القائمة الرئيسية

الصفحات

"الإعلام العربي الجديد" أخلاقيات المهنة وتحديات الواقع، الجزائر أنموذجا

    

  

"الإعلام العربي الجديد" أخلاقيات المهنة وتحديات الواقع، الجزائر أنموذجا

* بـوزيـان bouziane

    

    فجأةً بعد غفوة عياء رأيتُني جاثما أمام راهبة حسناء قالت أنها تدعى "سعيدِية العربية"، ثم ما لبثت مرة أخرى أن رأيت فيما يرى النائم أن "سعيدية" هاته راهبة غنية وهي جد قلقة من دولة إسلامية اسمها إيران وقد أصبحت قوة صناعية ونووية كبرى، ودخلت مع روسيا والصين مجموعة سبعة زائد ثلاثة، بينما راحت عدوتها إسرائيل متزحزحة عالميا رتبة بعد أخرى، وكان حينذاك كل ما وقف قائد إيراني مخاطبا شعبه إلاّ وارتعدت فرائس إسرائيل ليصيبها إسهال شديد، أمام هذا الوضع لم تكتفي "سعيدية العربية" بمد إسرائيل بالنفط مجانًا ليمر إليها تحت البحر الأحمر وتحت صحراء النقب، بل عمدت إلى إمدادها بالسلاح وبتموينها بالأغذية، وبأسطول ضخم من المساعدات الإنسانية قالت أنها لإبعاد الخوف عن إسرائيل! وكان الأسطول يحوي عشرات الآلاف من الصحفيين المرتدين الزّي السعودي، الحاملين لكاميراتهم وأجهزتهم الاتصالية المتطورة، وقامت سعيدية قبل انسحابها بلف حزمة من الأسلاك الشائكة حول إسرائيل ثم ذهبت وشأنها، وأذكر فيما أذكر أني سألتها عن دواعي سلوكها فردت قائلة: «هؤلاء الصحفيون الخليجيون هم صحفيون أقحاح، من خيرة ما أنجب ابن المملكة البار محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، منوط بهم الوقوف مع أحبائنا أهل الكتاب "اليهود" ضد الساسانيين الصفويين الوثنيين الأوغاد وشيّعهم الأقذار!» فقلت: وكيف يفعلون؟ قالت: مثل ما نذرت صحافة المملكة نفسها عليه، ودون كلل، من تلميع وصقل دائم لصورة البلاط، ومثل ما يفعل إعلام مصر في الذود عن "النظام" ومثل ما يفعل الإعلام الجزائري في التستّر الكيّس عن نظام عسكر بوتفليقة وهكذا.. وحتى لا قدّر الله ضرب الشيعة الصفويون أحبائنا في الله أقصد أحبائنا في صفوة الكتاب "اليهود"، قام إعلاميونا السعوديون الأشاوس بالدفاع عنهم، كما فعلت فيالق محمد سعيد الصحاف مع علوج أمريكا، من ذود ومقاومة إعلامية محترفة عن النظام الصدّامي البائد ولِآخر رمق.

    ثم عندما استيقظت من غفوتي رحت سائلاً جوجل عن تفسير لهذا الحلم العجيب، فوقعت بقدرة قادر أول ما وقعت على قناة يوتيوبية سلفية يقول فيها شيخها: «لعل تأويل من يرى جدنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب طيب الله ثراه في المنام، أنه يتخبط في مستنقع من جهالة الخروج عن الطريق الصحيح الذي رسم لنا نهجه سيدي وولي نعمتنا الملك عبد العزيز آل سعود قبل رحيله رحمة من الله ورضوان منه عليه، مُتّبعا أباطيل الشّعوذيات وشرور الصفويين الشيعة وبدع الصوفية والجهمية والمعتزلة وغيرها من الفرق الضالة..» .. قبل محاولة الإحاطة بالمفهوم وظروف النشأة وتداعيات الخطاب والنشاطات المحيطة بولادة الفكر الوهابي الذي خرجت من معطفه جميع العصبيات والحركات المتطرفة المنسوبة جورا للإسلام في القرن العشرين؛ من ثمة المقارنة بين خطابها وخطاب إعلامي أصطلح عليه بالإعلام العربي الجديد، "الإعلام الجديد" ظهر كمصطلح واسع النطاق في الجزء الأخير من القرن العشرين ويعني مجموعة تكنولوجيات الاتصال التي تولدت من المزاوجة بين الكومبيوتر والوسائل التقليدية للإعلام، الطباعة والتصوير الفوتوغرافي والصوت والفيديو. ويمكن تلخيصه في رؤيتين: الأولى هي الإعلام الجديد بوصفه بديلاً للإعلام التقليدي، والثانية هي الإعلام الجديد بوصفه تطوراً لنظيره التقليدي؛ بوصفه بديلاً يمثل استقلالاً عن المسيطر، ليس الغربي فحسب، وإنما المحلي كذلك. وبعبارة ثانية، تعتبر هذه الرؤية أن الإعلام الجديد هو إعلام يتجاوز سيطرة المؤسسة الإعلامية التقليدية، المحكومة بدرجة عالية من الهيمنة السياسية أو الاقتصادية، لتستثمر التطور التقني الراهن لصالح إعلام متحرر، يعبّر عن الأفراد، والجماعات الصغيرة المهمشة [1] وتفترض أن وسائل الإعلام الجديد تكتسب مبررها الأساسي من تواضع صدق ومصداقية وسائل الإعلام التقليدية، التي تمثل نظاماً فرعياً (السلطة الرابعة) يتأثر بانحيازه إلى القوى المسيطرة/السلطة الأولى.

    أما السلفية الوهابية فمنها خرج تطرف سنّي متمثل في الدعوة السلفية (الإخوان المسلمون ثم الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي مازال أعضاءها يروجون لفكرهم المتطرف سلميا، وحركة حماس والجهاد الفلسطينيتين) وخرجت أيضا الدعوة السلفية الجهادية (القاعدة) وخرج تطرف شيعي متمثل في الحركة الإسلامية الشيعية (حزب الله والتيار الصدري)، فإذا كان سؤال النهضة العربية الأول الذي طُرح في خضم الصحوة الإسلامية الأولى غداة النكسة هو لماذا التخلف وكيف يمكن أن نتقدم؟ واختلاف الإسلاميين والليبراليين والاشتراكيين العرب في الجواب على السؤال طيلة عشريات القرن العشرين عشرية بعد أخرى إلى أن دخل علينا القرن الواحد والعشرين بثوراته وصراعات، والواقع هو هو لم يتغير، بل زاد الشرخ العقائدي الأيديولوجي بين أطياف المجتمع العربي الواحد، وزاد صراع العرب مع الغرب ومع منظماته المدنية بالخصوص، آخرها ما حدث بين الناشطة والحقوقية السعودية ـ التي انتسبت بشكل أو بآخر لقطاع الإعلام ـ مع سلطات بلادها السياسية، تدخلت على إثرها كندا وجرى ما جرى من قطع للعلاقات بين المملكة وكندا. ومع عجز الليبراليين العرب الذين يؤمنون بالعلمانية وبالديمقراطية نتيجة طبيعة الثقافة السائدة في المجتمعات العربية، من أهمها جمود الفكر الديني التقليدي وعجزه عن التجدد برغم نداءات عديد المفكرين علمانيين أو إسلاميين معتدلين، فكان لسلطة حقيقية لم يضعها أحد في البال وهي التي تسمى السلطة الرابعة[2] دور بالغ الأثر في استناد بعض النظم السياسية العربية على الخطاب الديني لتدعيم شرعيتها السياسية المتهاوية خاصة بعد إحساسها من أن شرطي هذا العالم يحضّر برويّة لتغيير خارطة الشرق الأوسط. فإذا كان قطاع الإعلام العام اليوم بمثابة أداة طيعة في أيدي الحكومات العربية، فالإعلام الخاص والجديد شكلا لها محكا ومقابلا لابد من إغرائه وجذبه للتحالف معه على حساب قيم لا محيد عنها اليوم في أي ممارسة إعلامية وهي قيم: حرية التعبير وإحقاق العدالة بكل أنواعها، حتى تلك التي تخص إلحاق المرأة بالرجل في الميراث، والمشاركة في تحرير الإنسان من مظاهر التخلف مادية ومعنوية في كذا من دولة عربية، أو المشاركة في توطيد ركائز المجتمع المدني في الدول التي بلغت فيه مبلغا محترما كلبنان. أما إن لم تستجب فمآلها يكون التهميش والإقصاء المدروس بدقة، كحجب رُخص النشر والبث عنها بدعوى عدم دفع المستحقات.

   لمّا كان الفكر الديني المتطرف فرع من فروع التطرف الإيديولوجي بوجه عام ، قد يعبّر عن نفسه في صفوف الجماعات اليسارية، كما قد يعلن عن ذاته في صفوف الجماعات اليمينية ، لذا لا يمكن اعتبار المؤسسات الإعلامية العربية الحديثة التكوين العاملة في إطار جماعي أو فردي والتي اطّلعت بميثاق عمل يشتمل في قانونه الداخلي على جملة ما يشتمل الإلحاح على الاستقلالية المالية، بخدمة الخط الافتتاحي للأسلوب والخطاب الذاتيين والبحث عمن يكفل الحفاظ على تلك الاستقلالية و مهما كلفها أو كلفه الثمن، حتى وأن اضطرت أو اضطر بعضهم إلى الانحراف عن مسار أخلاقيات المهنة والارتماء في أحضان المعارضة المعتدلة، لأنها بالأساس نتاج المجتمع المدني المتمخّض عن الفكر الوهابي (العربية السعودية) الحاضن الأول للإرهاب في العالم كما يرى المفكر الشهير برنار لويس إلى جانب الفكر الشيوعي، والبعض الآخر اختار طواعية تزكية التطرف بل و دعمه بكل ما يملك، هذا التوجه يذكرنا ببراغماتية بعض شيوخ الطرق الصوفية وشيوخ الإرشاد والتوجيه الديني المحسوبين على أحزاب إسلامية معتدلة عبر وسائل الإعلام الحكومية للدول العربية الرجعية ، الذين كرسوا حياتهم للتعليم الديني و الوعظ المسجدي في ظل ما تعرّضت لهم مجتمعاتهم من محاولات العبث بأمنها في السنوات الأخيرة، كالعربية السعودية والكويت والمغرب؛ أقدموا على مساندة أنظمتهم إعلاميا ـ بإنشاء قنوات جديدة للدعم ومد يد العون لحكامهم بالحجج والإفتاءات الشرعية ـ ظانين أنهم سيساهمون في عزل التيار السلفي الجهادي غير واعين أنهم بسلوكهم يعلنون ميلاد تيار سلفي جديد، كأني بهم هم الوهابيون الجدد بلحمهم ودمهم الذين يدْعون بضرورة طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عنهم ــ رافعين أكفهم إلى السماء كشيوخ قطر وشيوخ الأزهر السلفيين تماما سائلين مولاهم بأن يحفظ حاكم البلاد ويهيئ له من أمره رشدا ــ ومساندة السلطة القائمة/الحزب الحاكم والتحالف مع مؤسساتها الدينية والعسكرية، أولا لكي يُعترف بها أنها عرّت الإرهاب قصد إقصائه، وثانيا للوقوف صدا منيعا أمام مخططات أمريكا في المنطقة العربية، كأني بهم إعلاميون لكن في ثوب الوهابيون الجدد حقا، فوجه الشبه في ظروف وأسباب النشأة وسلوك التعامل الذكي مع هذا الطرف أو ذاك جلي بيّن بينهم وبين تلكم الحركة السلفية المعروفة، سواء كانوا يمنيين أو يساريين حملوا كاميراتهم لترويج أفكارهم: مؤسسات و أفراد لا علاقة لهم بالإسلام إلا من الجانب البراغماتي لقضاء خدمة أو حاجة، أي محاكات منهج الحركة الوهابية نفسها، فالغاية الحقيقية المرادة ( تأتي لاحقا ) هي التربّع على عرش الشهرة واغتنام لِمجد إعلامي عندما يتربع النظام على كرسيه.          

   و لفهم هذه الموا لات أو هذا التحالف الاستراتيجي الذي ما فتئ يقيمه رجالات الإعلام الجدد مع أنظمتهم التي تصف نفسها بالوطنية ـ بينما يصفها الإسلاميون بالأنظمة الاستبدادية القمعية أما الديمقراطيون  و الليبراليون فهم عاجزون في بلد كالجزائر ـ مثلاـ حتى عن وصف الأشياء بمسمياتها لا لغياب وعي حقيقي لديهم ، بل لأنهم لا يملكون تجذرا في مجتمعاتهم كالذي يملكه الإسلاميين عدا بعض الاستثناءات في لبنان ومنطقة القبائل بالجزائر، بالتالي هم يفتقرون إلى القاعدة الجماهيرية الواسعة الداعمة لأي نشاط ـ ولابد إذن لفهم أوجه الشبه في سلوك الإعلام العربي الجديد اتجاه السلطتين الدينية والسياسية وسلوك الوهابيون الجدد اتجاههما، من التعريج على تاريخ الفكر الوهابي الذي استندت عليه الأنظمة العربية أثناء استقلالها عن الخلافة العثمانية تقوية لأركان الدولة وجلب الشرعية الشعبية لها، كون السلطة الرابعة المقصودة بالعرض والتحليل في هذه العجالة هي يد السلطة التنفيذية و بوقها التشهيري البراقة التي تزيّن مؤسستها الدينية والسياسية بالترويج لقيم العدالة والديمقراطية، اللتان يُنادى ويُطالب بهما ليل نهار من دون أن تشتم لهما رائحة!

   ظهرت الوهابية كرد فعل إصلاحي على انتشار الخرافات والبدع؛ من شعوذة وأباطيل جاهلية مستجدة مست البلاد والعباد وسط القبائل النجدية أواخر القرن السابع عشر، على يد محمد بن عبد الوهاب التميمي المولود عام 1703 ببلدة بوينة جنوب العارض التابعة لمقاطعة نجد، فرام إلى تحرير العباد من تلك الجاهلية المضروبة، بالعودة إلى الأصول وتحرير البلاد برفض سيطرة الخلافة العثمانية التي شجّعت على الترف والتمسك بالعادات المستهجنة، كالتبرك بالأولياء وطلب الشفاء منهم والتمسح على الأضرحة. وكان من الممكن أن تنجح دعوته الدينية والاجتماعية الإصلاحية المتمثلة في الصرامة في اتّباع الفروض ومكافحة الترف، لو لم تقترن بالمقاومة السياسية للعثمانيين التي أثارت والي مصر محمد علي ولم ترقه إطلاقا، بل راقت الفكرة لمحمد بن سعود حاكم الدّرعية فاعتنق تلكم الدعوة حوالي العام 1724 وعمل بنفسه على نشر المذهب الوهابي بنجد وكامل الجزيرة العربية، بمساعدة ابنه عبد العزيز، حيث ما إن جاء عام 1803 حتى أضحت مبادئ المذهب الديني الوهابي هي السائدة حتى اليمن وعسير والعراق مهددة أيضا تركيا في الشمال، ما جعل السلطان يعهد إلى محمد علي بتصفية  بني سعود واسترداد الحجاز وكان ذلك عام 1815، فقضى على جيشها النظامي و اقتيد الخليفة عبد الله بن سعود من قبل القائد طوسون إلى الباب العالي ليُشنق ، وأثناء إتّباع الحجاز لإمارة محمد علي ظلت المبادئ الدينية الجديدة محفوظة لم تصادر، بدعوى أنها قريبة من التصور السّني (أهل السنة والجماعة) حتى قيام الدولة السعودية الثالثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى على يد عبد العزيز آل سعود، موحد شبه الجزيرة العربية سنة 1932، لذلكم كانت الأفكار والمبادئ الوهابية مدينة لحكام آل سعود[3] الذين حسنوا صورتها لدى مجتمعاتهم مقابل أن يحسن شيوخها صورتهم هم كذلك في كل أنحاء المملكة والأمة العربية والإسلامية قاطبة، ذلك أن حكام المملكة وحكام الإمارات واليمن وعمان وقطر والكويت والأردن شيئا ما، كانوا يعتبرون أن الوهابية حزب إسلامي معتدل وجب الاعتماد على مشاركته في بناء الدولة العربية الحديثة إلى أن ظهر العكس في الثمانينيات، بعد ما لم تستبعد الصحوة الإخوانية في مصر وأفغانستان والسودان ثم الجزائر[4] العنف عن نشاطها السياسي، مع ذلك لقي ذلك تأييد الوهابية واستحسانها! ولم تُلم على ذلك التأييد من أحد، حتى ظن مثقفو تلك الفترة أنه قد تكون المناطق المقدسة قد عصمت من السقوط في براثن التناحر السياسي على خلفية دينية بعد سقيفة بني ساعدة وموقعة صفين إلى الأبد!

   ولعلّ الطامة الكبرى التي يتميز بها إعلاميو جزائر العشريتين الأخيرتين ــ الذين ذاقوا ذرعا ــ عن غيرهم، هو حسهم الناقم المغالي كأنهم نازيون جدد بانتماءاتهم السياسية للحزب الحاكم أو وهابيون سلفيون جدد، منتمين في خليط، إلى التيارات الإسلامية المعتدلة زائد الحزب المنحل، كما هي الطامة الكبرى في تكوينهم واحترافيتهم كذلك إن على جميع الأصعدة؛ لغة وتقنيات وثقافة وإطلاع من رأس المؤسسة الإعلامية حتى قاعدتها؛ أصبحت موجة تلو الموجة من أشباه الإعلاميين تلكم التي تلج يوميا إلى الميدان تطفلا فتحجبه احتكارا وفرضا، بقصد أو دونه و بسياسة ممنهجة تمارس التهميش والإقصاء للطاقات الحقة المؤهلة ، بالاستقواء بالسلطة نفوذا وجاها، حتى إذا خلا لها الميدان تتقرب به للسلطة مانحة نفسها حق الامتياز في نشر صيتها، حيث الأقلام والمذيعون المتميزون لغة و ثقافة وربما موهبة هم خارج الحلقة، مهمشون وقد قهرتهم الرداءة واللامبالاة ، فيطوُون في صمت أسفا على التردي وعلى السفاهة والابتذال، وعلى الخُيلاء، أو ينزوون للعمل في مجالات وميادين سد الرمق ، والتي جاء منها "رؤساء التحرير والمدراء المتطفلون"! كالفلاحة والتجارة مثلا.

   أما أشباه الإعلاميين من ذوي النزعة الشوفينية العصبية وهم في الحقيقة سواء خرجوا ويخرجون من عباءة النظام أو السلطة كما سنرى لاحقا ـ بورجوازيون أو أبناء كبار المسئولين في الدولة ـ ممّن ينطوُون على ثقافة استهلاكية عولمية لاهثة وراء الإشباع الغريزي في المقام الأول، كانت ثقافتهم التي يتلقونها من وراء البحار تقليد الموضة الآتية عبر مواقع التواصل وقنوات اليوتيوب، والتجرد من القيم الأصيلة سببا في تطفلهم على الإعلام تحت مسمى " الإعلاميون جدد". مشروعهم المتناغم مع النفس هذا هو الذي يوصف صاحبه ـ حسب فهمهم ـ بالمتحضّر، حتى غدت أيديولوجية الهروب من الواقع والالتصاق بفنتازيا حب السلطة والاستدفاء بنورها من حب المتع والشهرة ، هذه الأيديولوجية التي وسَمت المنتسبين لقطاع الإعلام في بلدي الجزائر؛ سقط ويسقط في فخها أنصاف الإعلاميون وأشباههم بأعداد ضخمة أول ما يسقط لهشاشة تكوينهم الثقافي المعرفي الشامل وغرفهم قيم الصحافة الصفراء tabloids and the yellow press لاعتقادهم أنها ثقافة العصر التي لا محيد عنها! : تغرف الصحفية التي توظف لتوها في مؤسسة إعلامية (فلانية) من تلكم الثقافة الصفراء مدفوعة ، فهي في عمر الزهور تُرسل إلى موسكو وجنيف وبرلين ومدريد لتغطية حدث ما، مع رئيس تحريرها ولتُطّبق على أرض الواقع ما تعلمته نظريا من خطاب وتكوين أصفر بمعية رئيس تحريرهاَ!

   نحن لسنا ههنا ضد ذوبان موجة صحفيو الجزائر الجدد في القيم الاستهلاكية الغربية المقززة أحيانا التي طبعت ثقافتهم، لالتصاقهم بطبيعة يفرضها عملهم بتلك الوسائط الإعلامية المتعددة المتطورة، وهي نفسها لا تُعرف ولا تُبتغى من غير كونها "الموضة" والتغيير الذي ليس لأحد يد فيه، إلاّ لأننا لاحظنا بحكم المصاحبة والمزاملة أولا أن الثقافة الأصيلة منعدمة لديهم تماما سواء جزائروأمازيغيين كانوا أم عرب، وثانيا أنهم سيكونون كأنهم مدمنون عليها كلما ازدادوا غرقا فيها، بل هم وميولاتهم يغدون محتكرين عند عصبة لا يهمها غير مصالحها الخاصة، فما ظنك أن مسئوليهم في تلك المؤسسات المرتبطة بأجهزة الدولة المختلفة قايضوهم في مزيد الجرعات منها/ موضة الأهواء كما يسميها الدكتور سعيد بن كراد مقابل الولاء المطلق، تكريسا لفضاء أيديولوجي استبدادي فاشي، النتيجة تكون حتما القبول بخاصة لدى الجنس اللطيف.

   لم تفتح الجزائر قطاع الإعلام الثقيل أو السمعي البصري على الخوْصصة إلاّ بعد 2014 حيث ظل قبل هذا التاريخ محتكر، إذاعيا وتلفزيونيا لصالح الدولة، بقناة تلفزيونية أرضية واحدة كانت تسمى تنكيتا باليتيمة وقناتين فضائيتين ثانية وثالثة بالأمازيغية والفرنسية على التوالي، وقد عرفت المرحلة التي سبقت الخوصصة غليانا في وسط هذا القطاع، بسبب الاحتكار والتضييق على المصادر والمستوى المعيشي للصحفي نفسه في القطاع، وقد كانت هذه القنوات قمة في تواضع المستوى اللغوي والتقني مع ذلك تسيطر على المشهد الإعلامي الجزائري طولا وعرضا ، وقد كرس العاملون في التلفزيون والإذاعة وإلى حد ما يومية الخبر ـ التي ما إن دخلت الألفية الثالثة حتى دخلت الحلقة مع التلفزيون والإذاعة لتشكل مسرح المد والجزر بين الأقلام الصادقة و المحتكرين والطفيليين، الذين أطلقنا عليهم اسم الوهابيين الجدد لمشابهتهم للوهابيين سلوكا وعملا في عدم الاعتداد إلا بالقوة والنفوذ وإقصاء كل من يخالفهم، ومازال هذا السلوك يطبع الواقع الحقيقي بيد أنه مخفي عن الأعين بتفنن ـ وفيما يلي أجرد بعض الوقائع الشخصية التي تثبت  عفونة هذا الميدان (الواقع مرحليا بين بداية التسعينات حتى ظهور الفيسبوك أي الجسر المؤدي لتبلور الإعلام الجديد ) إلى الدرجة التي جعلته يدا إرهابية ثانية بعد اليد الإرهابية الحقيقية، وسيف مستل في يد السلطة الاستبدادية والسلطة الدينية تبعها حكومية كانت أو حزبية، فكان ومازال كأنه حركة إرهابية سلفية جديدة بيد أقوياء البلد؛ وأنا بصدد التحضير لنيل شهادة ليسانس في الإعلام والاتصال بالعاصمة الجزائر، أي قريبا من الكواليس والروائح التي تفوح منها، كنت في المحاضرة أستمع إلى أستاذ فنيات التحرير يقول لنا كيف أن أحد الطالبات البورجوازيات العاصميات قالت له بالحرف « لم أنتسب إلى هذا المعهد إلاّ كي أعمل في التلفزيون بعد التخرج!» فراح معلقا على كلامها بما يشبه الوعظ، وهو يعلم أن كلامها صحيح وبعيد كل البعد عن القضاء والقدر الذي أسهب فيه قتلا للوقت، فالإعلام الثقيل/السمعي البصري أصبح في هذا البلد تحت رحمة لوبيات محلية ضاغطة، إحداها من الأسفل : وهي مشكّلة من أبناء الطبقة البورجوازية المحلية والطبقة الحاكمة، والأخرى من الأعلى وهي السلطة المتخلفة عن ركب المجتمع الديمقراطي وفضاؤه المكرس لها، ألا و هو الإعلام الحكومي حتى الجديد منه والحزبي الاسلاموي الجديد وهما كلاهما مجاريان للسلطوية والعنصرية والتي من سماتهما التقييد والتعتيم لحرية التعبير.

 فالباشوليي ابن الزوالي[5] أصبح يحسب ألف حساب قبل أن يقرر متابعة تكوين إعلامي. ولقد رحت ماضيا بعين شاخصة لم يفتها قيد أنملة تسجيل مظاهر النفوذ والانتهازية، ولا شك أن إحدى هذه المظاهر قد عاشها هذا الزوالي وهي: أنه بالرغم من أن أبناء الأمازيغ  والفرانكفونيين لا يطاوعهم لسانهم اتجاه العربية فهم عندما لا يستوفون شرط القبول في كلية الإعلام يعمدون إلى حيلة أخرى لا يقدر عليها أبناء الناس البسطاء، وهي التسجيل في تخصص مغاير ثم إجراء تحويل ـ بمساعدات إدارية تتم تحت الطاولة ـ أو بتدخل نافذ من هنا وهناك يسجلون في معهد الإعلام ويتخرجون  بتكوين لغوي وتقني باهت ومْبَهْدَل إن جاز التعبير، لكن إرادة المحاباة تمكنهم، ومن التوجه للتلفزيون والمؤسسات الإعلامية المعلومة بالعاصمة الجزائر مباشرة، ويزاولون بعد استحواذهم استحواذا على الوظيفة تكسير رؤوسنا بلغتهم الركيكة تلك وبمستواهم الثقافي والأخلاقي الهابط، وتمكّن منهم من لقي شهرة من التسجيل في الماستر، ولا يقف به الأمر هنا بل يشارك في مسابقة الدكتوراه وبعد فترة قياسية يصبح دكتورا في المجال و هو لا يهضم بما فيه الكفاية معارف عديدة أهمها الإلمام الصحيح بقواعد اللغة العربية مثلاً!! أما من حصل منهم على أعلى معدل نظام جديد LMD فأعرف منهم من سجّل في الماجستير عوض الماستر، تسجيلا غير قانوني البتة وكان ابنا لأستاذ في ذات الكلية! أيعقل بعد هذا أن تكسّر وتعزل حلقة الضعف ويتغير الواقع المر بين ليلة وضحاها! كلاّ، ضعف مستوى الإعلام الجزائري ليس من ضعف الدولة فحسب بل كذلك من تواطؤ تراتبية المجتمع على تكريس الضعف من خلال للا توازن في النزاهة والعدالة الاجتماعية إن على جميع المستويات.

   فلو ولى اليوم أي عربي وجهه اتجاه قنوات المغرب العربي الفضائية الجديدة، لأخذته الرّجفة  من فظاعة المستوى المتدني، إن لغويا أو تقنيا، عدا بعض الاستثناءات كالمقالات التي تنشرها أو الحصص التي تبثها قنوات تتبع أحزاب إسلامية أو أفراد مستقلين أغلبهم أكاديميون وأساتذة سابقين فكثيرا ما تنخدع "الجزيرة" وشقيقاتها العربية وmbc والعربي وسكاي نيوز وART وغيرها عندما تطلب خدماتهم تكتشف أنهم مجرد أحبال صوتية جهورية خاوية الوفاض على أعراشها كما يقال، لا تتحكم في أبسط أبجديات التعبير بلغة عربية سليمة ولا من ثقافة سوية رزينة غير تلك التي يحدوها براعة التملق وباللغة الأجنبية وعادة التقليد بالفطرة، لا أقصد تقليد الخليجيين في لهجاتهم بل تقليدهم في أسلوب العمل، وبعد اكتشاف النقص الفظيع المغطى بنبراتهم الصوتية الحادة والخشنة المضللة، تكلفهم بأعمال ثانوية كقراءة الترجمات و إعداد البرامج الغير مباشرة وربما ترجعهم إلى بلادهم مراسلين من هناك، وأكثر الصنف الذي نحن بصدده هن الجزائريات البورجوازيات أمازيغيات كن أو من طبقة محظية فرانكفونية معروفة بولاءاتها، كالتي سبق وأن ذكرناها أعلاه.

 وهناك في الجزائر والمغرب فساد من نوع آخر اطلعت به الموجة الإعلامية الجديدة وهي مقايضة النجاح واعتلاء المجد الإعلامي بالشرف، والحاصل في هذه المقايضة[6] هو أن يقوم المدير أو رئيس التحرير في الإذاعة الفلانية أو القناة الفضائية العلانية (جلهم من الليبراليين المتملقين للنظام وجيشه)، بكسب ود الصحفية التي غالبا ما تكون على قد حالها متعهدا إياها بالحظوة الخاصة والترقية إن هي باعت شرفها له!  ففساد قطاع الإعلام وضعف مستواه هاهنا هو من فساد السلطة، فابتعادها عن قيم العدالة والديمقراطية إلى المحاباة والمعرفة والرشوة وغيرها، حيث يسقط هذه التوصيف بدوره على مؤسساته الإعلامية التابعة له، فلا يلج إلى تلك المؤسسات إلا من هم في سجاياهم بمثل سجايا الدولة نفسها؛ من محسوبية واسترزاق وعدم كفاءة، والنتيجة تردي وتهميش وإقصاء بالجملة للطاقات الإعلامية الأكفاء. في مثل هذه الحالة يسود مبدأ تقديم القويّ على الضعيف؛ لأنّ القوّة هي من يتحكم في السلطة القضائيّة وقوانينها، ففي تطبيق قوانين العقوبات يفرّق بين كون السارق فقيراً فيقام عليه الحدّ، وبين كونه غنيّاً فلا يقام عليه.

   العمل الإعلامي أيضاً لا يشذّ عن هذا المبدأ، فإذا كان الخبر محرج يمسّ شخصاً قويّاً بحيث يمكن أن يؤثّر سلباً عليها فسوف تتحايل في التعامل مع الخبر، أما إذا كان الخبر يمس جماعات بائسة فقيرة مستضعفة حتى لو قامت قيامتها لن تقدّم ولن تؤخّر شيئاً، فسوف تقدّم الخبرَ بكلّ وضوح وشفافيّة وبتشدق. هذا المنطق غير الأخلاقي ظهر جليا في تعامل وسائل الإعلام الجزائرية مؤخرا مع قضية اتجار جهات نافذة في الحكم بالمخدرات في ظل أزمة انهيار أسعار النفط، حيث بعد هذا الحادث ركزت وسائل الإعلام المختلفة على الأداة ــ الشخص الضعيف "المستورد" ــ ولم تتطرق إلى من وظف تلكم الأداة ـ قيادات عليا ـ وهي لم تجاري في الحقيقة إلا الرئيس الذي أقدم على تنحية الضعفاء تاركا الأقوياء، لأنه يعلم أنه لو نحى قائدا دون مشورة قائد الأركان لنُحي. بل أنّ هناك من يرى من المسلمين وحتى غيرهم أن الاقتصاص من الضعفاء وترك الأقوياء أضحت عادة أو لنقل ثقافة إسلامية بامتياز فقول الرسول ص "لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها" أصبحت مقولة موضوعة للتاريخ تمويها وتغطية لِما يجري في الواقع من وقائع يومية مناقضة لهذه المقولة، ذلك أن النبي أسس دولته بسواعد الفقراء وهم بعد رفعه إياهم تلك الرفعة عموا عن أي حقيقة حتى التي قد تصيبه في أهله؛ أي أنه لو أن فاطمة سرقت حقا يَعْمَى شهودها على الحقيقة فلا يشهدون ضدها، زد على ذلك حفظهم عبرة تعامل النبي ـ والتي جرت أمام أعينهم ـ مع عدة قضايا منها قضية إرجاع زوج ابنته زينب وقضية القريشي الذي وضع الجذور على ظهر النبي وهو يصلّي، فحفظ السلف الصالح الذي خلف خلفه مازال يحفظ له رجاحة الرأي وسداده، أجل فحفظ الخلف للعبرة من حفظ السلف عن النبي فعله وبعد أن قوي النبي كما هو معلوم (حتى لا تقولون أنتم تزورون التاريخ) أمر عليا بصلب الغلبان الذي وضع الجزور على ظهره ولم يفعل نفس الشيء مع آل أبو سفيان الذين أهانوه وأهله مرات ومرات، كل ذلك يجعلهم يعمون عن الحقيقة عندما تتعلق بشخص معصوم مثل النّبي.

   هذه الوضعية المحكمة الإقفال تنم عن رضى الإعلام الجزائري الارتباط بمصالح السلطة بمصالح أصحاب الأعمال، بمصالح لوبيات عشائرية عنصرية اتجاه الأعراق الجزائرية الأخرى المتنوعة والمندسة بفاعلية وإحكام داخل المجتمع الفرانكو ـ ألجيروازي في العاصمة الجزائر، لأنها واجهة البلد السياسي والثقافي والاقتصادي ككل، التي أسوق منها شهاداتي بداية عندما كنت قد أمعنت التأمل في ذهنيات أهلها وكيف أن المناهج البيداغوجية والعلمية تتأثر بتلك الذهنيات؟ وأنا طالب جامعي، وخلصت أن كل تردي وابتذال يكون قد لصِق بالصحفي الجزائري مرده التكوين داخل الحرم الجامعي: التكوين الملتبس، الفوضوي، بل والموجه توجيها من لدن السلطات لها يد "المحلية" الأقوى من يد "الوطنية" والمقتسمة للمصالح المذكورة أعلاه بقوة الجاه والنفوذ لا شيء آخر[7]!! كيف لا؟ وقد رأيت بنفسي الأستاذ الجامعي ـ الذي هو في نفس الوقت موظف أو مساهم في مؤسسة إعلامية جزائرية ذات شهرة، في مستوى الشروق اليومي على سبيل المثال لا الحصر ـ يدعو طلبته إلى الغش، أجل يدعوهم للغش ويمنحهم العلامات بدون تصحيح ورقة الإجابة! ربما لإن هناك فردا أو عدة أفراد من معارفه الخاصة ومن أبناء المسئولين في الصف، أو ربّما من أبناء إعلاميين معروفين ممّن لا تنطبق عليهم مقولة هذا الشبل من هذا الأسد؛ هؤلاء الطلبة الفاشلين يا ويله منهم إن لم يكن تعامله معهم جيدا، ستأتي حينئذ الأوامر من فوق بعزله أو تحويله. ثم أني أذكر جيدا وأنا في سنة التخرج فرع إعلام وإتصال جامعة الجزائر 2 الكائن مقرها ﺑ ITFC كمن تهيأ جيدا للامتحان في مقياس فنيات التحرير، وكان الأستاذ الذي طرح سؤالاً بعيد عن الحفظ على غير عادته، وهو من أصول غير عاصمية وغير متعود كفاية على ذهنيات العاصميين، فكان أن دفع الثمن غاليا عندما طلب منهم ـ ومني لأني كنت طالبا عنده في مقياس فنيات التحرير ـ تحرير مقال يعرض بالتحليل لأحد مؤلفاته فأصيب الطلبة بالدهشة وعدم القدرة على الإجابة حتى ولو بمقاربة تعتمد على الصياغة/التحرير أكثر منها على إعطاء المعلومات، و رفضوا الإجابة وخرجوا إلى الحرم متظاهرين خالقين بلبلة كبيرة، بل محاولين الاتصال بالمدير ورؤساء الأقسام في ذات الكلية، بل ببعض الصحفيين المراسلين لنقل الخبر أيضا وقد شاهدتهم بعيني يصورون "الحدث"! لعلّ هذه الحادثة تصور بصدق "لوبي الإعلام" حاميه حراميه وهو بعدُ جنين في بطن أمه؛ وهو بعدُ داخل أصوار الجامعة وقد تعلم أن يوظف لوبي "المحلية" الذي تعلمه من أسلافه ليساهم في تعكير الصفو واستمرار حلقة الفوضى لأن في الفوضى وحدها يسود الطالح قبل الصالح، ليس بلغته الركيكة التي لا تحيل بأي حال من الأحوال إلى اللغة العربية التي نعرف عند المشارقة فحسب بل بعصبيته التي تشبه عصبية عصبة الوهابية السلفية المجرمة. والنتيجة هي ليس في رضوخ الأستاذ المسكين للأمر الواقع وإعادة الامتحان بل في منحه علامات جيدة للمتسببين في إلغاء الامتحان الأول وحرق الأبرياء ـ فهو إن لم يُضيف إلى أبناء هذا اللوبي المتعود على الغش والتحايل نقطة إضافية لعلاماته وإن لم يساير ميولاته وإن لم يقبل الإشراف على مذكّراته ـ ربما بتدخل مباشر من الأولياء ـ مانحا درجة مشرف جددا وفي حفل يكون أقوى من حفل الزفاف، سيكون عندئذ حاله (المسكين) في حال.

   والحقيقة أننا ألفينا هؤلاء الطلبة المتخرجون ليعملوا كإعلاميون جدد قد ورثوا نفس سلوك أباءهم، سلوك يوظف بذكاء القرب من السلطة التي اعتادت الولاءات والتملق والتزكيات بخاصة في المواعيد الانتخابية والاستناد عليها، ويختلف باختلاف القطاع، فإذا كانوا ينتمون إلى القطاع العام المملوك للدولة عندنا بالجزائر ستجدهم في أستوديوهاتهم ومنابرهم المعزولة عن قطاعات الشعب الواسع المغلوب على أمره كأنهم في قصورهم الملكية المحصنة المحمية، فيرمون آنئذ إلى نوع من الكبرياء وخيلاء العظمة بما لا عين رأت ولا عين سمعت، ككبرياء نمّ عنه برنامج بثته " اليتيمة" منذ سنوات تحت اسم " في دائرة الضوء " وبرنامج آخر حواري تظهر فيها صحفية بربرية ركيكة اللغة إلى درجة تبعث على التقزز وهي تنابز بأشين العبارات، بتوجيه من أسيادها، المعارض علي بن فليس وهو في مقام جدها!! ولعلّ سبب ذلك راجع لمستوى معيشتها المقارب لمستويات بورجوازية ماديا ومعنويا، ناهيك عن زيجاتهن من المخرجين والديبلوماسيين ورجالات نافذة في السلطة كأرباب الأعمال، فالوزيرة الجزائرية الحالية للبيئة ما كانت لتقفز من مجرد صحفية إلى وزيرة في زمن قياسي لولم تقع في عدة مسئول كبير مدني أو عسكري، ينطبق الأمر كذلك على صحفي سابق عين سفيرا في رومانيا بعدما استوزر، حيث جعلته صداقته لرئيس الحكومة أحمد أويحي يتسلق المراتب سريعا، وهو مجرد صحفي بسيط بالكاد يكاد ينطق بلغة الضاد طقا تختلف عن نطقه للغة الدا الحسين/العم حسين.

   ليت شعري، ألا يشبه حال هؤلاء الصحفيين الجدد إذن حال الوهابيين السلفيين في تعاملهم مع البلاط؟ بلى إنهم وهابيون جدد في سلوكهم الطّيع المخلص الخانع للاستبداد والرجعية قلبا وقالبا، وكم من مقدم برامج سياسية ومقدمة برامج سياسية وإخبارية اشتهرت بسلوك حامت حوله الشكوك منذ عهدها بالجامعة إلى ولوجها المنصب الذي كان بانتظارها، مازالت في برنامجها الفلاني ذاك عامدة إلى مُقاطعة ضيفها بطريقة يندى لها الجبين؛ مكررة خلفه أصوات نشاز من مثل « آ. أ. آ. أ...» بدل نعم أو حتى أيوة! وهي في فهمها أن ذلك دليل كفاءتها؛ حتى تُطبّق ما تعلمته من ضرورة تفاعل المُحاور مع الضيف بدل الصمت. والحق أن إعلام الأمس في الجزائر يختلف تمام الاختلاف عن ما نراه اليوم بخاصة في مجال البرامج الشبابية التي تعنى بالمسابقات الأدبية والفنية، فإعلام اليوم أصبح كأنه مهنة من لا مهنة لهم، باعتراف أكاديميين ومثقفين مرموقين، إعلاميين أو غير إعلاميين من المُجايليين لواقع هش ركيك اللغة ومبتذل الأسلوب ومتسرع الإيقاع الفني مقارنة بالجيل السابق، وهم يُجمعون أن ما تقترب نسبته من الخمسين بالمئة أصبح إعلاما طفيلياوالخمسين بالمئة المتبقية إعلام ضعيف أو أصفر، ولا أدل من برامج مستحدثة بقنوات القطاع العام في الجزائر تقليدا محسوب النتائج بدقة وهي برامج النجومية ونيو لوك و"ستار أكاديمي " ومسابقات أصحاب الملايير التي تستأثر باهتمام المشاهدين، مستحوذة على حياتهم المادية على حساب حياتهم الثقافية؛ إنها ثقافة الربح والأجرة الشهرية مكرسة لثقافة البذخ والاستهتار بعقول المشاهدين، حيث لا فن ولا أدب ولا موسيقى حقة قط، كل ما هنالك منبع مالي جديد sponsoring يصب في جيب المؤسسة الإعلامية تضمن به استمراريتها.

  فمسابقات النجومية في مرحلة المد القومي العربي وما تلاها كانت مسابقات ترعاها قامات إبداعية من الميدان في برنامج تلفزيوني، إذاعي وجورنالي (دفعة واحدة) ومفتوح بدون كواليس، كبرامج "ألحان وشباب" و"اختر نجمك" في الموسيقى والرسم والأدب والمسرح سعت إلى اكتشاف المواهب الجديدة؛  ففي مجالي الشعر والرواية استقطبت تلكم البرامج شباباهم من يقوده الساحة الأدبية اليوم كجيلالي خلاص وبلقاسم خمار وعمر أزراج والأخضر فلوس وحتى أحلام مستغانمي، ونفس الشيء بالنسبة للموسيقى والفن التشكيلي وتلكم البرامج التلفزيونية والإذاعية العتيقة التي أدارها صحفيون إكفاء ﻛ : عبد القادر طالبي صاحب برنامج "الألغاز الخمسة" و يوسف ريح ببرنامجه "في طرق النور" ولا مجال للمقارنة بينهم وبين الجيل الحالي ممن تمتلئ أنفسهم غرورا وتملقا يشبه تملق الوهابيون الجدد لِأولياء أمورهم على شاكلة برامح " اللوطو" و"اربح معنا" و"اصنع نجمك" و" زدني كنال " على السريع  التي تبثهما أكثر من قناة فضائية جزائرية جديدة، في تهافت وراء شرط السوقية لأجل الشهرة والمتع الظرفية و الاستماتة في طلب رضا الجهات الحكومية التي أوصلتهم إليها، ينطبق الأمر كذلك على مُعدّي البرامج الحوارية والتنويرية من هؤلاء نذكر الصحفي المعروف كريم بوسالم الذي أدار برنامج تلفزيوني حواري أسبوعي وحيد في العشرية الماضية، وعبد الوهاب شعلال وعبد الرزاق بوكبة المكلفان بالإبداع الأدبي بالتلفزيون الحكومي، وعبد الكريم حرز الله وحمراوي شوقي المشرفان على مسابقة وهران السينمائية منذ عشرية ونيف وكثير. هؤلاء جميعا كانوا بمثابة حلقة وجسر التحول، بحيث بعدهم انفتح الإعلام بشكل جديد فوضوي منعتق من عقال، حيث تعلّم منهم الجيل الجديد ركاكة اللغة وتسرع التنفيذ والإعداد، وبالتالي عدم تقدير واحترام المشاهدين البتة إن ثقافة وإن ذوقا. نحو تسعين بالمئة برامج أدبية وثقافية سطحية سريعة مكرسة للفرانكو ــ أمازيغية والفرانكو ـ شعبية، أما إذاعيا فشتّان بين برامج بلقاسم خمار وعلي فضي الشعرية العتيقة بالفصحى والعامية، وبين البرامج الحالية كبرنامج "شاعر الجزائر" و"بيت الشعر" وغيرهما المكرسان لصنع النجومية وليست أي نجومية، إنها نجومية المعريفة وتبادل المصلحة على حساب المستوى (صديقه النجم أو جاره النجم سريعا يلمع سريعا يأفل ويختفي وكأن شيئا لم يكن، أكل أُكلة ثم طار)

   أما قطاع الإعلام الخاص بالجزائر فيتجاذبه اتجاهان، ليبيراليين علمانيين سلوكهم اتجاه السلطة هو سلوك المنتسبين للقطاع العام المشار إليهم آنفا، وإسلاميين معتدلين يشبهون هم الآخرين الوهابيين في تعاطيهم مع المادة الإعلامية والمتعاملين مع تلك المادة الإعلامية، أي يجعلون من المصلحة المتبادلة بينهم وأي طرف مشروط بالتوافق والانسجام الثقافي مع القيم والتقاليد الدينية التي تقوم عليها أي سلطة دينية كإعداد مصليات قرب أو بين قاعات التحرير، وفصل من لا ترتدين الحجاب إن لزم الأمر واستبدالهن بأخريات، ليس من الضروري حملهن شهادة في التخصص كقريباتهم المتحجبات مثلا، وقد شهدت بنفسي هذه السلوكات شخصيا عندما كنت على أهبة الاستعداد للعمل مصححا في صحيفة البلاد "الحمسية" حيث وقفت فيها على طقم منقسم إلى : عاصميين من "أبناء الفاميلية" والبقية إسلاميين أو ممن يرفعون شعارها على الأقل ويحرصون على نظامها الداخلي فيها أيضا باعتبارها أداه حزبية، فلم أجد نفسي بالضرورة حينها لا مع هذا الطرف ولا مع ذاك الطرف، ويعمل كلا الطرفين الذين يعوزهما التحكم في اللغة العربية والتجربة إلى سد النقص في إخراج المادة الإعلامية من الوسائط المتعددة لصقاوتركيبامن هنا وهناك، إلى أن يكتمل الخبر أو المقال أو الربورتاج!

  بالفعل، قد استنسخت الكثير من القنوات الفضائية الخاصة و وسائط الإعلام الأنترنتية من مدونان و قنوات يوتيوب منهج عمل صحفيو القطاع العام وقلّدتهم في ضرورة التحالف الاستراتيجي مع السلطة[8]، لكن ليس بالضرورة أن تكون سلطة سياسية أو سلطة دينية التي لها قاعدة اجتماعية كبيرة في الجزائر وخارجها كجمعية العلماء المسلمين والمجالس العلمية الإسلامية ودور النشر الإسلامية و الزوايا والطرق الصوفية والجمعيات و المنظمات الخيرية الاسلامية والمشايخ المهابين المستقلين الذين يعملون مرشدين دينيين وغيرهم من معاقل إنتاج الخطاب والفكر الدينيين والترويج لهما، ولن تكون حينئذ قنوات متزمتة في عبادتها للسلطة بأشد من تزمُّت إعلام القطاع العام ـ من كونها أولا وأخيرا إعلام جديد وسلطة رابعة ـ لاستقلالها عن ابتزازات السلطة المالية من جهة وملكية معظمها للمعارضة؛علمانية ديمقراطية كانت، كالقناتين الخاصتين بحزبي اﻠ FFS واﻟ RCD أو قنوات ومواقع تعمل ضمن مبادئها، وغير مستثنى منها القناتين اليوتيوبيتين اللتين يطُل منهما المعلّق الرياضي حفيظ الدراجي والمحلل السياسي (بين قوسين) العربي زيتوت وكلاهما يكادان يعبدان نفسيهما عبدا، والمواقع الأدبية و الفكرية التفاعلية كموقع المثقف (صاحبه مغربي يديره من دولة غربية) وموقع أنطولوجيا وهو مغربي لكن يشارك فيه مدونون وأدباء جزائريون كثيرون بحكم الجيرة، لكن الأدهى والأمر في أمر هذا الموقع المفتوح أمام آلاف المشاركات العربية يوميا أنه يديره شخص واحد فقط؛ ليضطر لخداع نفسه وزبنائه باستعمال تقنية الوورد في كشف الأخطاء النحوية والصرفية! ربحا للوقت وأمور أخرى ـ الوورد يجُب معه كذلك المصطلحات  المفاهيم المعربة والعامية ناهيك عن المفردات الغير مستعملة في عصرنا، والتي لا يستغني الإبداع الحق عنها، والحاصل أن يتعدى القلم الصادق الموهوب عتبة الأخطاء المسموح بها (الخمس أخطاء) والتي كلها لا علاقة لها بقواعد النحو والصرف بينما القلم البخس تكون أخطائه أربع فقط جميعها أخطاء نحوية كارثية، فيُجاز الرديء ويُمنع البديع، بل تقصى القصة المصاغة صياغة لغوية راقية و تجاز القصص التي تشبه قصص الأطفال، ولعل نصيحتنا أن يبتعد هؤلاء المتطفلون عن الاسترزاق في هذا المجال مصداقا لقول المثل العربي "فاقد الشيء لا يعطيه"

  أما القنوات المتسيّسة الرافعة للشعار الديني كقناة البلاد المملوكة لحركة حمس وقناة الشروق TV المتعاطفة مع التيار الإسلامي، وجميع المؤسسات الإعلامية الخاصة الجديدة هاته ولا نستثني منها حتى المدونات البلوجرية تملك قانون داخلي كاريزمي أصولي لا ينسجم مع شرط حرية العمل الإعلامي سواء مؤسسات صغيرة أو كبيرة، ولإن أصل مبادئها ذاتي كاريزمي حر منسجم مع مبادئ أصحابها الديني لا تقبل المناقشة والتنازل عن المبادئ الدينية لصالح حرية التعبير مثل الوهابية السلفية تماما ولعلّ خير دليل على ما نقول هو تهجم صحفي جزائري جديد ومدون يشتغل في المواقع والمدونات الدينية ـ التي تشهد ليس توالدا جزائريا رهيباومقلق للمخابرات فقط وربّما هي أكثر عددا حتى من المواقع العلمانية الإلحادية نفسها، بل توالدا عربيا كذلك ومفرطا كقنوات مشايخ السلفية الوهابيون، ألفينا عدد منها يحمل شعارات دينية ﻛالهلال أو الصومعة أو المأذنة أو كتاب قرآن مفتوح وتطلق على نفسها أسماءً تراثية كقناة أبو إسلام وقناة ملتقى أهل التفسير وقناة الدعوة الإسلامية و قناة قرار إزالة، وأخرى تهتم بالتاريخ والحضارة العربية وتعليم اللغة العربية وتقدم تعليما بيداغوجيا عاليا أو مدرسيا مُنكّه برسوم متحركة سلفية لا تتوانى جميعها في فضح السياسة والثقافة الرسميتين بأخرى نقيضة موازية، همها حشد المشتركين ونشر المنهج كما تراه هي لا كما تراه المؤسسات الحكومية الرسمية، ومن أمثلة هذه القنوات اليوتيوبية قنوات الإسلاميين في الجزائر وقطاع غزة وعلى منهجها سرت المواقع والمدونات الإعلامية الأخرى أيضا الضاربة بعرض الحائط المقولة الشهيرة « الخبر حر و الوقائع مقدسة » إلى ما يشبه التعصب لمبادئها الدينية أو النرجسية المتطلعة للشهرة عن نقص معرفي واضح حتى في ميدان الإعلام نفسه، كموقع رائد، وموقع راية الإصلاح على الفيسبوك، وموقع صيد الفوائد، وشبكة الفصيح، ومدونة المهتدين، ومدونة أحبّاء الله وموقع الألوكة وموقع المسك وغيرها .. ـ

   وبالعودة إلى الصحفي الجزائري المتهجّم على الشيخ السديسي[9] أحد أئمة الوهابية الجدد الناقدين للتيار السلفي الجهادي، أثناء زيارة له إلى الجزائر مؤخرا، سنجده واحد من المحسوبين على اﻟFis الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة[10]، ما يبين أن خطاب الإعلام الخاص الجديد في معظمه غدا خطابا أيديولوجيا وذرائعيا نفعيا بالهجوم والهجوم المضاد برغم خروجه من نفس البطن إلا أن تحالفه مع أي أيديولوجية سياسية كانت أو دينية مؤسساتية مسجدية أو جمعوية كحال الإعلام المطّلع برسم صورة جيدة لجمعية العلماء المسلمين لدى الجزائريين ستجدها مقربة جدا في خطابها محتوى وأسلوب من الجمعيات الخيرية التي تمولها "حمس" و" النهضة " و "جبهة العدالة والتنمية" الإسلامية إلى وقت قريب، قبل تراجع أسعار النفط وإعلان التقشف وهو يخضع أول ما يخضع لاستراتيجية مكاسب الذات.

   وخلاصة القول أنّ جميع الأجهزة الديمقراطية في العالم والمنظمات التابعة لها إنما ولدت في تاريخ البشرية كلها بسبب وجيه هو تقدم جديدا لقيم الإنسان التي استلبت قديما، قيم العدالة والحرية والديمقراطية حاملة اسم الجِدة "الجديد" منقلبة على نقيضتها الذهنيات التقليدية، كما الحال مع جهاز الإعلام الجديد الذي جاء وولد على أنقاض الإعلام التقليدي. والفكر السلفي الوهابي الذي أطلقنا عليه من قَبلُ هو الآخر نعت الجديد تجاوزا فقط ـ ليشير إلى فترة حكم سلمان ابن عبد العزيز ونجله، لأنهم انقلبوا في الظاهر على حلفائهم الاستراتيجيين خداعاللولايات المتحدة، التي طلبت منهم تنقية الشرق الأوسط من شوائب الفكر الديني المتطرف ـ بل أن الفكر السلفي الوهابي هو فكر متجدد، يُجدد نفسه ويعطي لها الروح مع كل تغييرات تطرأ على المنطقة العربية والعالم من حولها. غير أن كل تلك الأنظمة/الأجهزة  لا تفتأ أن تنزاح عن الهدف وتنحرف باتجاه  العصبة أو الجماعة أو السلطة الأقوى، ولما كانت السلطة السياسية والسلطة الدينية أقوى بما كان في الجزائر وأغلب الدول العربية فقد انجذبت تلكم الأجهزة لِأحدهما أو لِكليهما؛ فلا غرابة من أن ينعت المفكر فوكو ياما الوهابية السعودية بخاصة بالفاشية والإسلام السياسي بعامة والشيوعية بالإيديولوجيتين اللتان تقفان في وجه الحداثة الغربية، أما نعت السلطة الرابعة ما هو في الحقيقة غير نعت وصف حال أداة تكون من القوة بما كان فيما لو وقعت تحت قبضة السلطتين السابقتين لبسط السيطرة و"النظام" على مجتمعيهما لمصالحهما الخاصة، ولا أدل على ما نقول من نظام "سلطة المثقف" في عهد كل من سقراط وفولتير على التوالي، عندما خرج (المثقفين) في ثوب المفكرين والفلاسفة ورجال الآداب وشغلهم الشاغل قيم الإنسان، في شكل دعوى إلى نظام جديد وحاولوا إشراك سقراط كرها معهم؛ في القبض على رجل قالوا أنه يقف حجر عثرة في طريقهم، فآثر سقراط على تجرع السّم على الخضوع لإرادتهم، أما فولتير فقام بمساندة مثقف بروتستانتي وتاجر عصره، تعرض لاضطهاد ديني كاثوليكي في قضية حملت اسمه affaire Callas: إتهام القضاء له بقتل ابنه المنتحر، من ثمة الحكم عليه بالإعدام، غير أن فـولتيـر بصرخة مدوية جاء بها في كتابه « محاولة في التسامح » فتح القضية بعد إقفال مجبرا برلمان باريس على تعويض الأب كالاس جراء ما لحقه من اضطهاد ديني.                                               



*. باحث مستقل من الجزائر.

[1] - سعود صالح: الإعلام الجديد وقضايا المجتمع، المؤتمر العالمي الثاني للإعلام الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، جدة 2011 ، ص40.

[2]-لأنها تأتي في المرتبة الرابعة من حيث الأهمية الاستراتيجية بعد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة الأمنية ليس في هرم الدولة العربية الحديثة فحسب بل في منشأها الغربي كذلك.

[3]- تبناها ابن سعود كمذهب لحركته وهي تنادي بضرورة الرجوع إلى مذاهب السلف في فهم العقيدة والقضايا المستجدة، وتعتبر تراث ابن تيمية وابن القيم أكبر دعامة لبنائها الفكري. وأحيت السلفية الوهابية النقاش في كثير من قضايا الاعتقاد عند المسلمين، واتخذت مواقف مخالفة للكثير من التيارات الإسلامية كالمعتزلة والأشعرية والصوفية والشيعية التي اعتبرتها مخالفة لمنهج الإسلام. وتحدد السلفية الوهابية لنفسها قواعد علمية من قبيل تقديم النقل على العقل، ورفض التأويل، واعتماد أقوال السلف الشرعية. ولها وجود في عدد من البلاد العربي، وهي أقرب إلى كونها دعوة ذات طابع علمي لها أقطابها ممن يشتغلون بعلوم الشريعة، أمثال ابن باز والألباني. ينظر موقع:  http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=

[4]- تعتبر الجزائر أول دولة عربية تقع فيها حرب مدمرة بين الإسلاميين المتطرفين وباقي مكونات أطياف المجتمع الجزائري ؛ من جيش و شعب (عناصر المقاومة الذاتية) ومثقفين ولم تنتهي إلا بعد أن حصدت أرواح آلاف المثقفين ومن الطرفين ، من بينهم إعلاميين شجبوا ونددوا علنا بهذا الطرف أو ذاك ، وكانت الحركة الوهابية قد مولت الجبهة الإسلامية للإنقاذ ثم بعد أن أعلنت الجماعة الإسلامية المسلحة الحرب على الجزائريين  لم تقف مكتوفة الأيدي وتبرأت السلفية الوهابية منها و تحولت بفريق متكامل من ساسة وأئمة رسميين وغير رسميين إلى تأييد حزب محفوظ نحناح " حركة حماس" بالمال في السر، وهو حزب إسلامي صغير معتدل كما تؤيد السلطة الفلسطينية والإخوان المسلمين والحركات الإسلامية الأخرى اليوم ، بتقديم يد العون ماليا لهم بالسندات البنكية الإسلامية ومعنويا بالإفتاء أحيانا في سرية وأحيانا علنا.

[5] - استعملنا كلمة الباشوليي عوض الحائز الجديد على البكالوريا والزوالي بدل الفرد المتواضع الذي هو على قد الحال، لقوة إيحائهما وتعبيرهما عن الواقع الجزائري. أما أبناء الفاميلية المقصود بهم المحظيين الذين تقع المؤسسة في حيهم أو مدينتهم.

[6] - هذه الظاهرة موجودة بكثرة، ولا أدل عما نقول ما قامت مؤخرا بكشفه كاميرات سرية زرعت في مكاتب تتبع القطاع العام بخاصة في المقرات التي تجمع الجنسين، كمقرات البلديات ومقرات الدوائر ومديريات الإعلام والسكن والتعليم وغيرها، التي يكون مقرها في عاصمة الولاية، العاصمة التي تحوي على إذاعة محلية و ربما صحيفة وتلفزيون محليين أيضا.

[7]- من المفترض أن تخصص علوم الإعلام والاتصال يتبع كفرع العلوم الإنسانية، كما هو حاصل في أغلب الدول العربية ودول الكومنولث أما في الجزائر مازال يتبع المدرسة الفرانكفونية بيداغوجيا، فالإعلام مازال عندنا يُلحق بعلوم الاجتماع ليصبح أهم شيء فيه هو تفاعل الصحفي الاجتماعي، لا قدراته اللغوية والتعبيرية باللغة الأم! 

[8]- نقصد هنا القنوات الثلاث الخاصة المشهورة في تبعيتها للسلطة وهي: قناة النهارTV المعروفة بولائها للجيش وبعبادتها لشقيق الرئيس، وقناة الشروقTV بولائها المطلق للجيش، أما قناة البلادTV فهي تابعة لحركة حمس، ولاء لتقاليد المجتمع الديني. وهناك مجمع "اليوم" وهو مجمعا إعلاميا ولد بشنبه بقيادة الوزير الحالي للاتصال.

[9] - سنجده خير من يمثل التيار السلفي الجديد المتملق لإصلاحات بن سلمان وولي عهده، هو وسلمان العودة وعائد القرني ومحمد العريفي الذين سكتت مواقعهم وخرصت عن الدعوة فجأة مؤخرا إثر استلاب القدس برغم مظاهرات العالم الإسلامي وكأن شيئا لم يكن!

[10] - ما يؤكد هذا الطرح هو ظهوره أثناء تسجيله الفيديو وهو يتهجم على السديسي، في جامع من جوامع الجزائر إلى جانب بعض مشايخ الفيس المنحل. ناهيك أنه مجايل لهم/ يقترب عمره من ال50 سنة، وأسلوب خطابه الذي يشبه خطاب بقايا عناصر هذه الحركة السلفية.

 

 لتحميل المقال انقر على الرابط:

https://www.4shared.com/web/preview/pdf/v1G6K4xkiq?

 

author-img
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.

تعليقات