القائمة الرئيسية

الصفحات

الإشتغال العاملي في قصة " المُجندل" لأوراغ بوزيان

            
  بوزيان بغلول

النموذج العاملي الجريماسي تقنية سيميائية في تحليل النصوص السردية تحليلاﹰ بنيويا تعمد إلى شكل النص مفجرة علاقاته وعناصره البنيوية القائمة على الاختلاف والتقابل والانزياح ، تحليلا ثم تركيب ، وهكذا لتفصح تلقائيا عن المعنى أو عن دلالة النص التي تفيض وتنضح  آليا ، بخاصة إذا راع السيميائي تداخل البنية العاملية بالبنية السردية في التحليل من خلال تحليل البنية العميقة : التشاكل الدلالي و المربع السيميائي أين يكون لتناظر العوامل وللجهاز المنطقي الصرفي دورا في تشكل مضمون النص حيث يتكشف الحجاب عن البنية السطحية مستجلاة تماما مثل حالة لَعِب جولة شطرنج (المكون السردي) لا تظهر النتيجة إلا بعد إستفاء حركية العوامل/ النقلات البنيوية :   أين يُستفى المعنى بعد تتبع تعاقب الحالات والتحولات السردية في بنية عاملية ( 3 علاقات تصور رؤية شاملة لبنية النص) ثم عن طريق البرنامج السردي : التحفيز، الكفاءة ، الإنجاز، التقييم فالمكون الخطابي الذي يعني المحلل في تصور سلسلة من المعاني  بواسطة وحدات معنوية معجمية وأخرى دلالية سياقية ضمن الحقل الدلالي الخارجي. يتشكل مضمون الخطاب : فالادوار العاملية على المستوى المكون السردي  - على المستوى النحوي التركيبي- هي نفسها التي تقوم بالأدوار التيماتيكية في المكون الخطابي أي أن المكون الخطابي تابع للمكون السردي.
1-بنية التجلي :
يُقطع نص المجندل إلى ثلاث مقاطع سردية المقطع الأول من ولد المجندل..إلى ولم تكن أجهزة الأمن قد اكتشفت أمره بعد.  المقطع الثاني من نهاية المقطع الأول إلى.. قرب مدينة برج منايل. أما المقطع الأخير فمن نهاية المقطع الثاني إلى نهاية القصة: خيانة الانسان وغدره[1] وتجري أحداث القصة في منطقة برج منايل ولاية بومرداس بالجزائر مسقط رأس المجندل وفي غابات ذراع الميزان ولاية تيزوزو المجاورة ويمتد الفضاء الروائي حتى العراق والحدود الليبية الجزائرية.
وتظهر عتبات النص في عنوان قصير[ المجندل ] لَكسيم سياقي لأن ال/م/جندل في السياق العربي المعاصر هو المقتول أما قولنا سيم  sémeجَنْدل تضعنا هذه الوحدة في تصور دلالات ترجع بنا للتراث الإسلامي حين كان يقال جندل علي أحمد مثلاﹰ، بدل قتل أو صرع علي أحمد. أما كاتب هذه القصة فهو لا يكتب القصة إلا كي تخدم اطارا من البحث عن مشروع لناقد أكاديمي يبتغي تقديم إضافات ترنو إلى قيم الحرية والعدالة الاجتماعية وقيم الانسان في مجال القصة بأنواعها. يقاربها نقديا بنفس الإضافات.
2- البنية السطحية
المحور السردي : يستدعي المكونان/المحوران المدروسان هاهنا البنية العميقة والمعنى سيُعتبر أثرا ونتيجة مستخلصة بواسطة لعبة العلاقات بين العناصر الدالة حيث " الفاعل" على سبيل المثال والذي يعتبر من المفاهيم المثيرة للجدل في هذه النظرية، وعلى الرغم من أنه يصنف ضمن المحور السردي في المستوى السطحي باعتباره وحدة تركيبية نحوية، إلا أننا نجده مع ذلك لا يكتسب صفته تلك إلا بتحميله دلالة الفاعلية الكامنة بدورها في المستوى العميق.
في النص نستجلي ثلاث من ملفوظات الحالة مرتبطة بثلاث حالات من التحول مختلفة كل واحدة على حدى وكل ملفوظ حالة متواشج ببنى عاملية وخطاطة سردية ؛ ابتداء الحركة وصولا إلى عدم الاستقرار و حالة الوصل وحالة الفصل هما مصدر للفعل ونهايته، فالعودة إلى حالة البداية.

1- العامل الذات (المجندل)  - العامل الموضوع (الانتماء إلى داعش العراق )
العامل المرسل (تربية المجندل تربية أصولية ، استحواذ العسكر على الحكم)  - العامل المرسل إليه (التكفل بعائلته ومناصرة العراق بعد الظلم الذي تعرض إليه)
       العامل المساعد (غياب العدالة والمساواة التي رام إليها والده ) – العامل المعاكس (مرض  .      والده )
2- العامل الذات (المُجندل) - العامل الموضوع (الانتماء إلى داعش ليبيا)
     العامل المساعد (حالة بطالته في بلد الخيرات) العامل المرسل إليه (والده الذي مات ناقما،   .    مواجهة الغرب ومخططاته في ليبيا)
    العامل المساعد (حالة الغليان والصحوة التي يعيشها العالم العربي) - العامل المعاكس ( قوات  .   الأمن)
3 - العامل الذات (المُجندل)- العامل الموضوع ( الالتحاق بالارهابيين في غابة سيدي بوناب)
     العامل المرسل (هروب المجندل ومطاردته من قبل قوات الأمن ) - العامل المرسل إليه  .  
    .( العسكر والنظام في الجزائر)
    العامل المساعد( المجاهد الأمازيغي والصديق السجان) - العامل المعاكس (زوجة الأمير)
يقترن تسلسل السرد أو ما يسميه غريماس بالمسارات السردية بتحول الحالات أوما يسمى بإنجاز التحول و ذات الإنجاز ضمن البرنامج السردي:
-التحريك:
أي يحدث العامل فعل محدث لفعل آخر وهي هنا التربية النفسية للمجندل على الثقافة الأصولية  تلقاها من والده : أولا اسماه على قاتل أنور السادات وثانيا تركه يرث كُره رموز الدولة وإلا ما كان ليحدث فعل آخر و هو الفرار من الخدمة الوطنية بمجرد وصول بوتفليقة للحكم ، وهنا تلعب التربية الأبوية التي يلمس أثارها على أرض الواقع « في سن الخامسة وعشرين يتزوج و يُقرر أن يبحث عن عمل مناسب له لذا إتفق مع مجموعة من رفقته المفضلة أن يلتحقوا بالعراق للجهاد ..» دور بمثابة مرسل ومحفز على التحريك وفعل الفعل: لإنتماء لداعش بالعراق.
-الكفاءة :
تهدف الكفاءة في البرنامج السردي إلى 1/إرادة الفعل و2/وجوب فعله وهما متمثلان في قول الراوي عن المجندل/ خالد « وكان أهمل دراسته بسبب إهتمامه الشديد بالارهابيين الذين كانوا يحاربون الجزائريين باسم الإسلام طيلة التسعينيات » وتهدف أيضا إلى 3/ معرفة الفعل وهذا ما يمكنه من تنفيذ المشروع فهو المجندل- لم يضيع وقته بالبحث عن عمل دائم فهو كان يعمل أعمال مؤقتة لتوفير قليل من المال ولم ينتسب إلى أي متقنة لتعلُّم حرفة لعدم تضييع الوقت. أما 4/قدرة الفعل وهي الكفاءة الكيفية تجعل من الفاعل الافتراضي  يمضي إلى تحقيق البرنامج السردي بالانتقال من ماهو كائن إلى ما هو تداولي : يبدو على الفاعل الإضطراب والعمل المؤقت لكن التحمس لأعمال العنف المنتشرة عبر ما أصطلح عليه ثورات الربيع العربي والتحمس للعمل القار /غاية الذات ألا هو : الالتحاق بجبل غابة سيدي بوناب.
-الأداء :
الشروع في عمل الذات لتحقيق الموضوع القيمة أو الموضوع الكيفي وفق نظام خاص عبر عنه غريماس بالمعادلة : مواجهة-هيمنة- منح  وهو إجراء خاص بتحويل المضامين
أداء اتصـالي : هو عملية تحويل ما فصلة إلى وصلة، و بذلك تعطينا ملفوظ سردي اتصالي.  
 ف ، ت ¬ (ف È م ¬ ( ف Ç م (. و بهذا ينتقل الفاعل من حالة فصلة بموضوع القيمة  ف È  م  إلى حالة وصلة معه   ف Ç م : الانضمام الى التنظيم الإرهابي ثم الخروج منه.
 أداء انفصالي : هو عملية تحويل ما وصلة إلى فصلة و بذلك تعطينا، ملفوظ سردي انفصالي   ف، ت ¬ (ف Ç م ( ¬ ( ف È م( : عدم الانضمام لداعش يليه التحول للجماعة المسلحة.
- الجزاء:
الجزاء هو الصورة الأخيرة في البرنامج السردي لذا فان كينونة الكينونة تبع العامل الذات خليقة بالجزاء بالمطابقة مع الكون القيمي ، والعامل الذي بذهنه معايير الكون القيمي هو العامل المرسل: لكن إرادة الذات/ المجندل زادت عن حدها في طموحها ونزواتها إلى محاولة تبوأ مكانة الأمير بالتعدي على شرفه /زوجته ، والمرسل هو الذي يعمل على معاينة مدى ملائمة الأداء للعقد الذي أبرم في مرحلة التحريك. والجزاء إما أن يكون تبعاﹰ لذلك إيجابيا/مكافئة أو سلبيا / العقاب ، وفي قصة المجندل الجزاء عبارة عن عقاب لأن الذات فشلت في المسك بموضوع القيمة (الجهاد في سبيل الله) وهو جزاء تداولي ناتج عن عدم الاستجابة للشروط ، ومعرفي لأن الفاعل يخون ذاته عندما يُقدم على الزنا وهو مجاهد في سبيل الله والوطن بين قوسين ، أي أن المجندل فاقد للمصداقية : يعلّم زوجة الأمير الأحاديث النبوية للإقتراب منها ونيل ثقة الأمير كي ينال مآربه الشخصية ، والعامل المرسل إليه المقوّم يخضع إلى الغموض من طرف عامة الناس/ العامل المساعد الذين حفزوه للجهاد في سبيل تحريرهم من الطاغوت ، غير أن هؤلاء الناس يكتشفون كينونة المجندل على حقيقتها بتجلي معنى مضموني مفاده الأمانة والوفاء مقابل الخيانة والغدر: في عودة الحمار المسن بجثة المجندل الى الجبانة عوض الدرك حيث نكتشف مع أهالي مدين برج منايا أن الحمار المُسّن ما هو إلا حمار سابق للحركي البسيط والد المجندل.
3-المكون الخطابي :
الدور الفاعلي الذي تجلى في المكون السردي صيغة نحوية بنيوية أو بنى عاملية - ستة أدوار أو عوامل- المتمثل في بحث العامل الذات عن الانتماء لجماعة جهادية الأرقى فالأدنى في سُلّم رغباته: الجهاد في العراق ثم في ليبيا ثم في غابات سيدي بوناب بالقبائل أي أن المسار التصوري لتسلسل الحالات وتحولاتها ضمن الخطاطة السردية إستنادا إلى الحقل الدلالي المعجمي والحقل الدلالي السياقي تحيل أن الشخصية أو العامل الذات/المجندل يحمل فكر سلفي  أصولي غاية في الكارزمية و التشدد هذا ما تستجليه الأدوار التيماتيكية/ الدلالية ، حيث عامل واحد قام بالفعل تحويل ملفوظ الحالة باسنادها الى ثلاث فواعل كل فاعل يحمل دو تيماتيكي/ دلالي مختلف شكلاﹰ عمن سبقه، والبرنامج السردي هو الذي أضفى بعد جوهريا المنوط بالدور الدلالي استجلائه أو تصوره ( الجهاد/ الانتماء للاراهابيين) أي تشكل صورة كارزمة الذات وعنفها : حتى اهتدى الكاتب إلى وصفها بالمجندل وليس المقتول. تسرّبت المعاني عبر جملة من الوحدات المعحمية تحولقت حول مفردتين أساسيتين المجندل والخيانة.
الحقل المعجمي المتمحور حول سيم المجندل: لمسنا منذ الابتداء الالفاظ التي تقاربه مثل : خالد الاسلامبولي ذوي الحقوق- قدماء المجاهدين- التسعينيات- الإرهابيين- الخدمة الوطنية الجهاد- القاعدة- داعش- السطور- السلاح- الغابة- الفوج-الدهليز..
الحقل المعحمي المتمحور حول سيم الخيانة: الزواج-النقاب- الطلاق- الإدانة- العدالة- التآمر- المحكمة –الحبس-التواطئ-الزنا..
ويستشف من المسارات التصورية السابقة ومع كل تحول للعامل الذات/ المجندل ارتباطها بالأدوار الدلالية الصابة في مضمونين خطابيين جزئيين: الاستباحة المادية( القتل بعنف) والاستباحة المعنوية (الغدر وعدم الأمان) أما مضمون الخطاب الشامل المتصور فهو إنتفاء القيم الإنسانية عند السلفيين.
نأسف على عدم ظهور الخطاطة الخاصة بالنموذج العاملي الشامل والمربع السيميائي للنص



[1] - ينظر قصة "المجندل" لزياد بوزيان على نفس هذه المدونة.

author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات