القائمة الرئيسية

الصفحات

‏ ‎حكايات الدكتور سْفَر ــ 2‏‎ ‎

 بوزيان bouziane
   أصبح الدكتور سْفَر معتزا  كثيرا بجنسيته الجزائرية ، مُدركا كل ما ولج الدرس أن "مجموعة الخلف" ليسوا بمجموعة مشاكسين و لا مُغفلين ، بل هم فريق مُعارض لأفكاره و طروحاته الفكرية و النقدية بخاصة تلك التي تخرج عن الدرس ، حتى أنه أصبح يشك في أمازيغية بعض أفرادهم! ؛ فهم يطرحون عليه أسئلة فكرية عميقة ، ناهيك عن مضايقاتهم له بتصرفات محرجة كالدخول في دوامة من الضحك الهيستيري.
هو ذا أحدهم يناديه
ـــــ أستاذ سْفِير لدي سؤال لك فيغضب ويرد عليه بنرفزة 
 «ـ ــــ أنا لست سفِير بل أنا اسمي سْفَر، تعلموا نطق الأسماء من فضلكم »
عندها لم يتمالك أحد أفراد المجموعة نفسه لينفجر ضَاحكا فيشير له الدكتور بأصبعه ناحية الباب ، ليخرج الطالب و هو مطأطأ الرأس وهو يكتم أنفاسه من انفجار آخر وشيك.
- ألم تقل لنا بنفسك أنّ اسمك الحقيقي سفِير وليس سْفَر؟
بلى قلت. ولكن العبرة الآن ليس في الاسم ، زيد أم عمر، بل في تكرار مُغرض لهذا الموضوع قصد السخرية و تضييع الوقت ؛ زملائكم في الأقسام الأخرى أنهوا مقرراتهم و أنتم ما زلتم في مرحلة التعارف المٌغرض ، أقسم بالله ، لو أن أحدكم جاء بنفس الآية الأُرَسِبنَّهُ أو أفصله نهائياﹰ. بلا سفير بلا هَمْ ، قال سفير قال ، لو علمتم أني أُفضّل أن أعمل طاهي لأُكلة سْفِيرية الشعبية في مسقط رأسي على أن أعمل سفيرا بخاصة في الدول العربية! لما تجاوزتم حدود اللياقة.
ــــ لكن ألا تفقه لغة ثانية غير العربية يا سيّدي ،  تخول لك العمل سفيرا في فرنسا مثلا؟
تهرّب الدكتور سْفر من الإجابة كلية و راح يعطي دروسا في الوطنية و العمل الثوري و فرنسا الاستعمارية حسب تصوره الشخصي.
الحكاية الرابعة « أكبر استعمار و استدمار في تاريخ الإنسانية »
  يا أبنائي الطلبة أنصتوا إليَّ جيدا ، إنهم يكذبون عليكم عندما يعطونكم دروسا في الوطنية، يعلِمونكم تلك الوطنية المزيّفة ، ما شأن "بيان أول نوفمبر" بالوطنية انظروا حولكم انفتحوا عن غيركم ؛ حتى ال Manifeste اللي جابت الديمقراطية الغربية لا شأن لها اطلاقا اليوم بالديمقراطية ، تدّعي الحكومة و من يجري في فلكها أن الوطنية هي الثورة ضد الاستعمار،  وطنية "الشرعية الثورية" كما يحلوا للمعارضة وصفها ، احذروا كي لا يغرونكم ؛ عندما يلقنُونكم تاريخا مشوب بالشكوك يدعونهُ تاريخ ثورة التحرير المجيدة و المظفرة و التليدة .. و ما إلى ذلك من الترهات .. و ضد من؟ ضد الاستعمار الفرنسي : الغاشم ، المستدمر، المجرم ، ال.. العجوز!! الذي يمدنا ليل نهار بالطعام ويكسونا من فصل إلى آخر بما نلبس! على فكرة ، عبارة "فرنسا العجوز" هذه كادت أن تتسبب في طرد بعثتنا للألعاب الأولمبية التي جرت في لندن عام 2012.
 ــــــ "ياو فاقو" على حد تعبير الكوميدي الجزائري عثمان عريوات ، كل هذا هو تُرهات أكل عليها الدهر وشرب ، إنه ذرٌ للرماد في عيون المتعلمين ، وتنويم مغناطيسي للشعب الأمي و الغلبان ، باللعب على عواطفُو اتجاه تاريخ فرنسا "المسيحية" في الجزائر لكي تستمر في سياستها "الشرعية الثورية" للبقاء في الحكم سياسة رجل عبيط أو رجل مرض بالصرع . بينما أضعف الدول الإفريقية و أفقرها اليوم تتجه إلى الديمقراطية كالسينغال و مالي و تشاد وإحنا مازلنا نِصوَّر فرنسا بُعبع و راجل كافر لا زم نِحتاط مِنُو حتى لا نُصاب بوساوسُو الشيطانية . و بعدين مِين هُمَّ ثوار الجزاير الأحرار، اللّي هزموا فرنسا ، موش هُمَّا مجموعة شباب لا يتعدى أكبرهم سناً الثلاثين عام قاموا رميين بالثورة في حضن الشعب بدل من أن يحضنوها بأنفسهم ، يعني راحوا مِتخبيِين تحت الأطفال و النساء و الشيوخ مثل ما تعمل الجهاد و حماس اليوم في غزة ؛ يضربُوا اليهود و يتخبَوْا في ملاجئ الأطفال ، هل هذه هي الثورة و دُول هما الثوار الحقيقيين؟
كلاّ. الثائر الحقيقي يحتضن بنفسه الثورة و يبتعد قدر الإمكان عن المدنيين و ما يعمِلش حساب للدين ، زي الثوار البلاشفة و اللاتينيين في أمريكا ؛  الدين ماهواش فكرة تركب فجأة اذهان مجموعة تعصبت اتجاه مجموعة أخرى ، ابدا ؛ لأن قوانينو عالية أوي تصدُق كمان حتى على الكولونياليين انفسهم ما هواش حكر على مجموعة بتحتكروا لنفسها خالص ، و بعدين فرنسا ضلّت بنفسها تقول الجزائر المسلمة الفرنسية ، و تشجع الجزائريين على التمسك بعاداتهم و تقاليدهم دينية و لغوية دون أن يكون ذلك سبب في تخلفهم ، ولست أدافع عن فرنسا فأجدادي "الجبليين" سقط منهم الكثيرون وهمَّا موش عارفين ليه سقطوا!
يعني « ـــــــ هاك ، خُذ البندقية ، و بنعطُوك أجرتك و عايلتك في ضمانة ربِّنا ، بس اللّي موش معانا هو موش في ضمانة ربنا يعني يمكن ضدنا »
هكذا كانت قصة حال أغلب الشعب المسكين الغلبان المقهور، ماتوا موش عارفين ليه ماتوا! بينما "الثوار" بين قوسين ، يعني  الشباب المحظوظين الذين أصبحوا قادة في تونس و القاهرة و دمشق بين يوم وليلة .. بل في مناطق أكثر أمنا في الصحراء و وهران في الجزائر نفسها ، مِنهم من رُفع الى عنان السماء ليمجّد "مُجاهدا في التنظيم!" ومنهم من عُدَّ "مُجاهد بالقلم!" و آخرون مجاهدون باسم طلب العلم !! هل هؤلاء ولدوا لكي يتسيدوا و أولائك ولدوا ليموتوا؟ ؛ أتعرفون لماذا لم تطالب أستراليا الاستقلال عن التاج البريطاني إلاَّ مؤخرا بعد مئة سنة استعمار؟ ببساطة لأن أستراليا شعب متحضّر.
إن أعظم استعمار في تاريخ الإنسانية ليس هو استعمار فرنسا  للجزائر و لا هو استعمار اليهود لفلسطين مثل ما يكذبوا عليكم : فرنسا جات للجزاير عَشان تحمي ظهرها من قاعدة القراصنة الموريسكيين و الأتراك في أعالي البحار ، و اللي هي للأسف الجزاير ، و عشان  تضرب عصفورين بحجر واحد ، يعني تجلب الحضارة لناس يقتاتوا من السّلب و العدوان و ما يقدَّروش حَد غير أنفسهم و بس ، لعلكم تعرفون كلكم حادثة مروحة الداي حسين. أما فلسطين ففيها مناطق لم تعرف ناس اسمهم العرب منذ أن خلق الله الانسان على هذه الأرض ، يعني من 950 سنة قبل الميلاد و اليهود الناس الوحيدين اللي سكنو فيها ، زي حيفا و نتانيا و تل أبيب ... تروح انت تقول احتلال يهودي ، ده جنون.
ــــــ لكن حضرتك لم تقل لنا من هو أكبر استعمار في التاريخ؟
- هو استعمار البربر طبعا ، استعمار العرب لنوميديا الغربية و الشرقية في شمال إفريقيا باسم الإسلام ، هذا هو أكبر و أجبن استعمار في التاريخ ؛ لأنه ما يزال مستمرا ، عمره حوالي 1100 سنة ، لم يستطع طمس معالم وهوية الشّعبين البربري و الأمازيغي لكنه نجح في تقزيمهما وإذابتهما في القوافل العربية طيلة تاريخ الغزو و الاستيطان منذ القرون الوسطى ، جبان لإِنو تم باسم مخادع هو الفتح تحت ذريعة نشر القيم الدينية و الأمان بس هو مجابش غير الخوف و التخلف .
ــــــ لكن التاريخ يقول أنه كان  فتحا و ليس استعمار.
ــــــ هل تستطيع أنت أو غيرك أن تثبت لي أن البربر ( وإن لم يكونوا عامة الشعب بل فقط مثقفيهم و قاداتهم ) لم يعتنقوا التقاليد اليهودية و المسيحية ؟ و هم على مرمى حجر من إمبراطورية الروم . أيوة ، استطاع المسلمون العرب استعمار الأمازيغ ثم غزو بلادهم وتذويبهم ثقافيا ، بينما لم يقدر الاستعمار نفسه من استعمار الفرس استعمارا استيطانيا برغم قربهم و لا تذويب الإسبان و محْوْ هويتهم حتى بعد أربع قرون ، كلكم يعرف كيف يعمل حد السيف في العصور المظلمة؟، بقطع الرؤوس و برأس الشهيدة الكاهنة ديهيا ثم أُرسل إلى الخليفة ... يدق الجرس
ــــــ سنُكمل في الحصة القادمة.
الحكاية الخامسة « سألني سائل من القائل وفي أي مناسبة »
أحد طلاب "مجموعة الخلف" يرفع يدهُ متدخلا :
ـــــــ كنّا نتحدث قبل الاستراحة عن الاستعمار و نسينا الصحراء الغربية يا أستاذ ، نوَّد أن تعطينا تحليلا وافيا شافيا للقضية؟ انت طبعا مع البوليزاريو.
ــــــ صحيح ، برافو، فيه قضية اسمها الصحراء الغربية ، لا غالب فيها ولا مغلوب ، يعني الجزائر و المغرب هما في الهوى سوى و متورطين فيها للأذنين.
ــــــ كيف يا أستاذ؟
ــــــ الأمر يشبه قضية السرقة و الانتحال في الشعر الجاهلي الذي تحدثنا عنه في الدرس السابق ، أتذكر في سؤال إذاعي ؛ الأبيات الشعرية التالية :
فَيا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً        أُلقَّمُهُ بأطرافِ البَنانِ
 أُعلِّمهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يومٍ         فَلَمّا اشتَدَّ ساعِدُهُ رَماني
وكم عَلَّمتُهُ نَظمَ القَوافي       فَلَمّا قال قافِيَةً هَجاني
  أُعَلِّمُهُ الفُتُوَّةَ كُلَّ وَقتٍ         فَلَمّا طَرَّ شارِبُهُ جَفاني
هل هي للشاعر الجاهلي مَعن ابن أوس في أخِﹺ له ، أم للشاعر عقيل ابن عَولفة أم لمالك ابن فهم الدُّوسي في ابنِﹺ له؟  و حتى ينجو المذيع من ورطة الإجابة الاختيارية ( بِنسب الأبيات لشاعر دون آخر) في برنامجه الإذاعي الأشهر "سألني سائل من القائل وفي أي مناسبة" ، لأن هكذا إجابة تتطلب بحث أكاديمي و جهد علمي معتبر قد يمتد لسنوات ، يجد الحل في نسب الأبيات للشعراء الثلاثة معا ، مع أنها تخص الشاعر بن فهم الدوسي ، قالها في ابنه الأصغر سُليمة و كان ملكاﹰ عاش في اليمن  قبل 480 عاما قبل هجرة الرسول(ص) ، والقضية هنا تشبه قضية الصحراء الغربية لأن أصحاب الشأن مغيّبُون ، و هم البحاثة الأكاديميون الذين بمقدورهم وحدهم الفصل في القول ،  أي رد الشيء إلى أصله حسب تعبير عميد الأدب العربي ، و عدم ترك الحبل على الغارب لمن هبّ و دب ؛ فمن الطبيعي أن المسلمين ينسبون الأبيات لمَعن ابن أوس لأنه مُخضرم ، و الأعاجم ينسبونها لابن فهم الدُّوسي ، الذي  مُلّك في أرض العراق قرب فارس ، و هكذا ، بحسب مصلحة كل طرف من الشاعر و قربه منه. فالانتحال هنا يقع تحت مسؤولية الباحثين الأكاديميين دون سواهم.
 أين هم الصحراويون؟ اذا كانوا في عز التّمرد و الثورات العربية لم يحركوا ساكناﹰ! ، الغالبية العظمة مندمجون أو ساكتون راضون على أقصى تقدير، يعني مغَيّبِين أنفسهم تاركين الأمر لكمشة منهم ؛ غالبيتهم متجولون سواح عبر مطارات العالم! ماذا تنتظرون من الجزائر أن تفعل لهم غير التورط معهم ، كان على الصحراويون التحرك يا أخي، أما إذا كان ليس بمقدورهم إثبات حقّهم سياسيا و لا عسكريا من دونها فذلك شيء آخر، و المغرب متورط هو الآخر في "مسيرته الخضراء" ، لأنه عضو في للأمم المتحدة التي تقول "الصحراء الغربية أرض متنازع عليها" و هو مُقر بهذه اللائحة مع ذلك يصطنع خطاب مزدوج و يستمر في الهروب إلى الأمام.

الحكاية السادسة « حدثني الشّيطان قال »
لا شك و أنكم تعرفون كاتب العربية الكبير جبران خليل جبران ، هناك قصة عنوانها « حدثني الشّيطان قال »‏ لم تنسب ‏له و إنما القصة قصتي أنا. أحلِق شاربي أو أغير لقبي من سْفَر الى صفر إذا جاء أحد المغاربة بمثلها في غضون الخمسين سنة القادمة.

 تتعالى بعض الضحكات من هنا و هناك و يستأذنه أحد طلبة "مجموعة الخلف" للكلام
ـــــ هذا يعني أنها من الجودة بما كان. أتروي فيها كذلك قصة الشيطان مع الأب الخوري سمعان أو قصة كبير الجن الذي يجدِّف على الشمس ، يلعن البشر و يأكل لحومهم ؟
ـــــ لا ، كلاّ. العنوان فقط يوحي إلى الأسوب الجبراني .. هذا يعني أنك قارئ لأدب جبران ، أنت مشكور، أُشجِّعك ، في أدبه قيم إنسانية سامية قد لا تضاهى حتى من قبل كتاب الإحياء أنفسهم ، ربّما لكونه مسيحيا ، لم يلقى حقه الذي يستحقه في أدبنا العربي الحديث ، بالرغم أن نصوصه تعليمية تفيد النشأ في الإنشاء والتربية معا. أتعرفون لماذا أضعه خلف شوقي مباشرة ؟ لأنه "الكاتب الملاك" في نظري و هذا اللقب الأنسب له من لقب "الأديب الفيلسوف" ؛ معتدل في مسيحيته و ناقد شرس للمتدينين المزيفين في الإسلام و المسيحية ، سبق عقله زمانه في قصصه النقدية تلك التي تعرفون و دونما خروج عن اللياقة الأدبية ، طبيعي أن لا يخاف لومة لائم مادام ملاكا في سلوكاته الحياتية ، طبعا عدا بعض الثغرات هنا و هنا المتجاوزة  بالنظر أن لكل جواد مهما كان عثرة ؛ إنه الأديب الفيلسوف ... الذي كتب بالريشة ما لم يكتبه بالقلم ، كتب أجمل وأجود القصص و أرق الأشعار و أعذبها .. إن قصة النبي وحدها تشي بطُهره و سمو أدبه.
ــــ و كيف تفسر إذن علاقاته المشبوهة مع صديقته ماري هكسل التي كانت تزوره في صومعتهِ بانتظام و كلاهما غير متزوج؟
ـــــ ماري هكسل لم تكن ابنة الحقل و لا ابنة جبل لبنان ، بل كانت معلمته معجبة بمواهبه ، و كانت تأمل هي نفسها في أن يُتاح لها ما أتيح لجبران من شهرة ؛ و كي تخلّد اسمها بالتقرب منه أكثر، لا أكثر و لا أقل ، أولم تقرأ أبياته التي تقول؟:
               سَكَنَ الليلْ وفي ثوب السكونْ     تَخْتَبِي الأحلامْ
                                وَسَعَى البدرْ وللبدرِ عُيُونْ       تَرْصُدُ الأيامْ
              فَتَعَالَيْ يا ابْنَةَ الحقلِ نَزَورْ      كَرْمَةَ العُشَّاقْ
              عَلَّنا نُطْفِي بِذَيَّاكَ العَصِيرْ      حُرْقَةَ الأشْواقْ
لذلكم كلِفت به ، وفي صومعته ، التي كانت مزار أصدقائه الكثر من أعضاء الرابطة القلمية. أو حتى إن افترضنا أنه لا هذا و لا ذاك ، يعني ترجيح العلاقة الجنسية المنتظمة بينهما ، ذلك لا يُلغي ملائكيته في شيء إنما يقوّيها ، ألم يكن لأقرانه في المشرق العربي ، العقاد و البارودي و الرافعي و شوقي و تيمور و الذين تربى أبنائهم على نصوصه المدرسية علاقات نسائية مماثلة؟ ، الفرق هو أن علاقاته بهن كانت علنية ، في وضح النهار، بينما علاقاتهم بهن كانت تتم في السّر و تحت جناح الظلام ، كما طالعتنا به معاركهم النقدية و سجالتهم الأدبية "على السفود" و"السحاب الأحمر" و سارة ..
ــــــ إذن هات ، حدّثنا عن قصتك "حدثني الشيطان قال"  ما دامت لا تحاكي الأسلوب الجبراني؟
ـــــ إذا كان الشيطان في قصص جبران هو "وهم" ترسّب في المخيال الجمعي الاسلامي أو قل هو الشخص الجدلي ؛ الذي لا بد منه حتى يستقيم الكون و الحياة . فإنه معي و لذات السبب أي دخول الانسان الجنة بسببه ، فإن الله قد يسامحه. أجل يسامحه.
ــــــ و يدخلُه الجنة؟
ـــــ بالطبع. يصول و يجول فيها مثل ابن المقرح ؛ ففي هذه القصة جعلتُ الشيطان هو ابن مقرح أبي العلاء المعري بلحمه و دمه ، يفوز بالجنة و يطوف بها من سماء إلى سماء ، متفقداً نزلائها "المُصطفين" من أصحاب السعادة ، ناظراً في شؤونهم و أحوالهم.
ـــــ هذا شيء عُجاب يا أستاذ "!..غاية!" المفروض أن يعرّج على جهنم ليتفقد أحوالها.
 تتعالى الضحكات داخل الفصل ؛ أهههه ههههه ... أهههه ههههه
ـــــ ها قد بدأت تجادلني في أمر الدراما التي تحرك شخوص القصة ، أو لم أقل لكم أن القصة لا قبلها و لا بعدها.
 و هنا يتخلى الدكتور سْفَر عن لغته الفصحى و يترجل بالعامية :
ــــــ علشان أهل الجنة أنفسهم ، ما لاعين رأت و لا أذن سمعت في حَضَراتهُم ، ترتيب حيفزّعكُم يا وْلاد ؛ ناس ما بيُخطُرش على بالها إنها راح تشم ريحة الجنة فجأة راح تلقَى نفسها مع قصة "حدثني الشيطان قال" تحتل مراتب متقدمة في الفردوس الأعظم ... إنما إيه موش دا و بس ...
يتدخل "طالب مجموعة الخلف" مقاطعاً :
ــــــ و لماذا لم تنشر القصة مادام الأمر كذلك؟
ــــــ أخشى أن يحدث معي مثلما حدث لجبران مع أقرانه أدباء و نقاد "الديوان" و" أبولو" و غيرهما لن يجرجرونها إلى أسفل سافلين فحسب ، بل أنا متأكد أنهم سيسفِهُونها أشد الإسفاف كعادتهم ، لأن صاحبها ليس على دينهم و لا على طريقة تفكيرهم.
ــــــ و هل رضي المسلمون بإبليس في الجنة ، ألم يُنكره القوم يا أستاذ؟
ــــــ إن البشر لا يستطيعون رد إرادة الله و مشيئته .. بل أجزم من أن المسلمين وهم في الحياة الدنيا كانوا متيقينين بأن الشيطان هو حكمة الله لا شيء آخر، و ما بالك بأن يرونه و قد فاز بعفو من الله ، لكنه وقع الغيرة و الحسد في أنفسهم أقوى من أن  يعترفوا بذلك بخاصة أمام اليهود.
القصة تتحدث باختصار، على شان الوقت ضيق ، أن ربِّنا ممكن يفاجئ خلقه في يوم الآزفة بحيث أعظم و أرقى ناس الجنة يومئذِ ليسوا هم أنبياءً ولا أولياء صالحين بل هُمَّا ناس مسمعناش بيهم خالص ، ناس عاشوا في تاريخ الإنسانية الطويل و كانت حياتهم الدينية و الأخلاقية و الاجتماعية أرفع و أسمى بكثير و كثير، و بسطاء و عاديين لدرجة ما أشهرُوش بأنفسهم خالص ، بل بالعكس انزوُوا وعاشوا حياتهم الملائكية بعيد عن الأضواء جُوا عوايلهم ، و بعد قائمة طويلة يعني بعد الملايين من الصنف الراقي دا يأتي في منتصف الترتيب الدور على اللي أكرمهم ربِّنا بالجنة ، يعني يأتي دور الأنبياء و الصالحين اللي حضراتكُم عارفينهم ... وإلى الحصة القادمة إن شاء الله.
في و قت الخروج ... تُسمع همسات "مجموعة الخلف" الواحد بيقول للآخر: « الله يهديك يا مُفتري يا شيوعي »   و يرد عليه زميله : « هو الله يهدي الشيطان ، دا هو الشيطان بلحمو و دمو. تَراه يكتب سيرتو و موش واخِد بالو.. لعنة الله عليك إلى أبد الآبدين يا مفتري يا حرامي يا نصاب »
                                                                                           يتبع                                                                
author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات