القائمة الرئيسية

الصفحات



 بوزيان bouziane


  يدخل الدكتور سفر إلى قاعة الدروس مبكرا، فيجدها فارغة إلاّ من "مجموعة الخلف" وهي مشرئبة الأعناق كعادتها إلى أحداث القيل والقال، تلك الأحداث التي لا تروق للجنس اللطيف، فوثق الدكتور بالخصب من نفسه، منتهزا حتى الأوقات الجانبية لكي يبهرهم بصورته، صورة العالم المثقف الموسوعي كعادته.
ـــــ ما دهاكم يا شباب أتحضرون شيئا ما، أخشى أنكم تحضرون للثورة عليَ؟
ــــ بل إننا نتناقش في أمور البلاد السياسية و الرياضية حتى يفقه قولنا ..
ابتسم الدكتور وأطرق قائلا:
ــــ أتتناقشون في أمر السلطان؟
ــــ بالضبط أستاذ.
ـــــ طيب إذن ، في هذه الأيام يا أبنائي ترون انقلبت فجأة الموازين بشكل غير متوقع ﺒ 180 درجة كما يقولون ، دخل السلطان العربي مخاض حقيقي و متسارع ، قد تصدق عليه كل التكهنات التي تكهناها عنه منذ القرابة العامين ، و ربما هي علامة من علامات الساعة ، و لِعلمُكم قد تحدث مؤخرا صفوة علماء الغرب عن دخول عالمنا مرحلته الأخيرة ، منهم العالم الشهير ستيفن ويليام هوكينج و أيده بعض المنجمين من أروبا الشرقية و الهند ؛ انظروا من حولكم فستجدون عاهل المغرب فجأة دخل في مُنابزة غريبة عن طريق وزرائه لملك السعودية على المباشر و هو في مقام والده ، و إنما يفعل ذلك بشكيمة و نصف شعبه يعتاش على عوائد المخدرات! نفس الشيء مع أمير قطر و مشايخه بالكاد تحولوا إلى ملائكة مكلفين بملاحقة شياطين الإنس! و من ثمة رجمهم بطريقتهم الخاصة ، و كذلكم الأمر مع الرئيس أردوغان و الرئيس المصري ، و حكام الإمارات مع تونس ، و الفلسطينيين مع سلطان عُمان وهكذا ..
الحكاية السابعة : « السلطان الرجيم »
أما سلطان الجزاير فهو المخاض الحقيقي ، لأنه سلطان رجيم حق و حقيقي ، و أخشى أنه لن تقلع البلد شاعرة بانعتاقها إلا إذا رجمته و زادت إلى رجمه رجم نظامه العسكري الفاسد المستتر خلفه، بعد أن بدأ يهين شعبه و يسخر منه بما بقي فيه من وعي ،  تنعشه بأكسير الكذب كلما خب و وهن رؤوسٌ متحلقة حوله كالأفاعي هي ، فهو و القذافي سواء بسواء ..
ــــ كيف أستاذا! لا غير ممكن ، هذا رئيس أنقذ بلاده و ذاك دكتاتور أهلك وطنه ، المقارنة غير جائزة ؟
ـــــ بل هما سواء بسواء ؛ ما بالك بأقنوم متهالك يسعى بكل عصبية إلى الحفاظ على كرامته و هو شخص فرد ، أكرامته تلك أهون أم كرامة 43 مليون نفس أهون؟ ثم إن في كرامته ( بما بقيت فيه من كرامة) مضرة كبرى للشعب المسلم اقتصاديا و سياسيا أفلا يشبه موقفه موقف القذافي؟ إنه يريد القول متكلا على ما يقرب من مليون عسكري جزائري من أبناء الشعب البسطاء و على زمرة من أنصاره الباحثين عن المناصب بكل الوسائل كدأبهم حتى التشييت[1] اللاواعي ، يقول لن تطيحني المظاهرات و لن تثني عزمي تداعيات الربيع العربي و بعصبية شمال إفريقية موريسكية مقيتة لا تختلف عن عصبية الديكتاتور القذافي ، حتى و أن تطلب الأمر مقتل الآلاف ، فذلك أهون عنده و عند بطانته من التعرض الشخصي للمهانة و الخروج من الباب الضيق كما خرج الرئيس المخلوع ابن علي و أمام تصفيق فرنسا و حلفاءها الأعداء الوهميين له ، بل الأعداء الأسطوريين لنظامه الذي أكل عليه الدهر وشرب ، نظام " الشرعية الثورية " كما حدثتكم  عنه سابقا. لذا تراه مع زمرته تلك التي تحرسه ، غدو كالصرعى المشدوهين ، حالهم من هول الفاجعة ، حال الممسوس في شرفهم لا هم أقروا بواقعة الفعل المخل بالحياء عليهم ولا هم استطاعوا نفيه ، كون حادثة انتهاك الشرف بيّنة لا غبار عليها و مسجلة معروضة أمام الملأ.
ـــــ إن في كلامك التباس يا أستاذ ، فحكام الجزائر لا يبدون عصبيين في خطاباتهم بما فيهم الرئيس؟
ـــــ عليكم أن تعلموا يا أبنائي أن السلطان الرجيم الجائر الذي ودّت قريحة الشاعر العراقي الكبير أحمد مطر رجمه ، قبل أي اقلاع إبداعي لها ، لا يختلف عن سلطان المغرب العربي إلا من ناحية حدة العصبية المقيتة ، و الشهوانية الحيوانية ، فأكثر السلالات النافذة اليوم بدءً بسلالة عرش الملك المغربي المترفعة تاريخيا عن مجالها الحيوي ، معتقدة أنها مصطفاة ، يعود نسبها شخصيا للرسول وهي جاءت لتحكم بربرا ،و مازال هذا الاعتقاد راسخا لديها تعكسه مظاهر سلوكية إزاء جيرانها تاريخيا ، ضف لها أعراق الغجر و الموريسكيين في حوض تلمسان و المتيجة و سلالات القبائل الليبية حول الجبل الأخضر ، كلها تمتاز بعصبية ترسّبت في قاع أنفسهم ، جيل بعد جيل ، إثر صراع تاريخي مرير بين أناس متطلعين للحرية و آخرين استوطوا أراضيهم تحدوهم إرادة سحرية لتكريس العبودية.
ــــ لكن ما علاقة العصبية بالشهوة ، لم أفهم ؟
أيديولوجيا طغمة العسكر التي حكمت قبل الاستعمار و تحكم في الجزاير اليوم و التي بدأ يسقط عنها القناع يوم بعد يوم إثر مرض الرئيس عام 2013 ، هذه الأيديولوجية تستقي مبادئها إما من المذهب الاشتراكي الذي باد ولم يعد ذي فائدة في عصرنا وإما من الإسلام المعتدل ؛ إسلام الأزهر و الزيتونة و الصوفية في زاوياهم ، و هي التي تشكل مجتمعة ما يعرف لديهم زيفا ﺒ " الوطنية " و الصراع المرير هو وجه من أوجه التعصب ، و هو كذلك ولا شك أثر من أثاره ، تتوارثه الأجيال عبر جناتها ، وهذا الصراع في جل بلدان المغرب العربي بخاصة في الجزائر و المغرب ليس كحال الصراع الموجود بين الإسلام و الإسلام السياسي من جهة و الجماعات النخبوية و الاتجاهات العلمانية و اللائيكية في أيامنا في المشرق العربي من جهة أخرى ، كلا ، إن عصبية المغرب العربي أقوى و أعقد لأنها تتغذى من صراع مرير ، مخفي أحيانا بقصد ، بين الأمازيغ الأحرار و الإسلام الذي يريد عبثا تطويعهم و سلبهم حريتهم ، حتى أورث سكانه نوع من العُصاب تاريخيا ، نتيجة ديمومة الاستقطاب الحاد الماكر المخفي بديبلوماسية ، فالعصاب في علم النفس هو قرين الوهم بالتفوق و عند كليهما و نتيجة للضرر الذي لحق كليهما و تشبعت أنفسهم به ؛ ولّد لديهما حب مفرط للذات وكره مفرط للآخر و عبر قرون. إذن بأي حال من الأحوال نحن بإزاء نرجسية منشغلة عن غيرها بعبادة نفسها. و استقطاب كهكذا استقطاب في هذه المجتمعات إنما يسعى إلى التعويض بالتعود على المتع المادية ما ظهر منها وما بطن. انظروا لماذا تكثر حوادث المرور في الجزائر؟ و لماذا لا تسمعون في الجزائر بالحفلات العلنية مثل تونس و المشرق العربي؟ ببساطة لأن الشباب يسوقون و هم مخدرين ، و بكل بساطة أيضا لأن هناك الحفلات السرية يحضرها حتى أكبر المسؤولين و أكبر الجنيرالات في البلد في أكثر من معقل ، لم تخِف إلا بعد أن ضرب إحداها زلزال بومرداس الشهير في ماي 2003.
 إنها العصبية العمياء التي ترهن الإقلاع السياسي و الثقافي أيضا ، انظروا مثلاً إلى حال الثقافة و الإنتاج الأدبي نثرا وشعرا ؛ أي الرواية و القصة و المسرحية و حتى المقالات الأدبية عبر الإعلام السيار، أصبح لدينا هامات إبداعية عوض القامات ، بل لدينا "بغل الرواية الجزائرية" بدل عبقري الرواية الجزائرية صنو عبقرية طيب صالح ، "البغل" الذي تعود أصوله الهجينة إلى الموريسكيين و لدينا أيضا بالقياس الى مستوى الرواية العربية "جرو الرواية الجزائرية" الذي يضل ينبح عبر الإعلام السيار دون أن تسمعه أو تقم له وزنا باقي الهامات البراشدة و المُتحيوِنة ، و لدينا بلدغ الرواية و ديك الرواية و هلم جر... و لم يصحوا من سكرة ما هم في من نرجسية جراء عضد بعضهم بعضا ، منزوون بعيدا عن قلاع الأدب الحقة القاهرة و بغداد و بيروت ، أرى كأنه لم يعجبكم قولي ( أفلاطون يقول : أكثر شخص مكره عند الناس هو الذي يقول الحق ) جودة الأدب يا أبنائي في أي رقعة من عالمنا العربي تكمن بالأساس في جمالية التعبير اللغوي ، لأن اللغة العربية ليست لغة سرد جاف مثل الفرنسية بل لغة مجاز و بيان و صور ، تقديم و تأخير .. ، فروايتك إن صحت  تسميتها كذلك تصبح ركيكة مهما لحقها من تفنن في قوالب السرد و شعرك ركيك أيضا لأن تعبيرك اللغوي ركيك ، فمتى تدرك بل تصحى مما أنت فيه من عصاب  .. يرن الجرس ..
يدخل بقية الطلبة و يبدأ الدرس و عند قرب نهايته تقود الاستطرادات الدكتور سْفَر إلى قضية الصحراء الغربية ثانيةً.
الحكاية الثامنة : « ما الذي حدث؟»
ينظر الدكتور سفر إلى الساعة ثم يقول : لقد بقيت ربع ساعة، سألقي عليكم فيها قصة كتبتها مؤخرا عن الصحراء الغربية لأشجعكم على الكتابة الابداعية مهما كانت ، شعرا ، خاطرة ، مقالة فلا تتردوا.
الذي حدث بالضّبط هو أن شخصية مناضلة عالمية معروفة في مجال حقوق الإنسان ، اسمه "سكود ليبرمان" لم يعد بإمكان عواطفه أن تسعفه ، لا عن إظهار صبره الديبلوماسي  و لا على إخفاء نوايا تذمره اتجاه قضية استفحلت حتى فاحت بالنتن ، و هي التي اسمها "قضية الصحراء الغربية" ، أصبح يتوجّع كل ما سمع أخبارها و معاناة أطراف النزاع فيها ، بل يكاد قلبه ينفطر ألماﹰ و حسرة ، و هو يرى و يسمع كل ما تعرضه القنوات الفضائية عنها من مشاهد مؤلمة ؛ ناس أغلبهم أطفال و نساء عريانين جوعانين في المخيّمات و غيرها ، مخيّمات تعيش القحط ، فيافي تعيش في جُمود قلق الوجود ، و مساعدات تصل و كأنها لم تصل ، مع كل هذا يطلع التهديد و الوعيد من طرفي النزاع بالرجوع للاقتتال مجددا. و الذي شجّعه أكثر على طرح مبادرته لحل القضية أسماها « محاولة لحل قضية الصحراء الغربية » هو كونه إعلامي محنّك و سياسي معتدل سابق ، مشهود له بالمهنية و الكفاءة.
قام سكود ليبرمان بتسجيل فيديو مدّته خمس دقائق لا أكثر، و دفع الآلاف من الدولارات إلى جميع القنوات العالمية و العربية كي تبثه في أوقات محددة ، يقول السيد سكود فيه : « أقدم لحكومة المغرب و لشعب الصحراء الغربية هذه المحاولة الجريئة و العادية في نفس الوقت لحل مشكلة نزاعه حول الصحراء الغربية مع المغرب ، وهي أن يقوم شعب المدن الصحراوية الكبرى و الصغرى معا ، و الخاضعة للحكم المغربي ، أعني العيون و الداخلة و سمارة و بوجدور وغيرها بالخروج الطوعي الحاشد و القوي و السّلمي أؤكد على كلمة السلمي ؛ كما خرجت حشود الجماهير المصرية في ساحة التحرير في القاهرة و ساحة الحبيب بورقيبة في تونس للتعبير على حاجة من اثنين ، أؤكد على حاجة من اثنين إما :
ــــــــ التظاهر الحاشد السلمي برفع أعلام المغرب و المناداة طواعية بدون إكراه على الانضمام للمغرب  ، و ستبقى القوات المغربية متجمّعة في مناطق متفق عليها مسبقاﹰ في المدن المذكورة أعلاه ، و بعيدا عن المتظاهرين و يكون لها حق التدخل في حالة واحدة و وحيدة ، وهي حين تتحول المظاهرات السلمية بالأعلام و اليافطات إلى أعمال شغب و عنف ، من ثمة و جب في هذه الحالة وفقط في هذه الحالة حق تقطيع أعلام البوليزاريو بل و حرقها و تقديم طلب رسمي للأمم المتحدة للتكفُّل بأعضاء البوليزاريو ، بما فيهم رئيس دولة الصحراء الغربية نفسه ، بعودتهم سالمين غانمين إلى حضن وطنهم ، أو اعتقالهم وزجّهم في السجون في حالة عدم خضوعهم للإرادة الشعبية للصحراويين.
وإما: ـــــــ التظاهر الحاشد السّلمي برفع أعلام دولة الصحراء الغربية و المناداة طواعية بدون إكراه على الاستقلال عن المغرب ، و في هذه الحالة يكتفي المتظاهرون برفع اللاّفتات المنادية بالاستقلال دون اللجوء لحرق أعلام المغرب لأن ذلك من شأنه إثارة قوات الأمن المتموقعة بعيدا عن المتظاهرين و يكون بمثابة حجة لهم للتدخل ، و في هذه الحالة كذلك يُقدّم طلب رسمي من المتظاهرين للأمم المتحدة من أجل تأمين خروج القوات المغربية من كافة الأراضي الصحراوية و عودة البوليزاريو و الرئيس سالمين غانمين إلى أحضان الوطن .
أما أنا فقد علِمت أنه لمّا عملت جميع القنوات على بث الفيديو و حُدد موعد المظاهرات بيومي العطلة السبت و الأحد ، في كافة الأراضي و المدن الصحراوية ، من دون سكان مخيمات اللاّجئين و مدن المملكة المغربية الجنوبية طبعا و التي هي غير معنية بالمظاهرات السلمية ، و حُشدت قوات الأمن و احتلت مواقعها كما أتفق عليه ، لكنه قد حدث شيء غير متوقع في يومي المظاهرات و بقيت الشوارع خاوية خالية عن بكرة أبيها تصفًر فيها الريح الصرصر ، فشلت محاولة الشخصية الأممية المرموقة لحلحلة النزاع ، ما دعاه لتكليف اللجنة المنوطة بها تنظيم المظاهرات السلمية إلى اعتماد تاريخ آخر جديد للمظاهرات و تقديم ضمانات إعلانية عبر القنوات المحلية بعدم الخوف ، كون المظاهرات ستكون آمنة و تحت مراقبة أممية و أعيُن المجتمع الدولي.
في المحاولة الثانية خرجت بعض الجماهير هنا و هناك ، بعضها رافع للأعلام المغربية و بعضها للأعلام الصحراوية ولم تُرضي أعدادها ما كان يتطلع إليه السيد سكود ليبرمان ، و حتى الصحراويين و المغاربة أنفسهم ، لقد كانت مظاهرات المحاولة الثانية مُخيّبة للرأي العام العالمي « مظاهرات يعد أصحابها على أصابع اليد » رغم تطمينات طرفي النزاع للجماهير.
أما المحاولة الثالثة التي دعا لها السيّد سكود فقد حظيّت باهتمام و رعاية أفضل ، حيث خصص لها المنظمون ، أي للجنة الأممية بقيادة السيد سكود ليبرمان ، و التي تضم ضمن أعضاءها عددا متساويا من الصحراويين الداعمين للمغرب و نظرائهم الداعمين للبوليزاريو، خصصوا لها حملات إعلامية لمدة عشرة أيام قبيل أيام المظاهرات المرتقبة ، و نجحت هذه الاعلانات في تحريك الجماهير وإخراجهم الى الشوارع أخيرا ، ليحدث أمر مهول لم يكن ليتوقعه أحد حتى الشخصية العالمية الغير منحازة سكود ليبرمان نفسه.
ما الذي حدث يا ترى؟
إن الذي حدث لهو مهزلة لِأمة العروبة و الإسلام في القرن الواحد و العشرون بحق ، فقد نزع الصحراويون المتظاهرون الذين خرجوا في حشود جبارة ، أكاد أخال أن الصحراء الغربية كلّها قد خرجت ، و بقيت البيوت خاوية ، حتى المقعدين و العجائز خرجوا و معهم النساء تحملن بيد أطفالهن وباليد الأخرى الأعلام ، و إلى هنا الأمر مطمئن و مبشر قوي بدنو حلحلة المشكل. لكن ماهي إلاّ لحظات حتى بدى أنّ المتظاهرين النازلين بدأوا ينزعون إلى الإقتتال الهمجي بينهم ، فقد تمكن صحفيون من رصد مناظر رهيبة ، كتل من البشر و قد تساوى فيها الفريقان إلى حد رهيب ، كما و صف الشهود في عين المكان ؛ قرابة 50% مؤيدون للمغرب و قرابة 50 %مؤيدون للبوليزاريو ، مُؤكّدين على مشاهد تشمئز لها النفوس .
 يا للمصيبة و أضحوكة العالم تلك ، فقد أباد المتظاهرون الصحراويون بعضهم بعض!! مستعملين الأسلحة البيضاء و الهراوات أمام مرأى العالم ، و لم يقوى أحد على التدخل و منع المهزلة ، ما هي إلا ساعات حتى أصبحت الصحراء الغربية أسطورة مرتسمة على الوجوه الشاحبة الكالحة ، مدونة على الرمال بخط أحمر قانٍ فائض بزبده « انتهت أسطورة الصحراء المغربية » العلم المغربي يقتل العلم الصحراوي ، لكن المقتول لا يدع قاتله إلاّ وقد أصابه إصابة قاتلة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وهكذا كان العكس بالعكس ، فألفينا من الأراضي القاحلة و المدن الخربانة الخاوية الوفاض على عروشها منذ ذلك الحين ما شاء لنا أن نلفي ، أجل ألفيناه مساءً حزيناﹰ داميا يبكي بحرقة ضحاياه ، و ألفيناها أحياءً بائسة بؤس الأمم المتحدة ، أحياءً مسفوكة الدماء لا ساقية و لا واد  ، أحياءً تصفّر فيها الريح صفيرا جلل ، تكاد تستنهض الجمادات ، أحياءً تجُول فيها الذئاب و الضباع أناء النهار و تصول فيها أشباح الإنسانية الغابرة أطراف الليل ، فلم تقوى إذ ذاك ، بل لم تجرأ قدم مغربي أو صحراوي من مخيمات اللاجئين أو غيرهم من أن تطأ تلكم الأرض ، التي سقطت فجأة من يد الآلهة  ، بعد أن تشربت من الدماء الزكية حد الثمالة واقعة في يد الأبالسة و إلى الأبد.
 ولأن العالم كله قد أصابه الذهول ، لم يستطع أحد إدراك و لا تفسير ما حصل ، حتى أن السيد سكود أصابته صدمة نفسية حادة انزوى عن الأنظار إلى غير رجعة . و بدت الصحراء الغربية صحراءً حقيقة ، تنام على مليون جثة و جثة أقصد على مليون شهيد و شهيد من الطرفين دون أن يقترب منها أحد ، الكل يتفرج عليها وسط ذهول مُطبق. و اللعنة على كل كذاب أثيم و إلى الحصة المقبلة.
ــــــ " و الله العظيم لَأنّ الدكتور سْفِر هذا لحكاء و قصاص ماهر بحق " قال أحد طلبة "مجموعة الخلف" بعد خروج الدكتور سْفر فراح البقية لفورهم يقهقهون دون انقطاع " أههههه .. أهههه .. أهههههه .."



[1] - التملق بالاطراء و الثناء و المدح المتجاوز لكل الأعراف و الحدود المتعارف عليها.
author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات