أعلان الهيدر

الرئيسية حكايات الدكتور سْفَر 9

حكايات الدكتور سْفَر 9





بوزيان bouziane

مجموعة الخلف في مدرجهم ينتظرون بداية الدروس و إذا بحمَّى النقاشات تشتعل بينهم بمجرد أن قال أحدهم لزملائه : ــ أرأيتم الدكتور سفر البارحة طلب منا قراءة القرآن و كان قبلها يحثنا على قراءة الشعرية الجديدة! ألا ترون أن الرجل موسوس؟
ـــــ طلب منّا التأمل في إعجاز القرآن البلاغي لنفهم ما معنى المنهج الأسلوبي و الفرق واضح بين التأمل و القراءة المتواترة ، فالدكتور سْفر أستاذ علماني و العلمانيون لا يهمهم من القرآن معانيه بل ألفاظه و طريقة انتظامها أي أسلوبه.
ـــــ لعلك تقصد أنه علماني متصوف أو ماسوني ؛ لأن الماسونيين هم كذلك ينقدون تطرف و مغالاة الفكر الديني و العلماني معا من موقع إيماني لا إلحادي مثل الدكتور سْفر تماما ؛ شبيه موقفهم بموقف و دور تشريع تلمود[1] الرابي يهوذا هاناسي/يهوذا الأمير من التوراة المكتوبة أو أسفار موسى الخمسة لِانتظام خطاب العقل و العاطفة فيه ، ألا ترون معي أنه مصاب بخلوة التصومع و وساوسها ، ما كانت لتكتمل عنده الرؤية التأويلية و الحاسة النقدية السادسة تلك و بهكذا حدة و جرأة ، حتى أنه طرح من باله إمكانية وشاية رئيسة القسم به لدى إدارة الجامعة و كانت نبهته مرارا و تكرار.
ــــ أما أنا فأوافقك و كأني بالدكتور سْفر أصبح متكلما عند مواظبته على تأويل آيات القرآن. كما في الحصة السابقة مقلدا محمد أركون و شيخ شحرور ذلك لأن ألفاظ الكتب المقدسة تفهم من خلال سياقاتها و السياقات متجددة ، فالسياق وحده " هو الذي يوضح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنها تعبير موضوعي صرف ، أو أنه قُصد بها أساسا التعبير عن العواطف ، و الانفعالات و إلى إثارة هذه العواطف و الانفعالات ، و يتضح هذا بخاصة في مجموعة معينة من الكلمات نحو: حرية ، عدل ، التي قد تشحن في كثير من الأحيان بمضامين عاطفية "[2] ، أو كما يقول بلومفيلد : " إن دلالة صيغة لغوية ما إنما هي المقام الذي يفصح فيه المتكلم عن هذه الدلالة و الرد اللغوي أو السلوكي الذي يصدر عن المخاطب" ، و هذا ما يوضحه أكثر أندري مارتيني (1908-1999) بقوله :" خارج السياق لا تتوفر الكلمة على معنى"[3] ، وأعطى بول جون أنطوان مييي (1866-1936) وجها إحصائيا للسياق حينما أكَّد أنه : " لا يتحدد معنى الكلمة إلا من خلال معدل استخداماتها " ، لهذا كان أشهر شعار لدى لودفيغ فيتغنشتاين (1889-1951 ) " المعنى هو الاستعمال"
ــــ فعلا ، لعلّك تقصد ما حكاه لنا في آخر حصصه ، لقد صار بعض الرفاق مُمتعظون لحكاياته فكيف به يؤول آيات القرآن ، كلام الله المجيد ليخلص أن لا علاقة له بالسماء ها ؟ لولم يكن ملحد و حقود عتي . أخشى أنه يفعل ذلك عن قصد لعلهم يحولونه إلى كليات أخرى.
ـــــ أليس المتكلمون فرقة من اللغويين؟ فيهم السنة و المعتزلة و الشيعة و المجتهدون (العلمانيون) يعنونا جميعا بدراسة ألفاظ القرآن دراسة نحوية و بيانية لفهم معانيها أو قصد تأويل معانيه المستعصية إثباتا لِأصول القرآن أو نقضها و رد المتشابه أو إثباته بالأدلة و البراهين و الحجج النقلية و العقلية ، و باستخدامها يثبتون مدنيتهم سواء خلال بداياتهم وقوفا متأملا مستنكرا لتفشي ظاهرة اللحن العجمي مع شيوع مدرسة التفكير العقلي في التفسير أو سواء في عصرنا الحالي هذا ، عصر الإرهاب و الإلحاد.
ـــــ لا تتسرع في إلقاء أحكامك الجاهزة تريّث حتى لا تندم ، أخشى أنها بركات السماء لا أكثر و لا أقل ، ثم لا تنسى أن جمهور الصوفية مثل المعتزلة لهم تأويلات مختلفة لبعض آيات القرآن ، كما لا تنسوا أنه ناقد محترف يكتب في عديد المنابر الإعلامية هو أوَّل بعض الآيات فقط مما يعرف بالمتشابهات. ضرب مثال ذلك "ضربهن لجلابيبهن حتى يعرفن فلا يؤذين" وقال أنها لا تنسجم مع الخطاب القرآني في شيء لأن معانيها أبعد عن معاني القرآن المعتادة
ــــ لله دره مِن دكتور سْفَر! ألا تذكرون عندما قال لنا ستجدون سريرتي و أخلاقي و مذهبي فيما أكتبه.
ـــــ قرأت يوما أن علماء النفس الغربيين لا يرون في هؤلاء المتصوفة "أولياء الله" الذين يداوون المرضى النفسيين سِوى صنفا من المرضى النفسيين. ربما أنهم توصلوا أن المرضى الذين في قلوبهم مرض يكون الله قد زادهم به بما يفترون على الناس كذبا ، و يقولون أنهم توصلوا إلى هذه النتيجة من خلال إسقاطات عالم الطبيعة و الطب حيث نفع الأفعى السامة للمسمومين مثلا.
ــ ها هو دكتور سْفر قد جاء فإذا كانت عندك الشجاعة اللازمة فقل له ما قلت لنا!
ــ أحم أحم مساء الخير :
الحكاية الثامنة عشرة « النَّقْدُ عند الحافِرة «
عرفنا أن مرتكزات النقد ثلاث ، باعتباره جزء لا يتجزأ من البحث العلمي في إطاره الأكاديمي : العلمية بمعنى منطق التفكير بالمنهج العقلي ، و الذوق ، و العاطفة ، و إذا كان العقل يجعل الناقد و الباحث في مأمن من الزيغ و يعصمُه من الانزلاق وراء الأهواء فإن العاطفة تعصم الناقد من أن يبتعد عن مجال الأدب و النقد بمنع جنوحه إلى التجريد العقلي. لكن تبقى إشكالية ذاك الأقنوم الجزائري برتبة البروفيسور القابع في برجه العالي ، لأنه لقي نفسه بدون حاسة تذوق الأدب بالتالي تذوق العملية النقدية ، بدون الموهبة و التفرد و الإبداع في الخطاب الأدبي.
و من هنا ترون أهمية الذوق السليم القائم على التدليل و التعليل ، الذي لا يرجع إلى العاطفة وحدها ، وإنما يشارك فيه الفكر ، و يؤازره المنطق و يساعده العقل و يغدو الذوق عندئذ مركباً من العاطفة و الفكر و الحس . و تغدو أحكاماً أقرب إلى الصواب و أدنى إلى الحق و العدل. لكن العجب العجاب في اختصاص كاختصاص الإعلام على اختلاف أنواعه ، مثلاً تجد الأكاديميين الإعلاميين من يقسم لك بحق السماء أنه يجب أن لا يكون للأسلوب الإنشائي عندهم مكان! و لأنهم سبقوا و أن أخرجوه من مجاله اللائق كعلم إنساني مُقحمين إياه على مجال العلوم الاجتماعية ليبتلوا ، أما ما يهمنا فأمر اللغة العربية و آدابها ، و نقد آدابها أيضا ، بالكاد يكاد ينطبق موقف هؤلاء مع موقف أولائك بخصوص الصياغة الأسلوبية الفنية و قطعا في هذه الحالة نحن بإزاء تقديم عصبية التسلط و أيديولوجية أكل العيش عند كليهما ، و الاكتفاء بقولهم ليسامحونا بعد ذلك على الضعف و الركاكة المتوارثة جيل عن حيل. سبق و أن قلنا أن نوع الأسلوب يتضح عندما يقترن بالضدية : سهل أو معقد ، متين أو ركيك ، غريب أو مألوف جزل أو ضعيف .. كما يمكن أن تتخلل هذه الأوصاف أساليب من مِثل: رصين ، أو سلس ، أو ممتع ، أو مشوق ، أو جدي أو هزلي .. أما عندنا جزائريا يعني و تأويلا على الشمولية فإنكم ستجدون بعد لحظات من التأمل فقط أن أسلوب غير المثقفين دائما ما يتعتريه نوع من الركاكة ، أما أسلوب النخب المثقفة غير المختصة فأسلوب الضعف ، أما النخب المختصة فأسلوبها غريب خاصة عندما يتعلق الأمر بخطاباتهم الصوفية و الترجمية ، و صدق الأستاذ الناقد شكري عياد حين قال : إن الإحساس الصادق بقيمة النص الأدبي و جمال اللغة الأدبية كان في كل إنسان و إن اختلفت درجاته و أيقنت أن تجلية هذا الإحساس و تنميته ترفعان من إنسانية الإنسان و أن افتقادها خسارة لا يمكن أن يعوضها شيء.
فتخصص اللغة العربية و آدبها بجميع فروعه الأدبية و النقدية و اللغوية أفضل تخصص يمكن أن تفهموا من خلاله مفهوم البنيوية ؛ فعناصر من مثل المنهج العلمي و الذوقية و العاطفة تشكله كأدوات اشتغال و تصيغ معالمه و أهدافه بنيويا ــــــ و العاطفة غير الذوق نقصد بالعاطفة ميل إلى الشيء بقرابة أو محاباة لا نتيجة تأثير فني ، و هو أمر جائز لأن الإنسان يميل بالفطرة لأصله ونسبه ــــــ وفي تداخل العناصر الثلاثة مع بعضها و انتظامها تكمن طبيعة هذا التخصص بحيث يكتسب المنهج قيمته في وجود الذوقية و العكس ، ما يجعل الفرق بينه و العلوم الأخرى التي لا تعتد إلا على المنهج العلمي واضحة ، و لو أدرك غالبية الأكاديميون الجزائريون هذا المعطى لتحولوا عنه غير نادمين و لخففوا من وطأة الضعف و تراجع المستوى التي تميزهم عربيا و إقليميا. يمكن أن تفهموا مفهوم البنيوية كذلك من خلال الكون الذي نعيش حيث تنتظم الإنسانية من المسلمون و النصارى و اليهود و تتعالق مع بعضها و مع عناصر الطبيعة فيما يشبه بنية تخلى عنها موجِدُها ، فالبنيوية فكر غربي لا يستوي مع المسلمين ، لأنهم يعتقدون أنهم أفضل من الآخرين فيخرجون عن بنيوية الوجود من جراء قولهم بحظوتهم دون غيرهم عند الله!
لكنها النزعة الأخلاقية الدينية التي طغت سياسيا أول ما طغت في بلادنا منذ الثمانينيات ثم بدأت تستفحل اجتماعيا و ثقافيا أيضا ، حتى شكّلت ولا زالت رأس الضعف و الركود مجتبية أمل النهضة التي كانت معلقة على هذا البلد الكبير الشاسع ، وهي تترصد حركة الأدب و النقد بمكر و خبث محاولةً رده إلى الحافِرة ، حينما كانت النزعة الدينية و الأخلاقية هي محدد جودة الشعر و الأدب و النقد ، بل غدت هاجس في جامعاتنا الأكثر عزلة في الصحراء. و لم يعد الأمر مقصور على أفراد أو نزعات أكاديمية فردية و لا على جامعات قطاع غزة التي لا تخفى عنكم ، فحسان ابن ثابت و ابن قتيبة الدينوري حين قال أن أبيات كُثير عزة التالية أبيات قاصرة المعاني
ولما قضينا من منى كل حاجةٍ           و مسَّح بالأركان من هو ماسحُ
وشُدَّتْ على حُدْب المهارى رحالنا       و لم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا             و سالت بأعناق المطيّ الأباطح
اعتبرا قمتان أدبيتان و لكنهما في الحقيقة مع سيد قطب و محمود شاكر و محمد محمد أبو موسى و من شابههم أسوة لكل تردي و كل لا إبداعية ، إنها غشاوة النزعة الدينية : « العقل المبدع العبقري الذي يحيي الفكرة الميتة أفضل من العقل الذي يأتي بفكرة لم توجد ، لأن الله يحيي العظام النخرة ولا يأتي بناس جدد! » قولوا حينئذ معي لكلا الطرفين من الأكاديميين الجزائريين باي باي للأسلوب الحلو. الأسلوب ليس مضمون فقط بل شكل و مضمون يعني نظم.
ـــــ لكن هناك أيضا عندنا الطرف المقابل ، شعراء و نقاد شيوعيين و ملحدين؟
ــــــ بلى ، موجودين و هم أنصار أدونيس الذين دينهم الشعر ، لا يختلفون في تطرفهم عن تطرف الزمرة الأولى ، لذلكم فأثرهم سلبي و هم مدعاة نشاطهم ، و منظومة أدبية نقدية كهاذه هي انعكاس للمنظومة السياسية و الثقافية ، في الجهة الإسلاميين و في الجهة المقابلة العلمانيين اللادينيون و بين الفريقين نحن نكافح و مازلنا بصوفيتنا و براغماتيتنا و أصالتنا لأجل سمو فكرة الأدب و النقد على الأقل و استقلالها بأي حال من الأحوال عن أيديولوجية الزمرتين.
ــ ما إن أتم الأستاذ كلامه حتى سأله أحدهم قائلاً : ـــــــ الأحداث السياسية تتسارع في الجزائر يوما بعد يوم. فهلا اعطيتنا توقعاتك حول المشهد المتوقع خلال الشهور القادمة؟
الحكاية التاسعة عشرة « رسولا وحي المادة «
عن رسولان كريمان ذكرا و أنثى سأحكي لكم ، وقد جمعهما في عصرنا هذا مسكن واحد ، عاشا في حي مانهاتن الشهير بوسط نيويورك سيتي معيشة الأخوين مدة قاربت الستين عاما ، و كفلا يتيمين هما سوريلا و دانيال ليصبحا أبويهما بالتبني دون أن يسكنهما معهما بصفة دائمة مع هذا لم يوسوس لهما الشيطان ولم يزحزحهما قيد أنملة عن طريق الجنة!
ليت شعري ، عندما يعتزم جلّت قدرته إدخال عباده الصالحين الجنة يدعوهم إليها أمارات وهم بعد في الحياة الدنيا . لكن هل تصبح الجنة ملكهم مع غيرهم أم يتقاسمون خيراتهم ملكية خاصة؟ وهل الجن يدخلونها معهم أيضا؟ و كيف سيكون شكلهم و إذا تجسدوا هل سيتجسدون في صورة الإنس ، هل سيكونون مثل جنود سليمان لهم قرنا وذيل ثور؟ وإذا كان ذلك ألا يطرح وجود الجن و الإنس معا مشكل اكتظاظ الجنة كاكتظاظ نيويورك سيتي؟ كل هذه الأسئلة الدافقة من شأنها إزاحة نقاب كثيف يكون قد ترسب في وعي الأجناس البشرية ، متصارعين متحاسدين على مر التاريخ إلى أيامنا و عن إياهم الأقرب إلى الجنة؟ إلى درجة استعانة بعضهم بالجن و استعانة آخرين بما يبغض الجن ، ألا وهو السلوك المفارق العجيب ، لكنه سلوك أقرب إلى الملائكية منه إلى مرادفات الحرية و التغني بصنيعها ليل نهار.
ما رسمت في ذهنكم هذه الصورة إلا كي تقارنوا ، فالمرأة المكشوفة الرأس و الساقين عند المسلمين إحالة مباشرة إلى معنى المس و الخلوة و الزنا و كل ما تلاه من ثقافة كلامية و إشارية ذات الصلة ، فطبعا هذه الرفيقة المختلية برفيقها في شبه عش زوجية وحيها الذي ألهمها أخلاقا ملائكية كهاذه هو وحي العمل و تحصيل المادة بمختلف الطرق ، لا تحسبوا أن التمتع بالماديات في كد و ضنى بها و لها شيء ٌباطل. كلا إنما العيش بتحصيل الجمال و ضرورياته ثم لحَدِ الإشباع بملبس و ما لذت و طابت من مآكل ضرب من التفنن في الحياة ، يرافقه رضى نفسي و سمو روحي يقل نضيره وقد تحدث أفلاطون في نظرية عالم المثل و محاكاة الطبيعة أن « الجسد يسمو إلى الروح المطلق عبر الفن ٬ ثم ما يفتأ أن يرجع إلى عالم المحسوسات في حركة جدلية بين الجوهر "الروح" و العرض "الجسد"»[4] كأنه وحي المادة وقد درجوا عليه فألفته نفوسهم متحولا إلى ثقافة ، من ثمة تمتنع حواسهم وهي محروسة من قبل الضمير عن " ثقافة المس" لأن العمل وحي ، وهو في تلك المجتمعات الراقية يحل محل القهر و الرادع الاجتماعي تبع الثقافات الخاملة المتخلفة ، لذا فهما ولا شك عرفا معنى الحب بين الذكر و الأنثى حق المعرفة ؛ عرفا أن المخاتلة الجنسية هي كالسوسة يمكن إذا أصابتهما أن تنخر نظام العمل بأخلاقه أي في وحيه. لذلكم فإن شدة تركيز اهتمام الفكر الغربي المعاصر على العمل لم يأتي جزافا .
لا شك في أن حياة هذين الأمريكيين الخالصة لروح العمل ارتقت بروحيهما عن جميع الدنايا منها الزواج الغير الشرعي فهما بقِيا في عذرية كأنهما مسيح و مريم هذا العصر، أجل ارتقت بهما إلى مصاف الملائكة و هما بين ظهراني أحياء الجنس و شياطين المادة ! و لعلي ما كنت لأطرح عليكم حال الجنة مع الجن و الإنس يومئذ إلا كي أوجه بالكم إلى ذلك الشيء الذي يدعونه "الضمير الإنساني" المغروس في صدر كل إنسي ( أعتقد كذلك في صدر كل جني ) إنه أداة إيمانية جبارة ، محراب حقيقي لصلاة حقة تدني من الجوهر و الروح المطلق. أسيكونون لو جمعهما الله في وفاق؟ وهل يسوي في قدراتهما العقلية و الروحية حتى إذا نال الإنسيون حور العين و اختلوا بهن لا تلحظهم أعين الجنيين؟ لأنهم مخترقون للمادة مطلعون و مازالوا على أسرار الإنس بل منغصين حياتهم حسدا و حقدا في الحياة الدنيا ؛ يقول الحديث أن " أول زمرة تَدخل الجنَّةَ على صورةِ القمر لَيلة البدر و الذِين على آثارهم كأحسن كوكب دُرِّيٍّ فِي السماء إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد ، لا تَبَاغُض بَيْنهم ، و لا تَحَاسُدَ لِكُل امْرئ زَوجتَان مِنَ الحُورِ العين يرى مُخُّ سُوقِهِنَّ من وراء الْعظم و اللحم "
تريد مني التنبأ بمستقبل الجزائر أقول لك إن حواضر الجزائر و لا شك ليست كمجتمع منهاتن ، فسترون كيف أن الأفكار الجليلة تتحول إلى قبيحة و العكس بالعكس أي يتحول كل شيء رأسا على عقب ، تعمل هنا حواضر التخلف على ردهم ردا إليها عن طريق إرادة الموت التي حلت محل الضمير الإنساني مستأثرة بهم وهم في غفلة عما يفعلون ، كيف يتعظ من يؤمن أن الرب قد فضلهم عن أويحي و سلال و حداد و الإخوة كونيناف ، يتظاهرون كل يوم من أيام الجمعة مطالبين بالعدالة و الاقتصاص و برحيل كل عصابة النظام الفاسد! حاشا أن يكون جلت قدرته فضلكم عنهم ، بل أنتم أفسد طغمة عرفتها الإنسانية و التاريخ و الواقع خير مبرهن غير أنه لَمِّا كان بديلهم غائب أظهركم خيرين عادلين و أظهرهم أشرارا فاسدين. التغيير في هذا البلد كغيره من بلدان العالم الإسلامي غير متاح من غير أو مع غير الإسلاميين لأن الديمقراطيون حالهم أهون وقد عزلوا أنفسهم حتى تراجعوا كثيرا عما كاموا عليه في بدايات الحداثة ناهيك عن خوف مستتر رهيب لدى أركان الدولة العربية المعاصرة في مقدمتها العسكر ، من إمكانية تسبب الديمقراطيين في اندلاع شرارات العنف بصُعُودهم إلى الحكم فعن أي مستقبل تتحدث؟ هم يفضلون عدالة محمد مرسي جديد و الذي سيمدهم بحمام من دماء جديدة! وهل يُفضَّل من يعدل بميزان الغيب و يقدم هذا على ذاك لأنه يصلي و يزكي و يؤخر هذا عن ذاك لأنه لا يفعل الشيء نفسه! ليت شعري بل إن الله يُفضل من يذهب للعمل و دينه أخلاق ضمير العمل و المَثَل أمامكم ، تطور و نماء و أمن واستقرار هناك في الغرب تحت عدالة العمل و القانون و حدهما و قلق جوع و خوف هيستري من الانزلاق الأمني هنا في الجزائر تحت عدالة اللاعدالة.
خوف لم يبدأ مع استقالة الرئيس و لا مع بداية شرارات الربيع العربي عام 2011 بل ترجع بداياته إلى عشرية الثمانينيات ، التاريخ الذي عرف حراكا اجتماعيا ضد اللاعدالة الاجتماعية في جميع ربوع الجزائر و ضد العنصرية و الإثنية في المدن الكبرى. أجل إنها منظمة أبناء الشهداء و منظمة المجاهدين ثم منظمة أبناء المجاهدين تتقاسم الفيلات هنا و مزارع قطعان المواشي هناك ، إلى أن نمَت الفوارق و ظهرت الطبقية بين أفراد الحي الواحد ، ما من مؤتمر من مؤتمرات الحزب الحاكم انعقد في عشرية الثمانينات إلا و نادى بحياة المجاهدين مع كل مناداة بحياة الرئيس و نادى بحق ذوي الحقوق مع كل ترحم على أرواح الشهداء ، و على مرأى الإسلاميين و الوطنيين البسطاء ، كانت بطون تكبر و تنتفخ و أخرى تجوع و تسْهْل حتى تعرض أصحابها إلى ما يشبه المرض النفسي إنه ترسُّب الحقد في نفوس الحرْكة الجوعى و المهمشين اتجاه المحاباة بالسرقة و الاسترزاق بالإصرار و الترصد مُحلاّة بعنصرية كِبر تاريخي منسوب إلى أصحاب بدر« و ذكرتنا في الجزائر بدرا فقمنا نضاهي صحابة بدر » فلجأ الحرْكة و الشعبيين الذين لم يشاركوا في الثورة إلى المسجد ليكون سلاحهم ضد الحقرة فيما بعد و لضرب أسس و ركائز الدولة الجزائرية في الصميم ، لو أقول لكم أن أربعين مليون جزائري هم كلهم خلايا نائمة و لو قامت شرارة الفتنة يحملون السلاح و يقطعون الرؤوس و يبقرون البطون رافعين شعار " لا قانون لا دستور عليه نحيا و نموت " كما فعل أجدادهم في أندلس القرون الوسطى كأن شيئا لم يكن لا تصدقوني.
فالنظام الفاسد المرتشي في هذه العشرية و قبلها قد اشترى ذمة الفقيه و الولّي عن طريق سياسة المنح و المنع كما يقول الأستاذ العروي و جعلهما إلى جانب المجاهد و ابن الشهيد ثم ابن المجاهد ــــ ولو تُركت له الفرصة لجاء بمنظمة حفدة المجاهدين! ــــ شريكين يماثلان دور القايد و المثقف الإداري في الحقبة الاستعمارية كي تحافظ بهما على امتيازاتها الشعبية و تكرس هيمنتها التسلطية أمام نهضة الإنسان العربي ، و التي تأخرت و مازالت بصدد مزيد من التأخر في الجزائر حتى بعد صحوة 2011 و ما تالاها من أحداث بعد أفريل 2019.
فلا يغرنكم بالله الغرور ، إنه لصحيح أنه ضمن أولئك المتظاهرين الجمعيون ( نسبة إلى يوم الجمعة) غوغاء كثيرون و ناس بسطاء في حاجة ماسة إلى قوت يحملونه إلى عيالهم لكن هناك أيضا شباب مختفين بينهم من ذوي الأذقان القصيرة يحدوهم الطمع و الجشع السياسي الذي حذا ذويهم من الحزب المنحل اﻠ FIS و بقاياه من أبناء الحرْكة و خلاياهم النائمة ، لأنه لا تجارب لهم (جُلُّهم ولدوا بعد العشرية الحمراء) لكي يميزوا بين فساد و طغيان و رشوة و لاعدالة النظام (الوطني) الذي رد الاستقرار و النظام الجمهوري شئنا أم أبينا و بين أفسد فساد و أبخس نظام على وجه الأرض ألا وهو فساد الحكم و العمل باسم السماء. فأين أنتم أيها المتظاهرون مندفعين وراء تكرار السيناريو المصري من بيّنة التريث؟ إلاّ أن يكونوا أحسنوا إخفائكم كعهدهم تحت قناع الفوارق الاجتماعية ( حَرْكي ـــ مجاهد ) التي وُلِدت من رحم النهج السياسي الخاطئ و جرت بالوضع إلى ما هو عليه اليوم وأنتم لا تعلمون . بل أين أنتم في كل ذلك من أمر رسولا الديمقراطية ذكرا و أنثى ، فبِربِّكم متى تأخذكم لومة لائم ( لومة الضمير) فتعتبرون بهما ذكرا و أنثى "رسولا وحي المادة" في مدارج بحثكم عن العدالة ؟
يُنهي الدكتور سفره كلامه حتى كاد من أبهرهم الكلام التصفيق و لكن لا مناص لمجموعة الخلف من التعليق : ـــــ هل هذا خطاب فكري؟
ــ أيوة خطاب فكري و سياسي كمان ، ما تردُوا بالكم بقاَ البِيه خطيب مفوه واِنتُ ولا داريين.


[1] - التوراة الشفهية أو التلمود : المصدر الثاني للتشريع عند اليهود ، غير رسمي لأنه متجدد التفسير و التحليل و قاعدة قانونية للأجيال .
[2] - عطية أحمد : اللغة الانفعالية بين التعبير القرآني و النص الشعري ، أكاديمية الكتاب الجامعي، القاهرة 2017 ، ص43.

[3] - سالم شاكر : مدخل إلى علم الدلالة ، تر: محمد يحياتن ، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر 1992 ، ص31.
[4] - فرديريك هيغل : المدخل إلى علم الجمال ، فكرة الجمال ، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت 1988 ، ص76.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.