بوزيان بغلول
بطاقة
قراءة لكتاب " في النقد
البنيوي للسرد العربي في الربع الأخير من القرن العشرين" لفريال كامل سماحة:
فريال كامل سماحة خريجة الجامعة الأردنية، وقد درست مناهج مادة النقد الأدبي الحديث في جامعة القصيم بالسعودية ما بين عامي 2010 إلى 2017 وتدرّس في الجامعة الأردنية محاضرة غير متفرغة، يقع كتابها في 195 صفحة من القطع المتوسط، مع ملاحظة الناشر "مطبوعات نادي القصيم الأدبي" عن أن الكتاب يعبر عن وجهة نظر صاحبه، وفي التقديم لكتابها يتعرض الأستاذ التونسي نجيب العمّامي لقضية مهمة جدا سنعود إليها بشيء من التفصيل في المقارنة بين مؤلف سماحة ومؤلف لحمداني ولصلتها بموضوع كتابنا القادم، وهي عدم تفريقه بين إتقان وتمثّل اللغات الأجنبية (التي تفيد في نقل النظريات النقدية الغربية)
وفي مقدمتها تشرح
المؤلفة تقسيمها للكتاب إلى أربعة فصول، وهو استنتاج الإجابة على التساؤل الرئيسي،
وهو ما غاية النقاد العرب وأهدافهم وحصيلتهم في اتخاذهم المنهج البنيوي؟ بحيث
خصّصت الفصل الأول للجانب النظري: في عشرة أعمال نقدية عربية توزعت على كامل
الأقطار العربية وامتدت من 1979 إلى 1999، وقد تجنبت كما تقول تحليل الدراسات
البنيوية تحليلا بنيويا (آنيا) متخذة موازنة بين دراسات الجيل المتمكن من اللغات
والجيل المستعرب، وهذا شيء طبيعي كونها بإزاء دراسات نقدية وليست أعمالا أدبية،
فمنهجها منهج نقد النقد المقارن دون تصرح بذلك بصريح العبارة، وتنتقل في الفصل
الثاني إلى التطبيقي بحيث حللت أربعة أعمال تحليل المتن الحكائي (مضمون السرد)،
أما الفصل الثالث فتابعت فيه الموازنة بين الجيلين لكن في المبنى الحكائي ( الخطاب
السردي)، منهم من اعتمد مكونات تودوروف الخطابية الثلاث ومنهم من اعتمد على مكونات
جنيت، بتشريح اعتماد ثلاث أعمال متفاوتة زمنيا لنفس المكون، أما الفصل الرابع
فخصصته لتحليل نقدي لكتاب سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي بكليته. ونقد النقد
الخاص بكل ناقد وبمفاهيمه حول المنهج البنيوي اصطدم بحسبها بنقص المراجع إلا
الضعيفة منها ترجمة (ربما تقصد نقد النقد الذي ترجمه سامي سويدان لتودوروف) وقلة
الدراسات التطبيقية، وكان سبيلها منهجيةً تطبيقية في نقد النقد (في نقدها لكتاب
سعيد يقطين) دراسة كل من حميد لحمداني ومحمد سويرتي النقديتين اللتين خرجتا الى
النور العام 1991، لكنها تأخذ على لحمداني طغيان تنظيراته (جرد النظرية مجتزأة مع
التعليق عليها عكس نظيره محمد سويرتي الذي يحاول الإحاطة بها دونما تعليق) على
تطبيقاته أو في نقده للنقد، كما تقول أنها اشتغلت إلى حد ما بعكس سويرتي ولحمداني في
تطبيقها على الدراسات التي تجنبت التجزيء في ذكر النظرية أو التي اشتغلت على
التطبيق كدراسة: تقنيات السرد الروائي" 1990 و"تحليل الخطاب
الروائي" 1989. وفي الأخير تذكُر إفادتها من كتب مهمة في نقد النقد كالمرايا
المحدبة و" من إشكاليات النقد العربي الجديد" لشكري الماضي و"الشعرية
البنيوية" لجوناتان كيلر.
وتلج فصلها الأول
"المرتكز النظري للنقد البنيوي العربي" من التأكيد على أهمية الوقوف على
المداخل التي يُنظِّر فيها أصحابها للمنهج البنيوي قصد معرفة مرتكزاتهم وتمثّلاتهم
وغاياتهم، بخاصة ما تعلق بالاتصال بالمراجع بطريق مباشر (يترجمها) أو بطريق غير
مباشر (ترجمها غيره) وهل تميز الرواد السابقين عن اللاحقين في مدى الإحاطة
المعرفية بالمنهج البنيوي؟
1ـ ثم تدلف إلى نقد الدراسة الأولى لموريس أبي ناضر
"الألسنية والنقد الأدبي في الممارسة والتطبيق" 1979، وتقول أن أبي ناضر
عنى بالألسنية المزج بين الاتجاهات البنيوية والشكلانية وأن عنايته بخلطة من
المناهج النسقية قد حيرتها ـــ كما تقول ـــ معرفتها رأيه في النص الذي يدرسه بحسب
علاقته بالسياق، وفي اختياره لخلطة المناهج البنيوية لا يعلن هدفا ولا يطرح أسئلة
ولا سبب اختياره ولا يُمايز بين الألسنيين وتياراتهم الذين ذكرهم ولا جاء بالأساس
الفلسفي للرافد الألسني حتى يعطي انطباعا أنه ليس بصدد الرؤية والدراسة الاجتماعية
للأدب بل أن المنهج مسبّق عن كل رؤية ثقافية مسبقة، وهذا ما يؤكد اختياره لرواية
تراثية مع أربعة أخر لم يحدد سبب اختيارها، والمفارقة أن ما تصوره من نتائج في
مقدمته مخالف لما ذكره في نتائج البحث ناهيك عن تعليقه عن الوصف خارجا من التقنين إلى
التفسير، وحتى يجعل القارئ يتجاوز تجزيئية التمثل لديه في ثقته المباشرة لصحة
المناهج الغربية، ناهيك عن توزيع معلوماته النظرية على كامل الكتاب ومتغاضيا عن
بعضا، ويبدو الناقد أبي ناضر ـــ حسب سماحة ـــ واقع في موقف ثالث بين الرافضين
للنقد التاريخي والقابلين به (بحكم أن النص وليد أفكار سابقة) لكن ليس قبل التحليل
الداخلي شأنه شأن بروب، لكنه يتصرف في نتائج المنهج!
وبهذا حسب سماحة يُغفل
أبي ناضر أساس البنيوية نظريا وتطبيقيا حينما يعمد إلى الخلط بين المناهج وتيارات
بنيوية عدة، وسيتجلى هذا في عدم ضبط مصطلحات ومفاهيم وحقول هذه التيارات تحت
عناوين تميزها مثلا، ويطرح هذا الانتقاء من اتجاهات بنيوية متباينة (بارت،
تودوروف، غريماس، جنيت) برغم اطّلاعه المباشر على المراجع في لغتها الأصلية
الفرنسية كما يظهره التهميش خدمة للنص العربي. وهذا ما يؤكده عدم دقة ضبطه للمصطلح
البنيوي الخاص بالمبنى/الخطاب أو بالمتن الحكائي فهو لا يخضعه لترجمة دقيقة
وأحيانا يلجأ إلى تعريبه.
2. الرائد البنيوي الثاني الذي تناولته سماحة بنقد النقد
كمال أبو ديب، التي تقول أنه من عادته تحليل المتن الحكائي وليس المبنى الحكائي
غير أن ولوجه تحليل الشعر الجاهلي يعني أنه بصدد محاولة إتقانه لتقنياته واستفائه
لأغراضه وربما انحيازه للآلية تبدو في عدم اعتماده وضع المقدمات، بيد أن سماحة
تقول أن أبي ديب لم يصب من تحليل رواية ألف ليلة وليلتان بنيويا (1980) غير
العنوان، وقد اتّخذها الباحثون الجدد مرجعا دون الاعتماد على المراجع الأساسية
الأجنبية والتي تُرجم عديدها الآن، ويدخل في تحليل البنية الدلالية/البنية العميقة
مدخلا بنيويا في انتظام الثنائيات الضدية (نفسية ــ اجتماعية) لكن دون ذكر المنهج.
ثنائيات تستدي ثنائيات أخرى؛ فثنائية الاختيار والتركيب تستدعي ثنائية أخرى عميقة
ترتكز عليها وهي الطبقية والعلاقات الاجتماعية ومثل ذلك اختيار الخارج/ الداخل
تستدعي تركيب داخل النص بين التاريخ/ اللاتاريخ، فسلسلة التقابلات التي تحدد
الاختلاف في النص عند أبي ديب تستدعي بنيات ضدية جديدة بنيويا ومتكاملة دائما، مع
ذلك يبقى السؤال الأساس معرفة أتسبق البنية الدلالية/العميقة البنية
اللغوية/السطحية؟ أم هما متزامنان؟ أي هل يُستجلى المعنى/الدلالة من خلال ثنائية التضاد
والتناقض آنيا؟ وعلى أي أساس يربط دلالة الانهيار المدركة داخل النص ويربطها
بالواقع الاجتماعي والتاريخي الخارجي؟ فالدلالة الغريماسية مستقلة عن العوامل
الخارجية وبذلك اشتبكت البنية الدلالية لأبي ديب بالإطار التاريخي كونه لازمة
فكرية سابقة.
وفي تحليله للبنية اللغوية لا يُقر بذلك ويقر في
نفس الوقت كونه يخلط المناهج ويعلّق (يؤول) على الثنائيات (اللغة/التمنطق الثوري)
الكامن في الشخصية مكان الوصف العاملي، حيث ترى سماحة أن الغائب الوحيد في تحليله
كان المنهج البنيوي وهنا يتضح لما أعرض عن التصريح في مقدمته بالفرع المنهجي
المعول عليه،
3. أما سمير المرزوقي وجميل شاكر في دراستهما فاختلفا مع
أبي ناضر وأبي ديب في محاولة التصريح بالمنهج منذ البداية وبإسهاب كما هي مقولات
النظرية عند بروب وغريماس وبريموند وجنيت معا المفاضلة بينها، وإثباتا لتمثله
تطبيقيا على التراث السردي العربي بقدر ذلك التصريح دون اجتزاء ولا انتقاء بيد
أنهما خالطا المنهج (بين بروب وغريماس)هما كذلك ناظرين للمنهج نظرة استهلاكية كما
تقول سماحة، وهنا يغيب عن الناقدان كما تقول، شأنهما شأن النقاد البنيويين العرب
ثقافة المنهج التي تخدم نظرية الأدب غير أنهما استنباطا مجموعة الأجهزة الآلية
المولدة لأشكال الخطاب عكس الكثيرين، وقد عنيا بالمصطلحات من مصادرها مع التبويب
ما جعلهما يتجنبان الغموض والتقصير الذي سقط فيه سابقيهم موسعين دائرة التطبيق
لتشمل القصة والرواية والمسرحية والقصيدة العمودية.
4. أما "بناء الرواية دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب
محفوظ" لسيزا القاسم فمتسم بوضوح نظري جعله مصدرا للباحثين متفادية الخلط المنهجي مُقتصرة على بنى جنيت (زمكان منظور) وأوسبنسكي الحكائيين
وتقارن النتائج مع نتائج الوصف في الروايات الغربية، برغم اتصالها المباشر
بالمراجع باللغتين تقول سماحة اعترى ترجماتها المصطلحية هفوات، أما عن اختيارها
للثلاثية وبلزاك وفلوبير.. فالتماسا للقيمة الفنية والأصالة. 5. أما كتاب حسن بحراوي:
الفضاء، الزمن، الشخصية فاقتنع فيه أن استيفاء المضمون الدلالي للرواية العربية
يمر فقط عبر الدراسة الشكلية له، وهي مطلب مركزي في النقد المغربي كأداة وأسلوب
عمل وليس دوغما، بما ينطوي عليه من وظائف جمالية وغايات فنية ليس إلا، لكن سماحة
تعيب عليه توزيع النظري على كامل الفصول وإدراج مكون الشخصية مع المتن الحكائي لما
وجد أنه لم يترك للمتن ما يدرجه فيه تناولا لجانب المضمون ناهيك عن انتقاء مكونات
خطابية دون غيرها، إذن هو الآخر طرح إشكالية عدم توافق طموح بحثه: بكل ما أهدره من
جهد توسَّع في التأريخ للنظرية البنيوية مع الإحاطة الملمة بالمنهج البنيوي على
حساب التدقيق والتركيز المفهومي، والتطبيق الذي أعاب على البنيويين العرب قبله
التقصير فيه اختار له 32 رواية مغربية حيث يدرس في كل واحدة مكون واحد بدل الثلاث
مكونات التي أرخ لها ويقتصر فيه على تقنية واحدة من عدة روايات وكأنه بصدد الوقوف
على صحة نظرية جنيت وليس تلمس ما في تلك الروايات من انتظام بنيوي، وأخيرا يسقط في
إبداء حكم القيمة! ولم يستفد من مراجع عربية صدرت قبل 1990 قط! وأكثر من ذلك وقع
في مثل ما وقع فيه أبي ديب في إلصاق بناء الثنائية الضدية أيديولوجية التعليق
البراني إلصاقا لأنه يختارها من نصين مختلفين.
6. أما "تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج
البنيوي" ليمنى عيد فحسب سماحة ففيه خلط بين مفاهيم الشعرية والفنية
والشكلانية. وهدفت فيه الى غاية تعليم المنهج البنيوي بيد أنها كانت مفتقدة فيه
للمعرفة السديدة بالمنهج البنيوي لما تصرح أنها عملت على تسييق المنهج البنيوي
المشتت (بتطوير مادته والتصرف في المفاهيم البنيوية وتنقيحها) وبهذا كما تقول
سماحة قد أعطته بعد ذاتي غير علمي وتعليمي وهو في تعليميه وعلميته القواعدية قد
بلغ تشبعا تدل بأنه في سنواته الأخيرة. وتخلط يمنى عيد بين البنيوية ونظرية
القراءة، التي ترى أن القارئ يُقبل على النص إما سعيا وراء الخطاب أو سعيا وراء
المضامين الثقافية؛ وهي بذلك أولت لما ميزت بين ما لا يقبل التمييز في المنهج
البنيوي ومثل سابقها حسن بحراوي تقوم الباحثة بالبحث عما يجيزها متمكنة من المنهج
البنيوي سواء حكايةً أو خطابا نظريا وتطبيقيا عندما تعكف الى تحليل عدة روايات
فإنها ليست بصدد كشف وإثبات بنية الرواية (وهذا الأمر يتطلب تكاملا منهجيا مثل ما
سار عليه بارت وتودوروف وجنيت) ولكنها بصدد كشف صحة نظرية بعينها لغريماس أو جنيت
مبعثرة، فإذا كان هذا حالها وهي مطلعة اطّلاعا مباشرا على المراجع فكيف سيكون حال
أحاديي اللغة ممن اعتمدوا على كتابها تتساءل سماحة.
7. أما دراسة عبد الرحمن مبروك للرواية النوبية وخصوصيتها فمحاولة
منه التماس رؤيتها انطلاقا من المنهج نفسه أي الانطلاق من آليات السرد/المبنى الحكائي
وصولا لتلك الغاية، وهو إنما يطبق تكوينية باختين البنيوية عندما يسعى إلى إرجاع
خصوصيتها للمجتمع النوبي. ويخلط بين الصيغة كما وردت لدى تودوروف وجنيت مثل
سابِقيه المرزوقي وشاكر في الخروج الواقعي عن البنية ومغالطة المنهج، حتى لَأَنها
تعيب عليه عدم اختيار المنهج السوسيولوجي (نظرية الانعكاس) بدل البنيوي، كما لا
يتحكم في جهاز غريماس وجنيت المصطلحي لدرجة أنه زاد في تعقيدها. 8. أما دراسة "تقنيات
السرد في النظرية والتطبيق" لآمنة يوسف تناولت فيها ثلات روايات يمنية
بالتحليل البنيوي، الذي قالت أنها اختارته لشعورها بمسؤولية النقد الكاشف لشكل
الرواية اليمنية الحديثة وحده؛ إذ يمكن للناقد أن يجرب في المنهج كما يجرب الروائي
لونا فنيا، غير أن الانتقاء غير المصرح به في المقدمة يجعلها لا تخرج عن مواطنتها يمنى
عيد في نظرتها أو الجاهزية المسبقة التي تسعى سعيها إلباسها بوظيفة النقد ويتحول
بذلك النقد البنيوي ههنا ميكروسكوبا تعدّل عدساته وتصغّرها كما تشاء كونها تعتمد
على دراستها بعيدا عن المراجع المترجمة على الأقل بخاصة التي تخص جنيت، ما جعلها
تسقط في الغموض الاصطلاحي في قراءتها للثنائيات الضدية وخلط المناهج (بين الفني
والبنيوي، وبين الشكلي والبنيوي الشكلي) وبالجمال اتصف التقديم النظري لآمنة يوسف
حسب سماحة بالقصور والانتقاء حتى في المكون الواحد من المكوّنين اللذين اختارتهما،
وتفضّل سماحة بنيتها الحكائية في ظل عدد معتبر من الروايات من بنية حسن بحراوي
الحكائية.
9. أما الدراسة "التقنيات السردية في روايات عبد
الرحمن منيف" فيتوسم حميد المُحادين في مقدمتها من النقد الحداثي أن يحل أزمة
النقد العربي المنفعل مع الأيديولوجيات السوسيو ــ ثقافية، ولكنه لم يجرؤ كغالبية من
سبقوه من النقاد العرب على أن يصرّح بالتقنيات التي يود تطبيقها على الرواية مخافة
أن يحيد عنها لكنه لمّا قال بأنه يصف التقنيات المختلفة فحسبُه حسب سماحة، لأنه قد
طبق فعلا ما عرض له من منهجية نظرية (المتن والمبنى) في مقدمته، لكنه مع ذلك قد
أخل لما قصّر في التنظير بعض الشيء، ولم يعتمد على المصادر الأجنبية إلا نادرا مع
اهتمام مبالغ فيه بتجربة المؤلف المُنيف حتى لأنه يخل بالوصف لما يجعل "دراسة
الرواية" تساوي "دراسة عبد الرحمن منيف" تلفظيا، وبذلك يطرح
إشكالية أهو بصدد تحليل خطاب الرواية أم بصدد دراسة الرواية أسلوبيا لأنه يمزج بين
المنهجيتين.
10ـ وتقترب دراسة المحادين في مدى اقتراب طموح الدارس من
الواقع التطبيقي مع دراسة سعيد يقطين والتي خصصت لها سماحة لهذا السبب فصلا خاصا
(الرابع).
11ـ أما سعيد يقطين فتدرجه سماحة ضمن رأس القسم العربي في
تبني النقد البنيوي الشكلي الغربي المؤثر للمنهج ــــ برغم إفراطه المصطلحي ــــ
غايته إقامة نظرية للرواية العربية ضد الرؤية الروائية التي تتغيَ الإقتطاف "اللا
بنيوي" دون تبصر نتيجة عدم الاقتناع بأن البنية وفلسفتها تفرز صورة رؤيوية
(المعنى في وعي وذوق القارئ) بل تفرز فقط مفاهيم تتسق مع الرؤية، والتي رامها قسم
كل من مراد مبروك وآمنة يوسف وسيزا قاسم، ويأتي خلف يقطين المرزوقي وشاكر، وأبي
ديب وأبي ناضر وبحراوي، والمُحادين ويمنى عيد تباعا في مدى الإخلاص لهذا الطموح المنهجي
حسب سماحة. والسبب حسبها يعود كذلك للاتصال المباشر بالمصادر الغربية من عدمه حيث
ترسّخت لدى النقاد الذي اكتفوا بمصادر مترجمة أو دراسات منجزة لمن سبقوهم أداتية
المنهج ونسبية المفهومية. وهذا يندرج ضمن ضعف تمثل المنهج البنيوي المستعار لخصوصية
اللغة والأدب العربيين وغياب الرؤية ناتج عن ازدواجية الحداثة النقدية العربية، فهي
إما تنبهر لتقلد أو تحدّث.
في الجانب
التطبيقي بالفصل الأول تحلل سماحة أربعة أعمال بنيوية عربية تحليل
متن حكاية الذي تدعوه أحداث القصة أو بنية القصة، طامحةً الخروج بنتائج تمس إشكاليات
التطبيق البنيوي العربي والتمثل، وتبدأ بتحليل نقدي "للألسنية والنقد
الأدب" 1979 الذي اعترف صاحبه أبي ناضر أنه بصدد الوقوف موقفا وسطا بين من
يرفض تاريخية النص ومن يقبلها في روايتيه، وحتى يشتغل على الدلالة البنيوية في
الفصل الثاني (انتظام الوحدات الوظائفية في علاقات ثنائية ضدية غريماسية في
تمحورها الاستبدالي والتركيبي) راح أبي ناضر في فصله الأول محصيا الوظائف الشكلية
البروبية في حكايات بعينها من الليالي، ويعلن عن 30 وظيفة من أصل 31 وظيفة بروبية
خارجا بنتائج قال أنها ليست خاصة باللغة والأدب الفلكلوري وحدهما، ولكنه يقع في
عثرات معرفية (يختزل وينتقي المفاهيم ويخلط بينها: بين الوظيفة الشكلي والعامل
الدلالي)، وتشرح سماحة كيف أن تقنيات المنهج الشكلي الوظيفي والغريماسي العاملي
التي أوردها أبي ناضر؛ حيث مفهوم الوظيفة لا يخرج عن العامل النحوي المتغير ومفهوم
الشخصية عامل مساهم لا كينوني، عكس ما يدل عليه عنوان أبي ناظر في الفصل الثالث:
طواحين بيروت: الأشخاص والعوامل! والجًا بعده إلى ما ينقض التحليل البنيوي وهو
التأويل الاجتماعي والنتائج مقحمة يقول أنّها "معاني" طفح به التحليل
الشكلي البنيوي، مع وجود انتقاص وتجاوز ومغالطة في منهج غريماس بمستوييه السطحي
(المكون السردي والخطابي) والعميق (البنية الأولية للدلالة) الذي يبدو أنه لم
يدرجه أصلا. ليبق اجتزاء وانتقاص أبي ناضر للمنهج سببا في فشل تبلور أهدافه، وهو
الوصول إلى التمييز بين القصة والرواية.
أما الناقدان
سمير المرزوقي وجميل شاكر اللذان قاما في دراستهما بتحليل نحو القصة: قصة
"سبع صبايا في قصبايا" 1985 تحليلا وظائفيا كاملا من خلال دراسة تتابع
المتواليات الوظائفية الأربع المعينة متسلسلةً وصولا إلى إدماجها (خلطها)، هما
الآخران، مع برنامج سردي جزئي وليس عام للقصة وبذلك يحققان جزءً من نموذج غريماس
العاملي فقط هو الخاص بالنسق: ذات موضوع رعبة مهملا النموذج العاملي الإجرائي:
التحريك الإنجاز والمكافأة برغم استئثارهما برواية واحدة، وفشلا إذن كما فشل سابقهما
أبي ناضر ويمنى عيد في كشف دلالة البنية الدلالية منزاحا عنها انزياحه إلى التعليق
والتعميم لمّا لم يستوفها حقها إجراءً وقاموسا اصطلاحيا.
أما يمنى عيد في
"تقنيات السرد الروائي" 1990 فلم تستثمر في تجربة أبي ناضر والمرزوقي
وشاكر وكتابها الأول "معرفة النص" 1983 فوقعت في نفس الأخطاء المنهجية
التي وقع فيها من سبقوها وفي قصة واحدة هي قصة "مضجع العروس" لجبران بل
بما هو أمَر حين تحاول تطبيق منطق الحكي لبريموند (دونما تنظير كاف أو حتى تقسيم
الوصف إلى متن ومبنى كما يفعل عادة أغلب البنيويين) مكتفية بالتأكيد على نحو القص "وظائف
بروب" وربط المعنى بالبنية لكنها تنزلق والجةً التحليل ما بعد البنيوي معترفة
بتقصيرها بأنها اشتغلت بالمنهج وعليه.
أما مراد مبروك في "آليات السرد في الرواية
النوبية" 1994 مستعينا بأعمال من سبقوه فأراد تشكيل الشخصية من خلال الدور
الوظيفي هو الآخر، قدم لمشروع النموذج العاملي الغريماسي وشرع في تحليل به أربع
روايات، ورسم النموذج العاملي النسقي محددا عوامل الذات والموضوع والرغبة والمساعد
والمعيق وإنما الخلط الذي سيقع فيه مبروك هو ذاك المتعلق بتقسيم الفاعلين
والممثلين على مستوى المكون الخطابي، بينما تظل دلالة البنية/النتائج غير مقنعة
حسب سماحة طالما انه يكتفي منها بأن الشخصيات (العامل الفاعل والمشارك) حققت
رغبتها ضد صراع السلطة والقوى الشعبية، والنتيجة العامة للفصل الأول هي أن النقاد
البنيويون الأربعة هدفوا إلى متن الحكاية بتتبُّع منهج غريماس لكنهم سقطوا في عدة زلّات
منعت الدلالة من أن تنجلي مضيئة درب أوطانهم المعرفي عبر تلك المناهج المستعارة ومثلهم
مثل من اتّجه بكل عفوية للنافذة كي يشرعها أمام أولى خيوط نور الصباح المنبلج غير
أنه فتحها فتحا غير سوي، فانطوى ذلك على قلة الرؤية لأركان الغرفة وزواياها لدى
بعضهم، بل وضبابتيها وغبشها بالنسبة لمن تعوّد منهم على نور المصباح التقليدي. ولم
يفت سماحة نقد المنهج الشكلي الوظيفي كونه حري بالأدب الشفهي منه بالأدب الراقي
حسب لودج وإنس ونقد البنيوية الفرنسية، عبر نقد غريماس من زاوية اختلاف بنيوية الأنجلوسكسون
سكولز وكيلر الواعية بتجربة الذات.
أما الفصل الثالث
تخصصه لنقد المبنى الحكائي لدى أربعة من النقاد البنيويين العرب في مكونات الزمن
التبئير والصيغة، فهل جاءت نتائجهم (متأخرين ومتقدمين) نتيجة حتمية لإخلاصهم
للأهداف والمنطلقات المنهجية التي توخوها في مقدماتهم؟ أي هل أفاد تحليل المبنى
الحكائي/الخطاب في فهم المتن/الدلالة أم فشل الفهم متحولا للتأويل كعهده؟ أما
تحليل 3ـ1 البنية
الزمنية لدى أبي ناضر فتقول سماحة أنه ابتغى في رواية عبد الرحمن الربيعي الكشف عن
تقنيته القصصية ورؤياه للأحداث المعروضة، ويصاحب قراءة تقنية الزمن الصاعد والنازل
والمتقطع والنظام (الاسترجاع والاستباق) والمدة (الخلاصة، الوقف، الحذف، المشهد)
بقراءته للغة لكن عندما يحلل علاقة السارد بزمن القصة، بزمن الخطاب، وبالحدث،
والمقام السردي فإنه يجدر به أن يختار عنوان جامع لهذه العناصر، ولا يكتفي بعنوان
مفتقر للدقة: فعل إرسال الخطاب، ثم إنه يمضي في محاولة ربط الزمن الصاعد (التوتر)
والنازل (فك التوتر) الذي في القصة بالذي في الخطاب والأحداث مُدرجا المتقطعات
الزمنية (المدة) من دون أن يجعل وحدة زمنية كبرى تنسق زمن السرد. وبذلك كشف الرؤيا
اختلت باختلال التلاعب بمصطلحات المفارقات الزمنية خلال الانتقال من زمن القصة إلى
زمن الخطاب السردي قارئا دلالات ذلك بالشواهد المنتقاة تمثيلا وقراءة الوظيفة الفنية
والدلالية لا استقصاءً رياضيا للوحدات البنيوية.
أما "بنية
الشكل الروائي" لحسن بحراوي فخصص ثلثه لبنية الزمن في الرواية المغربية؛ الترتيب والمدة اللتان تقيمان علاقة مع القصة
والخطاب بينما أهمل التواتر، كما أهمله أبي ناضر، علما أن جنيت عده جسرا بين القصة
والحكاية وهذا كي يضيف للمتن شيئا يغنيه عن التأويل، بيد أنه يكتفي بنموذج تمثيلي
واحد للاسترجاع وثلاثة للاستباق للنظام في كل رواية للتدليل لا لإعطاء صيغة،
ومستعينا بالسعة محولا إياها من تقنية تعمل تنافر بين القصة والخطاب إلى تقنية
تختص بقياس المدة (السرعة) متوصلا إلى "المفارقة" التي تقطع علاقتها بمفهومها أساسا: أنّ سعة الاسترجاع
والاستباق قياس زمني محض وهو مستقل عن المكان!
أما الدراسة
"الزمن والإيقاع في روايتي:
شرق المتوسط والشجار واغتيال مرزوق" 1999 لعبد الحميد المُحادين فهدفها الوصول إلى الإيقاع
العام للرواية من خلال زمن القصة في علاقته بزمن الخطاب، لكن سماحة تقول أنه يخلط
بين زمن القصة وزمن الخطاب أي بين الترتيب والمدة والمفارقات الزمنية بل لا يستوفي
التواتر حقه من التحليل مثل سابقيه أبي ناضر وسيزا وبحراوي، ولا ضير في ذاك كونه
يعتمد على مراجعهم، ويعتمد على الزمن في درجة الصفر أو لحظة الارتهان، وهو مؤشر
زمني خاص منشطر بين زمن أنيسة وزمن رجب من أجل بناء نظام للزمن يربط فيه زمن القصة
بزمن الخطاب، يسترجع ويستبق، لكنه يسقط في قياس السرعة فيهما (الإيقاع) بالسطور
والصفحات بدل الساعات والأيام، فيؤول أن البنى الزمنية في رواية شرق المتوسط متعالقة
بالبنى الحدثية المتضمنة في نفس البطل حيث رجب مسكون بالزمن الماضي وأنيسة بزمن
حاضرها. وبتحليل الترتيب والمدة والمفارقات في روايتي الأشجار واغتيال مرزوق يصل إلى
أن البنى الحدثية اختلفت لما استقلّ كل شخص بزمنه. وأن الإيقاع/ التكرار في رواية
الأشجار واغتيال مرزوق أكثر من رواية شرق المتوسط.
2.3 الرؤية السردية لدى النقاد الأربعة تبدأ سماحة باستعراضها
من نص حنّا مينا "بقايا الصور"؛ حيث يدلل أبي ناضر عنها نظريا قائلا أنها
مفهوم خطابي مرتبطة بالبناء الداخلي للقصة (ومعنى الرؤية معنى مادي خطابي هدفه
التقابل العلائقي النسقي وليس معنى روحي)، أي تلك العلاقات التي يقيمها الراوي مع
الشخصيات وتظهر إمّا في شكل عرض أو تمثيل في موقعه كسارد لأنه هو كذلك السّرد وحسب جنيت قد يتغير الضمير
النحوي ويدل على الشخصية،
وتبين للقارئ أمرين: كيف يكتب الكاتب (الراوي الأول أو الأنا الثانية أو الكاتب
الضمني) ولمن يكتب، لكن أبي ناظر يستشهد بها فقط دون ذكر أنواعها، ووجود تعدد
الأصوات السردية يفرض تعدد الرؤى السردية من راو واحد أو من رواة متعددين. وما وشت
عنه قصة "بقايا الصور" يمثل حوارا لأن الراوي الوحيد (الطفل المتبادل
الدور مع السارد الناضج)، الثنائي الموقع، ينقل كلام الشخصية لشخصية أخرى.
والنتيجة لا يوجد تعدد رواة وعدم تدخل الكاتب.
ويدرس مراد مبروك
في الرؤية السردية في كتابه المذكور وضمن ما اسماه "السرد وتشكيل
الشخصية" في الرواية النوبية محللا الشخصية بالاستناد على متن الحكاية
والخطاب، باستغلال وجهة النظر التعبيرية للشخصية المستمدة من مفهوم المنظور لدى
سيزا القاسم والصيغة في كتاب سعيد يقطين "تحليل الخطاب الروائي"، وهي
وجهة نظر ليست لها علاقة بالصيغة كما تقول سماحة لأن جنيت قد جمع بين الرؤية من
الخلف والرؤية مع وجعلهما ضمن الصيغة، وإذا كان مبروك قد أضاف المضمون للرؤية من
خلال مستواه الثاني المدروس "الرؤية والتشكيل النفسي للشخصية المسرودة"
مبتغيا عمقا تحليليا فإنه قد سقط بذلك في التحليل الفكري اللا بنيوي، وكأن موقع
السارد من السرد ورؤيته تحدد نفاذه وعمقه أي لتبرز موقفه النفسي والأيديولوجي
(التأويل المضمون)، وهذا في ظل عدم الإحالة إلى أي مراجع، ويكون مبروك قد انزاح عن
التحليل الخطابي للرؤية والصيغة إلى تحليل البنية الفنية للشخصية حسب سماحة.
أما آمنة يوسف في
مكون الرؤية السردية فإنها معتمدة على مصادر يمنى عيد وعبد الله إبراهيم توفي
الرؤيا حقها من التقديم النظري، تبدا في تحليل نماذجها الروائية بدء من
"الرهينة" فترى أنها حوت على الرؤية من الخلف ومن الخارج، أما الرؤيا من
الخلف فبحثت على أنواعها: الراوي بضمير المتكلم والراوي العارف بالشخصيات والراوي
المصاحب للشخصيات مستشهدة بهم لكنها تخلط بين موقعهم البنيوي والفني ثم تأوّل ذلك
بأنه دلالة على الإيحاء بالواقعية، وأن تداخل الرؤيتين نوع من النزوع إلى الانعتاق
من هيمنة الراوي الواحد، وهكذا إجراء يخص الرؤية من الخلف ومن الخارج (الراوي
الكلي الرؤية) في الرواية الثانية والثالثة لها يبتعد عن تحليل المبنى الحكائي.
كأن الهدف منه الوصول إلى صنف الرواية لا بنيتها.
3.3 أما
الصيغة وهي الطريقة التي يقدم بها الراوي القصة، فخرجت من اهتمام البنيويين العرب
متكتفين بالزمن والرؤية، عدا سعيد يقطين وسيزا قاسم والمُحادين، وربط المنظور
التعبيري بالمنظور النفسي في الصيغة هو ما اعتمدته سيزا قاسم، وهي تقصرها على
العلاقة التي يقيمها كلام الراوي الناقل بكلام الشخصية المنقول، فقد تقترب المسافة
بين كلام الراوي وكلام الشخصية وقد تبتعد، وبناءً على هذه المسافة تتنوع الصيغ:
الأسلوب الوسيط، والأسلوب المباشر وغير المباشر: صيغتي السرد والعرض، ويدهش قاسم
استخدام فلوبير ومحفوظ للأسلوب الوسيط، وقد شرعت في المقارنة بينهما من حيث علاقته
بصوت الراوي، وتخلص من أنّ ثلاثية نجيب محفوظ محبوكة الأسلوب الصيغي بحيث تجعل
شخصياتها حميميون، وقد بلغ محفوظ هذا الأسلوب الذي يعرف بتيار الوعي عن طريق تخطى مستويات المنظور الأساليب المتبعة، وقد أثبتت
سيزا القاسم حسب سماحة ــــ متكئة على دراسة للحمداني حول سيزا ـــ بتقنية الصيغة
أن الرواية الواقعية لا تقل شئنا في توظيف أساليب الصيغة، ولكن يقطين حسب سماحة
يعتبر من البنيويين العرب القلائل الذين تمكنّوا من تحليل بنى الخطاب عن طريق
تحليل الصيغة.
أما المُحادين في
كتابه "التقنيات السردية في روايات عبد الرحمن منيف" فواحد ممّن
استفادوا من مصادر سعيد يقطين ووظفها في تحليل الصيغة، حيث يؤكد على العلاقة
القوية بين الراوي والرؤية والراوي والصيغة ويضع لهذه الأخيرة ـــ التي يعتبرها جينيت
عكس تودوروف تشكل الرؤية السردية أي أن الصيغة جزء من الرؤية ـــ مصطلحا جديدا هو
"أنماط السرد"، ومقتصرا تطبيقه على هذا التنظيرات المحدودة على رواية "شرق
المتوسط" و"النهايات" يحدّد نوع السارد من خلال الضمير لا من خلال
موقعه ولا من حيث نوع رؤيته، فخرج إلى نوع من التقصي عن فنية السرد لا عن بنيته من
خلال البحث عن الوظيفة (الواقعية) التي تجليها الضمائر بدل البحث عن الموقع، ويدلف
المُحادين مستحضرا تقنية أنماط السرد والصيغة بمقارنة طبيعة العلاقة بين صوت
الراوي والأصوات الأخرى من منظور راو عليم بكل شيء في روايتي شرق المتوسط و"النهايات"
مدركا بعد المقارنة أنّ جينت اقتصر الصيغة على محكي الأقوال دون محكي الأحداث، وهي
المهيمنة في الرواية الأولى دون شرح، وعلى العرض لأن الراوي بضمير المتكلم لا
يمكنه تجاهل الصوت الآخر، وهيمنة محكي الأحداث في الرواية الثانية لأن الراوي كلي
المعرفة، إن كان تحديد الرواية بأنها كلاسيكية ينطوي منه على حكم القيمة المنافي
للتحليل البنيوي إلا أنه يحسب له جهد الاستقصاء لربط الصيغة بموقع الراوي.
والنتائج العامة لتقنيات الزمن والرؤية والصيغة عند النقاد الأربعة أنّ تحليل
الخطاب الروائي لم يختلف عن تحليل المتن الحكائي عندهم حيث الخلط المنهجي
والانتقاء في المكونات والروايات، مكتفين بالبرهنة النموذجية دون الوصول لعلاقة
رياضية في شكل علاقة بنية كلية، وبمراعات فارق الدراسات بدى بعضهم أكثر إيفاءً، كربط
الصيغة بالرؤية (مبروك، يوسف، المُحادين) ومنهم من حاول تأطير التقنية كحسن بحراوي،
غير أن الجيل الثاني لم يستفد من أخطاء الجيل الأول.
وفي الفصل
الرابع المخصّص لنقد بنية الخطاب أيضا، "تحليل الخطاب الروائي"
لسعيد يقطين أنموذجا فإن سماحة تبدأه بالتعريف بطبعته التي صدرت العام 1989، وتناول
فيها يقطين بالتحليل البنيوي مكونات الخطاب الروائي: الزمن، الرؤية أو التبئير
والصيغة حسب تودوروف مطبقا إياها على خمس روايات؛ الزيني بركات، الوقائع الغربية
لسعيد بن أبي النحس المتشائل، أنت منذ اليوم..، الزمن الموحش، عودة الطائر إلى
البحر، ومستعينا بالروايات نفسها يتجاوز يقطين في كتابه المنجز في العام نفسه:
"انفتاح النص الروائي: النص والسياق" المنهج البنيوي الشكلي/ الخطاب
متخذا من البنيوية الدلالية منهجا، وهذا الفصل كما تؤكد سماحة لدرء الخلط بين
المناهج وتأصيل نظرية دقيقة لتحليل الرواية العربية، وفي المقدمة يشرح باقتضاب
مفهوم تحليل الخطاب والخطاب ودوره، هادفا تكوين تصور متكامل يزاوج فيه بين العمل
البويطيقي (مكونات الخطاب الثلاثة) وتجربة الناقد المحددة متخذا خطة فصل فيها
رواية الزيني بركات عن باقي الروايات بجعل الجهد التحليلي فيها ينصب في تحليل
الخطاب (في ثلاثة فصول: زمن خطاب الرواية، صيغة خطاب الرواية، تبئير خطاب الرواية)
بينما في بقية الروايات يستدعي المظهر النحوي/المتن ليستخرج منه بنى الخطاب
المشتركة.
1.4 ويجعل يقطين نصف رُبع كتابه للتمهيد النظري الذي يُفصّل فيه
مفهوم الخطاب مستعرضا التمييزات الثنائية التي أقيمت للخطاب الحكائي، والتي
استقاها من كتاب "الشعرية" لتودوروف 1983 وهي المنبثقة عن جهود
الشكلانيين (الحكي كقصة والحكي كخطاب: المتن الحكائي والمبنى الحكائي) والتي عرف بها
البويطيقيون: تودوروف وجنيت وفاينرش، والتي تحدد الخطاب على أنه موضوع عمل
البويطيقي كجانب لفظي أما جميع الأعمال الأخرى التي تستفيد من الثلاثة فانتقائية،
أما التمييزات أو تقسيمات الخطاب الحكائي الثلاثية فهي التي وقعت تحت (القصة،
الخطاب، النص) لكن يقطين يقسمها الى قسمين فقط: الأول يعد في جوهره ثنائيا حتى وإن
بدا ثلاثيا، والثاني هو الثلاثي المحض ينجر عنه بالضرورة الفصل بين النص والخطاب
باعتباره تواصلا لسانيا، ومميزا في التقسيم (قصة، خطاب، نص) بين حكي أحداث القصة
التي هي إرسال الحكي وهو عام وبين حكي السرد
كتجلٍ خطابي وهو خاص، وعمل الناقد على المستوى الأول (النحوي: القصة
والخطاب) يؤدي به الى المستوى الثاني (الدلالي: النص) والهدف الانتقال من البنيوي
إلى الوظيفي لذلك يزعم يقطين أن هدفه إقامة نموذج لتحليل بنى حكائية ثابتة قابلة
للتعميم (على غرار تودوروف في الشعرية: ماذا وكيف يدل النص؟ حيث تتبلور دلالة
المنطوق عن مفاصل ثلاث: المظهر المرجع أو القصة/ مظهر ماهي هو الخطاب/ (وصورة المظهر
وقد أجل دراسته إلى الكتاب الثاني) لذا يقصر كتابه على دراسة الخطاب الحكائي،
ويلغي القصة لأنها قابلة للتجريد والصورنة حيث ما كان دالا على مستوى نطقي يشكل
دلالة القصة، منطلقا من هذا التصور يتوسع يقطين أفقيا غير مكتفي بالبنيوي العمودي
متقاطعا بالسوسيو نصي بيير زيما، في هذا التقسيم الثلاثي بجعله
النص مقابلا للخطاب يختلف يقطين مع تودوروف وجنيت اللذين جعلا الخطاب مرادف للنص،
لكن هذا التقاطع أو التوسع مخل وخلط في المنهج بين سرديات الخطاب كما هي في أصلها
الغربي بسوسيولوجيا النص. ثم أيحق للبنيوي أن يغير ويفصل بين مكونات الخطاب:
المنظور، الزمن، الصيغة، الصوت السردي.. كما يشاء بل ويصف نفس ما قام به جان لوفيف
بالانتقائية!
بالنتيجة فإن
الوعي بالمنهج الغربي الذي ساقه يقطين في مقدمته النظرية هو إضفاء الطابع الشخصي بالانتقاء
وتفضيل منهج جنيت، ولم يلتزم بالعرض السانكروني كالذي التزم به محمد النصر العجيمي
في كتابه: "النقد العربي الحديث ومدارس النقد الغربية" ناهيك عن تخبطه
في الغموض المصطلحي الذي يتطلب الوعي به بخاصة ما تعلق بدقة شعرية تودوروف.
2.4 الزمن في الخطاب: يشرع يقطين في تحليله لهذا المكون الخطابي
(زمن القصة وزمن الخطاب في رواية "الزيني بركات" بعد تنظير فضفاض له ضمن
لسانيات الخطاب حسب سماحة، منوها بالشكلانيين وتودوروف وجنيت ونظرية فاينرش التي
يعتبرها أشمل وأعمق دراسة، لكن يفصل بين مقولة تودوروف في الزمن وتنظير جنيت له
منحازا للأول، مع الاهتمام بمقولة تودوروف الذي يستبعد رفقة دوكرو علاقة زمن الفعل
بأي زمن وجودي أو فلسفي باعتباره مقولة لسانية محضة لحظة التكلم، ويربطانه براهنية
إنجاز التلفظ، ويحلل الزمن الروائي على خمس مراحل: الأولى يقف فيها على الوحدات
التمفصلات الزمنية الكبرى، والثانية يحلل فيها الوحدات الزمنية الصغرى؛ أما
الثالثة فيوازن فيها بين زمن الخطاب في رواية "الزيني بركات" والزمن التاريخي في كتاب بدائع الزهور لابن إياس؛ وفي
المرحلة الرابعة يستخلص خصائص زمن الخطاب في رواية الزيني بركات، ليقوم في المرحلة
الخامسة بمعاينة تجلي البعد الزمني في الروايات الأربع الباقية، مكتفيا فقط
بالإحاطة بالوحدات الزمنية الكبرى، ويختم فصل الزمن باستنتاج ملامح خصوصية الزمن
الروائي في المتن المدروس كتخطيب زمن الخطاب من
قبل زمن القصة، وأن توسيع حقب وتقليص أخرى في الروايات المدروسة يتضح من خلال ربط
يقطين الوحدات السردية بالمواقع الزمنية حيث أن سرعة السرد أو الإيقاع الروائي
تحدد مواطن الاسترجاع والاستباق وتحدد الموقع المُسهم في حبكة الرواية أكثر من
غيره من المواقع الأخرى، آخذا أو مضيفا لتقنيات السرعة عند جنيت، ومهتديا إلى صحة
افتراضات فاينرش أن تبدلات صيغ الأفعال بين الماضي والحاضر غير اعتباطية، والتي
تعيبها عليه سماحة كونها تقليد للناقد الغربي في البرهنة على صحة افتراضات المنهج
(الخروقات الزمنية والمفارقات الزمنية بأنواعها صيغت قوالب وأُدخل الخطاب فيها)
وليس تمثلا له، والخروج عن منهج تحليل الخطاب إلى المتن الحكائي كخلاصة تحليله
لزمن الخطاب، إلا أن استنتاجه بتوزيع الزمن في الرواية لم يأت اعتباطيا يشي بأن
تميز تحليل يقطين البنيوي للزمن (الدائرة الزمنية) أضفى بالفعل الترابط المضموني
على النص (الزيني بركات والروايات الأربع الأخرى) كما خَلُص إليه بنفسه بخاصة
اهتدائه أن زمن خطاب الروائي العربي غير مخلص للترتيب الزمني للأحداث، وكل مكون
زمني إلا ويليه عندهم حاضر إنجاز الحدث الأول في القصة لا الخطاب، والقدرة على تكسير خطية
الزمن المتخيل تبين أنه زمن معاش.
3.4
الصيغة: قبل الشروع في التحليل يقدم يقطين تنظيرا وافيا للصيغة (العرض والسرد الذي
يقوم به الراوي بحسب نوع العلاقة التي يقيمها مع المخاطب، ونوع المتلقي) بإسهاب
تاريخي وفلسفي متطرقا لآراء الشكليين، وجنيت، والشعريين مثل ما فعل مع الزمن، هذا
المكون الذي تُعتبر آراء تودوروف حوله (صدرت في العدد الثامن من مجلة تواصلات عام
1966)والمتبناة من قبل يقطين (بفصله بين المنظور عن الصيغة لأن الراوي وهو يسرد
الأفعال يسرد الأقوال الخاصة بالشخصيات، والرواية تمزج الصيغتين فهي من جنس الملحمة
وليست من جنس المسرحية ولا التاريخ
وهذا ما تُسفر عنه "الزيني بركات")
وذلك سيمنح يقطين إقامة تصنيف الرواية العربية من خلال صيغتها، والتي عدّدها في
سبعة صيغ. والبحث عن هذه الصيغ في "الزيني بركات" تبدأ بصيغتي الخطاب
الكبيرتين أفقيا وتبدلاتهما نحو الصيغ الصغرى عموديا. ويقع يقطين على صيغ كبرى
ثلاث في "الزيني بركات": صيغ الخطاب المسرود من الراوي، والمعروض من
الشخصيات، والمنقول وهو خطاب يجمع فيه السرد والعرض، والمحاكاة التي تحدث عنها
جنيت في "خطاب الحكايا" لا تعدو أن تكون تظاهرا من قبل السارد في نقل
أقوال الشخصيات حرفيا بالتالي إيهام بالمحاكاة أي المعروض عند يقطين هو منقول عند
جنيت، والمنقول عند يقطين محوّل من الحدث غير اللفظي إلى اللفظي عند جنيت وتودوروف.
وبعد
تعداد يقطين لصيغ خطاب راوي "الزيني بركات" معتبرا أن الوصف من الصيغة،
وأن العرض غير المباشر يعطي إشارة للناقد كي يعامل الشخصيات معاملة الأشخاص بتأويل
دلالة الشخصية تأويل الواقع السيكولوجي، عد نسبة المسرود 40
% والمعروض 41
% في رواية "الزيني بركات"
وقد قامت على التتابع والتضمين والتناوب السرد فالعرض فالسرد فالعرض، ويستفيد من
موازنة خطاب الصيغة في "الزيني بركات" مع خطاب الصيغة غير المفصول عن
الرؤية والزمن في رواية "بدائع الزهور" وترابط البنيوي بين الصيغة
والمنظور يجلي على مستوى الدلالة التعدد والتمايز بين الحاكم والمحكوم لينفي عن
الرواية صفة الرواية التاريخية، وعن المجتمع العربي صفة الهزيمة والقمع، وتعميم
النتيجة على سائر الروايات يتوقف على تعدد الصيغ أو أحاديتها دون إدراج الرؤية
والزمن(أدرجهما فقط في "بدائع الزهور")
4.4
الرؤية السردية: يُنظّر يقطين كعادته وبإسهاب لهذا المكون الخطابي كما
تناوله أعلام الخطاب الروائي الغربيين منتهيا بالتحيز لآراء تودوروف وجنيت متحججا
بكثرة الأبحاث والنظريات والاتجاهات بخلاف المكونين السابقين، ومن خلال اشتغال الصوت
راويا ومبئرا أو حصر المجال التبئيري يحدد يقطين ثلاث رؤيات: ـــ رؤية برانية
خارجية (تقابل عند جنيت التبئير الصفر) ـــ رؤية برانية داخلية (تقابل عند جنيت
التبئير الخارجي) ــــ رؤية جوانية داخلية ورؤية جوانية ذاتية (تقابل عند جنيت
التبئير الداخلي) ثم يدلف إلى الجانب التطبيقي عبر شكلين من الرؤية؛ الشكل الأول:
البراني الحكي، الذي مع أنه غير مشارك في القصة لكنه ينفذ إليها عبر طريقتين؛ إما
تقديم الحدث من منظوره الخاص (الترهين السردي) وإما يترصد شخصية ما ويتماهى معها (الترهين
التبئيري). وتبرز الطريقة الأولى في" الزيني بركات" عندما يركز الراوي
على شخصية محورية مثل زكريا بن راضي أو الزيني، أما الطريقة الثانية فتظهر في
الراوي الشاهد وهو خطاب مذكرة الرحالة الإيطالي حين يتحدث عن التحولات التي تحدث
في القاهرة مناوبا بين صوت داخلي وخارجي.
أما الشكل
الثاني فجواني الحكي؛ يكون فيه السارد مشاركا في القصة ويميز يقطين فيه صوتين؛
الفاعل الداخلي والفاعل الذاتي، ويظهر ذلك من خلال صيغ كتابة الشخصية لتقرير أو
رفع رسالة أو خطبة، وكلا الصوتان الصوت المبئر (المقرر) والشخصية موضوع التبئير
(المقرر له) داخليان، أما صوت الفاعل الذاتي فيظهر عندما يخلو المبئر إلى ذاته،
ويخلص أنه بحسب الراوي البراني والجواني يمكن تحديد أنواع المنظورات وتحديدها، ثم
يمضي يقطين في رصد الرؤى السردية الصغرى في وحدات السارد والمبئر بانفصاله عن
النوعين المشار إليهما أعلاه؛ الداخلي والخارجي، الفاعل والذاتي، أو ارتباطه بهما
في كل رواية من الروايات العشر تحليلا جزئيا مدعوما بصيغة رياضية، ويعدد ثلاث أشكال
من التبدلات متداخلة ومركبة: ـــ شكل ثابت: حين تركز رؤية واحدة على حدث واحد دون
تغيير ـــ شكل المتعدد الرؤى ـــ الشكل المتحول، ويخرج بنتيجة تكافؤ الرؤى في
رواية الزيني بركات، فنسبة سارد براني الحكي 40 % ونسبة سارد جواني الحكي 41 % وهنا يؤكد
أن التلازم بين الصيغة والرؤى السردية وثيق جدا، وأن التبدلات السردية بين الحكي
البراني والجواني ساهم في تعدد الرؤية وتبدلها، وبدوره التعدد الصيغي (عرض وسرد)
ساهم في إقضاء الصوت المهيمن الواحد، وهذا ما أضفى على رواية الزيني بركات خطابا
جماليا، أما المقارنة بينها وبين باقي الروايات الأربع في الرؤية السردية يُظهر هيمنة
الرؤية الأحادية الجوانية /الداخلية عليها حاجبة تبدلات اللعب السردي التبئيري،
وأن خطاب "بدائع الزهور" مثلا كان نقيض خطاب "الزيني بركات" المتسم
بالتاريخي (صيغه بالتسلسل والرؤى بالأحادية) وفي خاتمة يتحدث يقطين عن المفاهيم
الخطابية التي صاغ لها مصطلحات جديدة من عنده كالترهين، أي فعل السرد، ومخلصا إلى
أن ما يميز الراوي غير التقليدي في الخطاب الروائي الجديد: حضور الراوي الجواني
الحكي مقابل حضور المروي له الحكي الجواني. وحضور الراوي الجواني الحكي مقابل حضور
المروي له الحكي البراني. مع وجود المسافة بينهما، وهذا ما يجعل القارئ وهو يقرأ
من أن يتقمص منظور أحد المروي لهم وهذا المستوى الخطابي الذي توقف عنده سيتوقف عند
في مستواه الدلالي في "انفتاح النص الروائي"
وتختم سماحة هذا الفصل بملاحظات عن
"تحليل الخطاب الروائي" قولها أن يقطين جانب التحليل البنيوي الصارم حين
خلطِه بين عدة مناهج، وحين عدم وفائه للتصور النظري الذي اختاره، وحين إصداره
أحكام القيمة؛ حتى تلك المُفَاضِلة بين رواية وأخرى من الناحية الجمالية وما بالك
بالقيم الثقافية والتي وضعت لها جدولا، مشيرة أن الانتقاء المنهجي يصرف عن الكلية والوحدة
والتماثل والثبات إذن عن العلمية، كما أن إشارة سعيد يقطين الى خصوصية الرواية
العربية كان ينبغي أن تفرزها الدراسة البنيوية من صميم الاجراء المنهجي وحده كون
أي فصل بين الشكل والمضمون من خلال التأويل حتى ولو جاء بعد تلفظ مصطلح بنية، كما
أنها تعيب غزارة صك يقطين للمصطلح الذي من شأنه إرباك القارئ.
والنتيجة التي فرضت نفسها كخاتمة الكتاب مفادها تمثُّل أغلب النقاد العرب للمنهج: فلسفته وأهدافه وأدواته
وإجراءاته ووظيفة الناقد فيه كان دون المرتجى باستثناء ناقد أو اثنين، والتمثل
يقتضي التطبيق على الرواية العربية للخروج بدلاتها وليس إثبات/تقليد صحة النظريات،
ما أفضى إلى ذلك افتقاد الرابطة المعنوية بين اتجاهي التصور البنيوي للسرد؛ حيث من
المفروض أن تلك التحاليل العربية المختصة بنحو القص أو بويطيقا القص تفرز جدليا دلالاتها/صورتها
المضمونية دون الحاجة الى شرح نفسي أو اجتماعي أو تاريخي( تلفيق)، ولعلّ مطب هذه النتيجة هو الاطلاع الفلسفي والتشرب المعرفي
بمصدر تلك المناهج من عدمه لدى نقادنا، أي المدرسة المعرفية وكيف نظرت ونظّرت للنقد
الأدبي، وهل تجاهلت التجربة الفردية (العقلانية الديكارتية) أم أخذته بالحسبان
(المدرسة الأنجلو أمريكية)، وهذا هو الاختلاف الذي أدى إلى تمثُّل بعض النقاد العرب
للمناهج البنيوية، بينما بعضهم الآخر وجلّهم رواد مغاربة دفعهم فضولهم ولا وعيهم
الثقافي إلى السقوط في فخ الانبهار ثم الغموض الناتج عن الانحراف الحاصل بين
النظري وما يقول به العملي والتجربة الفردية الإنسانية المختلفة عن تجربة الآخر،
حيث إذا ما ظهرت الثغرات يسدونها سنكرونيا بتلفيق التفسير الموضعي، في حين أن بنية
اللغة كلية تتجاوز الخاص إلى العام.