القائمة الرئيسية

الصفحات

رؤى نقدية (5) البنيوية في المشهد النقدي الأدبي الأكاديمي الجزائري المعاصر، قراءة في الغايات والأصول.

لكل من توسم فينا ريبة و شكاً عبر ما ننشره من نقود هنا وهناك نقول : كل من رام تشييد بناء قوي ‏و قويم لابد له لزاماً أولاً من اتخاذ خطوات نقدية جريئة لكنها بقدر ما هي علمية بقدر ما هي متبصرة لما تبدأ في هدم البنيان القديم من ‏أسسه ، هذا ما آل به زياد بوزيان على نفسه مدركا عواقب الفعل، وهو ماضٍ في طريقه، مؤمنا أشد ‏الإيمان أنها الطريق الوحيد للنهوض بالنقد والأدب الجزائريين المعاصرين، أجل، فأي تقديم للوطن عن الذات بعد ‏هذا العمل المحدق و أي إيمان بعد هذا الإيمان؟             

بوزيان بغلول[1]

    يرغب هذه المقال المقارب للبحث القصير التماس نوع من المقاربة المُقْنعة للسؤال التالي : لماذا تتجه معظم البحوث النقدية الخاصة بتحليل و دراسة المنتوج الأدبي الجزائري سواء كانت بحوث أكاديمية ــ بما في ذلك مذكرات التخرج ــ أو أبحاثا مستقلة إلى المنهج البنيوي؟ ذلك المنهج الذي اصطُفي عربيا و غربيا في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي ثم بدأ يهوي خارجا رويدا رويدا من اهتمامات الفكر الغربي متبوعا بالفكر العربي في المشرق العربي بخاصة في مجال التخصص الذي نحن بصدده ، أي النقد الأدبي فاسحًا المجال للمناهج الما بعد بنيوية كالتفكيكية و الهيرومنطيقا و حتى السيميائية / العلاماتية بمختلف اتجاهاتها. غير أن دراسة إحصائية إعلامية اطّلعت عليها مؤخرا تقول أن البنيوية مازالت من حيث الكم هي المسيطر على الساحة النقدية الأدبية في الجزائر، ليس ذلكم فحسب بل من مصادفاتي لعديد الدراسات النقدية النظرية و التطبيقية البنيوية الأكاديمية عبر الإعلام الإلكتروني أصحابها جزائريون أو مغربيون. فإلى ما يعود السبب الحقيقي يا ترى؟

    لن نسوق التعاريف لأن ذلك متاح بشكل وافٍ عبر الشبكة العنكبوتية وهو مدعاة للتكرار الممل لكن نبدأ من نموذج تطبيقي[2] ثم نعود من خلاله لنعرج على نشأة البنيوية  structuralisme  كمدرسة نقدية حداثية تعود أصولها المعرفية إلى نهاية القرن 19 و بداية القرن اﻠ 20 في خضم ما عرفته الفلسفة المثالية و المادية آنذاك من محاولات حثيثة لترسيخ قدميهما و عزل علوم الميتافيزيقا و العلمانية الإنسانية مستزيدةً من تطور العلوم التجريبية و الوضعية التحليلية و الذي يهمنا هو ميدان العلوم الإنسانية (اللغة والنحو المقارن) نهاية القرن 19 التي بدأت تخضع ظواهرها أول ما بدأت للمنهج العلمي التجريبي على يد أوجست فيك   August Fick ثم دي سوسير أسوة بالعلوم الاجتماعية على يد أوجست كونت، وكليهما نحاتا منحى الفلسفة التجريبية عند أهم ممثليها ( لوك وهوبز) التي ترى أن التفكير يجب أن يستمد عناصره الأولى من الحس والتجربة، وبذلك استبعدت كل القضايا الميتافيزيقية، واهتمت بقضايا المجتمع والحياة، وقد طبق هؤلاء مناهج هذه الفلسفة على الأدب على نحو قسري عندما حاولوا وضع قوانين للأدب كقوانين الطبيعة، وفسروا الأدب تفسيراً علمياً مادياً محضاً..[3] لابأس أن نرى قبل ذلك كيف أن هذا الطالب الجزائري في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه الذي يقول في بحثه الأكاديمي: « يعتمد كثير من النقـاد في تحليلهم للنصـوص الأدبية على بعض الظواهـر الشكليـة، أو يتجهون بها خلف معطيات و تفسيرات نفسية أو تاريخية أو اجتماعية أو حتى مذهبية مما يجعل هذه النصوص تعيش خلف أسوارها.

إنّ هذه الدراسات الضّيقة التي لم تتعمق في أغوار هذه النصوص لاستجلاء مكامنها الجمالية و الإبداعية تعتبر معالجات و تفسيرات ضيقة غير ناضجة لا يمكن لها أن تفجر ما تنطوي عليه المعاني و العبارات.»[4] معتقدا أن المناهج السياقية لا تتعمق في أغوار هذه النصوص لاستجلاء مكامنها الجمالية و الإبداعية! بل أنها تفسيرات "غير ناضجة" و لا ندري ما يقصد بالضبط بعبارة "غير ناضجة" لكن بحسب فهمنا هو يقصد افتقاد هذه الدراسات النقدية للدقة العلمية الموضوعية كنتيجة لتوخي المناهج السياقية لهامش من الذوقية أو ذلك البصيص الذي لا بد منه من الذاتية؛ فالذاتية في الأدب هي الإبداعية الحقة لِما تنطوي عليه من تفجير لمكنونات النص أفقيا باتجاه الحياة النفسية للمبدع وعموديا باتجاه بيئة المبدع وزمان الظاهرة الأدبية، إذن هي لا تترك جانب له صلة به إلا وحللته بما يقوي عمق النص وليس سطحيته ( ولعل تلكم الذوقية هي التي تميز الأدب عن سائر العلوم، وتهميشها عنوة هو عدم نضج صاحبها الأدبي والنقدي لأن النقد يتبع الأدب، بالتالي هذا التهميش هو من يقف وراء ضعف الأدب الجزائري بل وتجعله مع "العلمية الانتقائية" مُضاعف الضعف ) في مقابل المناهج البنيوية التي تتعامل مع الأشكال و اللغة مفجرةً طاقاتها و حمولاتها الدلالية في حدود الممكنات كما يصطلحون. لكن هذا لا يمنع من أن يكون المنهج البنيوي مادام علما "ماديا" صالحا للتطبيق على مختلف العلوم المادية والاجتماعية.

1 ــ كيف تعاملت البنيوية مع جوهر النص الأدبي؟

      لكن ما فائدة تلك المعاني وتلك الدلالات و التي لا أدري أيستشفها الناقد الجزائري عن ذوق لمَّا يطوف داخل بنية النص و مستويات العلائق و وشائج القربى التي تربط عناصر اللغة تلك؟ أي هل هناك ما يدل على الجانب الإبداعي أي استيفاء المعنى الجميل أم مجرد آليات الدلالة الصماء التي تقود إلى إجراءات الدلالة لا ماهية الدلالة طامسة الذوق الجمالي للنص؟ هنا يكمن مربط الفرس ، لأن المنهج البنيوي على موضوعيته يشترط تحليل بنية النص تحليلا و تركيبا لعناصره ، لكنها علائق تجبر الحواس وتدفعها إلى تذوق ما يفوح من عبير تلك البنية أو هو الحدس بتعبير صلاح فضل لأنه بصدد خطاب أدبي لا خطاب تواصل لساني: " .. منهج البحث العلمي للعمل الأدبي يحتاج في أحد حلقاته التي لا غنى عنها إلى هذا الحدس ، إذ أن التحليل العلمي لجميع العناصر التي يتكون منها العمل الأدبي مستحيل ، لأنها مركب لمجموعة من المركبات المعقدة والحدس وحده هو الذي يدلنا أمام العمل الأدبي على الجانب الذي يتسم بالخصوبة"[5] ،  هناك من ألغى البنيوية و رفضها من أساسها كعبد العزيز حمودة لاعتبار أساسي هو أن الأدب ليس دلالة شكلية بل الأدب معنى جميل ودلالة جوهرية تُطلب لذاتها ( ماهيتها وليس إجراءاتها البنيوية ) وأنا أؤكد هنا على كلمة جميل حتى لا يُفهم أننا نُلغي الحداثة وعلمنة النقد والأدب علمنة نسبية و حتى نبعد أيديولوجيا من يبحثون عن المعنى لغايات دينية غير حداثية، وعزيز حمودة كان علمانيا و أساتذته علمانيون أمريكيون؛ فهو يرى أن الموهبة و القريحة سُوِي بينها و بين اللا موهبة و اللا قريحة تعسفا من قبل البنيويين فأدرك الضعف النقد والأدب مع البنيوية لأنها أهملت الجوهر وهو توصيل المعنى بجمالية وقد ساءت البنيوية بفروعها كالسيميائية و الأسلوبية البنيوية ولم ترُق كثيرا ـــ من هذا الجانب جانب جفاف الروح الإنساني ـــ كلاً من محمد مندور و غنيمي هلال  و شكري عياد ، إذ يقول هذا الأخير: هي في نظري مذاهب تمثل جفاف الثقافة الغربية ولا تمثل الثقافة الغربية في ازدهارها ونمائها، متابعا قوله بالحرف الواحد أن المغرب العربي ولبنان كانا أوثق اتصالا بفرنسا والغرب لكن مصر تمتص هذه الأشياء ( يتحدث عن البنيوية كفلسفة ومنهج نقدي جديد في ذلك الوقت ) ثم تعود إخراجها بشكل عربي يقبله كل العرب، ويعطي مثالا عن المنفلوطي الذي هو تلميذ جبران، لكنه امتص رومانسية جبران وأعاد صياغتها بشكل عربي فاصبح مقبول في لبنان و المغرب أكثر من جبران، أما الفيلسوف الأديب زكي نجيب محمود فيشاطر شكري و حمودة عندما يقول في أن النقد ليس بالعلم لكن فيه روح العلم مع الذوق الشخصي[6] ، كل أديب ــــ أيًّا كان مجاله الأدبي (الشعر أو القصة أو المسرحية أو غيرها من فنون الأدب) ــــ يعيش تجرِبة وجدانية فريدة لا تتكرَّر له مرةً أخرى، ولا يعيش فيها سِواه، وعليه أن ينقل تلك التجرِبة إلى الناس بتشخيصها وإحياء أبطالها على الورق. أما عن المؤلف بصفته فيلسوفًا، فهو أحد المنتمين إلى المدرسة التحليلية، وبالتحديد التجريبية العلمية المعاصرة، ومذهبُه في الفلسفة هذا مرهونٌ بعمل الفيلسوف الذي لا يكون إلا بتحليل الفكر الإنساني.

 وطبعا لم يجرؤ أحد من نقاد المغرب العربي على طرح هذا الإشكال لأنه يعوزهم تاريخيا ذلك المعنى الجميل في مدونتهم الأدبية والنقدية مقارنة بالمشرق العربي، وهو ما حز كثيرا في نفوسهم فيسخرون إثر ذلك "علمية نقد النقد" لضرب ذلك التنظير، بل تحايل تلامذتهم وتطاولوا على موقف حمودة و اعتبروه حاملا لفكر أصولي! ومن وعى منهم متأخرا وجد أنه يضرب جوهر الأدب، ليتأخر عن ركب المشارقة الأدبي والنقدي سنوات أخرى عدة. وقد عرفت الصحافة المصرية طيلة القرن الماضي شيئا اسمه التنظير (نقد النظرية النقدية الجديدة وليس نقد النقد الأدبي) وقد بلغ مبلغا عن طريق التنافس بين النقد الصحفي و النقد الأكاديمي وهذا مالم يحدث في الجزائر ففتحت الأبواب على مصراعيها للنقاد من رافضي البنيوية والحداثة من الاتجاهين، فهناك من انتقدوا أغراض شعر الحداثة، وهناك من رفضوه متعللين بافتقاد مبدعيه للموهبة، وهناك من اعترفوا بقصيدة الشعر الحر، لكنهم لم يعترفوا بشعرائها بعد صلاح عبد الصبور، بينما حاول البعض أن يضعوا أسساً لقبول البنيوية أو النقد الحداثي من جهة ارتباطه بالجذور، وهناك من تسلل لمهاجمة البنيوية عن طريق اللغة، وهناك من النقاد من أكدوا أنهم لا يعادون الحداثة، لكنهم انتقدوا ما يرونه سلبياً فيها مثل كونها مستوردة من الغرب، كما احتل الغموض مقدمة الاتهامات التي أخذها النقاد والمبدعون علي شعراء الحداثة، وهو أكثر ما أُفردت له المقالات وبُسطت له المساحات، ولم تترك باباً دون استغلاله لمواجهة الحداثة، فانتقدتها وأبرزت سلبياتها عن طريق المقالات والحوارات والتحقيقات وقصائد الشعر[7].

    ثم أن الحضارة العلمية الغربية لم تنحو ذلك المنحى المطّرِد التطور دون أن تنظر إلى الفكر المادي من جانب ما يحققه من فائدة على أرض الواقع، وما دمنا بإزاء منافرة بين الثقافة المادية الغربية والثقافة الروحية العربية التي أنموذجا المناهج البنيوية لا بد من التأكيد على معايشة الواقع أو التجربة أو التطبيق العملي في الحياة كقاعدة أنطولوجية كونية، والغرب لم يتعجل مسيحيته إلا بعد مضي قرابة الخمس مئة قرن بينما العرب بسرعة البرق اتخذوا الإسلام، أولم يكن الأجدر بهم يتركوه للواقع كذا من قرن قبل أن يأخذوا به صنو أقرانهم المسيحيين واليهود؟ وبهذا الصدد يقول الكاتب والإعلامي زياد بوزيان:" شتّان بين قواعد النظرية المجرّدة وظروفها الباعثة على الراحة والطمأنينة لدى الباحث، أي باحث وليس الباحث العربي فقط ، و الواقع العملي وظروفه الباعثة على القلق والشك الدائمين في تاريخ الفكر الإنساني كله"[8]

   والمادية البنيوية في النقد الأدبي ليست بذي فائدة تذكر سوى بالتطبيق على النصوص، بالتطبيق والممارسة وحدها، والواقع وحده هو الذي يدحض النظرية العلمية وليس شيء آخر، فالنظرية شيء وأرض الواقع شيء آخر، لذلك تحتل خبرة أو تجربة الواقع في اللغة (ذات الارتباط بالمجتمع) أهمية قصوى تفوق جميع العلوم، فتجربة في الجيب بالنسبة للمتعامل مع علوم الأدب والنقد خير من مليار نظرية، والمجبول على لغته وإن كان يخالف أشخاصا آخرين ثقافيا فإنه بالنسبة لجماليات اللغة وشعريتها سيلتقي بهم حتما في جانب من الجوانب، ففي التجربة مع اللغة وعلى اللغة الخير كله وإلا الشر كله و هي تحصيل حاصل لنظرية اكتساب اللغة تبع نعوم تشومسكي  Language acquisition device theory  حيث هناك جهاز قبلي غريزي يكتسب اللغة في الإنسان لكنه مقترن بسن الطفولة الأولى، فاذا ما فاتت هذه المرحلة يصعب معها التحكم بأبجديات اللغة بالوجه الأكمل حتى ولو اضطر شاعرنا مفدي و خطيبنا الإبراهيمي إلى التعويض بتعلم القواعد والعروض وحفظ أشعار العرب في الزيتونة والأزهر عمرهما كله، أما ذلك الذي جاء إليها كي يحفظ أو يسترزق بمعونة التملق أو يعظ فإنه سيكون عالة عليها وعلى المنتسبين الحقيقيين إليها، وللأسف الواقع العربي "الفنيان" اتجاه التطبيق كعادته دحض أو أدخل الشك في نجاعتها وهي بعد في المهد؛ عندما ضرب النقد في المشرق العربي التنظير النقدي المغاربي المبكر بدعوة الابتعاد عن الأصول العربية، وهذا الحكم متين الصحة والدقة في نظري من زاوية أن المغاربة لم يرفقوا ترجماتهم للنظرية النقدية الفرنسية بالتطبيق إلا بعد ما بلغ المشارقة مبلغا كبيرا في التطبيق، بينما شن النقد المغاربي حملة الرد بدعوى التحريف النظري الذي انجر عنه زيغ في التطبيق.

    فعبارة "عدم النضح " التي أتى بها الكاتب ههنا قد أحسن أيما إحسان لما أتى بها لأنها مربط الفرس في موضوعنا و فجوة للنفاذ منها إلى الحقائق المطموسة؛ عندما نقول عن العلم الفلاني أو المنهج الفلاني أنه غير ناضج ، العلم أو التوجه النقدي الذي ساد أصلاً في مرحلة كانت الممارسات الأيديولوجية شيئا عاديا ، و بالتالي هذا القول يعد من نافلة القول ليس إلا بل يستحسن على الدراسات و البحوث التي هي في مستوى الماجستير و ما فوق نبذها أفضل. أما الإصرار على قوله فيعد فجوة أخرى ننفذ من خلالها إلى بعض الحقائق المغيبة عن طلبتنا في الديار الجزائرية. أما عندما نقول عن الإنسان الذي يستعمل ذلك العلم و تلك الأداة أنه غير ناضج فالأمر هنا يختلف و لا يحتمل مقارنته بعدم نضج العلم / المنهج ، لأن الأيديولوجيا المدخل للذاتية و تغييب الروح العلمية من المفروض تكون في ذلك الوقت ألصق بالعلم و المنهج و ليس بالإنسان ، أما في وقتنا عصر تطور العلوم و المناهج  نستطيع قلب الآية بكل أنفة و نقول عن من يلتمس أداة المنهج السياقي: التاريخي أو النفسي أو الاجتماعي أنه غير ناضج غير نادمين و ليس أداته الغير ناضجة! ببساطة لأن لكل نص أدبي بعد قراءته و فهمه مقاس بحث أو منهج يناسبه و ليس العكس؛ فهناك من النصوص لا يليق لها غير المنهج السياقي. الذي يصفه صاحبنا أنه غير ناضج لأنه يسوق التحليل العلمي مغلفا بهامش من الذوقية أو الأيديولوجية إن شئت التي لها مصطلح مقابل كذلك في المناهج البنيوية وهي الوصفية عند تشومسكي أو الرؤية حيث يعبر عن ذلك بشمولية الرؤية : وهي تتجاوز الصيغ اللغوية لتحتضن موقف الإنسان الكلي و رؤيته للعالم[9].

   والحال في هذا اللبس ــ للأسف الشديد ـــ أن حضرته هو "الغير ناضج" مع معشر زمرته من الباحثين بين مزدوجتين من الديار الجزائرية بصفة خاصة و الديار المغاربية بصفة عامة عندما لا يحيطون بهذه البديهيات. و لعلّ الفضيحة كل الفضيحة لا تكمن في نشر هؤلاء الطلبة لأبحاثهم ذات الدرجة avec mention  دون العمل على تصحيحها بعد المناقشة بل في تجاوز لجان المناقشة عن تلك الأخطاء البديهية جدا. التي قد يقول عنها "الخاطي راسو" لا أعلم ما السبب أو لا أعلم ما الدوافع؟ يا أخي الدوافع بسيطة جدا، أي قسم من أقسام الجامعة هو مؤسسة، والمؤسسة تطبق أيديولوجية السلطة التي يمثلها ذلك الأستاذ ـــ وهو أولا وأخيرا أستاذ بغض النظر عن مستواه المشكوك فيه بخاصة مع القضية التي نعالجها ـــ لذلك عندما يمارس الطالب في قسم الدراسات العليا تخصص دراسات نقدية النقد من أجل النقد؛ يعني نوايا الموضوعية والنزاهة تخرج ليس من ذاته بل مع ذاته وبالفطرة لأنه نقْد معقودة نواصيه بالجوانب الذوقية النفسية (فعندما تنفي هذه الحقيقة كأنك تنفيه أنطولوجيا)، فيطلع منها ما هو نقد كالقبس لا يطري لا يمدح ولا يجامل في مواطن الذم والنقص أبدا، فالسبب هو أن هناك من يبيع عمره وهو واقف ضد النزاهة لا يهمه لا نقد ولا موضوعية، وهناك من لا يقف ضدها أبدا مهما كلفه الثمن : فما هو مذموم رديء هو كذلك لا انفصام بين الروح والجسد: البنيوية فكر مغلق ينبغي له أن لا يقترب من الفكر الإسلامي ــ إلا ما دخل في نطاق التزييف والتلفيق فإن كل حرف وكل كلمة وكل تركيب في القرآن يشي على البارئ المصور فكيف تعزله عن البنية الصوتية أو السردية؟ ـــ والبنيوية آليات جافة ينبغي أن لا تقترب من النص الأدبي لأنه نص مزروعة فيها خلجات نفس المبدع إلا بالنسبة المتفق عليها مسبقا أحب من أحب وكره من كره، وقد أشار عيد الله الغذامي إلى أن النقد الأدبي الشكلاني أصبح بمثابة غطاء للسلطوي والمنزوي المؤسسي فشكّل أداة أيديولوجية بالنسبة لهما غير أنه مع بداية التسعينيات من القرن العشرين دعا الباحث الأمريكي "فنسنت ليتش" إلى نقدٍ ثقافيّ ما بعد بنيويّ مهمته تمكين النقد المعاصر من الخروج من نفق الشكلانية، والدخول في أوجه الثقافة، ولا سيما تلك التي يهملها عادة النقد الأدبيّ[8*]

  هذه هي الحال التي تجعل أساتذتنا بين قوسين يقمعون النقد الحقيقي، يبيتون الليالي في البحث عن أخطائه النحوية في مذكرته (الذي بعثه إليهم صاحبه بتقنية الوورد) عندما يتيقنون أنه ناقد حقيقي غير مزيف، وربما قد لا يجدونها فيفتعلونها وعَدْ حتى الفواصل وربما يجدونها موزعة جيدا فيعيدون توزيعها وفق هواهم حتى ينالوا منه في الأخير؛ لأنه لم يُمَالِئ ولم يتملق ولم يمدح جزافا بإيجاز لم يمرق عكس ما كانوا يتمنون، ولو وجدوا فيه كل ما تمنوه لتركوا مذكرته على حالها بعواهنها الإملائية والتكريبية والمعرفية الكارثية ولا يقتربون منها إلا للإمضاء ومنح درجة الامتياز! فكأن بهؤلاء الأساتذة وهم ينتقمون للنقد المزيف ينتقمون كمرتزقة للسلطة المزيفة. إذن مشهد النقد الأدبي الأكاديمي الجزائري قد تحول مع البنيوية ومع مثيلتها الشكلانية 180 درجة عن غاياته الحقة ، تحول عن تعريفه الأصلي" النقد فن التمييز بين الأساليب ، وتبيان مميزات العمل الأدبي وعيوبه" والذي يصادفه جميع المنتسبين لأنه موضوع كمعلم عند مداخل كل كليات اللغة العربية إلى التعريف الذي فيه اضطهاد وجبروت قوة : " النقد هو تبيان المحاسن المميزة للعمل الأدبي "!

     فمستواك أنت كباحث وناقد مع زمرتك من مستوى النص الأدبي الذي تود دراسته دراسة نقدية لأن مستوى النقد يتبع مستوى الأدب و هذه المزية قدمتها لكم البنيوية دون قصد حين عزلت منتج النص أو الذات المتعالية و كل العوامل اللاّ نصية عن التحليل و الدراسة ؛ فلكم انطبقت مقولة ربّ ضارة نافعة أو مصائب قوم عند قوم فوائد فيما يخص تطبيق المنهج البنيوي على ما نسميه المنتج الأدبي الجزائري ، لأن الجزائريين بخاصة الأكاديميين سيستغلون تلك المناهج النصانية كالبنيوية ( التي طورها الأوروبيون كي يبعدوا نصوص الوحي عن الأحكام الغيبية و الأخلاقية القيمية المقترنة بالمناهج السياقية ) للترويج لأدبهم القومي البعيد كل البعد في مستواه عن مستوى آداب الشعوب المماثلة له لظروف تاريخية و أخرى ليس بإمكاننا سوقها في هذه العجالة. و الآداب العظمى في العالم ( كالأدب الواقعي المصري مثلا ) إنما عرفت بمضامينها الإنسانية و الواقعية ؛ فيها من التنوع ما يجعلها محل دراسة من جميع أشكال المناهج سياقية و نسقية و ما بعد بنيوية. أما الآداب الصغرى المهمشة الطريحة الفراش فلا تعرف إلا بأشكالها و ببنية نصوصها و يتجلى هذا الطرح في محاولة صاحبنا التغطية على الموهبة و المقدرة الإبداعية بالتحليل البنيوي ، برغم ادعاء العلمية و الأدبية تتجلى شيمة عصبية في كلامه التي هي إنما قرينة الضعف ( بل لأنها إصرار على الضعف كإصرار الدفاع  عن القبيلة في العصر الجاهلي ، وهو دفاع لا يأخذ في عين الاعتبار صواب الفكرة و الرأي و الحق لأنه قد أعماه التشنج العصبي للقبيلة التي في هذه الحالة الجزائر وسط عالمها العربي) ثم أن الأدب الجزائري في تاريخه لم يرقى لأن يكون محل دراسات نقدية مهمة كونه سطحي إلا فيما ندر فلا يستوفي قيمة الأدب شكلا و خطابا. و مستوى النقد في أي بلد من مستوى أدبه ثم " إن للنص غريزة مقاومة ، فهو لا يحب التطويع القصري كي يكون في خدمة تلك المناهج ، فعندما تتلاشى تلك الغريزة يتلاشى معها جوهر الأدب. و الحال أن الحس السليم يقتضي تطويع المناهج لتكون في خدمة الأدب شريطة أن لا يُجريه نفس الناقد على نفس النص ، بل نقاد متعددون على نص واحد أو عدة نصوص."[10]

     أجل سيستغلونها جاعلين كل من هب و دب والجاً الكتابة الأدبية بلغة الضاد في مصاف المبدع و ليضعها نقادهم الغير ناضجين ( و صاحبنا مشروع لواحد منهم ) في مصاف القاص أو الشاعر أو الروائي وهو لا يستحق ذلك بل حسبُه أنه لا يجيد الكلام بلغة عربية سليمة أصلا كتلك التي يتكلّمها طفل في مشرق البلاد العربية ، بل لا يعرف ما معنى المنظور و لا يعرف ما معنى المجاز و ما معنى النبرة و ما معنى البطل في الرواية أصلا ، مع ذلك تعتريه نشوة الكاتب راغبا في الشهرة بين ليلة و ضحاها! ــ ينطبق الأمر هاهنا فقط على اللغة العربية أما مع اللغة الفرنسية فأدب الجزائريين خاصة و المغاربة عامة فذوي مستوى رفيع إجمالاً ـــ حري بهذه النصوص أن لا تحلل إلا تحليلا لغويا معياريا و تحليلا تاريخيا للكشف عن نضج صاحبها الأدبي من عدمه ، لا جرم أن يصفها الناقد المصري عبد القادر القط أنها " شدت الجيل إليها بحكم طرافتها وإن كانت تغطي على السطحية و عجز الموهبة " إثر موقفه من الأشكال النقدية الجديدة التي غزت ستينيات القرن الماضي ، أما الناقد محمد شكري عياد فقال لفاروق شوشة في حصة تلفزيونية بثت بداية الثمانينات عن الأشكال الجديدة في النقد الأدبي (البنيوية) التي طبعت الحياة النقدية آنذاك ، قال أن " افتقاد الأجيال الحالية للموقف والتمرد على الواقع وإرادة التغيير، الموقف هو الذي يعمل الأعمال الأدبية الكبرى، التجديد في الشكل الفني يتجاهل الموقف اتجاه القضايا الكبرى، والتجديد في الشكل الفني مجرد مغامرات شكلية لا تتقبّل إلا مع كثير من الشك المتلقي يحس إزائها إنها متطفلة على الموقف أو مفتعلة ، فمحاكاة الاتجاه النقدي لا يمكن أن تكون إلا بعد دراسة متعمقة للاتجاه الأدبي الذي يحاكيه ، ولِما صدر عنه من فلسفة ومن رؤية للاتجاه ورؤية للحياة، لاتخاذ موقف اتجاه الحياة ومصيبة نقدنا وأدبنا العربي المعاصر أنهما لا يتخذان موقفا، إذا كنت لا أمتلك شيئا لا داعي أن أدعي ملكيته بل أحاول أن أمتلكه، إذا لم يكن لدي موقف نابع من تراثي وموقفي الحضاري وطموحاتي نحو المستقبل فلا ينفعني في شيء أن أستعير هذا الموقف. ولعل هذه النقمة في طيها نعمة هو أننا بدأنا نرى أنفسنا على حقيقتها، وهي أننا أقوام عراة بحاجة لما يسترنا والذي يسترنا يجب أن يكون ثوبا من نسج أيدينا. الوافد الأجنبي مجرد روافد لا نحتذيها ولكن نختار منها ما يمثل المرحلة المعاشة."

    وفي نفس الاتجاه يرى الناقد السعودي سعيد السريحي أنُ بدايةً من الثمانينات بدأت تشهد المناهج والنظريات الغربية جدلا نتيجة استغلاقها ومركزيتها وقد تخوف الغرب من أن الآخر غير الغربي شغوف إلى اختراق تلك المركزية، ولهذا أراد البدء قبله في استكشاف الأخر عن طريق الثقافة والتحول من المنهجية إلى الفلسفيّة التي تطرح الفكرة ونقيضها في آن مستطردا: "..هذا التلقي للفكر الحديث بعقلية مربات على آليات التفكير القديم مردّه غياب الدرس الفلسفي الذي كان من شأنه أن يشكل القاعدة التي تمكننا من تمييز الفروع انطلاقا بين التمايز بين الأصول ومرتكزاتها الفلسفية التي ترتكز إليها وتحول بيننا وبين تلفيق حاطب الليل (خطفة لم تمكنا من تفهم النقد الحديث مكتفية بأشباح المصطلحات) غياب الدرس الفلسفي غياب مزدوج يشكل جانبا منه الجهل بالفلسفة الحديثة ويشكل الجانب الآخر الجهل بالفلسفة القديمة ... ثمة جهل مركب بالفلسفة الحديثة التي انبثقت عنها مناهج الفكر المعاصر والفلسفة القديمة التي انبنت عليها نظريات البلاغة، فالنظريات النقدية لم تكن لتستقر وتتماسك وتجد لنفسها نسبا عريقا فيما تشهده مختلف العلوم الإنسانية من تطور وما تشهده اللغة الشعرية من ثورة لو لم تكن منطلقة من مراجعة شاملة للموروث النقدي والبلاغي، متسلحة بكل ما تم إنجازه في حقل الفلسفة من مراجعة للكليات والأصول الموروثة من الفلسفة اليونانية والمقولات الأرسطية، وهي المقولات التي تشكل المهاد الفلسفي للبلاغة العربية وغير العربية كذلك، انطلقت النظريات النقدية من مراجعة للأسس الفلسفية التي انبنت عليها البلاغة ونحن مازلنا اسرى للفكر الفلسفي الذي انبنت عليه البلاغة، ولذلك لم نرى في المناهج النقدية الحديثة سوى مصطلحات قارنا بينها و بين ما يتبدى لنا في مناهجنا وقلنا لهذه كوني تلك. لذلك لا يجب أن نقع في الخلط عندما نعمد إلى التلفيق والتوفيق بين بلاغة لم نعنى باستقصاء فلسفتها وبين نقد لم نلم بما يستند عليه من فلسفة قامت على نقض ما تستند عليه البلاغة من فلسفة، غياب الوعي المزدوج بالفلسفة أباح لآليات التفكير أن تنشط مغفلة جوانب الاختلاف ومقتنصة معالم الاختلاف و التشابه فردّت ما هو حديث مجهول إلى ما هو قديم معلوم وأعادت ما هو طارئ على التفكير إلى ما هو مستقر فيه فانتهت في هذا الاطار إلى مصطلحات حديثة في مفاهيم قديمة .. وهو ما لم يمكننا من قطع آليات الفكر القديم"[11]

    ثم إن الباحث الفرنسي عندما أوجد المنهج البنيوي لم يضع في الحسبان هذه الاعتبارات التي استغلتها الشعوب التي لا تمتلك زادا و موروثا لغويا صافٍ لكي تنتج به شيئا يدعى أدبا كالجزائر، و لو أنه وضعها في الاعتبار و أدخل هذه القاعدة في الأساس لأصبح المنهج البنيوي محرّم تطبيقه على النصوص التي يغيب فيها الحد الأدنى من الأدبية والتحكم في اللغة العربية ( مجرد حشد لكلمات أغلبها ملحونة بها عجمة في فقرات و الفقرات في صفحات ) إذن ليست الأدبية المقصودة هنا أدبية تزفيتان تودوروف المتمثلة في تحليل البنية اللغوية والبنية السردية جماليا فأي جمال وأي دلالة قد يقترن بالسرد وباللغة وهي ليست لغة أصلا؟ أي غير سليمة صرفيا ونحويا (تركيبا وإعرابا) وليس فيها من تنوع معجمي يشبه ذاك التنوع الذي نجده عن العرب المشارقة، إذن ليس فيها من روح عربية غير حروفها الهجائية، ولا بد من التفرقة ههنا بين ما تصطلح عليها المناهج البنيوية بمصطلح "أدبية الأدب" أو "الشعرية" أو "جمالية الخطاب السردي الناتج عن جمالية الوظيفة البنيوية، الخليقة كلّها بإجراءات الماهية الخالية من روح المخيلة الإبداعية وبين خطاب اللغة في اللغة بماهيتها وبعبقها، بيانا ونكهة/ذوقا، الخطاب الذي آثار الغيورين على مدونة الأدب والنقد العربين الأصيلين بدءً بطه حسين والعقاد وانتهاءً بشكري عياد وعبد العزيز حمودة، وهنا لا بد من ملاحظة أثيرة تثبت إشكالية كبرى لازالت تشكل منطقة مظلمة في فهم الأدب وهي الإشكالية الجدلية اللغة ـــ المعنى/ الفكر، ولا يسعنا المقام هنا غير الاختزال لأن الموضوع يحتاج لدراسات في مجلدات ومجلدات: فجمال المعنى والفكر من جمال اللغة في الأدب؛ فيها وبها، وليس استغناءً عنها لصالح عناصر السرد، والأدب بهذا المفهوم ليس أبدا إفادة معرفية في غير من ثوب من المتعة وإلا تحوّل إلى مدونة تاريخية، والعلاقة الجدلية تكمن في أنه كلما زادت جماليات اللغة بيانا/جمال المعاني زادت الإفادة المعرفية وكان وقعُها في النفس أقوى (كنتيجة نفسية للانشراح الذي تحدثه) وأضحت هذه العلاقة تشكل أدبا وكلما قلّت تلكم الجمالية قلت الفائدة وخرجت العلاقة بين الطرفين اللغة والمعنى رويدا رويدا من فضاء الأدب.

  وفي الحقيقة البنيوية لم تلتفت لهذه الاعتبارات أو التفتت أيها من زاوية ضيقة وهي عجمة المهاجر ــــ لأن تودوروف نفسه كان بلغاريا مهاجرا في فرنسا ــــ لذلك وجب على العربي الأصيل تحريم تطبيق البنيوية على أدب هجين وركيك بالشكل الذي كانت عليه الجزائر ومازالت ترزح فيه إلا ما رحم ربك مثلما يُحرّم الإسلاميين قراءة نصهم الديني قراءة بنيوية مدّعين أنها تمثل انغلاق العقل الغربي و تمركزه حول ذاته[12] ــــ وهل وُجد آخر بالنسبة للغرب منفتح عليه و غير متمركز على ذاته حتى يفعلوا!؟ ــــ إذن فقد أبهجت البنيوية معشر نقاد الجزائر إلى أيامنا أيّما إبهاج عندما وجدوا فيها فرصة لا تعوض للقفز بأدبهم إلى خانة "التصنيف" مغالطة وانزياحا عن الحقائق، ولم يتوقفوا على ترجمة كل التفاصيل التي تصلهم حولها من وراء البحار مغترين بالتحكم العالي باللغة الفرنسية، فكانت ترجمة عالية اللبس والغموض نتيجة افتقاد الأسلوب العادي ( تعبير جاف لا يوحي أبدأ بأنك إزاء الأدب) فقد سعو إلى نقل الفهم النظري/ المصطلحي دون أدنى درجة من التحكم بمقتضيات اللغة الأم وقد هزئت منهم كثيرا زمرة محمد شكري عياد فحسبوا ذلك غيرة لقلة الخبرة التنافسية النخبوية آنذاك، ولم يكونوا أحرارا بل كانوا مقيدين بالنهج السياسي للبلد الذي يجعل كل شيء تحت عباءته (سياسة ديماغوجية كالتعريب ثم الجزأرة فالمجالس العليا .. )

   فكم أجاز هذا المنهج زورا و بهتانا لشريحة واسعة ممن لا يعرفون كتابة أسمائهم كتابة صحيحة تدوين أسمائهم في قائمة كتاب الأدب الجزائري المعاصر! يكفي شهادةً على أن هذا الباحث هو مشروع ذلك النُويقد الغير المتمرس و المتخرج لتوه بشهادة ماستر أو ماجستير[13] كصاحبنا المذكور أعلاه من معهد اللغة العربية و آدابها يجد صديق له صحفي ركيك اللغة و اللسان غاوي كتابة لكنه واقع تعسفا في صورة "هاوي كتابة" أو ابن عمومته أو ابن منطقته يأخذ روايته يدرسها دراسة أكاديمية/مذكرة دكتوراه ، وهي التي ستلقى ترحيبا و تحفيزا من لدن اللّجان العلمية بحجة واهية غير مدروسة وهي التمكين للمنتوج الجزائري أمام المنتوج العربي! فيساهم في ذيوع صاحبها من ثم نشر و ترسيم الرداءة نقدا و أدبا وهو الذي كتب روايته أو قصيدته الأولى صدفة أو ترويحا عن النفس، فجأةً سيجد عمله محل الإشادة البنيوية إن صح التعبير أكاديميا و إعلاميا!

   2 ــ كيف تعاملت البنيوية مع التاريخ والواقعة الاجتماعية؟

    إن الفكر البنيوي خلق عقب نشأته ثم انتشاره رفضا و تعصبا ، بل نقاشا و صراعات فكرية حادة بين الحداثيين و الإسلاميين في الوطن العربي لأنها أطلقت مقولة موت المؤلف ، و شنّ عليه الإسلاميون و مازالوا حملات مسعورة مليئة بالمغالطات العلمية المدروسة منها ما اكتسى طابع النقد العلمي المنضبط من قبل إسلاميين فترة السبعينات و الثمانينات لكنه سرعان ما أخذ طريق اللا انضباط و اللا دقة العلمية بعد ذلك بخاصة في الجامعات الإسلامية ؛ يطرحون فيه على طلابهم و لغايات تعليمية حقائق مغلوطة عن أصول البنيوية و غاياتها كجامعة غزة الإسلامية أو جامعة الأندلس الإسلامية آخذين إياها بدورهم عن غلاتهم المتعصبين اتجاه علوم الغرب المادية حين يقول أحدهم : "و البنيوية عند ظهورها لا تعتبر اتجاها مماثلا و موازيا للاتجاهين الرئيسيين الموجودين آنذاك في أوروبا ( الشكلانية و الماركسية ) بل تعد منهجا تفرع عن أحد المنهجين السابقين أو كليهما"[14]

    ولعل حقيقة الحقائق التي لا تقبل المجادلة و التي لا يسمح موضوع مقالتنا من الاستفاضة فيها ، هو أن للفكر البنيوي أصول فلسفية و هو الذي انبرى مع ثلة من المفكرين : إيمانوال كانط ، لوي التوسير، أوجست كونت ، رومان جاكوبسن ، كلود ليفي شتراوس نقض أطروحات المدرسة الفلسفية المثالية ( أفلاطون ــ شلنج ــ هيغل ) التي تقول بالروح المطلق أو أولوية الفكر على المادة في منهجها و أطروحات المدرسة المادية أيضا التي ترى العكس بأن المادة هي التي تحث الفكر و بدونها لا يحدث التغير و الارتقاء و هو التفسير المادي القائم على صراع المتضادات أو المتناقضات ( ماركس فيبر ــ كارل ماركس ). إذن بين النظرة الإلحادية و الشيوعية التي تلغي تماما دور الميتافيزيقا أو ما أصبح يعرف بعلم الميتافيزيقا و بين الفلسفة المثالية و المدارس الكاثوليكية و المذاهب القريبة منها نشأ الفكر البنيوي من رحم الفلسفة التجريبية و العقلية محاولاً ردم الهوة بين المدرستين الفلسفيتين الأشهر في أوروبا آنذاك مع الوجودية[15] طارحا مرتكزه الأساس و هو أن الذات المتعالية /الله لا تعني هذا الفكر من قريب أو بعيد و هو لا يرفضها كالفكر المادي ( ليس إلحاديا ) لكن يحيدها عن العملية العلمية إلى مضاربها المرحبة بها وهي الطقوس والاعتقادات الروحية، من ثمة تجاوز إشكالية أن الحقيقة /المعنى كامنة في الداخل/ في بنية الطبيعة و بين أن تكون كامنة في الفكر/ في خارج الكون ، دافعة بهذا الصراع الثنائي إلى الظاهرة في بنيانها و نظامها المشيّد و دون ذات متعالية ؛ لأن الفكر الديني يهوديا أو مسيحيا أو إسلاميا يناقض العقل أما النظرية البنيوية فترد مصدر الأفكار الدينية ردا عقليا بنيويا ألا و هو التضاد البنيوي المميز للطبيعة الكونية و ليس الوحي أو الإله كما يزعمون. على أن ليس هناك انفصاما بين اللغة و العقل/الفكر بل تكاملا يُستقصى من خلال ثنائية دي سوسير الشهيرة دال ــ مدلول أي أن المعنى تابع للبنية ، لا وجود تصورا للعالم من دون مادة ، ولا نجد أفضل من الفيلسوف بول ريكور لدحض أقوال الإسلاميين المغلوطة اتجاه الأصول الفلسفية للبنيوية و حداثة الغرب عموما، التي أعطتها دون أدنى شك البنيوية دفعا قويا، زاعمين أنها مجرد اتجاه لقراءة النصوص الأدبية حيث يقول : " نميز هنا بين البنيوية الفلسفية عن الألسنية البنيوية .. لا شك أن البنيوية الفلسفية تنطلق من هذا التفكير و لكنها تضيف أطروحة حول الواقع الذي لم يعد يشكل أطروحة عند الألسنية بل عند الفلاسفة"[16]

   و لعلّ ما أمد النظرية البنيوية أكسير حياة كي تنهض و تخرج من كونها مجرد فكرة فلسفية مكتسحة مختلف العلوم رافدان من العلوم الإنسانية؛ بالتحديد من للغويات و هما : أبحاث فرديناند ديسوسير Ferdinand De Saussure  في قوله بالنسق أو النظام في دراسته العلمية اللغة و المدرسة الشكلانية الروسية على يد رومان جاكُبسون Roman Jacobson الذي يعد أول من نطق اسم البنيوية أثناء المؤتمر الأول الذي خصصته حلقة براغ للأسلوبية عام 1929 ، وهناك من يضيف لهما تحاليل سيقموند فرويد النفسية. أما أن تأتي المغالطات غير المحسوبة العواقب بل القفز بالطلبة و الناشئة نحو المجهول احتكاما إلى تيارات إسلامية متطرفة أينما كانت ، وإذا بنفس الباحث ( بلعفير ) يغض الطرف عن هذه الحقيقة مستهدفا نشأة البنيوية في بحثه بقوله : " وقد شهد القرن 19م الكثير من التطورات في علوم مختلفة .. ثم تلا بعد ذلك بدايات القرن اﻠ 20 ظهور عدد من النظريات و الآراء العلمية كان لها دور كبير في تطوير تلك العلوم .. و وصلت إلى نتيجة أن الظواهر العلمية ذات طبيعة معقدة ، و منذ تلك اللحظة ظهر لعلماء الغرب حقيقة وهي أن العالم كله مبني على أنظمة تسير عليها أموره جميعها ، وأطلقوا مقولتهم المشهورة التي تقول : لكي نستكمل معرفتنا عن العالم ينبغي أن نبحث عن بنية النظام"[17]!!  بل الحقيقة الغير خافية على كل ذي لب هو أن البنيوية نظرية علمية و منهج من مناهج الحداثة الغربية صالح للتطبيق على كل العلوم، بخاصة النصوص الأدبية فإذا ما صادفت الفكرين الأيديولوجيين المادي و المثالي في طريقها تحللهما بوضعهما على طاولة التشريح العلمي الدقيق وحده و على مسافة واحدة و على قدم المساواة. و هي النصوص الأدبية التي تقبل بها البنيوية فترسّمها فعلا نصوصا أدبية، و ليست كبنيوية الجزائريين الخاصة التي حاولت و ما زالت تحاول غشنا بأنها بصدد النصوص الأدبية أو شيء من هذا القبيل مستغلة مقولة موت المؤلف بيد أنها في الحقيقة بصدد صفحات من حبر القلم على بياض الورق ليس إلاّ.

      لقد فهمنا أن المناهج الشعرية والبنيوية تستبعد نهائيا من فكرها الحكم على نص إبداعي ما سواء حكم قيمة إيجابي (مدح) أو سلبي (ذم ) طيب لكن الإشكالية ليست هنا فالإشكالية كل الإشكالية التي لا نجد لها حل غير تجاوز هذه المناهج (في حالة بلدنا الجزائر والمغرب) هي أن هناك شعوبا لا تحسب على هذه اللغة ولا على هذا الأدب التابع لهذه اللغة بالمرة، أي أن اللغة العربية دخيلة على مجتمعاتها الأصلية وبقيت هكذا دخيلة عليه نتيجة عوامل التاريخ كالاستدمارات المختلفة فلم تستوطنه لما استوطنته إلا وهي مُهجّنة وقد ضاعت هويتها الأولى التي دخلتها بها، إذن لا يمكن أبدا أن يقبل عاقل بأن يعلّم السي حميد لحمداني والسي محمد مفتاح والسي الدغمومي مصريا، أيا كان، من الجيل الحالي أو الجيل السابق النحو والترجمة، أبدا هذا غير مقبول بل هذا هو حكم القيمة البشع جدا لأنه بغض النظر عن الغرور  والعصبية يتجاوز عرفا أخلاقيا وهو احترام الكبير والدا أو أخا، ثم ما هي آليات التحليل الشكلانية البنيوية التي غرتكم إلى هذه الدرجة أوليست غير آليات جافة صماء تتلاعب بالدلالة وتقلبها كما يقلب الجائع مائدة عامرة بأنواع الأطعمة ولا يستهدف منها شيئا ظانا أن بعضها فاسد، فأين الفائدة العلمية؟ ويحَكُم إنكم لم تصيبوا جوهر الأدب بعد أربعين سنة ضياع وتيهان عن جوهره وهو المعنى الجميل!! لا بد وأن تذوق وتحكُم حُكم قيمة وإلا مت من الجوع، مع ذلك اكتسبتم كِبر مرضي قرين الجهل والتشيطن والتقوقع ــ ثم أوَ يجوز أن يقول الابن الصغير لوالده و شقيقه الأكبر أنا أسبق منكما لِثقافتنا وأصالتنا؟!  نفس الشيء ما عمله لحمداني مع النقاد المصريين روادا أو تلامذتهم في كتابيه " سحر الموضوع" و" بنية النص السردي" باسم نقد النقد! وقلده في ذلك أغلب نقاد المغرب والجزائر الذين جاءوا بعده بل حتى المتخرجين الجدد من صبية وذرارٍ لا يعرفون معنى كلمة أدب حق المعرفة لكنهم ساروا في هذا المسار أيضا فلبئس ما أنتم فيه من عمى وعدم اكتمال كفاءة، فمصر بالنسبة لجميع الدول العربية الأخرى بمكانة الوالد أو الشقيق الأكبر، إذن حاكِم نفسك وتواضع قبل أن تحاكِم غيرك، وبينهم وبينك ليس قيمة حُكْم أو حكمين بل قيمة نصف قرن من الأدب الراقي، بإيجاز عاش من عرف حق قدره.

الخاتمة: تجاوز النص الأدبي للمنهج البنيوي

   دائما طوية الإنسان لا تبدي المساوئ و لا المحاسن لكن عدم كفاءة المرء تجعله يقرأ الطالع أو المظاهر، وتتضح بكل يسر في ثقافة العذر وقد تعوّد و تربى بل تعلم وتثقف الأستاذ الجامعي عندنا على مذاهب المادة، فلم تقم حياته كلها إلا على التفاسير المادية ؛ إن رأى شخصا ضامرا نائم العينين قال عنه كسول مهمل وإن رآه بدينا كثير الشطط قال عنه هذا مجتهد، وفي كلتا الحالتين قاسَ تصوره على الفكر المادي أو البنيوي الذي كما يعلم غير المنتسبين لتخصص الدراسات النقدية أن النقد الأدبي المعاصر كله جُعل لا يساوي شيئا بدون الفكر البنيوي ( المادي النزعة : الدلالة أو الفكرة تنضح من تقليب علاقات عناصر البنية بعضها على بعض أو مع بعض ) وهذا التفسير للعالم بعين المادة إنما ينم إذا ما نم عن أن صاحبه ذو علاقة مضطربة بالأدب لا يقيم وزنا لشؤون العاطفة و الذات فيه، برغم كل ما لحق من الفكر/ النقد البنيوي في العشرين سنة الأخيرة من ضربات موجعة ضربة تلو أخرى حتى غدا يعيش سنواته الأخيرة أمام النقد الثقافي وتحليل الخطاب ونقد جماليات الاستقبال إلا أن أصحابه بجامعتنا "الأم" مازالوا متعصبين لمن يحملون إبداعا وذوقا للأدب في أنفسهم، النسبة القليلة تعلم ذلك وتتعصب للعلم من هاجس يعتريها ضد القيم الدينية، والنسبة الأكبر تعلم وتتعصب ضد البلاغة العربية بالتماس هاجس الجهوية أي لديهم هاجس جماليات التطبع من بلاغة و فصاحة وذوقية خاصة للأدب العربي ( وهي كلها غير جماليات الشكل أو جماليات الوظيفة الشعرية) كون أن المتمكنون المتذوقون للأدب أناس ريفيون بدويون سنة الله في خلقه.

 وتغطي على ذلك بخبث أي بذريعة أنّ لا ذاتية ولا ذوق مع المناهج العلمية، هذه التغطية سرعان ما تظهر سيماتها على شكل الأستاذ: سيمات تستطيع أن تقرأها بكل سهولة على أنها من دلالات اللا نزاهة، واللا نزاهة من دلالات التشيطُن؛ فالمنهج البنيوي السيمياء أو السيميولوجيا كما تسمّى في الطب وعلوم المادة من المستحيل أن تعزل دلالات ومعاني الوحدات الوظيفية نقيةً غير مُمتزجة بخلجات نفس صاحبها في الأدب بينما في الواقع المحسوس يمكن بكل سهولة استنتاج أن علامة الالتهاب وجود البكتيريا، وأن علامة الأستاذ الذي لم تغادره علامات النوم من انتفاخ العينين وتعب يرافق الكلام وهو على مقعده أمام الطلبة بأنه قد سهر حتما سهرا فيه سمر وترويح عن النفس (لذة) والعاصميون أغلبهم لا يحملون هذا الذوق ( نقيس على العام وليس على الخاص ) لأنهم من سكان العاصمة، تجدهم يجيدون الفرنسية كما يجيد البدوي والريفي اللغة العربية و يعاملون الموقف بوجهين، فلو تنقلنا إلى أقسام اللغة الفرنسية بجامعة الجزائر2 لوجدنا أساتذتها يوظفون شيء اسمه البلاغة وتذوقها في الفرنسية ساخرين ممن لا يحوزها قائلين له: إن الشيء الأساسي في اللغة هو قواعد النحو والمعجمية الواسعة حتى تتاح لصاحبها بلاغة ! ولا تسمى هذه الثقافة بثقافة الفساد أو المعاملة بوجهين أو الأيديولوجيا حتى نكون دقيقين بل تسمى تشدقا واحتقارا نفسيا تاريخيا للآخر، أو بعبارة جامعة تسمى العنصرية، عنصرية التفوق بالقوة على الآخر.

    وهناك من النقاد الأكاديميين جدد أو مخضرمين على غرار يوسف وغليسي مثلا وعثمان بدري لم ينقطعوا لحظة عن مدح ومُمَالأة المغربيين بشكل مفرط، لما استقبلوا النظرية النقدية الجافة الغربية بعواهنها فلم يشذبوها ويدخلوا عليها شيء من ثقافتهم قط تحت حجة تنم عن عدم الأصالة وعدم تقدير للتاريخ النقدي والأدبي الذي بلغه مشرق الوطن العربي، فتلامذة ذلك النقد و الأدب لا بل حتى رواده كانوا في المغرب العربي بعد استقلاله يعلمونه العربية؛ ثم إنه لو لم يكن التفسير التاريخي للأدب هو الغالب المعمول به لما جيء بالبنيوية، فالبنيوية التي أهملت السياقات التاريخية جاءت على أنقاضها وتلاشت رويدا رويدا تحت ضربات رياحها، هذه الشماتة لم يتفطن إليها هؤلاء النقاد المحسوبين على النقد العربي تطفلا إلا بعد خروجهم من تحت تأثير نشوة الانبهار بالفكر البنيوي مؤخرا انبهارا من ليس له اصل ولا فصل يرجع إليه يقيه من عمى البصيرة، وهو في هذه الحالة لا يمكن أن يكون غير التراث الأدبي السردي والنقدي الأصيل الشاهد، ثم إن هؤلاء المشارقة برغم هذه الشماتة ربتوا على كتف الشامت بيد العاقل للأحمق أو الكبير للصغير، ويكاد لسانهم ينطق لولا الأصول: اذا أكرمت الكريم ملكته واذا أكرمت اللئيم تمردا.  

    وخلاصة الخلاصات أن البنيوية كفكر وكنزعة علمية حداثية هي في هذه المرحلة ما زال ينظر إليها في المشرق العربي على أنها نزعة إشكالية انتكاسية للحضارة أكثر منها اضائية لا بد من التعامل معها باحتراس ويقظة تامتين، بينما ما زالت تضطهد الأدب والنقد الأدبي في المغرب العربي وبنسبة عالية. 


[1] ـ صحفي مستقل، وباحث في النقد الثقافي والنقد الأسلوبي

[2] ـ حتى لا أتهم بعدم العلمية أو عدم احترام خطوات المنهج (نقد النقد أو التنظير للبنيوية) أقول أن هذا المقال هو مقال رأي إعلامي تحليلي فالبنيوية مدرسة فكرية ليست حكرا على زيد أو عمر من العلوم. والإعلام كما هو معلوم هو العلم الوحيد الذي ليس له موضوعه الخاص.

[3] ـ كارلوني وفيللو : تطور النقد الأدبي في العصر الحديث، ترجمة جورج سعد يونس، دار مكتبة الحياة، بيروت 1963 ، ص42.

[4] ـ ينظر : الفصل الأول : الدراسة النظرية ، بحث دون اسم صاحبه  متيسر على شبكة الأنترنت ، ص5.

[5] ـ صلاح فضل : علم الأسلوب مبادئه و إجراءاته ، دار الشروق ، القاهرة 1989 ، ص142.

[6] ـ زكي نجيب محمود : قشور ولباب، مؤسسة هنداوي، طبعة 2020 ، ص40.

[7] ـ عماد محمد : اتجاهات الصفحات الأدبية في الصحافة المصرية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي صحيفة الأهرام نموذجا، رسالة ماجستير، جامعة عين شمس، 2010 ، من المستخلص.

[8] ـ ينظر  زياد بوزيان : قـيّم الإنسان بين الـزمـن الجميل و زمــن الشّدة، موقع دنيا الوطن ، تاريخ النشر 9/11/2018   ، العنوان: https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/477350.html

[8*] ـــ عبد الله الغذامي: النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2000، ص31.

[9] ـ صلاح فضل : علم الأسلوب مبادئه و إجراءاته ، ص127.

[10] ـ هانس روبرت ياوس: جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي ، ط1 ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2004، ص8.

[11] ـ سعيد السريحي: "أوهام التلقي للفكر النقدي الحديث " ورقة مقدمة في ندوة المناهج النقدية المعاصرة ، الرياض 20/7/1437 .

[12] ـ ولو نظرنا بإمعان من هذه الزاوية الدينية والتي قبلها "الزاوية للا مبالاة إلا بالذات : العنصرية" سنجد فعلا أن البنيوية مثلت قمة تمركز الإنسان الغربي حول ذاته، تمثلت في مركزية صنعت لنفسها قداسة ما، تصنع القرار ولا يُصنع لها قرار، تحتفي بذاتها ولا تحتفي بالآخر، فلو كانت البنيوية علما كونيا لأستغرق التنظير لها قرنا من الزمان أو أكثر بحيث يبحث في خصائص الفكر الإنساني واللغوي من أقصاه إلى أدناه بما في ذلك الشعوب المضطربة الهوية ولا يذوي هكذا بسرعة شاكا في نفسه بمجرد أقل ضربات نقد موجهة إليه، فالفكر البنيوي اكتشف فجأة خطء مبادئه ومرتكزاته العقلية، ويضيف ماهر مسعود في بحثه الموسوم الحداثة وتجلياتها في المنهج النقدي لدى صادق العظم ، ص5 :

كان الفكر البنيوي في مجمله محط نقد وانتقاد فلاسفة ما بعد الحداثة من أمثال ميشيل فوكو وجيل دولوز وجاك دريدا وليو تار وبودريار وتوماس كوهن وكارل بوبر وبول فاير باند وغيرهم، وقد انتقد هؤلاء جميعاً المركزية الغربية بما تحمله من مركزيات الإنسان والذات والعقل والدولة والسلطة والقضيب الخ، واعتبروها جميعاً من آثار ميتافيزيقا الحداثة ومنتجاتها، داعين إلى اللاعقلانية والفوضى والتشويش.

[13] - نحن دائما نعنى بالاهتمام بالنقود والدراسات الأكاديمية لأن ترسيمها لواقع مزيف يخص النقد والأدب في الجزائر يكون أشد خطرا / أشد بطلانا فهي تمثل مؤسسات رسمية ولا محيد عنها بالنسبة للقراء عكس المشتغلين بالنقد والأدب في الصحافة و مديريات الثقافة.

[14] ـ محمد بن عبد الله بلعفير : البنيوية النشأة والمفهوم مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية الاجتماعية ، عدد 15 مجلد 16 ، جامعة صنعاء ، سبتمبر 2018،  ص234.

[15] ـ المدرسة الوجودية فلسفة العبث بلا معنى من ناحية الفن و الأدب و الحرية تعلي من ذاتية الإنسان كما يثبت ذلك زعيمها جون بول سارتر: أتقبل البنيوية متى بقيت في حدود المنهج أما إذا تخطت ذلك ، فإنها تخطت حدود شرعيتها فالبنيات لا توجد من عدم وإنما هناك من أوجدها ألا وهو الإنسان إذن كيف يمكن القول بثبات البنى والإنسان يخلقها باستمرار.  ينظر محمد سبيلا و بن عبد السلام : الحقيقة ، ط2، المغرب 1996.

[16] ـ بول ريكور : فلسفة اللغة ، ترجمة علي مقداد ، مركز الإنماء القومي ، بيروت 1979 ، ص24.

[17] ـ مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية و الاجتماعية : عدد 15 مجلد 16 ، سبتمبر 2018،  ص232.


لتحميل المقالة منقحة ومزيدة انقر على الرابط 1:


https://www.4shared.com/web/preview/pdf/4ubsBvuGea?


مقال مشابه ومكمل لهذا المقال على الرابط 2:

https://www.scribd.com/document/424487477/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84

للاستزادة اقرأ في السياق ذاته المؤلفات : "المرايا المحدبة" لعبد العزيز حمودة  و "بؤس البنيوية" لليونارد جاكسون و "الوعي الحضاري وأساطير التصور" لناجي رشوان. 

author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات