.

[12]  ـ إبراهيم أحمد جواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث، ص 43.  

[13]ـ نور الدين السد: الأسلوبية وتحليل الخطاب، ج1،  دار هومة، الجزائر 2010، ص 172.         

[14] ـ منذر عياشي: مقالات في الأسلوبية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1990، ص 79.‏

[15] ـ حسن طبل: أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، ص 40‏.  

[16]ـ  المرجع نفسه، ص40.

[17] ـ المرجع نفسه، ص 41.

[18] ـ المرجع نفسه، ص 41.

ـ هي رواية ياسمينة صالح الثالثة ، منشورات الدار العربية للعلوم عام 2006 ، وياسمينة صالح صحفية وروائية جزائرية من مواليد العاصمة سنة 1969، لها  رواية بحر الصمت (2001) واٴحزان امراٴة من برج الميزان (2002)...*

[19] ـ محمد برادة : الرواية ذاكرة مفتوحة ، دار آفاق، القاهرة 2008 ، ص 49 .

[20] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج، ص7

1- عباس المصري وعماد أبو حسن، الازدواجية اللغوية في اللغة العربية، مجلة مجمع اللغة العربية، العدد8 ، يناير 2014، ص38.

[22]ـ المصدر نفسه، ص57

[23]ـ المصدر نفسه، ص102

[24] ـ باتريك سافيدان: الدولة و التعدد الثقافي ترجمة مصطفى حسوني، دار توبقال ط1 ، الرباط 2001 ، ص59

[25] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج، ص8ـ9.

[26] ـ علي وطفة: التحديات الثقافية للعولمة، عالم الفكر، المجلد 33، ربيع وشتاء ، 2004، ص204.

[27] - ياسمينة صالح: وطن من زجاج، ص55.

[28]- عبد الوهاب شعلان: إشكالية الكتابة الأدبية في الجزائر من منظور سوسيولوجي، حوليات الآداب واللغات، المجلد1، العدد2، ديسمبر 2013 ، ص133.

[29]ـ سمير حميد، خطاب الحاثة قراءة نقدية، روافد، العدد 15، مارس 2009، ص23.

[30]ـ عبد الوهاب شعلان: إشكالية الكتابة الأدبية في الجزائر من منظور سوسيولوجي، ص134.  

[31] ـ ياسمينة صالح، وطن من زجاج، ص31.

[32]ـ  المصدر نفسه، ص68.

[33]- بشير بويجرة: اٴزمة الهوية اٴم عبث الراهن في راٴس المحنة ٬ مقاربة حول تعالق راهنية الهوية، ملتقى رواية الراهن وراهنية  الرواية  بجامعة سطيف 2 ، 1/2/3 ماي 2006. دص.

[34]- السلطة الاٴبوية (البطريركية) هي  رعاية اٴو وصاية دينية على الفرد تقف ضد فكره الحر المستقل.    

[35] ـ جان كوهن : بنية اللغة الشعرية ، ترجمة محمد الولي و محمد العمري ، دار توبقال للنشر ط1 ، الدار البيضاء 1986، ص95.

[36]- ياسمينة صالح : وطن من زجاج، ص174.

- المتاٴمل في قادة حركة "العروش" مثلا يلاحظ أن معظمهم موسيقيين وفنانين فكيف سيكون حال قاعدتها الشعبية مع الفن والمجون إذن؟ .[37]

[38]- ياسين لهلالي: أشكلة الهوية الجزائرية بين الأمزغة وتحديات العوربة و أثرها في تَشَكُلِ الشّخصية الوطنية ، 5/2018 ، موقع مقال : أشكلة الهوية الجزائرية بين الأمزغة وتحديات العوربة و أثرها في تَشَكُلِ الشّخصية الوطنية | موقع مقال (mqqal.com)

[39]ـ ينظر رواية وطن من زجاج ، ص79ـ80.

[40]- ياسمينة صالح : وطن من زجاج ، ص172.

[41]- هويدا صالح: الصورة الروائية للمثق ، 2/11/2013 ، البلاغ  :   https://www.balagh.co/pages/tex.php?tid=5931   

[42] ـ المصدر نفسه، ص 7-12.

[43]- جميل حمداوي: مستجدات النقد اﻷدبي، طبعة الكترونية 2011، ص222.

[44] ـ ياسمينة صالح: وطن من الزجاج ، ص 75.

[45]ـ  جان ريكاردو: القضايا الجديدة للرواية، ترجمة كامل العامري، دار الشؤون الثقافية ، بغداد 2004، ص25.

[46] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج، ص 51ـ52.

[47]- المصدر نفسه، ص61.

[48]ـ المصدر نفسه ، ص29.

[49]ـ المصدر نفسه ،  ص7.

[50] ـ شكري عياد: اللغة والإبداع مبادئ علم الأسلوب العربي، برس انترناشيونال، مصر، 1977 ، ص88.

[51] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج ، ص 28.

[52] ـ المصدر نفسه، ص 28.

[53] ـ المصدر نفسه، ص15 ـ 16.

1 ـ منذر العياشي:الأسلوبية وتحليل الخطاب، دار نينوى، دمشق 2015، ص22. نقلا عن باختين  Esthétique et théorie de roman p87.

[55]ـ اعتبار التشكيل اللغوي والتعدد اللغوي الباختيني تعددا أسلوبيا إنما ينم إذا ما نم عن جفاف القرائح الإبداعية، وهي رؤية نظرية بنيوية حائدة عن التجربة الإبداعية لصاحبها لدى معشر أكاديميو المغرب العربي دون مشرقه.

[56] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج، ص 99.

[57]ـ المصدر نفسه: ص7 السطر 14.

[58]ـ المصدر نفسه: ص7.

[59] ـ منذر العياشي: الأسلوبية  و تحليل الخطاب  ، ص30.

[60] ـ جيرار جينيت: عودة ٳلى خطاب الحكايا، ترجمة محمد  معتصم، المركز الثقافي العربي، دار البيضاء 2000، ص192.

[61] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج ، ص7ـ36.

[62]ـ المصدر نفسه، ص 135.

[63] ـ المصدر نفسه، ص26.

[64]ـ المصدر نفسه، ص88.

[65] ـ المصدر نفسه، ص25.

[66] ـ حميد لحمداني: النقد الروائي والأيديولوجيا، المركز الثقافي العربي، بيروت 1990، ص48-49.

[67] ـ ياسمينة صالح : وطن من زجاج ، ص57.

[68] ـ المصدر نفسه ، ص75.

[69]ـ المصدر نفسه، ص140ـ144.

[70] ـ محمد السنطي: البنية الدلالية للقصيدة في شعر محمود درويش، دراسات أدبية، العدد8، نوفمبر2010 ، ص12.

[71] ـ باتريك سافيدان: الدولة والتعدد الثقافي، ص46.

[72] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج، ص11.

[73] ـ المصدر نفسه، ص54.

[74] ـ ليلى العرباوي: الثقافة الوطنية في الجزائر، المستقبل العربي، عدد275 ، بيروت 2001 ، ص129.

[75] ـ سالم يفوت: المناحي الجديدة للفكر الفلسفي المعاصر، ط1، دار الطليعة ، بيروت 1999، ص61.

[76] ـ ياسمينة صالح: وطن من زجاج ، ص 28.

[77] ـ - المصدر نفسه ، ص18.

[78] ـ - المصدر نفسه، ص 52.

[79]- خلدون النقيب: في البدء كان الصراع  جدل الدين والأثنية الاٴمة والطبقة عند العرب، دار الساقي ط1 ، بيروت1997، ص . 8

 3 ـ عمر بن قينة : المشكلة الثقافة في الجزائر التفاعلات والنتائج، دار أسامة للنشر والتوزيع، ط1 ، عمان 2000، ص6.

[81]ـ - ياسمينة صالح: وطن من زجاج، ص141.

[82]- عمار بن زايد: الرواية العربية الجزائرية عند نقاد الاتجاه الواقعي، ص120.

[83]ـ  ياسمينة صالح : وطن من زجاج، ص51.

[84]- المصدر نفسه، ص71.

[85]ـ شهلا العجيلي: الخصوصية الثقافية في الرواية العربية، ص 38

[86]- تقريرالتنمية البشرية 2004، الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع.  ينظر سليمان العسكري، استحالة الهيمنة ثقافيا، مجلة العربي، العدد562، ص12.

[87] - شهلا العجيلي، الخصوصية الثقافية في الرواية العربية، ص40.



 

author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات