تهريب (العملية 14 – 14)


 بوزيان بغلول

                                                      تهريب (العملية 14 14)

العشاء الأخير:

     فجأة أحس بالاكتئاب وهو إلى مائدة العشاء على غير عادته فأخرج سيجارة وغادر المنزل إلى أقرب مقهى، وقد بقي الحي الذي يقطنه آخر حي سهرانا مقاوما للنعاس بكل ما أوتي من قوة، وقبالة بعض الأضواء المشتعلة مشى وتقدّم إلى المقهى المشهورة في كل العاصمة برازيليا ثم هاتف صاحبيه، وإذْ هما في لمح البصر عنده يدخنّون ويشربون وإلى وقت متأخر، ثم إذ بصاحبنا قبل أن ينهض متمايلا من على كرسيه همس في إذن صاحبه: ـ هل مازالت هنا؟

ـ من؟.. آه.. افتكرت.. غادرت إلى أمريكا مع ابنها.. ألم تقل أنه ليس ابنك؟.. على كل حال ما تشغلش نفسك يحلها ألف حلال.

ـ "بنت الكلب، الزانية بنت الكلب" قال عاصي ثم أضاف: صحيح كما قلت لك هو ليس ابني لأن هذه الداعرة عاشرت ملايين اللبنانيين والبرازيليين في نفس الليلة التي عاشرتها فيها، ثم ترنّح واقفا ليخطو في رفق حتى لا يسقط وهو ينظر إلى جهة الشمال الغربي، جهة البحر.

     مسكين حقا هذا العاصي المدعو عاصي، هذا المهاجر اللبناني الذي يعمل بائعا في برازيليا فقد وقع في بائعة هوى أين يشتغل.. واعدته في محلّه لبيع أدوات الكوسميتيك فكان ما كان وانطلت عليه الحيلة وهو لا يعلم، لذا تراه منذ مدة في حالة غم وهم وقلق، ولم يهدأ له بال بعد أن صارحه بعض أقاربه الذين رأوا الولد معترفين له بأن الولد يشبهه جدا.. فلم يسكن له بال.. شهر بعد شهر وعام بعد عام وهو يتساءل لماذا ألصقته فيه هذه الداعرة دون سواه؟ ألأنه ليس برازيليا؟ أم أنهم كانوا دفعوا لها أكثر منه؟.. وفي كثير من الأحيان كان لا ينتبه للمشترين غائصا في خياله، وشوهد كذا من مرة شاردا واقعا في سجن ضميره إلى القرار، ونفسه المتألمة تجادله خفية.. "والكارثة التي تعذبني هي كلما بقي الولد الذي يشبهني في مرابض الفجور والفسق إلا أن أفكر في طريقة أفصله عنها، سأفصل وجهي واحمي عرضي حينئذ بفصله عن الكباريه"

     وفي الصباح الباكر كان مع نديم المقهى ليقترح عليه السفر إلى الولايات المتحدة لنزع الطفل قانونيا منها ثم الذهاب به إلى زحلة لبنان وتسجيله في مركز الطفولة المسعفة ثم العودة.. وهو ما حدث بحذافيره.. وبعد عقد ونيف صار الولد "ماهر" شابا طالبا في الجامعة الأمريكية ببيروت.

    بينما إذ استراح عاصي وهدأ قلقه خاصة بعد نجاح ماهر في دراسته بدأت مشاكل ابنه بالتبني أو ما يشتبه أنه ابنه في الظهور، حيث كثرت مشاكله مع الطلبة وتعدّته إلى الأساتذة والإداريين فتم تحويله إلى الجامعة الأمريكية في فيلاديلفيا، على أن جمعيات خيرية ومنظمات تضامنية مدّت له يد العون، وتكلفت بمصاريفه وزارة الجامعات بإيعاز من مركز الطفولة المسعفة لأنه طالب مجهول النسب.

    وفي عمان تعرّف ماهر على طلاّب كثيرون من سوريا والعراق واليمن وباكستان وإيران وأفغانستان لكنه تعلّق بالسوريين أكثر لمِا لقي فيهم من مؤازرة وسند وتكافل المناسبات الدينية فمال إليهم وزار بعضهم في دمشق، وكوّن بالصدفة ولأول مرة نظرة عن خلايا الجهاديين في دمشق من ثمة صار كثير التأمل فيهم وفيما يقومون به في العراق ضد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد، بل ومشروعهم المضاد لإعادة تقسيم أمريكا للشرق الأوسط وفق سياسة التطبيع أو صفقة القرن وهلم جر.

     لقد كان ماهر يهاب داعش حقيقة كما يَهابُها كل من عمل بالصحافة وصاحبنا كانت له مساهمات صحفية من أجل تغطية تكاليف دراسته فتوانى في متابعة أخبارهم منذ أن بدأوا شرذمات ذات علاقة بالصومال وقندهار وكوسوفو إلى أن أصبحوا دولة داخل دولة، وكان بداعش سوريا معجب لأنهم الأنشط والأجرأ على إبهار المناصرين والحركات الإسلامية وكانت الأقرب جغرافيا له، خاصة بعد أن نفث زعيمهم فيها أبو بكر البغدادي عبق الخلافة وذكّره بماضي الأمة المجيد.. وكوّن ماهر صداقات كثيرة سمحت له من أن يجد عملا صحفيا بعد التخرج لكن هيهات فقد منعتهم الشرطة الأردنية من التجمعات الليلية وتابعته بعد أن حزرت انتظام سرية الشلة من أبناء جلدته اللبنانيين وفي منزله الوظيفي عدة مرات.

    وكانوا قد أعلنوا في بيته ميلاد جمعية إرشادية علنية النشاط أسموها منظمة "أحبّاء الرسول" ووصل خبرها إلى الشرطة فسألتهم عن أهدافها المعلنة ولم ترَبْ أمن الدولة في شيء، وهل يُريب إفشاء حب الرسول في قلوب الناس أحدا بما فيهم الشرطة؟ لكن الأمر الذي رابَهم وطلبوه من ماهر هو في ضرورة أن يكتفي بالعضوية وليس أكثر لأنه مجهول النسب، وقد رفض ورد بعفوية الغاضب الهائج لما اقتحموا عليه بيته ساعة عشاءه وبادره السيد المفتش قائلا: ـ نعلم يا أستاذ ماهر.. أنك من أصل لبناني برازيلي؛ لك أم برازيلية أما الأب فهو أبوك بالتبني فقط لذا نتأسف من أن نخبرك بأن إنشاء تنظيم مدني اجتماعي في هذا القطر يشترط الجنسية الأصلية العربية على الأقل وأنت لا تستوفها

ـ كيف لا أستوفها أولم يقول ربّنا في كتابه العزيز: " لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى" أنا مسلم وتبناني أب مهاجر عربي كما هو مدون في وثائقي وأقاربه في زحلة ومعارفه الخاصين جعلوني عربي الدم فضلا عن أهل زحلة كلهم، فكيف لا أكون أصيلا؟ وهل فيما فعلتموه أنتم معنا ينم عن أصالة في شي؟

ــ ماذا فعلنا؟ (لا ترفع صوتك من فضلك) قال مساعد المفتش

ــ أتتفضل تفهمني ماذا يدعى اقتحام منزل أساتذة في فترة عشاءهم بدون حتى طرق الباب؟

ــ نحن شرطة أمن الدولة نعمل في تنسيق مع المخابرات ولسنا شرطة مرور، هل فهمت؟

على كل حال نحن قد أعلمناك وستصلك قريبا وثيقة رسمية تمنعك من ترأس التنظيم لتوقّعها وقد أنذر من أعذر.

تحالف الأشرار:

     لم يهضم ماهر هذا القرار ولا حتى أعضاء التنظيم عندما علموا به، ودخل بعدها في غيبوبة التأمل في بيت بندر، وهو أقرب صديق فلسطيني له، وسرعان ما انظم إليهما المقرب الثاني محمود المصري وعزموا بعد أيام من التخطيط، من إنشاء تنظيم جديد سري يكون له مهمة محددة تعود بفائدة كبرى على الرسول محمد، " إن حب هذا النبي أصبح شعار الضعفاء، لا بد من الإبانة الفعلية" قال محمود مضيفا متفكها: "وماذا لو تسمينا كلنا محمد: أنا أكبركم اسمي سيكون محمد 1 وماهر محمد 2 .." فقاطعه بندر قائلا: ـ قريبا فقط اطلعت على دراسة عبرية تشير أن الأسماء التي تثير الموصاد أكثر دون غيرها هي محمد وما بالك إذا كان الاسم مرقما، لذلك سأختار اسما عاديا ومعاصرا وهو رامز وعليكما العمل مثلي.

ـ "أنت على صواب يا بندر، أقصد يا رامز، هذا هو الاسم المناسب لك" قال ماهر، ومن اليوم أنا اسمي ماكس وأنت يا محمود مجدي، وأنا اختار لك هذا الاسم خطر ببالي عائلة مجدي المصرية الغنية المعروفة التي تملك محل المجوهرات في طريق جامعة عين شمس، وقد يفهم أخينا محمود أقصد مجدي أنّ ثراء القرابة لأسرته الكبيرة ستساعد التنظيم كثيرا، أليس كذلك يا أخ مجدي؟

ــ بلى بلى.. سأعمل المستحيل من أجل نصرة دنينا ونبينا الأعظم من حقد الحاقدين ومن جبن الطغاة وقلة حيلة المستضعفين

ــ إذن ما رأيكم أن ننجز عملا يكون بمثابة مقبّل ومشهٍ للعمل والغاية الكبرى لتنظيمنا السري

ــ "وما هو يا ترى.. كنافة أو تمر بلدي " قال رامز الفلسطيني

ــ ضحك الجميع اهههههه اااههههه

ــ ههههه لا هذا ولا ذاك لا هذا ولا ذاك، إنّ "أحبّاء الرسول" هم الأولى، هم الأجدر من غيرهم، هم من يقدرون رفع تحدي الدفاع عن حبيبهم وعن أنفسهم من هجمات الكفار وأذنابهم، وحمايته تستوجب منا تنظيف مكة والمدينة وبيت المقدس من الدّنس، الدنس الذي أخذ يتعاظم مهرولا نهارا جهارا إلى مقدساتنا، أصبحنا نرى العجب ولا أحد من المسؤولين المباشرين حزّ في نفسه ما يحدث، أصبحنا نرى على اليوتيوب قحابا ملطخات بأحمر الشفاه حاملات الكاميرات ويسلمن فقط حال يصلن إلى مكان المشعر بل من الفندق المقابل للمشعر، ليصُلن ويجُلن بالحرم يصورن ثم يعدن إلى بلاد الكفر ثم انطوت الحيلة، كفار غربييين من جنسيات أصلها شرقي ويهودي يدخلون مدينة الرسول يدنسونها ويمضون ولا أدنى ردة فعل من لدن القائمين، ناهيك من تدنيس حثالة الأدباء والفنانين مثل أدونيس والقمني والطرابيشي وغيرهم المشعر الحرام، لما يأتون بكتبهم الوقحة المتعرية لعرضها على بعد امتار من مقام الرسول الأعظم، لابد من عمل شيء.. لقد بلغ السيل الزبا

 .. هاااه (تنهيد) كان عليهم عمل شيئا ما لإيقاف هذا المنكر ، ونقصد وُلاة أمور الحرمين الشرفين طبعا، وأنتم تعلمون أن التّعدي على حبيبنا اتخذ أشكال وألوان فمن التعدي عليه سبا وسخرية إلى التكبر على سيرته الاجتماعية وكراهيتها، وكانت قد بدأت في صحافة شمال أوروبا وفرنسا في العقدين الماضيين، وها هي تعاود الظهور بأعداد كبيرة كلما نشب صراع بين المسلمين واليهود، ولم يحزّ هذا التعدي أحدا من وُلاتنا ليرد الكيل كيلين تجارة أو نفطا والأدهى أنهم يحضُّون على المعاملة بالمثل وهي كاستبدال ما هو خير بما هو أدنى في هذه الحالة.. ثم ما بال هؤلاء الأنبياء المسخَرة الذين يظهرون هنا وهناك عبر الوسائط الإلكترونية، أليسوا مسخّرين سياسيا هم أيضا للنيل من أعظم خلق الله حبيبنا محمدا (ص)..

   .. تصوروا معي كيف يأتي رُويبِضَة لا يعرف يتكلم ليتطاول كل هذا التطاول ثم يفلت من العقاب، وبيّنة الاجرام غير خافية وقد تحولت الإساءة إلى سيرة نبينا الكريم إلى موضة العصر التي ذكر بها نبينا الحبيب أمته بأنها ستقع لهم. وبأسلوب العربدة والانبطاح لأصحاب تلك القنوات التي لا تحفّز سوى المنفذ العربي أو الشرقي كي يعمل معاول الشر في جسده من بلاد الغربة مفتخرا، وأي فكر وأي اشتراكية تلك التي تجرح جسدها معتقدة أنها توشمه، تارة بكيد الكي وتارة بعدوان الانتقام وطورا بالمطاولة في علم فقهي كان أو مادي؛ أما الكيد فادعاء بأخطاء القرآن النحوية أما العدوان ففبركة الوقائع المزورة، أما المطاولة فادعاء بأن الاختلاف في تأويل الآيات والأحاديث واستحداث بدع نسخ الأجنة الحيوانية دون أب يهدم التقليد ويضرب عن الجمود الفكري بقيم العلم الإنساني..

  .. أجل إن التطاول على مقام حبيب البشرية الشريف بدأ وتجدّد منتعشا بشكل مثير للاستغراب حقيقة وخيالا، ومنذ ثلاث عقود أو أكثر دُشِن عبر وسائل الإعلام الآمنة فيما تنشر وسائطها الجديدة؛ حين ادّعى أهل الكفر والالحاد والزندقة أن النبي الحقيقي لا يدفن كما يدفن باقي البشر، وهذا ما يبرهن لهم بأن موسى نبيٌ لأن ليس مقبور على وجه البسيطة، وعيسى كذلك لأن الله رفعه إليه.

    أما التطاول على مقامه الشريف من طرف الرُّويبِضَة المسرود وليس السارد، وهذا يعني تسخير فنون الخيال الأدبي بداية من أولاد حارتنا وآيات شيطانية إلى رسوم الفايكينغ القرود الكاريكاتورية وجوهرة المدينة وغيرها كثير، طبعا من غير العرب منهم من جعل من الأنبياء إما حالة خرافية أو حالة مشتركة لدى الأشخاص الخارقون في العالم حسدا، وقد سرد أحدهم بصيغة الأنا معتبرا ما يسرده فنا ليس إلا قائلا: (( ها قد رحل مؤخرا نبي وقد بعث رحمة للعالمين، إن هذا النبي الذي رحل، رحل عن 120 عاما ولم يكن يُعيبه يومها غير المسلمين الذين انحصروا عن هذا العالم ـ في ذلك الوقت ـ إلى المناطق المقدسة في شبه الجزيرة العربية فقط، وما بقي منهم كانوا حوالي تسع ملايين نفس يقطنون من حولهم جيرة تسع ملايين آخرين، أولم يقل الإسلام نفسه أني بدأت غريبا وسأعود غريبا كما بدأت؟ تالله لحُق قوله إذن، ثم أنّ البرية التي حارت حقا في أمر ذلك النبي المدّعي النبوة لم تكن غير برية المسلمين؛ فلم تكف من تاريخها على طرح الأسئلة تلو الأسئلة عليه وعلى قومه، نحو: كيف ومتى ولماذا ومن أين وإلى أين وغيرها..

   قال: فجاوبتهم قائلا "أنا" كنت آخر نبي بُعث رحمة للعالمين في العام 4552 أي بعد 25 قرن ونيف من الآن وكنت أول الأمر مدعٍ النبوة أقولها شططا عن ربي وعن أنبيائه المصطفين، واظلم الناس دون وجه حق وافتري الأقاويل لكل من لم يؤمن بي مؤولا الأحداث والأحاديث مُتمثلا بنبيٍ جاء قبلي بـ 45 قرنا وآخر بـ 39 قرنا. فكان أن طلب مني الناس معجزاتي فقدمت لهم كلاما شبه موزون ومقفى مثل كلامهم تماما غير أنهم رفضوه ساخرين بي، لا بل طفقوا يشتمونني وملتي ثم يضربونني ضربا شديدا مبرحا ثم استهجنوا قلّة حيلتي إزاءهم..))

 ومثل هذا الصنيع ليس فنا بل هو قنوط الذات الباحثة تحت ذريعة الفن عن مركزية العقل ففقدت بفقدان الإيمان عقلها .. والحل في مثل هذه الحالات المستهزئة بحبيبنا وبأمته هو في العلم لكننا لا نملك العلم

ـ " ألا ترايا معي أن الحل يكمن أيضا في عدم جدارة ولاة أمورنا الذين لم يقدروا على رد الذل عن رعيتهم لا بالعلم ولا بنقد الذات من أجل خطو خطوات ملموسة نحو العلم تجعلهم يمتلكون التكنولوجيا والأسلحة الرادعة التي تجعل غيرهم يفكرون ألف مرة قبا أن يتطاولوا.." قال رامز قبل أن يقاطعه ماكس قائلا: ـ أخشى أن الوقت سيطول في هذه الحالة قبل تبوء المكانة التي تعنيها.. وها هي باكستان تملك أسلحة نووية لكنها لم تفعل شيئا.

ـ أنا أقصد العلوم والتكنولوجيا المدنية الكثيرة المزايا الاقتصادية وليس كالكمشة منها التي يملكها العسكر، وكما تعلمون يجد أهل الكفر ومن والاهم في تاريخ تطور العلم أثناء ما سمي بعصر النهضة والتنوير في أوروبا المسيحية ومواجهته للوسائل التي تحجب الفكر الحر كالواقع الديني والسياسي ذريعة لاحتقار الإسلام ونبيّه؛ فقد رأوا في المنطق العقلي منذ ذلك الوقت إلى الآن سبيلا وحيدا للخروج من أزمة التخلف وأسقطوا هذا التاريخ على أمتنا الإسلامية

ـ لالا.. اسمعني.. قد فهمتك.. اسمعاني جيدا: ما دمنا متفقين أن أولياء أمورنا هم سبب الأذية والذل اللتان لحقتا بحبيبنا محمّد صلوات الله عليه وبأمته التي تحبه حق الحب فالحل واضح

ــ "وما هو" قالا معا

ــ إني لا أرى حلا آخر غير تنفيذ العملية 14ـ 14

ــ أفصح من فضلك وما هي؟

ــ بمعونة أموال صديقنا المصري مجدي نقوم ثلاثتنا: ماكس اللبناني ورامز الفلسطيني ومجدي المصري من تهريب قبر نبينا الأعظم وتسليمه إلى أهله الذين يحبونه أحق المحبة ...

ــ "ماذا تقول!؟ القبر! أتقصد ضريح سيد الأنام هو الذي نهرّبه، هذا ما لم أكن اتوقعه منك وأنت الأستاذ الذكي والمثقف الواسع الثقافة أكثر منا في علوم الشريعة والقانون وغيرهما، ألا تدري ويحك أن مرقده في روضة من رياض الجنة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.. وهو الذي أحب وأمر بأن يدفن في مسجد قباء الذي بناه في المدينة وشاركه فيه أصحابه" قال رامز الفلسطيني

ـ نعم معه حق رامز كيف ذلك؟ أولاً لا توجد فتوى شرعية تحلل ذلك ثم ما الفائدة التي تعود فائدتها علينا مباشرة إن نجحنا بتهريب قبر الرسول الأعظم، بل المشكل الأكبر في كيف الطريق إلى ذلك؟ وإلى أين؟ أي مكان مقدّس محظوظ ذاك في العالم كله يرقى مقاما أفضل من بكة وقباء والقدس؟

ـ ها أنت قد قلتها بعظمة لسانك: لا يوجد مكان أفضل من مقامه في المسجد النبوي، فالحجرة التي أودعته الاعتكاف والوحي أودعته عائشة رضي الله عنها وكسوة خضراء بسيطة وهي بهم تدر اشعاعا من ياقوت إلهي. لهذا السبب لا يوجد طريقة سطو ولو ضئيلة جدا يمكن أن تخطر ببال أحذق المخابرات أو أن تُتخيل من قبل أبرع أمن في العالم في هذا المكان المشعشعة قداسته، وما بالك بتهريب قبر، وأي قبر؟ قبر عظيم الإنسانية كلها. إذن لهذين السببين سنتمكن من تهريب حبيبنا حفيد جده آدم عليه السلام ونعود به إلى مقامه الأرفع والأسمى والأنبل حتى من جده، فسنعود به من مقام القرن 24 إلى مقام القرن 14 عمليا، ولهذا كله قيل أنّ أبدع إبداعات عملية هاربة من الحقيقة ومستقرة في الخيال، فالمتصور في الأذهان صعب الحدوث في أذهان مراكز الأمن، أما غير المتصور فهو سهل الحدوث ومدروس في أذهان العامة والخاصة، والمثل يقول إذا عمّت خفّت.

ـ طيب ما الطريقة وإلى أين الوجهة يا زعيمنا المجاهد ماكس؟

ـ أما الطريقة فمعقدة بعض الشيء سأحدثكم عن وجهة بروفات العملية أولا، وهي أتقى دولة وأتقى مؤمنون في وقتنا الحاضر، ولهذين مع جغرافيتها المعقدة تبق كذلكم أَأْمن مكان وأشرف بقعة من حيث صلتها بالقلوب الخاوية المتعطشة إلى نور ربها وحبيبه المصطفى (ص): في مكان من جبال قندهار العالية الآمنة سنبني صرحا معلقا في السماء: ليس بيرسيفونيا في حدائق بابل لكن محمدا العظيم على حدائق قندهار المعلقة العظيمة.. ويا له من مجد تستحقه يا حبيبي يا محمد.. آه وهناك سيرقد نبينا بعيدا عن الأشرار، سواء من بني جلدته الذين حملوا الأمانة ولم يكونوا في مستوى حملها أو من قبل الكفار أيا كانت نيتهم.

"والآن.. يبقى الكَيْف يا أستاذ ماكس" قال مجدي

  .. أجل كيف نهرّب قبر سيدنا وحبينا محمد وننجو به إلى ذلك المكان المأوي قلوبا تستحق أن يشع نوره عليها.. لكن كيف ذلك؟ هنا المشكلة ولا مشكلة في نفس الوقت لأن أموال والد مجدي وعمّه ستفي بالغرض ونتمكن من تنفيذ ألغز وأمهر تهريب عرفه تاريخ البشرية.. تهريب (العملية 14 ـ14)

 سِفْر الخروج والتيهان في الصحراء: 

   يلتقي ثلاثتهم قبل موعد التخطيط للعملية بعام ونيف في منزل مجدي بعمّان، الذي يقترح عليه ماكس التآمر على عمّه لتحويل مبلغ كبير إلى حسابه البنكي ويخبره مجدي بأنه سينجح في ذلك بسرور. وعن طريق مال ماكس ورامز يسافر الثلاثة إلى البرازيل لتعلم البرتغالية. وفي نفس وقت الإعداد الجيد للعملية كي لا تبوء للفشل في بداياتها، ولن يجدا معينا أفضل من والد ماكس بالتبني، ولكن والد ماكس كاد يطردهم لأنه لا حظ التحول الكبير في شخصية ابنه عما رآه سلفا، ليس لأنه أصبح أصوليا فقط، بل كذلك لأنه دخل في شراكة مع بعض البرازيليين المشبوهين في تجارة الكوكايين دون أن يعلمه.

  .. وقد اكتروا سيارة رباعية الدفع وحضّروا جميع العتاد والأجهزة الخاصة بالعملية على أنهم سواح برازيليون ثم توجهوا بالباخرة من ديجانيرو إلى جدة على أمل بلوغ المدينة، لكن قبل وحتى أن تنحرف السيارة بهم إلى الطريق البحري الذي كان يستعمله يهود مكة للسّفر من مكة إلى المدينة، ومن مكة للشام تجنبا للقاء المسلمين تعتري ماكس بخاصة ارتعاشة برد والدنيا صيف جراء يقينه أكثر من رامز ومجدي بأسرار العملية التقنية.. فبعد أن تفرّسوا في الخطوط العريضة للعملية من تعلم اللغة البرتغالية إلى التدرب على خفة الحركة إلى اليقظة والاستماتة والدقة عند فتح الضريح ورشه بغاز سحري لا يشبه الغاز الأول، غاز قطع التيار أو جعل ضوء الشمس ظُلمة، لكنه ضروري مثله لأنه يجعل ما في الضريح ينكمش إلى قطعة صغيرة يسهل حملها ووضعها في الجيب، وبدا له أن كل مسار العملية قد يتوقف على الغاز الشفاف الذي يطفئ الضوء بعد رشه مباشرة داخل غرفة الضريح، فقد يواجهون بمشكلة جفاف الهواء المرتفعة جدا في مقام النبي فيتعطل عن العمل ويذهب التخطيط المضني وعملية القرن المبهرة كلها في أدراج الرياح.

(وبعد نصف ساعة عن انطلاق سيارة الدفع الرباعية)

"ـ أخشى أننا أخطأنا بسلوكنا الطريق البحري يا ماكس " قال رامز

ـ بلى أخشى أن نتوه في الصحراء لأن الخرائط جوجل أصبحت ترسل أخطاءً وتتغير كل 24 ساعة؛ انظر هناك أمامنا بنايات ومراكز لا توجد على الخريطة كأنها بنيت بين يوم وليلة!

ـ كيف نتوه في الصحراء وقد هدانا ربُّنا قال ماكس ثم تابع:

ـ ليبتلينا ويعلمنا تأويل الأحاديث، فذلك خير لنا، ثم نحن خير أم موسى عليه السلام الذي ابتلاه ربّه ليعلّمه دينه فأضاعه مع قومه أربعين سنة في الصحراء.

    وبعد عشرون دقيقة تدخل سيارتهم منتجع أميري صخري لصيد الحبار في بريمان وهو محظور على المواطنين العاديين فتلقفتهم الشرطة. وقاد التحقيق معهم إلى الكشف عن هوياتهم الحقيقية وإلى استدعاء مخابرات عمّان كي تعاون في استكمال التحري.. وهم في مركز قضاء جدة أعيدوا نحو مركز الشرطة الجنوبية قرب الميناء الذي انطلقوا منه.. وفجأة يجد ثلاثتهم وبالتحديد ماكس الماهر نفسه وجها لوجه أمام المفتش الذي حذّره من ترأس التنظيمات المدنية.

ـ والآن أيها الماهر في حب الرسول أقصد في ارتكاب الجرائم، أنت وبارونات مخدرات أمريكا اللاتينية سواء لذا ملت إليهم بهذا الشكل، فمعنى أن تكون بلا أصول حقا أن تشابه أجدادك في الجينات وهذا ما قلته لك في عمان ولم تجبني.. فلتجبني الآن يا ابن البورن.

(نظرة تشع بالكراهية والحقد والغضب منه إلى المفتش)

ـ ما سألتك إلا لتجيبني

ـ أنتم هم المجرمون والدليل معي في قلبي موجود: "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ ... وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ..

ـ هل عالمنا معلق في حدائق بابل متأرجح في عنان الخيال الذي أوحى لكم ما أوحى أم ثابت يعيش حياته على أرض معلومة الطين كما أخبرت به جميع الديانات السماوية؟ فلو أنكم أنصتم فقط لرأي أغلبيتكم لما تعصّبتم لهذه الفكرة الشمطاء والحقيرة وتوهمتم عملية مرهبة مرعبة لكنها لم تكن منذ البداية سوى شطحات فكر يحمل جينات البورن وجينات الفشل جنبا إلى جنبا. ولعل إقبالكما أنتما أيضا معه (يقصد رامز ومجدي) ينم أن خط لبنان فلسطين القاهرة به عطب ومازال لم يستوعب رسالة سير الدين، فإذا ما حاد عنها سار إلى حياة الرذيلة والخلاعة، وأي دين بالأساس له علاقة سماحة ومودة مع المادة، وهذا جوهر الطبيعة جهاز موزون لا إفراط ولا تفريط وهذا ما تشير إليه سياسة وُلّاة أموره الراهنة، فالحرية لا تعني أن يكون الانسان بلا أصول ولا هذه تستدعي أن تكون معتدية باسم الحرية.

 بوزيان bouziane
بواسطة : بوزيان bouziane
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.
تعليقات