القائمة الرئيسية

الصفحات

عن ضعف مستوى الترجمة في حقل الدراسات الأدبية والنقدية المغاربية





بوزيان أوراغ

ولم يطرح السؤال حول هذا المنجز النقدي النظري الأدبي التراكمي مؤلفات و ترجمات ، لماذا بقي حبيس مكتبات الجامعات الجزائرية إلا فيما ندر؛ عندما يتعلق الأمر بالصدقات وبالعمل في الجزائر؟ هل ذلك يعود إلى العامل التجاري فقط كما يدّعي البعض أم يعود إلى غموضه؟ فباستثناء المؤلفات الفكرية النقدية لعلي حرب ومحمد أركون في الجامعات والمكتبات العربية تبقى الأسماء النقدية الساطعة في الجزائر باهتة بل غير معروفة في الوطن العربي إذا ما استثنينا عبد الملك مرتاض والزواوي بغورة في الخليج العربي و لا نجد من محاولة لإيضاح المشهد ورفع غشاوة لبس الصورة هاته و تعسفها أفضل من المقارنة بالخماسي النقدي المغربي الخاطف للأضواءمحمد برادة ومحمد مفتاح، حميد لحمداني وسعيد بنكراد وسعيد يقطينالذي أصبح يحسب له ألف حساب في جامعات القاهرة وبيروت وغيرهما عن ذلك يقول بشير محمد بويجرة   »:..الإشكال في المسار النقدي والأدبي في الساحة الجزائرية، إنما هو إشكال اللغة، لكونها عرفت أوضاعا خاصة لم تعرفها بقيت الأقطار العربية الأخرى« [2]  وبويجرة هاهنا محق وربما تكون جرأته سبب في تهميشه[3]  ، حيث الأساس في الترجمة أي ترجمة هو الالمام الجيد باللغتين المنقولة/الأجنبية والمنقول إليها/العربية ، أما اللغة الأجنبية الفرنسية سنجد أنفسنا أمام فريقين جيل سابق هو جيل مرتاض وأبو العيد دودو ومحمد مصايف رحمهما الله ، أخذ أول ما أخذ اللغة الفرنسية عوض اللغة العربية من المدرسة الجزائرية المفرنسة في الخمسينيات والستينيات بالتالي لغتهم الفرنسية أفضل حتى من الفرنسيين أنفسهم أما عربيتهم فتعتريها شكوك حتى لا نقول غير ذلك ، وجيل لاحق هو جيل الناقدان رشيد بن مالك و سعيد بوطاجين على سبيل المثال و نُلفي الحاصل مع هذا الجيل هو العكس بالعكس والنتيجة هو أن كلا الفريقين غير مؤهل لترجمة الدرسالمنهج النقدي الفرنسي إلى العربية لأن شرط إجادة جيدة للغة المنقولة والمنقول إليها معاﹰ غير مُستفاة ولعلّ الفرق بين النقاد المنظرين المغربيين المذكورين أعلاه و نظرائهم الجزائريين هو أن الأخيرين لا يقرون بضعف ترجماتهم بل ويغترون أحيانا و يعتبرون الأمر ثانوي وهامشي! عكس المغربيين المُقرين دائما وكلما سمحت الفرصة بكونهم نقادا وليسو مترجمين كسعيد بنكرادلعله سبب من أسباب تقوقع الترجماتالبحوث النقدية الجزائرية وانحصارها في الجامعات الجزائرية إلاّ ما رحم ربكربما أن فرانكفونية أصحابها زائدة عن اللزوم في وضع لا يجب أن تكون فيه كذلك ولا تعني الفرانكفونية ها هنا الكتابة والتأليف باللغة الفرنسية كما يفهمها الكثيرون، بل هي حب مفرط للغة والثقافة الفرنسية نتيجة علاقة النمو والترعرع معها تعليمياﹰ وأكاديميا/الدراسة العليا في السوربون وما شابهه.
لنبدأ على سبيل المثال بنموذج مختار عشوائيا وهو مقال عن التداولية لخولة طالب الابراهيمي في العدد 16 بمجلة اللغة والأدب الأكاديمية ، يتبين فيه سوء الترجمة للوهلة الأولى في العنوان الفرعي التداوليةالمفهوم  ترجمة فقرات حول مصطلح التداولية ويساعدها في ذلك زملاء كما تقول[4] لكنها لم تذكر تخصصهم، يعني في تقديرها في هذا العنوان الفرعي باستعمال الشرطة المائلة أن التداولية مرادف المفهومكما يلاحظ إهمال تام لنظام التنقيط في نصها الذي من المفروض أن يساعد على فهم الجمل.
ومما جاء من ترجمتها لمفهوم التداولية كمصطلح جديد عن النقد العربي بحسب مقاربة موشلار Moceschler  له : « أن التداولية تهتم..تؤكد أن الاستعمال اللغوي أو بالأحرى يمكن أن تطبع علاماته..» وبحسب مقاربة إيلوار Eluerd بقولها: « التداولية إطار(...) فيما أفرزته من تصورات صورية مبالغ فيها[5]  ..» في هذه الترجمة خطئان فادحان تجعل من مفهوم التداولية غامضا لدى الباحثين فضلاﹰ عن الطلبة ، لعل الكثيرون مثلي لازلوا لا يعرفون كيف يتصور المتصور؟ وفي المثال الثاني كلمة بالأحرى لو جاءت قبل جملة الاستعمال اللغوي لستقام المعنى واتضح أكثر، غير أنه بالحفظ والاستسهال بالعادة الذي هو المنهج السري لهم يصبح كل شيء واضح ويستمر دوران الحلقة أبا عن جد ، فخولة الابراهيمي أستاذة اللسانيات ورئيسة مخبره ، غير أنه تَظهر فرانكفونيتها في قسم اللسانيات العربية جلية نتيجة تكونها باللغة الأجنبية في مراحل الصبا وتأليفها كتبا في اللسانيات بالفرنسية وترجمتها للمقالات الأجنبية طبعا أما عن مطواعية لسانها للتحدث بالعربية ففيه كلام آخر.
أما عبد القادر بوزيدة رئيس قسم الترجمة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الجزائر فيأتي هو الآخر بترجمات عشوائية غير مضبوطة تمام الضبط تنم عن عدم التخصص والاستسهال، وجدت الكثير منها في أعداد مختلفة من مجلتي اللغة والآدب والآداب واللغات اللتين يصدرهما القسم المذكور غير أني حملت عينة فقط مما يلي:
السبك(التماسك) : cohésion بينما الالتحام والانصهار هو الأدق.
المقامية  : Situationalité    لكن المرحلية هي الترجمة الأقرب للصواب.
الحبك(الانسجام cohérence  لكن الترابط وهي الأقرب إلى حمل المعنى.
القصد intentionalité  ،  لكن القصد غير القصدية 
الاعلام informativité الاعلام  ، لكن الاعلام غير الإعلامية
التناص intertextualité  ، لكن التناص غير التناصية [6]
ويقوم هذا المنظر والباحث الجزائري  في مقاله " مدرسة تارتوـــــ موسكو سيميائية الثقافة والنظم الدالة" على إحراج الباحث المغربي جميل الحمداوي بتخطيئ معلوماته حول المدرسة دون تنويه ولا إشادة بالجهد ، كما دأب أن يفعل مع طلبته. وكان ذلك في العدد 3 مجلد 35الصادر سنة 2007 من مجلة عالم الفكر الخاص بالسيميائيات ، لكن بمقارنة بسيطة بين مقال الأستاذين من ناحية الأخطاء اللغوية سنجد أن مقال الحمداوي الأقرب إلى تحري السلامة اللغوية من مقال بوزيدة ولاريب في ذلك كون الباحثين الجزائرين المخضرمين تلقوا أول ما تلقوا اللغة الفرنسية في حداثة سنهم في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ناهيك عن لهجة مدرسة العائلة فالعائلات الجزائرية في المدن والحواضر الكبرى تلقن ابناءها عربية مشوبة بالفرنسية والالفاظ التركية والأمازيغية واذا ما تجاوز الشخص مرحلة الطفولة كما تقول به نظرية الاكتساب لتشومسكي لا يكون بمقدوره التحكم بيسر في قواعد اللغة لفظا أو كتابة ، والنظرية تنطبق على بوزيدة لما يقول: « مدرستي "تارتو" و"موسكو" والمشارب الفكرية والثقافية التي نهلتا منها »  ولما يقول: «وهو اختلاف يضرب بجذوره بعيدا في تاريخ..»[7] والصواب : مدرستي "تارتو" و"موسكو" والمشارب الفكرية والثقافية اللتان نهلتا منهما ، وهل الجذور لما تضرب بعيداﹰ تضرب أفقيا أم عموديا؟ بل الأصوب هو تضرب عميقاﹰ والملاحظ في مقاله هو عدم تحكمه في توزيع الفاصلة على الجمل بشكل كارثي في جميع فقرات المقال، كقوله: والواقع أن منطلقات وتوجهات المدرستين كانت، عكوما، ص184 .  وخلاصة ذلك أن الباحث أيديولوجي النزعة.
وقد لا يلتمس في التنظير النقدي الجزائري بخاصة ، والمغاربي بعامة الغموض من جراء الترجمة عن الفرنسية فقط، بل كذلك من الترجمة عن الترجمة، و الإطناب المصطلحي أو التقتير المصطلحي ، في وجود إشكالية ترجمة المصطلح كما في هذا الشاهد :  "إن السيميولوجيا تدرس العلامات وأنساقها، سواء كانت هذه العلامات لسانية أم غير لسانية وهل هذه الأنساق هي غير العلامات لسانية وغير لسانية؟ حتى يذكرهما المنظر معاﹰ هذا من شأنه إرباك الطالب وتشتيت طاقاته ؛ عندما يدخله الظن أن هذه العلامات هي غير الانساق وإلاّ ما كانت لتُذكر.
أما التقتير المحيل الى الغموض في قول المنظر المغربي :« تستند البنية السطحية إلى مكونين أساسيينالمكون السردي، والمكون الخطابييدرس المكون الأول الأفعال، والحالات، والتحولات، ومنطق الجهات، والبنية العامليةفي حين، يدرس المكون الخطابي الصور من جهة، ويقارب الحقل المعجمي والحقل الدلالي والأدوار التيماتيكية التي يقوم بها الفاعل من جهة أخرى« [7]   أي صور تلك المقصودة؟ المتلقي يحتاج هاهنا إلى شرح ، لعل مشكل هذا التقتير راجع للإختيار بين المكون الخطابي عبارة عن دلالات أوصور ذهنية أو مفاهيم ذهنية ، فنحتاج هنا إلى ضبط المصطلح إمّا الصورة أو الوحدة الدالة بخاصة عندما يتعلق الأمر بمجال معرفي مستقل كالسيميائية وبذلك نتفادى الغموض و"الأوأواتكما في قول الناقد جميل حمداوي : "ويكون قادرا على تدبر وفهم عميق للدلالات السياقية للكلمة أو الصورة أو الليكسيم".
ناهيك عن الفقر أو القصور اللغوي عند المنّظر ومصدره يعود لظروف أول اكتساب للغة في محيط العائلة والمجتمع المختلط اللغة فرانكفونيا وأمازيغيا كما أسلفنا غير ما مرة في مقالاتنا السابقة لا يختلف المغربي عن الجزائري كثيرا أما في النموذج التالي للمنظر الأكاديمي عثمان بدري في مجلة اللغة والأدب الأكاديمية فغموض مقاله ناتج عن التناقض؛ بحيث أن الفترة الجاهلية والأموية أسبق من العصر الذهبي للبلاغة العربية ألا وهو العصر العباسي لكن بدري يقول :".. وفي سياق هذا التصور للغة الشعرية نستطيع أن نفهم لماذا وظف الشعر العربي القديم بشكل عفوي وبشكل واع بعد ذلك - مختلف المفاهيم البلاغية كالتشبيه والاستعارة والكناية والتورية والمجاز وغيرهمامن المحسنات الأخرى بشكل مغاير – إن لم نقل مفراق للأسس المدرسية المعيارية التي بنيت عليها البلاغة العربية من قبل كثير من البلاغيين المقولتيين"[8]  وهو يقصد أيضا بالمحسنات هاهنا أنواع البيان.
author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات