القائمة الرئيسية

الصفحات

رؤى نقدية (4) تصورات مواطن جزائري يُقدمها للجنة الحوار الوطني

بوزيان أوراغ

‎6‎‏ ــ تـتمة لمقال سابق ( مشكلتنا في العصبية الدينية لا في العصابة و لا في غيرها )‏


على أساس تزامن تحريرنا لمقالنا السابق مع عمل لجنة الحوار المكلفة بالبحث عن التوافق ‏‏حول شروط إقامة انتخابات رئاسية نزيهة و شفافة في وطننا الجزائر. قمنا بإتمام مقالنا بهذا ‏‏المرفق الذي عنوناه « تصورات مواطن جزائري يُقدمها للجنة الحوار الوطني » من منطلق ‏‏حق المواطنة التي تسمح لنا بل و تُلزمنا بالمشاركة في الحوار برأينا كصحفي مستقل ملتمسين ‏‏من لجنة الحوار النظر في هذه البنود الثلاثة لا غير ، و التي لا نرى أنها تضمن إجراء هذه ‏‏الانتخابات في جو من النزاهة و الشفافية فحسب بل تمهد لإقامة أركان و أسس المجتمع ‏‏المدني الذي سيجلب الاستقرار و الرخاء لهذا الوطن أيضا وهي إذن ثلاث لاءات لا أكثر ولا ‏‏أقل مرتبة بقدر أهميتها في بناء مجتمعنا المدني المأمول :‏

‏ ‏ ‏1 ــ لا لِتحكيم الدين

الإسلام يجب أن يحفظ له مكانه المقدس عزيزا مكرما بعيدا عن السياسة ، فلا لتحكيم ‏‏السيساويين الإسلاميين. وكل من له أو عرف بتوجهاته الدينية حتى وان كانت غير إسلامية ‏‏يجب أن يبعد و على الدستور القادم أن يفرض شرطه الصارم و التاريخي بإبعاد الثالوث : ‏‏الدين و التاريخ الوطني و مكونات الهوية الجزائرية كالأمازيغية  مثلاً عن الاحتكار و ‏‏الاستغلالات السياسية و السياسوية على حد السواء ، لا يجوز لأي كان الوصاية على الدين ‏‏و على التاريخ الوطني و على الهوية الأمازيغية ، فقد علمنا التاريخ في العالم كله أن أفسد ‏‏الفساد بل الفساد الأسطوري هو الذي جاء به نظام الحكم الديني و الأقرب إلى الصورة في ‏‏تاريخنا المعاصر هم الإسلاميين لأنهم مازالوا يحاولون و يفشلون.‏

‏ ‏ ‏2 ــ إنهاء التمجيد المُغالي لتاريخ حرب التحرير الوطني و استغلالها واحتكارها ‏سياسيا ‏

لا لِتحكيم الأيديولوجيا المتمخضة عن المرحلة الاستعمارية و التي أثبتت فشلها منذ نهاية ‏‏الثمانينيات ، لا لتحكيمها لأن هذا العنصر له علاقة بسابقه ، فالأساس الذي قامت و تقوم ‏‏عليه هذه الأيديولوجيا هو العنصرية الدينية و اللامنطق و عليه  فالحزب الكبير الذي جمع ‏‏الرأي و أتى بالاستقلال للجزائر ــ بعد أن قدم مليون من المدنيين كبش فداء ونصف مليون من ‏‏النظاميين منهم أبي وجدي ــ بكل إرثه التاريخي و الأيديولوجي أن يوضع في المتحف لأن ‏‏أصحابه كانوا ومازالوا هم افسد المفسدين في التاريخ و الشاهد أمامكم الآن و المحاكمات و ‏‏إيداع السجون جارية أمامكم فلابد من نبذ نظام الشرعية الثورية و الوقت مناسب أكثر من أي ‏‏وقت مضى ، فالتغني ليل نهار بالمجد الثوري و بالبطولة التي طردت الاستعمار سياسة أكل ‏‏عليها الدهر و شرب تغنياً أساسه مرجعية دينية : عن طريق تبادل الخدمة بين المافيا ‏‏السياسية التي احتكرت تاريخ حرب التحير الوطني على مدى عقود مضت مع المجتمع الديني ‏‏‏/المسلم الذي يعتبر الآخر المختلف كافرا و عدوا بالضرورة ، فكم جثت من وراء هذه الشراكة ‏‏المصالح الذاتية التي سرقت الآمال في الرفاهية و التطور ، و فعلا قد نال أصحابه مآربهم ‏‏التي يستحقون عقدين أو ثلاث بعد الاستقلال ، لا مناص للمجرم الذي أودع السجن 10 ‏‏سنوات دون محاكمة إلا أن يُفرج عنه بعد الحكم عليه ﺒ 10 سنوات سجنا لأنه فعلا قد قضّى ‏‏فترة عقوبته. ‏

‏ كل دول العالم التي قاومت الاستعمار ثم تحررت منه فرحت و هللت و كبرت ثم تفاخرت و ‏‏تطاولت على الاستعمار عقدا أو عقدين من الزمن ثم انتهى الأمر و تعود الأحوال إلى سابق ‏‏عهدها إلاّ عندنا! أُستغل ذلك التحرير و مازال دون أن يوقظ الضمائر و يدفع الألباب على ‏‏التساؤل! خْلاَص كل تاريخ التحرير إنما هو في مقام التراث الإيجابي لنا وكفى به من كل ‏‏التلاعبات أن يُحفظ و يُطوى في خزانة التاريخ بعد أن يُنقّى من الشوائب و الأكاذيب و كل ‏‏المزايدات الشططية ، أَوَإلى هذا الحد كنا أبطالا وكانوا كفارا مُندَحِرين؟ مالنا إذن جُبلنا على ‏‏المراتب الأخيرة كأنها قدرنا و جُبلوا على المراتب المتقدمة و في كل شيء؟

‏ ببساطة الجواب يكمن في أن استغلال أيديولوجية التحرير تلك سياسيا وازاها تقديسها و ‏‏تدنيس الآخر على المستوى الاجتماعي و عن طريق تفطير النشأ عليها بعد الفطام مباشرة ‏‏جيلا بعد جيل بالمكر و الخداع نفسه الذي يفطّر فيه النشأ على الدين/الإسلام ، لِيترعرع و ‏‏يكبُر في أحضان الفقر و المحاباة ، لذلك ترى الله و أيقونة الكُفر التي هي الاستعمار الفرنسي ‏‏عندنا دائما صنوان في الأعين و يكمّلان بعضهما بعض بالممارسة السلطوية : يعني عن ‏‏طريق سياسة العصا و الجزرة الغير علنية لكن متسترة في الرادع الاجتماعي وفي مقايضة ‏‏المكاسب : في الولاء للمفردة التي تنطوي على الاحتيال و الخبث ألا وهي مفردة "الوطنية" و ‏‏‏"الوطنية المخلصة" ، يعني تحوُّل الجزائريين الذين عملوا مع فرنسا ــ و لهم ظروفهم الخاصة ــ ‏‏إلى شياطين في المجتمع الجزائري. و الذي نمَّ عن ذلك هو خطاب الفريق القايد صالح ( في ‏‏مقام الرئيس الفعلي للبلاد ) منذ ساعات في وهران. الفريق الذي من المفروض أن يستقيل و ‏‏يستُدعى للمحاسبة لكن ليس قبل أن ينصب خليفته ، خليفته الذي عليه أن يتوقف تماما عن ‏‏توظيف خطاب التاريخ الثوري سياسيا بصفة نهائية كمقولات : "حزب فرنسا" و "عهد الشهداء" ‏‏و " الإخلاص لتضحيات الشهداء الأبرار" و إيهام الراي العام بوجود أعداء متربصون بالبلاد ‏‏وهُم الأعداء الذين لا وجود لهم طبعا إلا في أوهامه و تسويغ هذا الخطاب خاصة في مراحل ‏‏الأزمات كمرحلة التسعينيات بخبث لِيجعل منه بطل الأوقات أو المهمات الصعبة ، فإن أراد ‏‏أن يُعطي رأيه يعطيه كقطاع مثل باقي القطاعات بدون تسيُّد ولا إملاءات هو الآخر لأن ‏‏مهمته الحقيقية ليست هي تلك ، ولا هي الرعاية الصحية ولا هي تقديم المساعدات التضامنية ‏‏كما أصبح يدلي به في خرجاته التفقدية بل هي الدفاع عن حدود الوطن و إرجاع الأمن في ‏‏حال افتقاده فقط لا غير، ثم أن هذه الأمور كلها هي من البديهيات بما كان من لم يعيها فهو ‏‏أحمق مغفل أو يعيش مفتون بما فُطر عليه من خنوع و استعباد و هو خارج التاريخ ، ‏‏فالقذافي عمل مثل ما عمل هؤلاء من تمجيد ثوري مُغالي و لا معقول حتى لا نقول واهم. و ‏‏عندما ثار على غطرسته ثائر واعٍ ( عبد الفتاح يونس العبيدي ) أو على الأقل متحرر من ‏تلك الفطرة الأيديولوجية ‏ـ الدينية بثورة تشبه ثورة القذافي نفسه لم يُمجِد ذلك ولم يُبالغ بل ولم ‏يكافئ أصلاً ، لأن ‏الواجب الوطني يُكافَئ صاحبه رمزيا لا ماديا ؛ الملايير المُمَليرة مازالت ‏تصرف لصالح فئة ‏يقال لها قدماء ذوي الحقوق و أبناء الشهداء و أبناء المجاهدين! و آلاف ‏قضايا الحُقرة و الظلم ‏وقع ضحيتها شعبيون بسطاء مع عناصر من تلك الفئة ، لِتبقى البلاد ‏ترزح تحت اللاعدالة ‏الاجتماعية المصدر الرئيسي للتخلف. ‏

‏ ‏ ‏3 ــ نعم لانتخاب رئيس ديمُقراطي مُغلّب لمصالح الوطن الجامع


نعم للإجماع على إقصاء الركنين المذكورين أعلاه مصدر فساد أنظمة الحكم في دول العالم ‏‏الثالث ككل و ليس الجزائر فقط ؛ إقصاء يتم بقوة القانون و الدستور وحدهما و إلى غير ‏‏رجعة. لا لاعتماد أحزاب و منظمات تقوم برفع شعارات دينية أو أيديولوجية قديمة أو جهوية ‏مغرضة ، ‏لا لاعتماد هذه الأحزاب فعلياً و ليس تسميةً فقط ، كما هو معمول به حاليا ، مِثلنا ‏مثل جميع ‏الدول الدمقراطية في العالم ، يجب أن يبقى الدين و اللغة و الهوية و التاريخ إرث ‏مشترك لجميع الجزائريين لا يجوز ‏تسييسها أبدا. حتما بعد ذلك سينفتح باب الترشح لهذه ‏الانتخابات من تلقاء ‏نفسه لشخصيات جزائرية كفئة و للأسف كانت في طي النسيان طوعا أو ‏كرها ، أما إذا كان ‏يشوبها شك من جهة أصولها فيكفي إثبات أصلها الجزائري من جهة الأب ‏و لا يهم مشاركتها ‏في حرب الفيتنام أو حرب الخليج الثانية. أو إذا كانت تنتمي إلى ‏حساسيات إثنية تنقل تلك ‏الهوية المصغرة التي كانت تناضل و تناطح الدولة السلطوية طويلاً ‏من أجلها من المستوى ‏الجهوي و تعميمها على مستوى الوطن الجزائري بأكمله.‏

author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات