رسالة الأرض إلى السّماء
وفيما كان فيه من انتظار أحر من الجمر لرسالة من الرسائل التي كان يتوقع وصولها من حين لآخر، تيقن في لحظة من اللحظات أنه كمن ينتظر عودة ﭭـودو، أجل تيقن أنها رسالة لن تصله أبدا، وكان أبوه غالبا هو من يحمل بها إليه مباشرة من عند الساعي أو من عند أحد الأقارب أو الجيران، إنها اللحظة نفسها المأمولة وغير المرجوة في ذات يوم صيفي طويل وحار، أين كالعادة ولجتُ فيها المطبخ بيد أني ما إن تعديت عتبة الباب حتى رأيت من على بضع خطوات وعلى فرن المطبخ الرئيسي شيئا ما يشع؛.. نور خافت.. حتما ليس منبعثا من نار الفرن بل كأنها هالة لقائي برسالته الطائل انتظارها، فمصدر النور مُنبعث من المكان الذي عادة ما كانت توضع فيها رسائله هذا المسكين.. ربما تكون هي ربما لا، لا بل هي، وقد أضاءت الغرفة المظلمة بنورها الأصفر الذهبي، وهل تضيء الرسالة عالم مظلم من حولها.. وكيف ذلك؟ إلا إذا كانت.... رسالةً طرد؛ تحوي شرائح اصطناعية ما مشعة.
وكأنه قد جاءه الإِلْهَام في عُزلته، صاحبنا الشمردل ليتوهم أنها رسالة من عند "الله" وقد شملته بالصفوة عندما أخبرته للتو بها، ذلك لأن الكلاما لذي من المفروض أن يُلقي به اللَّه فِي أفئدة شمردلاته لإنارة الطريق أمامهم، لكن إلى ما يوحي إِلهام الشّعر الشمردلي؟ أإلى مقام مدرك لصُوَر وأَفْكارٍ ومعان تتداعى وتشتبك بالتّخلي والتّحلي والتّجلي؟ مقام هو في مقام التزكية بحمل الرسالة النور لمقاومة الشطح وإغراءات المحاسن للنفس وتجميلها بالحضرة أحيانا، أبدا فتداعياتها تشير إلى غير ذلك تماما. لكن هذه الرسالة مكتوبة وموقعة وليست من ذلك النوع الملغز الذي تعودنا فك طلاسمه في قراءتنا له قراءة دينية أو أدبية ثم لا نعود نمسك بحقيقة صاحبه من شيء إلا أن يكون مجنونا مسجونا في زمان ولى.
ــــ "افتح الرسالة عِوَضه وانظر ما بها يا صاحب الشمردل" قال صوت بلا جسد ولا هوية، لا من هو وراء حجاب، ولا هو من وراء سحاب، بل وكأنه مصوّب الصبوب في شرايين الفؤاد الأيمن..
ــــ لا، سأخبره عنها، هاك رسالتك يا شمردل، إنها لك ومازالت تشع كأن حروفها من ذهب موسّم.
ـــــ ولِمَا أنا ولِمَا جاءتني أنا بالذات؟ وأنا لا أعرف مرسلها.
ـــــ أولم تقل أنك بانتظار رسالة؟
ــــ ولما اختارتني أنا من كل الناس؟.. ويبدأ بالقراءة ويمعن النظر: كلام مبهم وملتبس حروفه كأنها آرامية.. يقول: " صه (حلقة) مه (مثلث) زه (سهم).. لقد قاطع العرب اليهود طويلا مع العلم أنّ يهود اليوم ليسوا هم يهود الجاهلية الأولى، بل هم اليوم دولة وشعب علماني متحضر في أغلبه، ومازالوا متعصبين في مقاطعتهم له، يكدون ويحقدون على كل من يرفض ممانعتهم ممانعة الجاهلية الأولى فإلى متى هذا الوضع سيطول؛ لا تطبيع ولا تأويل، إذن تنتظرون أن ينزل الله ما يدمر به إسرائيل حقا من السماء.. فلينزّل فنحن معكم من المنتظرين.."
ولكن ما مناسبة هذا الكلام؟ لا تلزمني السياسة.
ـــ قالت الرسالة: أتعرف من هو أعظم رسول على هذا الكون؟
ــــ قال: لا
ـــ قالت: إن أعظم رسول عرفناه هو ذاك الذي جاءت به رحم الغربية، أجل إنه ذاك الذي حمل زوادته وانطلق منذ ما يقرب من القرنين أو أكثر يعمل ثم يحفر وينقّب حتّى إذا لم يجد ذهبا أو ماسا أو حتى نحاسا طفق يقلِّب الأرض، ويزرع الحبوب والخضروات، ويربي العجول، ثم يكد ويكد حتى عمل من حقول الذرى وبراري العجول السمينة السارحة حولها مملكة الرأسمالية الحديثة، فقلي يا شمردل ماذا فعل رسولنا الشرقي الذي ولدته أمّنا الهند؟ ماذا أنتج؟ لقد حمل لنا كلاما عن الرّب يدعو إلى التسليم بالقضاء والقدر أليس كذلك؟ ثم نشر السلم والعون أول بأول، والتسامح بالمؤلفة قلوبهم، ولم نراه بعد ذلك بعد أن ضمّ إليه مقاطعات ومقاطعات مستودعاتها بماشيتها، انظر هناك إلى ماذا صنع ذلك الرسول الغربي؟ إنه قد هدى شعبه خير هداية عندما أمنّه سوء عاقبة الجهل والفقر.. ثم ماذا؟
ثم لم يدعو أحدا إلى الوصايا العشر، ولا إلى العُليقة، ولا إلى جبل الطور، ولكنه دعاهم حيث لا وعظ ولا تضييع للوقت، دعاهم إلى لا ظلمات ولا نور حتى لا يتحججون بهما فيما سيدعوهم إليه، قال لهم بالحرف الواحد يمكنكم في يوم من الأيام أن تشيروا بالبنان إلى جدار بيتكم حتى يستضيء درب ليلتكم ويغدو عملكم من غدكم في سؤدد، وحتى لِتؤمِّنوا مشوار عمركم من صباحكم الشتوي العاصف إلى مسائكم المرعب، وإلى أرذل عمركم، تجدون كل شيء عند قدميكم بالعلم والعمل فقط،... أولم تعلم أن لهذا الرسول الغربي ومنذ أن تسلم رسالته منذ قرون ثلاثة ونيف، أي منذ العام 1798 له شقيق يصغره وما من شيء يشغل هذا الشقيق غير متاهات العلم فمنذ أن أصبح عالما كبيرا اخترع المحرك البخاري، والميقاتية، ثم الكهرباء ثم وثم.. إلا أن غيّر بابتكاراته المتتالية حياة العالم، لكنه لولا بُقُول شقيقه الأكبر ما كان ليسلّم لنا فكرة مضيئة واحدة ناضجة يضيء بها مصنعا من مصانع شقيقه، فقُلي بربك ماذا قدم رسولنا الأعظم الذي ولدته أمنا الهند للبشرية؟
أجل، هناك من هو في طبعه أناني مزاجي مثل "القذافي" وهناك من هو في طبعه انضباط في انضباط، فإذا كان الأولى به أن يُصنّف ويبوّب مدوّنة النقد الأدبي عَلِم أنه كان الأولى به قبل ذلك أن يصنف ويبوب مدارس الفلسفة التي انبثقت منها تلك المناهج، وهو بذلك أعدل العادلين. عندما يرجع السبب إلى مسببه بالتدرج دون قفز، ولو أن رجلا ذكيا من هذا الصنف قدم من بلاد الغرب إلى بلاد الإسلام ليدرس عندهم ما كان ليُقسط في ميزان العدل، فلا يُمنح درجته العلمية التي يستحق وتلك هي المزاجية التي نقصد، بينما لو حدث العكس وذهب رجلا منا إلى الغرب وكان فقط يطبق ما يُطلب منه ـــ برغم عقيدته ــــ فإنه سيُمنح علامته الكاملة، ولا يكون لأصله أي دور، وقد اتُّفق في سالف العصر والأوان أن كلبا وذئبا انعطفا إلى الواد بغية الشرب فألف كل واحد منهما الآخر حتى إذا ما تشاجرا وتخاصما بأصليهما وفصليهما؛ تسابا وتلاعنا لعانا شديدا فاحتكما كليهما بأمرهما إلى النسيم العليل فقال ما خطبكما؟:
قال الذئب: ــــ إن الكلب لعن ملة الخنازير والدببة لأن بوجودها في الحرش حماية لي من الإنسان كما قال.
ــــ ثم ماذا؟ قال النسيم العليل وهو يشير إلى الكلب.
ـــ لقد لعنَ هذا "الكلب" الكلب الإنسان الذي يأويني ويقضي حوائجي وقال إنني لا أساوي أي شيء بدونه بينما هو يساوي كل شيء بدونه.
وكذلك هو شأن المخلوقات على وجه البسيطة ترفع بشكواها إلى أعدل العادلين نتيجة الظلم الذي يلحق بعضها البعض مزاجا، فأنتما أيها النسيم العليل مع صخرة الوادي الضخمة التي تعترض مياه الواد فتتطاير إلى كل صوب فتلد النسيم والمياه جارية مجرى لا يحبه النسيم العليل الرابض فوق، فوق عند رؤوس قمم أشجار السرو والصنوبر العالية.
ــــ "فإذا تشاجرتما واختلفتما فإلى من ترفعون بشكواكم؟" قال الذئب المبتسم وهو يهمز ويلمز ويتشكى من الكلب المنسحب إلى ديار ولي نعمته بذل ومهانة.
ــــ "إننا لن نرفعها إلى أي أحد، فمنذ مدة كنا أصغينا صدفة إلى حوار حطاب فقير مع ربه ودوّنا ما دار بينهم وأرسلناه كرسالة شكوى إلى الله" قال النسيم العليل، ووافقه صخر الوادي مضيفا: أجل أجل نحن الجمادات أكثر مخلوقات الله التي تستحق ربها على هذا الكون.
لقد خرج حطاب ذات يوم من بيته وهو يشتكي رافعا رأسه إلى السماء ويقول لِمَ خلقتني وكنت لا شيء.. لِمَ قتلتني يا ربي وكنت أطمع أن أخلد على الأرض؟
فسمع الحطّاب لتوه الرد من لدن الرب "الله" مباشرة:
ـــ خلقتك لأحاسبك.
ــــ وعلى ماذا تحاسبني؟
ــــ بعملك أحاسبك، وعلى كل ما اقترفته من ذنوب وشرور.
ــــ وما هي الذنوب والشرور؟
والآن حان الوقت لأُخبر ــــ قدّست عظمتك وهاب جلالك ـــ جميع الخلق، وإذ أنا أفعل خلد بعقيلتي للتو هؤلاء القوم أجل، وإن لم يكونوا ذوي فضل علي في يوم من الأيام، بل هم من غزو بلاد أجدادي واحتلوها وعاثوا فيها فسادا بمعونة أجناس تقاسمهم الشرور نفسها، الشرور التي يحسبونها صفوة واختيار من لدنك.. ربي إني علمت أن بعد أن دخل الفرنسيون داسوا على تراب هذه الأرض الطاهرة الشريفة بما أفِكوا ولفّقوا ودسّوا وأجرموا، فقد أسلموها لهم بنية النيل من بعضهم بعضا. ولما تقاتل الجمعان تقاتل الأكثر شرا بينهم وبقي الغزاة الفرنسيون يتفرجون ويكتنزون خيراتها.
رفع صوته الحطاب الشيخ إلى أعلى قائلا انصتوا إلي، أنا الصمت و.. والرهبة.. أنا الصمتُ القوةُ لا ريب، أي نعم، أنا الذي انشقت السماوات وتزلزلت الأراضين كلما هبط أو صعد، أنا المجلجل والكهنوت والرعد وكلما دار هنا أو هناك من الخشنة والقهر والجبروت.
ـــ "هاهاهاها.." أحد الشباب المارين ضاحكا: وأين الصّمت يا شيخ أرذل العمر أم أنك حلاج عصرك؟
ــــ هناك في أعالي الجبال اتبعني ستراه بأم عينيك، وقد سجلته على الفيديو لما عشت هناك أربعين شهرا لا أكلم إلا الصمت والطيور والكهنوت، أكلّمهم من صلب كلام الصّمت ما لا تعلمون.
ثم تبعه إلى حيث بيته في أعالي الجبل غير أنه عندما وقع الشاب في الحفرة التي حفرها له الشيخ الحطاب أخرجه منها وضربه أبرح الضرب ثم قال له: أتعلم من أنا؟: أنا الصمت.
ــــ قال: نعم الآن علمت أنك أنت الصّمت بلحمه ودمه.
ورد الحطاب: ـــــ لو علمت أنّهم كانوا إذا ما انتسبوا إلى الحقل الأخضر الذهبي انتسبوا إليه كما تنتسب الحمي...ر لَمَا تبعتني كما تتبع الدابة صاحبها وعلى كل حال أعزكم الله قد ارتأينا نحن معشر الفلاحين الحاملين على يد لمناجلهم وفؤوسهم وعلى يد كراساتهم وأقلامهم الذهاب إلى قسم القرية الذي أعده عمدتها لهم لمحوا أميتهم لكننا عدلنا بمجرد أن رأينا حمارا يسرع إلى حقل القمح فهرول خلفه أستاذنا قبل أن نشير له أن يفعل وأقصاه منه، وهو يقول لو أنك لست حمارا ماكنت تركت برية الحميضة وذهبت إلى حقل القمح، الآن سأضربك ضرب عاقل قبل أن أعيدك إلى الخلاء هناك وأربطك فيها لأنه مرتعك المناسب لعلك تعقل وتعود تقدر الأشياء من تلقاء نفسك، ثم تقدم إليه أحدنا وحياه وقال له: ـــ اُترك عنك يا أستاذ ما هذا بعملك هذا عملنا.
ــــ فرد قائلا: بل هذا من أقدس أعمالي في هاذي الحياة؛ فإن خيرا من يعلّم الحمير هم الأساتذة والمعلمين..
..أولم تعلموا أنهم كانوا إذا انتسبوا إلى العربية ليعلموها لغيرهم علموها لهم بحجة باطلة لا تخلوا من المكابرة والمعاندة؟ لأنهم لم يُصافوها يوما في تاريخهم.. وحتى إذا خلو إلى شياطينهم قالو نحن لا أحد يعلمنا في العربية استكبارا وتحقيرا للفضاءات الأخرى المفارقة لهم والتي قد تكون تاريخيا أفضل من فضاءهم في العربية.. وقالوا حينئذ بتبجح وكبر زائد: هذه العربية! فكيف لا نكون نحن ليس من يعلمها لهم؟ أما المعلَّمَون فكانوا إذا ما جاءهم من يعلمهم العربية قبلوا به على الفور ولم يكابروا أو يعاندوا مثل ما عاند معلّموهم ذلك أنهم منتسبون حقيقيون لها إلا أن قلة زادهم من اللغات الأجنبية جعلتهم يفتقدون لشطح الفكرة التي تخيل لصاحبها الكمال والقوة والرياسة من ثمة النرجسية التي توهم بالأفضلية..
ولما سمِع الشمردل هذه الاستطرادات كلها خر ساجدا متأملا الأرض ومتفرسًا التراب بقبضة يديه يجمعها ثم ينثرها ثم انتصب قائلا: ربي إنّ مهنته كانت حطابا مع ذلك كان خير حكيم على هذه الأرض.. والآن مُستعد أن أضرب الآن الآن مئة نعجة ونعجة! وأن أسوق الخراف إلى الجهة التي لا يوجد بها كلأ وأن أسبق في وجه ساقية القرية الحاملة لخِرءتها، مستعد ربي أن أبيت في جهة الكلأ وأضرم النيران في صوف الخراف وأهزهز بعنف أي مهد للحياة، مهد الحياة كان بالأمس حين يدق جرس الكنيسة خمسة وعشرون دقة معلنا عن صلاة الجنازة على مئة نعجة ونعجة مضروبة ضربات خوالٍ بضع وعشرين حزمة كلأ تنتظر القطع والتجفيف.
(.... أم تراها تقطع قلب سماء حزنا على هلاك القمر حتى الغرق بعد سقوط مفاجئ له على وجه زمان البحر وفكه الحاد الذي لا يحاد....)
ــــ "ها قد عملت عملها فيك رسالة السماء أقصد الرسالة الأرضية" قال صاحب الشمردل
ــــ أجل، الذات من الله عندما لا تصافي الأيديولوجيا، أقصد من الأرض، من التراب، أولم يقل الأولون "الذي خلق ما يضيع"؟ أين أنت أيها المختبئ تارة خلف هامتك وطورا خلف ذاتك؟ ما رأيتك بعد ذلك اليوم إلا كما ترى الطلاسم، أو بالأحرى كما لا ترى الأشباح النائم والطلاسم في عصورها التليدة أيناك؟ وكنت لا أراك بالأمس القريب إلا كما يرى أو كما لا يرى العصفور الدائب التحليق الأقاصي. نخشى أنّك تحورت إلى فوتون ضوئيٍ في فم الزمان تائه وبين ظلمة فضائه الكسيح وإشراقة نسيم في أجواء الصبح مُنتشر، وبين القطعان والأسرب مؤدلجا في أفق غير مرئية كشبح قادم من الثقب المظلم، وعلى حين غرة كأنه أضاع الطريق وما هو بضال أو عائل: فقد هدى قومه بمأثرة العمل فإن مأثرة العمل قوة وتأكيد بأن يتبع العسر يسر، تستطيع أن تقول بكلام عصرنا أنها هي المعادل الموضوعي لـ (إنّ بعد العسر يسرا أن بعد العسر يسرا) أما جمع اليدين وانتظار صغب الأرض، وجوع البطن، وكدر العقل ومرض الفؤاد فمعادل سيميائي لشر الشيطان لمن مازال ينتظر اليسر بعد العسر بالهداية فقط ومعادل موضوعي لقفر المعمور وسرعة تبدل أمزجة الناس التي طبعت في جيناته بعد أن تثقف عليها قرونا وقرونا إذن هو معادل موضوعي لمفعول السحر، فما تلك التي بيمينك يا صاحب الشمردل؟
ـــ فأسا.
ـــ وما تفعل بها؟
ـــ أُمضِيها وأجعلها خلف باب البيت فإذا اعتدى علي أحدهم هشمت بها رأسه.
ـــ ألقيها على الشجر.. الآن سَوِي بها خشبا، اِصنع منه بيتا لك ولذريتك من بعدك، من ضلوع الشجر أصنعه هيا..
ـــ قد تكسّر النصل بينما ذهبت لأعمل ما أمرتني يا شمردل.
ـــ أنا أمرتك وما زال أمري سائرا فيك يا صاحب الشمردل
وذهب صاحب الشمردل المسكين إلى الحداد كي يُصلح له فردة الفأس.
ـــ أُنعمت صباحا يا سيد سميث، إني أرجوا أن تصلح لي نصل هذه الفأس
ـــ آسف يا سيدي ليس لدي ما اقتات به لم يتبقى لي برا حتى أقوى على هذا العمل.
ثم ذهب صاحب الشمردل إلى حقل القمح وسأل الفلاح قائلا:
ـــ أعطني قليل من البُر لأعطيه للسيد سميث فيصلح لي السيد سميث الفأس فأذهب بها إلى الغاب وأقطع بها الأخشاب التي سأبني بها بيتي.
ـــ آسف لم تنزل الأمطار مذ ثلاثة مواسم، لم يعد لي أي بُر فإن أردت اِسأل لي المطر وعلى عهد مني عندما أحصّل رزقي من البُر أهب لك منه ما تشاء.
ــ فذهب صاحب الشمردل إلى أعلى الجبل وسال السماء: المطر.. المطر، رحماك يا سماء أعطني مطرا لأعطيه إلى الفلاح فيعطيني قمحا، واعطيه للحداد ليُصلح فأسي التي سأبني بها بيتي فضحكت السماء ضحكا لم تضحكه في حياتها حتى سالت دموع من عينيها مدرارا.
ـــ "وليس في العمل إلا نية صدق العمل ونقاوة الضمير يا صاحب الشمردل وتصنع الحضارة" قالت سماء كما قال الفلاح كما قال سميث.. الصنعة الحضارية التي تبشر بالخير والهمة صنعة تأتي من قرارة النفس. تأتي من جوهر أقدس أقداس الفرد في النفس وليس من الأيديولوجيا في الجمع"
ـــ "أرأيت هكذا نُطّقنا بالحكمة من فم الزمان وهذه الأرض وليس لنا دعوة بسماء ومازلنا لم نتعلمها بل نُطِّقنا بها فقط" قال الشمردل لصاحبه متواضعا.