أعلان الهيدر

الرئيسية سلالمٌ للصّعود وأخرى للهبوط

سلالمٌ للصّعود وأخرى للهبوط



بوزيان أوراغ


سلالمٌ للصّعود وأخرى للهبوط

 

    زعموا أنّه كان في أواخر العام 1258 مدينة هندية قديمة تقيم حلفا مع المغول وكان بها قصر عجيب بناه ساحران عظيمان، واحد جعل له سلّم صاعد من حديقة مجاورة للقصر تجاور بدورها غابة ملغزة، أما هذا السلم فهو صاعد ومن يرتاده صاعدا فلا يخرج من وجهته تلك نحو شرفة القصر المشرفة على الغابتين إلا سعيدا جدا أو مجنونا من فرط السعادة، أما السلّم الآخر فجُعل للخروج من القصر، ومن ينزله من شرفته المناظرة للشرفة السابقة فلا ينزله، هذا إذا تمّ له النزول، إلا وهو يقع على حديقة مواجهة للباب الرئيسي للقصر، وهي حديقة ساحة تزينها شجيرات مورّدة حول مقاعد خشبية منمقة، ولقد زُعم أنّ القصر بُني برغبة ملحة من عظمة الملك تخليدا لذكرى إعجاب في نفسه للـ "مهابهاراتا" أي للملك العظيم بهاراتا ولأسرته وبملحمته التي أصبحت مقدسة والتي حملت نفس الاسم المهابارتا. وتخليدا أيضا للشكونتالا بطلة مسرحية الشكونتالا للكاتب الهندي كالديسا، لأنه كان ملكا مواكبا عصر إمبراطوريات الشرق العظيمة التي راحت تبحث في الملاحم القريبة العهد والبعيدة العهد كي تستقي منها نهضتها واستمرار حضارتها، وكان لا يفصل بين تلكم الشرفتين غير ردهة فسيحة تعلو الصالة الرئيسية أين يجتمع الملك بالضيوف والساسة والقواد، لكن يوجد على جانبيها غرف على امتداد البصر تبدو عادية، لكن من يلج إليها يجدها غرف تتكاثر وكلما فَتحت واحدة زادت المخارج المؤدية إلى غرف أخرى ونقصت أبواب الرجوع، وقد أُلغزت فجأة، فلم تعد تؤدي إلى باب الغرفة الأولى لذلك أطلق الناس على السلالم اسم جناحا جلالة الملك الملغزين.

  فقد اعترف جلالة الملك المُعظّم للحضور أنه هو من أعطى المهندسين الساحرين اللذين صمما السلالم بركة اللغز وطاقة الإنجاز، وأنه عزم أن لا يُخبرهما بسر الشرفات الساحرة التصميم وأوصاهما بأن يُكملا عملهما ويوصلا بها سلالم خاصة؛ واحد إلى الغابة المجاورة وآخر إلى ساحة القصر المؤدية إلى حديقته وسُلَّمان آخران إلى جهة شمال ويمين القصر وأن يكتما السر، وبحسب هذا الذوق يكون الملك قد طلب من "المهندس الساحر" بأن يطلق العنان لعبقريته كي ينجز له سلّمان واحد صاعد من الغابة يمين المدخل الرئيسي الأمامي للقصر والآخر شمالي له لكن هابط في الاتجاه المؤدي إلى المدينة من ساحة القصر، تاركا جانبه النهر الصغير لكي يكبر ويكبر كلما انحدر شاقا الغابة، وعندما أتمّ المهندس بناء السلالم كافأه الملك بأن رماه من أحدهما حتى يبقى سر السلالم في يد الملك وحده، وليغدو فيها ملاكا كسارحٍ بحدائق بابل المعلقة ويكون له فيها مآربه الخاصة، مخارجا ومداخلا أخرى قد تتصل بالحكم والسيادة على العالم بعد أن هزمت جيوش التتار المسلمين، وهكذا كان عام بعد عام يأتي الناس من ملوك ومدعوين للتمتع بمشاهدة القصر ورسوماته المعلقة الملحمية الدهشة بسلالمه العجيبة، إلى أن قرر الملك إقامة حفلة فرح ومرح وشُرب يدعوا إليها جميع ملوك ورؤساء العالم من الصين حتى بلاد الغال. ولمّا لبى الملوك والرؤساء الدعوة اشترط الملك على الرؤساء والملوك بأن يكون كل ملك وكل رئيس وكل قائد برفقة عقيلته حتى تستقيم حفلة الرقص في ردهة القصر وفي كل مكان من مُلك جلالة الملك بما فيها السلّمان الملغزان، وذات ليلة من ليالي تلك الحفلة المأمولة التي غدت حقيقة شوهد كل زوجين من الراقصين وقد طالهما الشرب لا يريدان أن يرتقيان بنشوتهما إلا عبر سلالم جلالة الملك المقدس.

     أما القواد بعقيلاتهم فغالبا ما كانوا يختارون عفويا اجتياز السلّم النازل فينحدرون عبره إلا منتهاهم المختار وبدقة متناهية لا تحيد عن هدفها قيد أنملة.. تبدأ من إطلالة أرستقراطية من خلال الشرفة وتنتهي إلى عوالم مجهولة المصير.. والسعادة.

   وقائد جيوش الملك إلى الغرب كان قائدا عظيما اعترف له العدو قبل الصديق بالمهارة والشجاعة، ولأن أصله من المغول والتتار كان قصير القامة من السهل أثناء تدحرجه على السلم أن يقي نفسه ورأسه، وهذا ما صار إليه بعد أن داس على درج من أدرج السلم فزعزعته إلى الوراء بقوة سحرية لترمي به في النهاية متدحرجا كالبالون إلى الأمام.. تبعته زوجته كي ترى ما قد حل به غير أنهما سرعان ما وجدا نفسهُما كأنهما في غور سحيق أو ماخور الخدم ولا أو ما يشي أنه معلف بهيم مثل البشر.. وهما في فزع ورهبة يحاولان الرجوع لكن لا مفر، فبدأت زوجته في الصراخ فضربها القائد، فقالت له "سأطلّقك أيها الكلب عندما نرجع للقصر" لأنها كانت من سلالة شريفة وأرقى من سلالة المغول، وهنا كاد أن يغمى على القائد الموجود في مكان ضبابي أصلا فلم يقدر على تمييزه، بل على تمييز إنْ كان مازال على قيد الحياة أم لا؟ وزوجُه قبالته تمشي الهوينة على عكاز دالفة مبتعد عنه وهو يناديها: "يا امرأة ربما نحن لسنا أحياء.. لسنا أحياء بل ميتّون نحن، تعالي واقرصي نفسك لتتأكدي ممّا أقول" فردت عليه: "أنت لم تعد زوجي" بيد أنها لم تشك لحظة من إيجاد منفذ للانفكاك من الضباب الكثيف الذي سقطت معه فيه، وبينما هي كذلك لمحت شخص قربها أخيرا فانسرحت ملامحها وتنهدت كمن عادت إليها الروح ثانية وبدون أن تسلم خاطبته: ـــ هلا دللتننا عن طريق الخروج من هذا السديم يا هذا؟ فنحن قد سقطت في هذا المكان، ويبدو أن الناس الذين كنا معهم لم يشعروا بنا بعد ليأتو ويخلصونا ..ها!! فهل أنت خادم جلالة الملك؟ (صمت ثم بعده صمت) ولم يشأ الرجل التحدث فزاد قلق المرأة وكادت أن تصرخ ثانية لولا أن الرجل نهض من قعدته على العشب الذي كان الشيء الوحيد الذي يمكن رؤيته في ذلك المكان اللغز... ما أوقحك أيتها المرأة كيف أفعل وأنت في أرض السعادة؟ كيف أخلصك وأنت قد بلغت أرض السعادة؟ هناك في الخارج أناس يتصارعون ويتقتلون سنينا عددا كي يضفروا بشذى هذا المكان وأنت تقولين يخلصونا!

ـــ السعادة! أتهزأ بي يا هذا أين هي السعادة؟ أنا لا أرى غير سديم أمامي وقلبي يرجف من سوء المصير وأنت تقول سعادة!

ـــ أنا رجل مسلم، وقد بلغت هذا المكان بشق الأنفس بعد مجاهدة استمرت عشرون عاما في طلب العلم والحكمة..

ــ أنا لست راغبة في حكمتك بل في معرفة أين نحن؟ كي نخرج

ــــ "لا أدري" قال؛ سقطت مثلك في حفلة العام الماضي من على السلم بحركة مفاجئة منه مثل ما سقطتِ فلم أجد نفسي إلا رجلا مسكينا لكن سعيدا بعد أن كنت أطمح لالتماس السعادة عبر الجاه والسلطة، ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول إيجاد منفذ أعود به إلى جلالة الملك الذي لا أذكر من كلامه بعد أيام من سقوطي إلّا قوله أن هذا السلم الذي ترغب في الصعود من خلاله إلا الشرفة التي تطل على مملكتي ومنها إلى ردهة الحفلة اسمه سلم السعادة، أجل، إن هذه الأحرف الملفوظة: س/ ع/ ا/ د/ تاء مربوطة أصبحت مصدرا لسعاداتي أو لشقائي، فمنذ كذا من عشر شهور ونيف وأنا لا أفكر إلا فيها وبها، لعلها تهديني إلى الخلاص من ورطتي،

ـــ العام الماضي! لا تقل أنّك بقيت في هذا المكان المرعب عاما كاملا. كأنك التبست بجن السحر وتعاهدت معه وأنت تعلَمُه لكن لم تقدر على إقناعه.

ــــ بلى، بالضبط وكما تقولين.

ـــ ومن تكون؟ راهب، وزير، قائد،.. وعن أي ورطة تتحدث؟

ــــ بل أنا طالب لغة، لغة عربية، وقد طلبتها في بجاية، بجاية الماضي والحاضر والمستقبل فلم أظفر من معلميها بغير نكد الأغلاط وركاكة القول وسذاجة التّعبير المنجرة عن تكلفهم وتقعرهم، كلّما قلت لهم هاتوا علّموني لغة الضاد شيئا ممّا تفقهون ردوا عليَ بعربية ليست هي بالعربية! عندها عزمت على ترك المدرسة غير أني صادفت من أسدل لي النصيحة، وكانت نصيحة أحد الإداريين الخلوقين قائلا: ــــ أنت مُخطئ، أخشى أن تندم إن لم تراجع قرارك، اللغة أصبحت تطلب مخلوطة بالأدب وكما تعرف لا يوجد في عالمنا اليوم شيء اسمه أدب؛ إذ نظرية الأدب الحداثية تقول أنه كل شيء يُتلفظ به ويحمل معنى ممكن أن يدرج في خانة الأدب، إن اللغة في عصرنا هي اللسانيات وهي بأي حال علامات أو رموز تدلل على معنى، تدلل وليس بالضرورة أن تعنيه أو تعني ثقافة أو طبعا؛ أي أن هناك دائما بون شاسع في التطابق بين اللفظ والمعنى أو كما يصطلحون عليه بالعلامة بين الدال والمدلول أولا، أجل يا صديقي فأصبحت وحدة العمل الأدبي لا يقبل إلا بالفكرة العامة التي تطفح من تراص وتكامل عديد الوحدات الدالة، إذن لن يفيدك بيان ولا بلاغة، بل لن تفيدك خطابتك وفصاحتك وحتى عملك الأدبي الراقي قط أمام تلك النصوص الغثة التي أصبحت مدار اهتمام اللغويين والنقاد (عفوا اقصد أشباه اللغويين والنويقديين.. في نظرك وربما في نظري أنا أيضا) في حقيقة الأمر لو أننا طبقنا معايير ما تبحث عنه أنت من لغة تؤخذ وتقال عفويا مثل ما يقال الأدب عفويا دون تكلف ولا تقعر لكان مع هذه الأشياء التي لا تأتينا عندما تأتينا إلا وهي في جاهِزية للفكر المتعصّب للمطلق وبغرور وكبرياء، فهي تدعوا نفسها لغة مصنفة وحداثية بل تتقول الأقاويل على المعايير واسمةً إياها بالتقليد والرجعية.. والرأي لا يسبق فصل الخطاب بيدك قرارك

ـــ لكني وجدتهم يحاولون وهم بإزاء تعليمي العربية أن يفصحوا عما في لسانهم من فصاحة وبلاغة، إنّ ما شجعني على الفصل في ابتعادي عن هؤلاء المدرسين الذين يعلّمون العربية لكنهم لا يتكلمون بالعربية هو محاولتهم الفاشلة في التكلم بالعربية!

ـــ "إذن ما دمت قد اقتنعت فأنت حر" قال لي الإداري الخلوق ... وانصرفت من أمامه وصورة الشرق بغداد مدينة السلام تحاذيها كوفة العباسيين لم تغادر مخيلتي، في ريعان شبابها وجهورية صوتها وحسن مطلع فراتها وبساتينها المنقذة لحماسة طالب العربية، هناك آخذة بيدي لأتفقه في يدها، بيد أنني ما ولجت المدرسة البغدادية تلك حتى واجهتني مشكلة أخرى أعمق؛ فكنت أود أن ألوذ بدراسة العربية نقية صافية وأن تكون من خلال النصوص والشواهد المحايدة من جميل بديع خزائن الأدب الذي لا ينافح لزيد أو عمر من الفِرَق التي كانت عالقة به ومازالت متصارعة بينها لتحسين صورتها وتشويه صورته، فعندما هممت أن انتصر أخيرا لمدرسة الصوفية عن مدرسة المعتزلة لأنها مدرسة تقترب في صفائها وجمالها من عفوية جمال اللغة والأدب في نكوسهما إلى ذاتهما مختلجة عوالم الجمال الإنساني والطبيعي الناشز ضد كل إجبار وجاهزية أُصبت بما أُصَيب به معشر الشيعة والخزرج وهو طلب هولاكوا للمعلمين من ملازمة مدارسهم وبيوتهم حتى ينظر قواد خاصون في أمرهم، وماهي إلا ساعات حتى اقتديت مع من اقتيدوا إلى حيث لا ندري فكنا نطعم ونكسى ونزود بالكتب لكن لا نزود بمعنى ما نحن عليه ،وامتد بنا الحال إلى شهور وسنوات حتى وجدنا أنفسنا في مدرسة الخان فلان بن فلان لتعليم اللغة العربية للناشئين والطلاب ومن كل حدب وصوب أتانا أبناء اتباع الملك يودون تعلم العربية......

 ... ثم فجأة هرولت المرأة إلى بعلها دون أن تعي بأنها كانت قد طلقته بالثلاث وهي تقول: يا رجل يا رجل إليَ إليَ فإن هذا الرجل يقول أنه مغربي وقد قاده القدر إلى تعليم العربية في قصر الملك..!

  وفيما كانت فيه شلّة الملك في ردهة القصر من أمرها في مرح وطرح، وقد تصاعد الضجيج عاليا منطلق من ردهة القصر في الطابق الأول. ومن الحضور من كان مقدّما للحفل ووالجا من ساحة الباب الرئيسي صاعدا بعد أن نزل من السلم الداخلي ليقضي حاجته، ومنهم من مازال مجاريا الريح على قدم وساق كي يصل الحفلة ولو متأخرا بقليل كصاحبنا العربي الآخر الذي لحقته الدعوة متأخرة، وقد شهده جلالة الملك وبعض المقرّبين بمناظيرهم الشخصية وهو يستقل قارب شاقا به عباب النهير الذي يكبر ويكبر كلما شق طريقه في الغابة المجاورة للقصر من ناحية اليمين.. فتضاحكوا بينهم من براءته..

ثمّ وإذْ بالملك نفسه يسأل عنه وزيره عمّن يكون فأخبره بأنّه قائد جيوشك في بغداد التي سقطت أخيرا في قبضتنا فسُرّ جلالة الملك وأمر أن يُحسِن وفادته لمّا يصعد.. بيد أن صاحبنا ارتقى سلم الصعود ولم يكتب له بلوغ شرفة القصر أبدا لأنه وهو في منتصف السلم ارتجت الدّرج الأوسط الذي داس عليه فأحس وكأن قوة سحرية جذبته نحو الأسفل مغشيا عليه، ولم يستيقظ إلا وهو في مكان عجيب كالمكان الذي سقط في القائد المغولي وزوجه وهو نازل من السلم الشمالي، ولما طال انتظار الوزير وحاشية الملك للقائد العربي أخبروا الملك فأمر الملك بإنهاء الحفلة ومغادرة الجميع للقصر لأنه يعرف أن القوة السحرية لا يزول مفعولها فلا تعاود نبذ من جذبتهم إلى فوق السلالم ثانيةً، ومن نفس المكان الذي بُلِعوا منه أو نزلوا منه نزولا شيطانيا إلا بعد أن يخلوا القصر لمدة أربعة وعشرين ساعة على الأقل مع شرط إقامة صاحب السر الملك لطقوس خاصة، وهذا ما حصل فرمت تلك القوة بصاحبنا القائد العربي في الحديقة الغابية في أسفل سلم يمين القصر من أين حاول الصعود، ورمت في الوقت نفسه القائد المغولي وزوجته مع طالب العلم المغربي في ردهة القصر التي كان مجتمعين فيها مع المحتفلين غداة قرروا النزول إلى حديقة وساحة القصر المقابلة للمدخل الرئيسي للقصر عبر شرفته ذات الشمال التي تشرف عليها، وينزل منها إليها سلم شمال القصر النازل وحدث معهم ما حدث.

  وعندما حاول صاحبنا القائد العربي محاولة صعود القصر لم يجرؤ قط خوفا من ملاقاة المصير نفسه، فحاول القائد المغولي وزوجته والطالب المغربي لمّا رآهم ورأوه النزول إليه لكنهم تخوفوا من الشيء نفسه الذي تخوف منه القائد العربي، وقد كان كل واحد منهم يُلوّح لصاحبه بيديه ويحاول البحث عن سلم آخر يصعد أو ينزل منه بيد أن خلو القصر من أي أحد جعل الثلاثة يُمعنون البحث في الرّدهة عن سلم داخلي يُمكّنُهم من النزول إلى تحت، حتى وجدوه ونزلوه متوجهين إلى صاحبنا ومحاولين التعرف عليه وسؤاله عن بقية المدعوين وجلالة الملك فدار بينهم أكثر من سؤال وجواب:

ـــ لا أعرف عنهم أي شيء، فأنا كنت قاصدا المحفل هناك في الطابق الأول صاعدا فوجدت نفسي ساقطا منه في مكان كأنه مغارة سحرية عجيبة لا تخلو أبدا من ضبابها وعالمها الفسيح الممتد كلما حاولت قطع بعضه.

ـــ إنه نفس الشيء الذي وقعنا فيه نحن الثلاثة ونحن نحاول النزول عبر السلّم الذي يقع على الجهة لمقابلة، وهذا الشخص الذي ترى قد وقع منه في العام الفارط، أما أنا وزوجتي فمنذ ساعتين من الآن وأخشى أننا واقعون في فخ أو شرك مدبر..

ـــ أنا لا أعلم حتى إذا ما كنت سقطت فعلا أو حُملت حملا إلى ذلك المكان لأنني بمجرد هزة درج السلّم لم أعد أعي بعده شيئا..

ـــ تماما مثل ما حدث معنا، تماما، نحن كذلك لم نعي أي شيء حتى وجدنا أنفسنا مستلقين في مكان معشوشب ومطبق السكون والضباب.

ــــ والمشكلة الأخرى التي لم أجد لها حلا هو أين الحراس والجند والحاشية؟ أين المحتفلون؟ كلهم صدوا كأن الأرض انشقّت وبلعتهم إنه لَأمر ملغز أم تراهم يحُضّرون عيد ميلاد جلالة الملك مثلاً

ـــ كلا. لا اعتقد، فهذه حفلة ذكرى المهابهارتا والشكونتالا التي درج جلالة الملك إحيائها كل عام. لكن ما خطبك أنت أيها القائد، هات حدثنا عن قصتك؟

ـــ في الحقيقة أنا قائد عربي الذي عينه قائد جيوش المسلمين على بغداد بعد سقوطها

ـــ حقا، فإن صاحبنا كذلك، لكنه مغربي، لكن أانتدبك هولاكو وقواده كي تشكل حكومة الفيشي؟

ـــ يعني تقريبا. لكن لا تعتقدون أني خنت الخليفة المستعصم بالله، كلما في الأمر أن قواد هولاكو خان علموا بحنكتي الإدارية ومشاركتي في بعض فتوحات العباسيين فاقترحوا عليَ تولي هذا المنصب.. أنا لم أخن لا المستعصم ولا العباسيين ولا حتى الدين والإسلام كما أراد الخوارج الترويج له وإنما حاولت إنهاء الفوضى وإعادة النظام تخفيفا عن المسلمين من فتك الأمراض والمجاعات المترصدة مع من حاولوا، وفقط، وهذا كل ما في الأمر.. وهنا يتداخل الطالب المغربي مقاطعا القائد العربي:

ـــ أفهم أنه لم يعيونك قائدا إلّا بعد خروجي من بغداد، فهل تذكر شيئا عن ترحيل من يُعلّم العربية للمغول من بغداد منذ حوالي العام؟

ـــ لا أخفيك أنني كنت كقائدٍ من قواد جيش المسلمين لم أفكّر في شيء آخر غير تجنيب المسلمين مذابح تعنّت المستعصم وبطانة السوء التي كانت تكذب عليه وعلى نفسها ردحا، فلو حررت العباد مما كانوا فيه من مذلة استعباد لما سعو لتحريضه لتحرير بغداد، فكان ما كان من إراقة للدماء، وتدخلت باسم قائد منشق فأُعجِب قواد هولاكو بمنطق حججي لوقف المهلكة فعرضوا علي ترأس حكومة الفيشي كي يتفرغوا هم لبقية المحافظات.

ـــ "إن الكذب على الناس هو وجه الشبه بين وجودي هنا ووجودك أيها القائد الشجاع" قال الطالب المغربي ثم أضاف: ".. أو قل هو التسلّط المتخذ الرهبانية وسياسة العصا والجزرة وسيلة وهي سبب دخول العرب في التخلف وعدم خروجهم منه عندما أضحت عديد الأمم تحاول وتحاول الخروج من ظلامية ما عاشته البشرية من ذل وخنوع وجبروت بمعونة القوى الغيبية غصبا لذراع الإنسانية واستعمارها في ذاتها طوعا أو كرها، والنتيجة كذب وافتراء على الناس لتحمي الطغمة محاطة بخدامها الطيعين امتيازاتها كابر عن كابر مدعية خدمةً للعدالة وحقوقهم.

ـــ "أنا لا أذكر أن هناك في شمال إفريقيا دارت حروب استعمار" قال القائد العربي

ـــ أنه أهون من الاستعمار، فالحادث هناك هو غسيل مبرمج بمكر وبإصرار وترصد يصعب تصورها للعقول والضمائر، إنه رعاية وتنمية الطبقية وإفشاء الفساد بالتدجين حتى يسمُن فيقدم هنيئا مريئا لسيادة الرئيس والكل في ارتزاقهم وارتشائهم ومجاملات اللباقة الصالونية ليضمنوا مائدتهم من فضلة الأسد بعدهُ، ويحسبون المساكين أنهم يقدمون شيئا للعلم والحضارة بيد أن الحضارة جبتهم في لا وعيها وفي تعليم اللغة والأدب العربي هناك في المغرب العربي عينة عن فساد من نوع خاص يلعب فيه التدجين على الكذب لأجل الاسترزاق ،لا أكثر ولا أقل، لذا ترى كل من كان قادرا اتجه صوب الأزهر أو دمشق أو صنعاء ومن لم يقدر وقع المسكين ضحية للاقتناع الطوعي بجدوى الركاكة وفضلها عن البلاغة والخطابة..

ـــ يحسن عونك، وشرفت بك على كل حال مناضلا في سبيل العلم ضد أيديولوجيا الفقر والتفقير.

ـــ لكن أولا تلاحظون أيها السادة الكرام أنه ليس وجه الشبه الذي ذكرت غير صورة من صور محاولاتنا للصعود النازل كل في ميدان عمله، ومتصورين أنه صعود بيد أنه قد عملت الإرادة الإلهية بالصدفة عملها فكشفت أن أوقفت نزولك غير الشريف أبدا وأوقفت صعودي أنا لمجد غير مستحق..

ـــ تماما سيدي تماما أو تعرف أين يكمن الحل الذي ساهم فيه تصادم الحضارات، فالحصارات تشيخ لتتجدد كما يشيخ الإنسان ليتجدد" قال الطالب المغربي:

 أظنه جازما بعد تجربة النزول والصعود تلك، لو أنك تتبّعت السلّم الصفر، الذي درجته صفرا في الأيديولوجيا، أي أنه لو قام كلينا بتتبع خطاه من خلال الفساحة، فساحة القصر الأمامية، لا الجري اللاهف وراء الأمكنة المغلقة المشكلنة التي يشع بهرجها زيفا كذبا لكان أختلف معك ومعي الأمر، ولمَا حصل لك ولي ما حصل. فجوهر الأشياء ولوج البيوت من أبوابها رحبةً بالرحبة تكون النفس. ......... لتُكتب لها آثارٌ من سعادة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.