الفساد في قطاع التعليم العالي و البحث العلمي بالجزائر، قراءة اجتماعية تحليلية له في قسم اللغة العربية وآدابها جامعة الجزائر2



بوزيان bouziane

الملخص: (هذا البحث صار مبحثا أولا في كتابنا: نقديات ذات الصلة ب..  وتجدونه على الرابط أسفله)

قد يقول أي مثقف جزائري من المثقفين الواعين والنزهاء العارفين بخبايا النظام السياسي أنّ أفسد فساد عرفته الجزائر المستقلة هو فساد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، حكمه في ذلك أو طرحُه أنه لم يأتي تحول الجامعة الجزائرية إلى وكر كبير للفساد و مقر مُجاز لتوزيع الشهادات الورقية بين ليلة وضحاها، بل قد تيسّر لها أن تأخذ كامل وقتها منذ استقلال البلاد عام 1962، في ظل النهج السياسي الذي سارت فيه البلاد آنذاك حين سقطت النخبة المثقفة المعهود إليها بإنتاج المعرفة في معمعان اللعبة السياسية طوعا أو كرها، نقصد تلك التي أوكلت لها مهمة الإمساك بدفة التربية وشؤون التعليم العالي والبحث العلمي، حيث اصطفيت اصطفاءً من كوادر غير مؤهلة، و التي تحمل الولاء لمشروع ديماغوجي محاكي " للشرعية الثورية" هذا إن لم تكن في الأصل ممن تحمل لقب  "مجاهد"  أو"ابن شهيد" لتضطلع بمسئولية الذود عن هكذا مشروع وتكريس خطاب نخبة الأمة المعرفي الأوحد والطلائعي، ألا وهو خطاب النخبة المثقفة ثقافة عضوية اشتراكية ، وفيهم كثير من الرفقاء الشخصيين للقادة السياسيين سواء في نظام أحمد بن بلة أو في نظام بومدين أو نظام الشاذلي بن جديد، بينما تم تجاهل وتهميش ارتجالي تعسفي ومذل للكوادر الأكاديمية الحقة التي تحمل ثقافة معتدلة و عقلانية اتجاه المستعمر السابق، لكونه أولا وأخيرا قدم للجزائر مشروعا تنويريا حداثيا بدأه من التكفل بتكوين الطلبة الجزائريين من 1880 إلى 1962 ثم تشييد لهم جامعة الجزائر العام 1909 ، وفي هذا السياق كان لإبعاد العقلانية و الديمقراطية واحترام الآخر بعد رحيله دائما وأبدا يد فيما آلت إليه أوضاع التعليم والبحث العلمي من هشاشة و نكوس وهجرة الأدمغة ثم تفاقم مزري للإشكاليات العويصة وتسرطنها[1].

فإن الابتزاز والتعسف والاضطهاد الذي طال الطلبة ردحا وسيطالهم في عز نشأة عاصمية متفحششة لهذا "الأقنوم" وهو في هيأة أستاذ التعليم العالي ( نشأة لا تُعِز ولا تُكرم بالعادة والعرف إلا ذاتها بل أن أسمى غاياتها إنما هو التعزّز كأميرة القرون الوسطى ملتهيةً بجمالها وشعبها ضايع جوعا، لا يُعِز العلم ولا يُكرِمه هيهات، أي أن  في الموضوع نزعة طبقية وعشائرية ممتزجة بذهنيات ثقافية كرسها الزمن بخاصة أن جل من يلِجون قسم اللغة العربية وآدابها بالعاصمة من سكان الضواحي البسطاء أو من ولايات الداخل عندما يتعلق الأمر بالدراسات العليا) أجل سيطالهم منه نفس ما طال شعب الحراك من عصابة بوتفليقة؛ سيلعب بعزة وكرامة أبناء ناس أحرار وبمصائرهم لا ملتهيا إلا لذاته (بِلا أدنى اكتراث، فماذا ستساوي عزتهم إلى عزته؟) كما تعود أو كما عودته زمرته أن يفعل، وكما رأينا فان عصابة بوتفليقة لعبت بكرامة شعب بكل برودة دم كما لم يلعب أي نظام به : رئيس مشلول وقد أستوفى عهدات عدة وفي ظل جمود وغموض نهض الشعب وقال ثم قال لكن لا حياة لمن تنادي إلى أن غلى كما تغلي القدر، ومع ذلك لم يحرك غليانه شعرة من عصابته المستقوية هي الأخرى بزمرتها التي حمت كهكذا أنظمة منذ نشأة الدولة[2]، لذلك قد وُجد من أمثال هذا الأقنوم من يقول أن النقد والأدب الجزائريين في أزمة! أبدا والله ليس هما في أزمة بل هما في إشكاليات الولادة القيصرية مازالا قابعين، الأدب الجزائري ولد ضعيفا ولم يقوى يوما في تاريخه حتى نقول أنه واقع اليوم في أزمة، وواقع النقد هذا منسحب إليه من واقع نظام السلطة في الجزائر، ورحم الله ذلك المجاهد الذي قال مؤخرا أن الجزائر لم تعش في تاريخها أزمة سلطة، لأن السلطة فيها لم تولد إلا وهي ضعيفة غير شرعية فهي لم تكن سلطة قوية في أي مرحلة من مراحل تاريخها حتى نقول اليوم أنها وقعت في أزمة، بل الأزمة الحقة في كلا الموقفين موقف السلطة وموقف قطاع التعليم العالي هي أزمة أخلاق وضمير بمعنى آخر مقارب هي " أزمة ثقافة " ، وإن ضاعت الأخلاق والضمير فقل للفساد غير آسف تعال لتعشعش.


[1]ـ الصراعات التي كانت و التي ستكون بين الجزائريين هي تلك التي ستتخذ دائما طابعا ثقافيا، بالخصوص الصراع حول الإطلاقية والغلو في الدين ، فحرب التحرير الجزائرية قامت على ركيزة الدين؛ لو لم تقم عليه لما كان هناك اليوم من يذم فرنسا و يحمل لها العداء التاريخي أي أن " المجاهد" و "ابن الشهيد" اللذين اختارتهما السلطة لتولي زمام الجامعة لن يكونا في اختلاف عميق بينهما و بين الأكاديمي الذي تعلم في فرنسا وكان الأحق منهما بتولي الوظائف العلمية و الثقافية بعد الاستقلال، فالاختلاف الأيديولوجي أرحم وأهون من الاختلاف الديني، وهذا الاختلاف ــ حوله ــ بين الجزائريين ليس اختلاف رفض و قبول، لكنه اختلاف تشذيب وتعقيل أو قل علمنة الدين أو القراءة الحداثية له أو الجنوح بها جنوحا تأويليا عقليا إن شئت ( مسالم ونسبي لا عصبي إطلاقي) من ذلك التفاعل مع غير المسلمين واحترامهم وليس تكفيرهم واحتقراهم.

[2] ـ ولو أن هذه الحماية ليست غطرسة ولا سلوكا مجانيا (أنا شخصيا أؤيدها ولا أرى حلا آخر غير هذه الحماية حاليا على الأقل) نتيجة دينية السلطة والحكم في المجتمعات الإسلامية وُجدت الأنظمة العسكرية آليا لتحمي السلطة من غدر وتمثيل الفكر المتطرف الأصولي الذي هو نائم في تلك المجتمعات، ما أن تغفل الأنظمة العسكرية حتى يعود بالإنسانية إلى مجتمع الغاب القديم. وهذا ما لم يعيه مْصَاغَر الحراك.


 بوزيان bouziane
بواسطة : بوزيان bouziane
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.
تعليقات