بطاقة قراءة لكتاب "بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي" لحميد لحمداني


 

بوزيان بغلول 

 

        بطاقة قراءة لكتاب "بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي" لحميد لحمداني:

  

  حميد لحمداني ناقد وأكاديمي مغربي، آخر عمل له "مهارات تحليل البنيات السردية" 2018، ويقع كتابه هذا في 165 صفحة من القطع المتوسط وهو صادر عن المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 1991، ويبدأ في التقديم بسرد الانتظام التاريخي لأهم المدارس النقدية التي ساهمت في نشوء المنهج البنيوي/البنائية، بدءً من جهود النقد الفني الأنجلو سكسوني بأعلامه: بيرسي لبوك، إدوارد فورستر، إدوين موير إلى النقد الشكلاني، إلى الدلالة البنائية التي تطورت في فرنسا مع غريماس وبريموند، كما يقول أنّ هناك أسرار النظام الداخلي للأعمال الإبداعية السردية سعى إلى كشفها عبر: الرؤية، الشخصية (النموذج العاملي)، الفضاء، الزمن، الوصف. ولم يكن ذلك خاليا من التأمل وضربا للأمثلة، ابتغاء التمثّل الذي يسمح بنقد الأعمال أو الدراسات النقدية البنيوية العربية، لكن مُدخلا إدراكات القارئ في الوسط، ولَمّا يختار لحمداني منهجا لنقد النقد يختاره باعتباره وصفا، ليس هو مع البنائية ولا ضدها لكن كإبستمولوجيا للبنائية مستفيدا من دراسة سابقة في التحليل النقدي لأعمال نقدية تناولت قطط شارل بودلير لجوهانا نتالي، مُتّبعة في مسارها: الأهداف ـــ المتن ـــ الممارسة النقدية بحصر المعنى بما فيه: الوصف ـــ التنظيم ـــ التأويل ـــ اختبار الصحة، وقد أهملت التقويم الجمالي حتى لا يسوقها ذلك إلى نقد ذو خلفيات خارجية، ذلك أن غرض الدراسة هو تبيان ما مدى خصوصية الناقد العربي في ممارسة نقدية داخلية للنصوص متمثلا بمناهج تطورت في سياق علم اللغة الحديث/ اللسانيات؟ وهل قدمت مقاربته معرفة جديدة بالنص الروائي العربي؟

   ولما كانت أصول تحليل بنية النص السردي هي أصول فنية وشكلانية، عرض لحمداني في القسم الأول للحكي من وجهة نظر النقد الفني والشكلانية والبنائية وعلم الدلالة البنائية، مبتدءً التمهيد بالتعريف أولا بالشكلانية؛ حين ركز بعض النقاد في ثلاثينيات القرن الماضي حول ما يجعل العمل الأدبي يتميز بخاصية الأدبية، فاهتموا بالجانب الشكلي والتركيب الداخلي مقصين الجوانب الاجتماعية والنفسية، التي ليست من اختصاص الأدب أصلا، بالتمحور حول المبادئ اللسانية الديسوسيرية، من تمييز بين اللغة والكلام، وسينكرونية، وإقصاءٍ للمؤلف فقط. وما قام به الشكلانيون والبنيويون والدلاليون في مجال الحكي وطبيعة اشتغاله تتظافر لتحليل النصوص شكلا ودلالة، والدراسة الداخلية للرواية لم تكن قط حكرا على الشكلانية فقد واكب الشكلانية نقد إنجليزي دُعي بالنقد الفني وقد راج في الأوساط العربية المصرية، رائده بيرسي لبوك وفوستر، وهو نقد بنائي بشكل موسّع بتطويره للنزعة الشكلية الأرسطية باعتبار العمل الأدبي صورة مركزة عن الواقع، إذن تحقيق القطيعة مع النقد الخارجي لا مفر منه لكن دون إلغاء الذوق ومحاكاة الطبيعة.

   فحسب بيرسي لبوك في كتابه "صنعة الرواية" الرواية شريحة من الحياة في نفس الوقت تحليل الرواية تحليلا بنائيا لا مفر منه، والقضايا الفنية التي رعاها لبوك هي العنصر الدرامي (لأن الأسلوب غير المباشر يوحي بحيادية الكاتب الذي يقف خلف الراوي)، وتعدد الأساليب، والزمن، وزاوية النظر كما يفهمها الناقد (بحسب إيثاره للعنصر نفسه، ولأي عنصر فني آخر، كمنظور الفضاء مثلا) ولعلّ فسحة النبض المتبادل بين الناقد ونصه جعل من العسير على النقد الفني إهمال الوحدة العضوية. أما فورستر فأقام الحدود بين الدراما الأرسطية التي استهوت لبوك والرواية من حيث استقلال الشخصيات في دراما ليس هو كذلك في الرواية، التي تتطلب اطلاع الراوي عليها في شكلين: محدود المعرفة بها ـــ والعرف بها كليا. واستعاض بتفريق الشكليين بين المتن والمبنى الحكائيين ليُفرّق بين سرد القصة وسرد الحبكة، أما إضافة موير للنقد الفني حسب لحمداني فتتمثل في انتقاده عدة مصطلحات في ذلك النقد كالإيقاع، ووجهة النظر، والنموذج عدا مفهوم الحبكة مقترحا نمطين بنيويين شكليين للرواية هما: رواية الحدث: تعتمد على هيمنة الحدث في مقابل الشخصيات وسبيلها بلوغ الحبكة الغائبة. ورواية الشخصية: وهي التي تصنع الحدث لكن مستقلة عن الحبكة بثباتها، أي مسطحة بتعبير فورستر. الرواية الدرامية: وتتساوى فيها قيمة الحدث مع قيمة الشخصية، وتقوم الحبكة على أساسهما معا، والعنصر الزمني فيها غالب على العنصر المكاني. الرواية التسجيلية: هي تفاعل بنّاء بين رواية الحدث القائمة على العنصر المكاني والرواية الدرامية القائمة على غلبة العنصر المكاني. وبهذا اكتشف النقد الفني بعض خصائص البناء الروائي لكنه بقي دون مستوى الأبحاث الشكلانية، ما مكن النقد البنائي المعاصر من الارتكاز عليه.

الحوافزــ الوظائف ــ العوامل: يؤكد لحمداني على أن التحليل الشكلاني البروبي لبنية الحكي هدفه تحليل الحكاية الشعبية والخرافية وهو غير معني بأشكال الحكي المعقدة كالرواية.

1. الحوافز: ميّز توماتشفسكي بين أغراض ذات مبنى تخضع للمنطق الزمني وأغراض لا مبنى لها، لا تخضع للمنطق الزمني، وتعتبر القصة والرواية والملحمة أنواع غرضية تتألف من وحدات كبرى وصغرى، أما الصغرى فتسمى حوافز، ولكل جملة حافزا خاصا بها، وتتحدد الحوافز المشتركة والحوافز الحرة من خلال التمييز بين المتن الحكائي Fable (أحداث القصة المتصلة فيما بينها كما جريانها في الواقع) والمبنى الحكائي Sujet (نظام ظهور الأحداث في الحكي بطريقة عرض فنية)، ويميز توماتشسكفي بين الحوافز المشتركة أساسية في المتن الحكائي أما الحوافز الحرة فأساسية فقط في المبنى الحكائي (حرة)، ويميز كذلك بين الحوافز الديناميكية؛ وهي المسؤولة عن تغيير الحكي أوضاعا وأبطالا، والحوافز القارة التي دورها مجرد تمهيد لتغير الحكي أوضاعا وأبطالا، وكل الحوافز الحرة حوافز قارة لكن ليست كل الحوافز القارة حوافز حرة.

التحفيز: ينبغي للتحفيز المدرج في صلب القصة أن يكون مبررا ومقبولا حسب توماتشفسكي، وهناك حسبه التحفيز التأليفي والمقصود به التحفيز الذي له وظيفة وعلاقة في القصة، والتحفيز الواقعي وهو الشيء المتخيل في القصة ومهما كانت صفته ويوهم بعلاقة مع الواقع أو يحفّز على الواقع، أما التحفيز الجمالي فهو الحافز الذي يجعل الحدث محتملا، لكن لا يفسره الواقع بقدر ما تفسره مقتضيات البناء الجمالي في الحكي. وإن الحوافز عند الشكلانيين كانت بداية حقيقية فيما هو آت للتأكيد على دراسة بنيوية تركيبية لفن الحكي لاكتشاف أبنية أساسية فيه. 2. الوظائف: الوظائف هي نموذج الدراسة البنائية الداخلية للحكاية لدي فلاديمير بروب في كتابه "مورفولوجيا الحكاية"، وعبر إعطاء أمثلة حكائية شعبية عدّد عناصر ثابتة ومتغيرة، فالذي يتغير أسماء وأوصاف الشخصيات أما أفعالهم (وظائفهم) فتبقى ثابتة وهي المهمة والتي تتكرر بطريقة مذهلة، لكن كل وظيفة مكررة لا تحمل نفس الدلالة إلا إذا أدرجت ضمن سياقات متشابهة، بذلك فإن الوظيفة حسب بروب عمل محدد من زاوية دلالته داخل جريان الحبكة، و1. العناصر الثابتة في الحكاية هي الوظائف وهي الأجزاء الأساسية في الحكاية. 2. وهي محدودة ومتطابقة في جميع الحكايات. 3. النموذج المرتبط بها حسب بروب هي الحكاية الخرافية والعجيبة غير أنّ إمكانية دراسة أنماط الحكي الأخرى المعقّدة كالقصة والرواية واردة. ووضع بروب نحو 31 وظيفة وفرّع لكل وظيفة أشكالا متعددة كالأشكال المتفرعة عن وظيفة الابتعاد B وهي B3 B2-B1 ...

  وقد وزّع تلك الوظائف على سبع شخصيات أساسية في الحكاية العجيبة وهي: المتعدي أو الشرير، الواهب، المساعد، الأميرة، الباعث، البطل، البطل الزائف، فكانت تقوم بعدد محدود منها وبغض الطرف عن نوع وصفة الشخصية ـــ عدا الأميرة ــــ مقابل الدور الذي تقوم به، وبهدف إقامة تصور شكلي شمولي كوحدة كلية للحكاية العجيبة يأتي بمصطلح متتالية الوظائف؛ من وظيفة الإساءة، إلى النقص، إلى الزواج مرورا بوظائف أخرى؛ حيث أي وظيفة سواء كانت بسيطة أو معقدة تتلو نظيرتها وتكون حل لها باتجاه حل العقدة. ويعطي لحمداني توضيحا رمزيا (خطاطة) في حالة حكاية تحتوي على متتاليتين تعقب إحداهما الأخرى، جاعلا أ وب رمزا لهما، ورمز وظيفة الإساءة A، ورمز وظيفة الزواج W0، ورمز وظيفة إعادة الزواج W2 مثلا. لتنتهي هذه الخطاطة في حالة بدء متتالية أخرى قبل أن تنتهي الأولى، وهكذا بالنسبة للمتتالية الأخرى (إساءة وإصلاحها) التي لم تنتهي بعد في الحين الذي بدأت فيه متتالية جديدة (إساءة وإصلاحها) حتى نصل إلى سلسلة غير منتهية من تداخل المتتاليات (سواء اشتركت في الإساءة أو اختلفت، وسواء اشتركت في نهاية واحدة أو اختلفت، أو حوت بطلين يفترقان في منتصف المتتالية الأولى) فتتعقّد بذلك الحبكة. ووصل بروب بذلك إلى علمنة لفن الحكي في بنية مجردة نظرية، بوضعه سلسلة من المتتاليات أسماها البنية الوظيفية العامة للحكاية العجيبة ودلالتها عبر اختزال العناصر المتكررة، والتي ليس لها حضور ثابت، ولم يمنعه هذا من الخروج من الإطار المورفولوجي إلى الإطار التأويلي (دلالة البناء الوظيفي) بافتراضه نشأة هذا النوع من الرواية "الخرافية" إلى الواقع الثقافي أي المعتقد الديني.

أما الوظائف عند رولان بارث: فلا تنحصر في الجملة، قد تقوم بدور الوظيفة كلمة واحدة في سياقها وفي جميع أشكال الحكي، وفي الأشكال المعقدة كالرواية كل وظيفة إنما تأخذ مكانها ضمن مجموع العلاقات (مجموع العمل) وموقعها في الحكي هو الذي يحدد دورها فيه حتى تلك المشار إليها في الحكي بصورة عابرة، وهو يميز بين نوعين من الوحدات الوظيفية:

الوحدات التوزيعية: إنّها وحدات تتطلب بالضرورة علاقة مع بعضها مثل التي عبّر عنها توماتشفسكي بوظائف التحفيز فهي وظائف فعل؛ إذْ ذِكر المسدس تذكّر بوظيفة استعماله.

الوحدات الإدماجية: هي وحدات ذات وظائف لا تتطلب بالضرورة علاقات فيما بينها، بل كل وظيفة تقوم بدور علامة تحيل على مدلول، بل فقط تحيل على مفهوم ضروري بالنسبة للقصة. ولما كانت الوحدات الإدماجية معنوية استبداليه فبالضرورة تكون الوحدات التوزيعية تركيبية، وتجد الأخيرة طاغية في أنماط الحكي الشعبي البسيط والأولى في الروايات المعقّدة السيكولوجية ، وعند الحديث عن تركيب الوظائف يرى بارث حسب لحمداني أن التسلسل المنطقي بين الوظائف والوحدات الحكائية هو الذي ينبغي أن يكون الأداة الحقيقية لدراسة تركيب الحكي، والمتتالية séquence عنده عبارة عن تتابع منطقي للوظائف النُّويات، بحيث تنفتح المتتالية عندما لا يكون لطرفها الأول علاقة متينة مع السابق، وتنغلق عندما لا يكون لطرفها الثاني نتيجة لاحقة. وفكرة المتتالية سواء كوظائف أو علامات حسب تقسيم بارت نطاقها وظيفي.

3. العوامل: بنى الجريداس غريماس مثله مثل بارت وبروب نموذجه البنيوي المعروف بالنموذج العاملي على مفهوم الوظيفة الشكلاني، ومستفيدا من مفهوم العوامل في اللسانيات، ومنطلقا من ملاحظة تسِنيير التي مفادها تشبيهه الملفوظ البسيط (الجملة) بالمشهد، إذ تعتبر الوظائف (من وجهة نظر التركيب التقليدي) بمثابة أدوار تقوم بها الكلمات داخل الجملة، بيد أنه يرى في التحليلين الوظيفي والوصفي متكاملين، غير أنه مال إلى اعتبار التحليل الوظيفي مرجعا أساسيا عند اختبار كل تأويل سابق معتمدٍ على الصفات. ويطور غريماس نموذجه العاملي على أنقاض توزيعية بروب للوظائف في سبع شخصيات أساسية، ومستعينا في نفس الوقت بعوامل المسرح التي تحدث عنها سوريو، فربط مفهوم الشخصية بمفهوم العامل ليقيم علم دلالة بنائي للحكي منذ العام 1966، ويتكون النموذج العاملي عنده من ستة فواعل/ أدوار وزّعها على ثلاث مستويات تمثلت في: ذات ـــــ موضوع ـــــ مرسل ـــــ مرسل إليه ـــــ مساعدـ ـــــ معارض. وتربطها علاقات نسقية وفق ثلاثة ﺃزواج عاملية: الذات/الموضوع (محور القيمة): يشكل هذا الزوج أساس النموذج العاملي بحيث يشكل محور الرغبة (رغبة الذات في الحصول على موضوع القيمة أو انفصالها عنه بعد إقناعها من قبل المرسل)

المرسل/المرسل إليه (محور التواصل): يتجلى دور العامل المرسل في إقناع العامل الذات بالبحث عن موضوع القيمة. كما يقدم المسار السردي باعتباره فاعلا تأويليا ﺃما المرسل إليه فيستفيد من الموضوع.

المساعد/المعيق: يرتبط بحالة الصراع، ودور كل منهما ضمنه: اﻷول/المساعد يساعد العامل الذات في البجث عن موضوع القيمة. في حين يعمل الثاني على تعطيل الذات في حصولها على موضوع القيمة.

وفي الوقت نفسه الذي ترتبط فيه الأزواج نسقيا سكونيا يحدث ارتباطا إجرائيا حركيا بينها من خلال: - التحفيز: يتم خلالها إقناع العامل الذات من قبل المرسل بالبحث عن موضوع القيمة، بحيث يقوم هذا العامل بتأويل هذا الإقناع. يؤدي التحفيز إلى فاعل إجرائي ممتلك لقيمة الاستعمالية ومحدد لمعنى ضمن البرنامج السردي. والاستعداد للقيام بالفعل ﺃو الإنجاز يتطلب من العامل الذات إرادة الفعل والقدرة عليه ووجود الفعل ومعرفته كذلك.

- الإنجاز ﺃو فعل الكينونة: تقتضي هذه العملية عاملا/Agent هو الفاعل الإجرائي بحيث يتم الانتقال إلى المحقق، والهدف الحصول على موضوع القيمة، برغم البنية الجدلية في النموذج العاملي نتيجة البرنامج المضاد. – الاعتراف والجزاء: مرحلة الجزاء باعتباره حكما على الأفعال التي يتم إنجازها من الحالة البدائية إلى الحالة النهائية إنه حكم على الإنجاز.

  وإذا كان غريماس جاء بمصطلح العامل Actant (نوع من الوحدات التركيبية ذات وحدات شكلية خاصة) تأسيسا لمشروعه لدلائلية الشخصية فإنه يأتي بمصطلح الفاعل Acteur أيضا، بالتالي يشير جريماس ﺃن الشخصية هي مجموع العوامل تبقى ثابتة وفق منظومة معينة، وﺃنّ هذه الشخصية/العامل يمكن ﺃن يؤديها عدد لانهائي من الممثلينActeurs   أو العكس ممّا يؤدي إلى تعدد البرامج السردي برغبات إنجازيه عدة، ولما كل ممثل يقوم بأدوار عاملية عدة كلكسيمات بمعنى مورفيمات الدلالة قد يؤدي بتحليل الحكي إلى تعقيدات تتطلب الدقة والحذر.

منطق الحكي: وهو بحث كلود بريمون الذي يجعل هو الآخر متتالية الوظائف الشكلانية كبروب، وبارت، وغريماس مرتكزا لدراسته " الأدوار السردية الرئيسية" معتبرا إياها بمثابة حبكة الأحداث في الحكي، ولأن القصة التي تُحكى، يقول بريمون، تحوي على القوانين نفسها مهما تغير مظهرها وبعد هذا التأمل في "مورفولوجيا الحكاية" يهتدي إلى علم البنيات المجردة أوما يطلق عليه بسيميولوجيا الحكي، مُستخلصا من نموذجه الوظيفي: ــــ متتالية الوظائف في الحكاية العجيبة دائما متماثلة. ــــ الحكاية الخرافية من حيث بنياتها تنتمي إلى نمط واحد. ولهذا انفتح على مسارات أخرى تنفتح على جميع أنواع الحكي، فتغير مسار الحكي وتعدد مساراته فعوض أن يتصور بنية الحكي على شكل سلسلة أحادية الخط ثابتة النظام مثل بروب، تخيل تجميع هذه البنيات لعدد من المتتاليات المتراكبة التي تنعقد وتتقاطع وتتشابك بينها، وهي قابلة على الدوام لعدد معين من الاحتمالات في مسار تكونها؛ فكل متتالية متحَققة في الحكي لا بد بأن تمر بثلاث مراحل: أولا وضعية افتتاح الحدث أو السلوك ــــ ثانيا تحريض الوضعية الأولى للانتقال إلى بداية الفعل ـــ ثالثا غلق مسار المتتالية بنجاحها أو فشلها. والواقع أن كل مرحلة لها احتمالين اثنين، بحسب معاكسة الفعل أو الانتقال أو الإيجاب، وتبعا لذلك يوجد نمط تحسين ونمط انحطاط، وبدوره هناك إمكانية تحقق التحسين والانحطاط من عدمه. فعدم تحقّق مساري التحسين أو الانحطاط معناه تدخّل مسار معارض مانع للتحقق، وقد يتطور الأمر من أحد المسارين تطورا غير خطيا؛ التحسين يدخل في الانحطاط والانحطاط يحسّن أو ينجز والعكس بالعكس صحيح، ويدرس بريمون نفسه جميع الأوضاع الممكنة للشخصيات، أي الأدوار الرئيسية في الحكي، التي اختصّ بها القسم الثاني في كتابه "منطق السرد" ويستعمل مصطلحات كثيرة وغير ثابتة، فعلى سبيل المثال تفريعات حالة المنفعل الممكنة (وهي الشخصية المتأثّرة بجريان الأحداث) فبعد أن يضرب مثالا (كان هناك ملك ليس له أطفال) يجرُد احتمال أول، وهو أن المنفعل ثابت في وضعه لغياب مسار التغيير أما الاحتمال الثاني فالمنفعل ثابت مع وجود مسار التغيير، والاحتمال الثاني بدوره يتفرع إلى احتمالين؛ ثالث: المنفعل ثابت لعدم اكتمال مسار التغيير، ورابع: منفعل تغير وضعه لاكتمال مسار التغيير.

 مكونات الخطاب السردي: الحكي حسب لحمداني قصة أحداث وسرد: وهو الطريقة التي تحكى بها القصة وهو ما يميز نمط الحكي، وإن افترض السرد راو ومروي له فإنه يفترض قناة؛ وهي في الوقت نفسه الطريقة التي تروى بها القصة مشتملة على الراوي والمروي له، والرواية كحكي لها بداية ووسط ونهاية أي مادة أو شكل، والمعنى المتمخّض عن الشكل هو الطريقة التي تُقدّم بها القصة المحكية في الرواية. ويبدأ لحمداني التنظير للسرد من زاوية الرؤية أو أشكال التبئير: وزاوية الرؤية هي التقنية التي يستخدمها الراوي لحكي القصة حسب طموح الكاتب، وإذا كان توماتشفسكي ميز بين نمطين من السرد، سرد موضوعي يكون الكاتب فيه مطلعا بالأفعال السرية لأبطاله (وطموحه في تحييد الراوي وإعطاء حرية للقارئ لتأويل ما يحكى كما في الروايات الواقعية) وسرد ذاتي نتبع فيه الحكي أو الخبر من خلال أعين الراوي أو طرف ما يعلم الخبر (والتأويل هنا تفرضه على القارئ زاوية رؤية الراوي كما في الرواية الرومانسية والإشكالية) مع العلم أن لجان بويون أول من فصل في زاوية رؤية الراوي، بيد أن تودوروف استفاد من هذه الرؤية بمزيد من التفصيل معتبرا أن هناك:

الراوي<  الشخصية الحكائية (الرؤية من الخلف): ويكون الراوي عارفا أكثر مما تعرفه الشخصية حتى الرغبات الخفية والغير مدركة منها، ويستخدم الحكي الكلاسيكي هذه الطريقة.

الراوي = الشخصية الحكائية (الرؤية مع): تكون معرفة الراوي بقدر معرفة الشخصية الحكائية ويقدمها دائما بضمير (أنا) منتقلا إلى ضمير (هو) باعتبار أنّ ليس كلاهما جاهل بما يعرفه الآخر. هذه الرؤية تساوي السرد الذاتي عند توماتشسفكي، وتحفل بها الرواية الرومانسية.

الراوي > الشخصية (الرؤية من الخارج): لا يعرف الراوي إلا الشيء القليل ممّا تعرفه الشخصية الواحدة، وهذا الأمر متفق عليه كما يقول تودوروف وإلا ما أمكن فهم هذا النوع من الحكي، وغياب التفسير والتوضيح ونقل المشاهد الحسية جعل هذه الرؤية تميز الرواية الشيئية الجديدة. أما مظاهر حضور السارد في الحكي حيث من الأهمية معرفة من يتكلم ومن يناوبه في الحكي، ويجرُد لحمداني حالتان للمتكلم في الحكي: الأولى يكون فيها الراوي خارج نطاق الحكي أو أنْ يكون ممثل داخل الحكي سواء كان مجرد شاهد أو شخصية رئيسية، أما إذا كانت تدخلات الراوي كشاهد في السرد فإنها تكون مبهمة تؤدي إلى انقطاع في السرد، أما إذا تدخل الراوي وهو غير ممثل أصلا فيؤدي ذلك إلى تصدّع البناء الخيالي الذي أقامه. كما يمكن لعدة أبطال أن يقوموا برواية الوقائع من زاوية نظر مخالفة لغيره وهي حالة تعدد الرواة.

   بعد أشكال التئبير يدلف لحمداني منظرا للشخصية الحكائية، قائلا أن الأبحاث الشكلانية والدلالية ركّزت على الوظائف أي الأفعال والعلاقات التي تقوم بها الشخصيات في الحكي من منطلق أنها علامة، أما النظرة العينية التقليدية للشخصية لم تقصه تماما ولكنها وضعته جانبا وفقا لميشال زرافا، وما يبرز وظيفتها الشكلانية التعبير عنها بالضمائر، وإن كان لها في النص هوية تتعدى الأوصاف فإنها تبقى نتاج عمل تأليفي، وعلامة سيميائية signe ذات دال (أسماء وصفات) ومدلول (أقوال وسلوكيات) وليست لسانية، تلعب ودور بنائي بمعزل عن الجاهزية اللسانية والانزياح البلاغي، وتتحدد بما يخبرنا عنها الراوي أو هي نفسها أو شخصيات أخرى. وفي الحقيقة مفهوم الشخصية في النموذج العاملي يجعلها غنية بالدلالات عندما جعلها الدلاليون متعددة الوجوه (ترجيح مدلولها/ جانبها المعنوي) بين العامل والممثل، فهي في تصور غريماس عامل مجرّد تؤدي إما: دور عامل يهتم بالأدوار، قد تكون فكرة أو جمادا أو حيوانا ولا تهتم بالذوات المنجِزة لها وإما: شخصية صورة فرد يقوم كممثل فاعل في تحديد دور عاملي أو عدة أدوار وينشأ المعنى الكلي للنص بهكذا اهتمام الشكلانيين والبنائيين بالشخصية الحكائية

الفضاء الحكائي: انصبت التصورات حول هذا المكون الخطابي لإقامة جدول موروفولوجي ووظيفي للأماكن الروائية يكون مشابها للجدول الذي اقترحه فيليب هامون بالنسبة للشخصية الحكائية؛ فكان التصور الأول اعتبار الفضاء معادل للمكان، أي الفضاء الجغرافي في القصة. وجوليا كريستيفا لم تجعل الفضاء الجغرافي في الرواية مستقلا عن دلالاته الحضارية حيث تسود ثقافة معينة أو رؤية خاصة للعالم، وعبرت عن ذلك بمفهوم التناص (اديولوجم العصر الذي ينشأ عنه تعارض من خلال الثقافة السائدة في كل عصر) فالفضاء الداخلي لعصر النهضة مثلا يتحدد بالفضاء الخارجي للقرون الوسطى، والحركة في الفضاءين تكون عمودية وأفقية على التوالي، أما الفضاء النصي، فالمقصود به الحيز الذي تشغله الكتابة على مساحة الكتابة في الورق، ويدخل في ذلك ليس تصميم صفحة العنوان والتغطية الرابعة فقط بل هندسة الكتاب بالكامل لأن عين القارئ تتحرك فيه وتقوم بتوجيه لفهم خاص. وقد تحدث ميشال بوتور عن أهمية المظاهر التي تشكّل فضاء النص: الكتابة الأفقية، الكتابة العمودية، التأطير، البياض، التشكيل.. أما الفضاء الدلالي الذي له صلة بالصور المجازية فقد تحدث عنه جيرار جنيت قائلا أنه عندما تحمل البلاغة تحمل معنيين، واحد حقيقي والآخر مجازي، فإنها تؤسس فضاء دلالي بين المدلول المجازي والمدلول الحقيقي، تجعله يتجاوز أفقية الخطاب الى تشكيل الصورة والمعنى المتخيل، وهي رمز على فضائية اللغة في مجال توليد المعنى، ولقد أراد لحمداني تجاوز ههنا جيرار جنيت بنقده؛ بنفي أو إلغاء البلاغة والمجاز بجرة قلم من القص والرواية وجعلها خاصية الشعر وحده (واللغة العربية تمتاز عن اللغات الأخرى ببلاغتها) عندما حاول جيرار جنيت إدخالها في مفهوم فضاء الصورة البلاغية تحت طائلة أنها فضاء معنوي ليملص، فجنيت لم يسميه فضاءً معنويا بل فضاءً دلاليا.

  وآخر فضاء هو فضاء المنظور أو الرؤية: ويشير حسب كريستيفا إلى الطريقة التي تجعل الكاتب يهيمن على كل المشهد الروائي بكل ما فيه من أبطال متحركين على خشبة مسرحه، فهو كواجهته المسرحية التي يديرها وفق رؤيته (خطة مرسومة مسبقا)

أمّا ما يميّز الفضاء عن المكان، فإذا كان المكان في الرواية متصل عادة بلحظات الوصف التي يتناوب ظهورها بمقاطع الحوار وفي أذهان الأبطال، وصورة المكان الواحد تتنوع حسب أحداث وموضوع الرواية زاوية النظر التي يلتقط منها، فإن مجموع هذه الأمكنة المتعددة هو ما أمكن أن يطلق عليه الفضاء الروائي، حيث ما المكان إلا مكون للفضاء وجزء منه، فاذا كان المكان محدد بزمن سيرورة الحدث (الفضاء المجزأ يستدعي زمنا متقطعا) فإن تصور الفضاء ينشأ عن تلك الحركة السردية التي تؤكد حضور الزمان في المكان بالامتداد ويؤطرها وتأتي أهمية المكان كمكون للفضاء الروائي من إيهامه بالواقع جاعلا من الأحداث محتملة الوقوع، والراوية التي تتصدر فيها الأمكنة الأحداث هي الرواية الواقعية حتى لتكاد تجعل القصة المتخيلة مماثلة للحقيقة، وهذا ما يُدمج حسب هنري متران الحكي في نطاق المحتمل، وهذا عكس الرواية الجديدة (تيار الوعي) التي تصور الأحداث والحركة في أذهان أبطالها. من هذا الجانب وهو تحَدُد علاقة مكونات الخطاب السردي في نموذجها الفضاء الروائي بالاتجاهات الروائية الكبرى، بما تحمله من تصورات عن العالم في نفس الوقت بعلاقة المكان والديكور بالمضمون الروائي ليعكس مضامين الخطاب في الرواية الغربية بالخصوص، بينما في الرواية التقليدي/ الواقعية (مع موبوسان مثلا) يشهد الانشغال بوصف وتصوير الديكور بشكل منظم وأنيق لزيادة منح القارئ الإحساس باعتيادية المغامرة، وأن هذا التجديد والرغبة في تغيير تقنية الكتابة واتباع موضة جديدة والذي حمله تيار الوعي والعصر مرده موقفها من الواقع: أحدهما يعتم عن قصد صورة المكان، وثانيهما يحفل بالأمكنة فوق المألوف حتى ليتساءل المرء ما المعاني التي يمكن أن تأخذها هذه الأمكنة المسننة التي تستفز الحواس؟ إنه ناتج حتما عن تغيير موقف الإنسان من الواقع، فبتغيير التقنية يتغير المضمون فهو غير عاكس للموقف بقدر ما هو عاكس مستوى النص (الخطاب السردي)، مصدر المعنى المتعدد الذي يوضح مصدر المبدع الغامض، فهناك قيمة رمزية وأيديولوجيا متصلة باختلاف وصف الأمكنة، وهو وجه من وجوه الدلالة حسب رولاند بورنوف تخبرنا عن العصر والبيئة والمعيشة.

الزمن الروائي: ترتيب تتابع الأحداث في الرواية كتابةً لا يوازي ترتيب الأحداث كما جرت في غير الكتابة (عدا الحكايات العجيبة الموجزة) لأن طبيعة الكتابة التزامنية تفرض ذلك، حيث لابد بالضرورة من مفارقة زمن السرد مع زمن القصة، فإذا افترضنا أن قصة تحوي على أحداث متتابعة بالشكل:  أ         ب           جـ             د    فإن سرد الأحداث يمكن أن يتبع الشكل:   ج          أ            د           ب  أين يمكن للراوي أن يقطع السرد متجها الى وقائع تأتي سابقة في ترتيب زمن السرد، وهذا ولاحقا في زمن القصة، وهذا ما يدعى مفارقة زمن الاستباق أما إذا جرى العكس فنكون بصدد مفارقة زمن الاسترجاع. أما مدى/اتساع المفارقة فهي المسافة الزمنية بين نقطة الانقطاع وزمن بداية الاستباق أو الاسترجاع. ويكون زمن السرد يساوي زمنه لو لم يحدث استباقا ولا استرجاعا لأن الرواي لحظة وصوله إلى الزمن المستبق فعلا سيجد نفسه مضطرا لسرد زمن محل المستبق/المسترجع. الاستغراق الزمني la durée: يعنى هذا الاقتناع لدى القارئ بأن الحدث الروائي في السرد قد استغرق زمنا تناسَب مع طوله الطبيعي في القصة أو لم يتناسب، لأنه يصعب حسب النقاد المقارنة بين زمن القصة وزمن السرد، فهناك حدث يستغرق ساعة وآخر دقيقة وهو مستقل عن زمن القراءة فالاستغراق الزمني يقوم به الراوي والشخصيات حسب جيرار جنيت من خلال الإيقاع الزمني التي تخلقها تقنيات: الخلاصة: اختزال وقائع يفترض أنها جرت في سنوات وأشهر في بضع صفحات أو أسطر، الاستراحة: توقيف للزمن يُحدثه الراوي تعطيلا وتبطيئا للسرد بسبب لجوئه للوصف لكن عودة السرد من خلال الشخصيات والأبطال للقيام بهذه المهمة عبر التأمل متحولين إلى رواة، ويستطيع الراوي المحايد حتى ولم يكن مشاركا في الأحداث أن يوقفهم بالإخبار بهم، لهذا استحال على المقطع الوصفي أن يقطع زمنية القصة، القطع: وهو تجاوز مراحل زمنية من القصة محددة أو غير محددة بالإشارة اللفظية (مرّ زمن، عاد فلان بعد سنتين..) واستخدمته الراوية الجديدة ضمنيا والرومانسية للتخلص من التفاصيل. المشهد: هو اللحظة التي يتطابق فيها زمن السرد مع زمن القصة على شكل حوار من حيث مدة الاستغراق، ويختلف الحوار في الواقع عن الحوار في السرد حسب جنيت بسبب الصمت وتكرار الكلام لكن عموما المشهد الأقرب في الأزمنة الروائية تطابقا مع الحوار في القصة.

الوصف الحكائي: باعتبار السرد تشخيص لأحداث والوصف تشخيص الأشياء أو أشخاص فإن بحسب جنيت القانون الذي يخضع له السرد يختلف عن الذي يخضع له الوصف هو الحركة لا توجد دون أشياء أما الأشياء فقد توجد دون حركة. وبالرغم من أن استراحة الوصف تخلو من دلالة الحكي فإن لها وظيفة جمالية تزينية على السرد (استعارة معنى دون تصريح مع وجود خطة لذلك)، وأخرى توضيحية تفسيرية كونه يرمز إلى المعنى في سياق الحكي، أو يرهص إليه. وأن يكون خلاقا عندما يطغى على السرد مشيدا معان متعددة ذات طبيعة رمزية. أي في اتجاه معاكس لاتجاه المعنى الواحد وذلك ما ميز الرواية الجديدة عن الرواية التقليدية.

الوصف والمكان: ينشأ الفضاء الروائي نتيجة التحام السرد ذو البعد الحركي الأفقي بالوصف ذو البعد المكاني العمودي. وهو فضاء عام في الرواية التقليدية وهندسي في الرواية الجديدة.

  وفي القسم الثاني يلج لحمداني التطبيق بدراسته في نقد النقد على الدراسات النقدية العربية البنيوية، ويبدأ من نقد استخدام العرب للنقد الروائي الفني الذي هو أحد مرتكزات النقد الروائي البنيوي والشكلاني بدون تركيز على نموذج عربي خاص بحكم افتقاد النقد الفني للقيمة العلمية.

 نبيل راغب: وبدراسته الأولى "قضية الشكل الفني عند نجيب محفوظ" 1967، يأخذ نبيل راغب بعد ارتباك (بنقد التصنيف الجامد لأدوين موير) في مقدمته المعطيات النظرية الفنية ومصطلحاتها: الوحدة العضوية، التشكيل الدرامي، الصراع الدرامي، الحبكة، لكنه يؤكد على عدم فرض النظرية على العمل الفني الحي والمستقل بمقاييسه الجمالية الخاصة، ويؤكد لحمداني أن موير أفضل من نزع إلى الضبط العلمي في نقده الفني ونبيل راغب ينتقده من هذا الجانب لأن كل نموذج روائي تكوينه وبصماته الخاصة، أي يلح ضد موير على حكم القيمة. ومنقبا عن مدى التزام راغب بالمنهج الذي ساقه في مقدمته يأخذ لحمداني على نقد راغب للنقاد الرواية الإنجليزية أنه لم يهمّش للمصادر مادام قد صنّف أعمال نجيب محفوظ في أربع مراحل، تصنيفا تقليديا، متسائلا هل خَلُص راغب إلى نماذج فنية ذات خصوصية كما أراد وتجاوز ضبط أدوير موير العلمي العام؟ لكن يستدرك راغب جاهزيته حسب لحمداني في كتابه الثاني "فن الرواية عند يوسف السباعي" مُرهِصا إلى الإلحاح على البناء البنيوي (الجزء للكُل) عبر الوحدة العضوية في النقد الجمالي الفني، ويبقى وفيا لما ساقه في مقدمته عن النقد الجمالي الفني وبالتحديد لأدوين موير، فيجعل عنوانه التطبيقي "البناء الدرامي" مؤيدا أفكاره، ومال لموير في تمييزه بين الرواية الدرامية ورواية الحدث والشخصيات من جهة (عن طريق التوازن بين الشخصية والحدث وغلبة العنصر الزمني) وبين البناء الدرامي والحبكة من جهة ثانية. في الوقت الذي أخذ فيه على فوستر عدم تفريقه بين البناء الدرامي والحبكة، وعلى لبوك في تبني وجه نظر واحدة في علاقة العنصر الدرامي بوجهتي النظر، في حين أن لبوك حسب لحمداني يقوم بالتمييز بين الأسلوب المباشر والأسلوب الغير مباشر الذي يتحقق فيه العنصر الدرامي، ومن الطبيعي أن يميل إلى هذا الأخير لتحقيقه للصياغة الدرامية. وفي الواقع لم يقتصر راغب في كتابه الثاني على دراسة البناء الدرامي والوصف ووظائفه في روايات السباعي دراسة فنية، فقد اقتصر ذلك على الفصل الأول والثامن، ومع ذلك حسب لحمداني لم يفي راغب تصوره النظري في مقدمته حيث يعود ويعادل بين الحبكة والبناء الدرامي. بينما في أغلب فصول الكتاب الأخرى فقد أدمج عدة مناهج: أدمج المنهج الموضوعاتي للبحث عن معنى الحتمية القدرية والرومانسية المثالية والعنصر الكوميدي، والمنهج الاجتماعي التاريخي للبحث عن الواقعية النقدية، والالتزام الفكري، والتسجيل التاريخي، والمنهج النفسي بدراسته للتأثيرات التي يتركها الإبداع على نفسية القارئ مستبعدا شخصية الكاتب (دراسة محايثة للنص) مستفيدا من دراسة الناقد الإنجليزي رتشاردز في المنهج النفسي: التوصيل وردود فعل القارئ.

محمود أمين العالم: يُعيب لحمداني منذ البداية ربط العالم في القسم المنهجي من كتابه "تأملات في عالم نجيب محفوظ الروائي" بين الصورة/الشكل والمضمون دون أن يُنمذج لهذه الثنائية الجدلية روائيا، ودون أن يستفيد من مصادر النقد الفني ولا الإتيان بمصطلحات تنتمي لعالم الرواية لا نظرية الأدب، وهذا الجدل يستمر معه في القسم التطبيقي لولا حصافته النقدية التي أمسكته بتلابيب النقد الفني، عندما وصل إلى أن تعدد الأساليب ذات طبيعة فنية، التي والتي غدت أساس النظرية الباختينية بعد صدور كتاب العالم، وان ملامح سوسيولوجيا النص دون أن يكون على اطّلاع به تبدو واضحة في تحليله (لغة تعبر عن حيوية الواقع الاجتماعي) مميزا بين دلالات محتوى الرواية ودلالات معمار الفني أو التعبير بالبناء، أي بين الصوت الأيديولوجي وبين الأنساق الأيديولوجيا في المعمار الفني، ولم يمنعه انجذابه نحو المضامين الاجتماعية والخروج مثل نبيل راغب إلى المناهج التقليدية والسوسيو ـــ نصية تصرّفه في المصطلحات الفنية كالرواية الدرامية، الوحدة العضوية، الوحدة التعبيرية.

  وفي القسم الثالث الموسوم بالنقد الروائي البنائي العربي يدلف لحمداني إلى الجانب النظري: 1. متناولا أولا كتاب عربي ظهر في نقد الحكي من منظور بنائي "الألسنية والنقد الأدبي لموريس في النظرية والممارسة" 1979 لموريس أبو ناضر، ولاءً لنقد الحكي الغربي، تعريفا بالمنهج الألسني الجديد وعنايةً في توثيق المصادر وذكر المدارس تباعا: من الشكلانيين إلى غريماس مرورا بنظرية رتشاردز، ومع أنه ينهي مقدمته النظرية المنهجية فيه بأحقية الألسنية البنائية محورا منهجيا لكنه يحتفظ لنفسه بطابع التركيب المنهجي في قوله بالموقف الوسط/الثالث اتجاه خارجيات النص وتسخيرها للقراءة الداخلية للنص مقدما الشواهد من مصادر أصلية، ويبدأ من إخضاع الحكي لأربع مستويات مع العلم أن بارت ذكر ثلاث فقط: مستوى الوظائف، مستوى الأعمال، مستوى السرد. ونسيان عاملا المرسل والمرسل إليه في النموذج العاملي لغريماس الذي درس الشخصية في مستوى الأعمال معتبرا المستوى الوظيفي أساسا له وأتى ببعض المصطلحات الشكلانية فقط في المقدمة النظرية في حين كان حري به أن يأتي بها في التطبيق على رواية ألف ليلة وليلة حيث يلاحظ عدم ضبط ترجمة المصطلح بدقة (ضبط شرح وضبط تغيير، ويعطي لحمداني جدولا مقارنا لمصطلحات الوظائف كما ترجمها إبراهيم الخطيب وكما ترجمها موريس أبو ناضر وما يرتأيه لحمداني، كلهم عن نسخة بروب "موروفولوجيا الحكاية" الفرنسية)، وحذف بعض العناصر من البناء الوظيفي والسكوت عن هذا الحذف، وأبو ناضر حسب لحمداني لا يفرّق بين الممثل والعامل عندما يبقى يصطلح على "الشخصية الحكائية" التي تقبل أن تكون ممثلا. وبين الخطاب المُبنيَن بالجُمل وبين القصة التي يقول أبو ناضر أنها تشارك الجملة من حيث هي تراكم جمل، وتحريفه للعلاقة المتبادلة بين القراءة الألسنية للجملة والقراءة الألسنية للنص الحكائي عند جماعة "مو Mu". وعدم الإحالة إلى تطبيقات الأصول النظرية اللسانية على فن الحكي في رواية الأنهار لمجيد الربيعي، وكذا الابتسار والتركيب النظري، وهو بصدد البنائية والوصف رغم حرصه على وضع مقدمات نظرية لكل قسم، وعدم التعمّق النظري في الفصل الخاص بعالم المعنى الخاص بمفهوم الوحدة الثقافية لأمبيرتو إيكو، لأن إيكو بالرغم من قوله بفهم اللغة كظاهرة اجتماعية إلّا أنه يلغي أهمية المرجع في أي خطاب، لأن اللغة قادرة على تحويل الأنظمة الدلالية خارج سيميوطيقية والتي لها قوة السنن الاجتماعية إلى سيميوطيقية في النص، وعمد أبو ناظر حسب لحمداني في تعرضه لمفاهيم شتراوس حول الأسطورة إلى تتبّع المدلولات/المحتوى الجزئي للدور الوظيفي للمكونات الحكائية (في ثنائيات) ونفي العلاقات التي تنشأ بينها وهي الوحدات الأسطورية أو الوحدات المؤلفة الكبيرة المفضية وحدها إلى دلالة الدلالة يعد تقليد.

2. نبيلة إبراهيم بكتابها "نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة" 1980، يبدأ لحمداني تباعا في تعداد ما قلّل من قيمته العلمية: الإغراق في التأملات لتصوير طبيعة الشعر المختلف عن طبيعة القصة في الخيال والتخييل، صاكة عبارات من صميم نظرية أدب القرن التاسع عشر وأخرى بلاغية وأسلوبية، وهدفها منهج لنقد العمل القصصي بموضوعية لا مثيل لها للكشف عن علاقة الفن بالمجتمع، لذلك تدلف إلى لسانيات دي سوسير حيث النظام يمكن أن يهدي الى اكتشاف نظام الفكر الإنساني الذي يميز الأدب، لذا تبقى حسبها مبادئ اللسانيات تواصلية وغير معنية بالعمل الأدبي كونه فن بين فنان ومتذوق، ويأخذ لحمداني على نبيلة إبراهيم عدم استفادتها من الدراسة الجدية لجان كوهين "بنية اللغة الشعرية" 1986! حول لغة العلم ولغة الشعر ولغة الرواية، وكذلك عدم إحالتها في عرضها النظري للنقد الفني التقليدي. وفي القسم الثالث من كتابها تركز نبيلة إبراهيم على مدرستين نقديتين كليهما متأثر باللسانيات، الأول المنهج الواقعي الذي أضحى يدعى الآن بالبنيوية التكوينية (اكتمل مع بيير زيما) مازجةً فيه بين تصور في سوسيولوجيا الرواية لموكاروفسكي 1971 (العالم الخارجي والسياق الثقافي) وبين مبادئ اللسانيات الشكلية، وهو تصور أخذه موركاروفسكي بتأثير من رتشاردسون حسب لحمداني عن تصور غولدمان في امتلاك رؤية العالم بوعي فردي، أما أخذها لوظيفة العمل الأدبي من كتاب "ف. ر. بالمر" الغير ممثل لنقد الحكي، فكان الأجدر بها أخذه من الوظائف الستة للخطاب لجاكوبسون الخاصة بأي رسالة لغوية تواصلية.

والثاني المنهج البنائي وتدمج فيه الناقدة ثلاث اتجاهات أساسية، بنيوية ليفي شتراوس: وتعمد فيها على الأزواج أو الثنائيات المتقابلة العاكسة للطابع الجدلي للبنية، وعلم دلالة غريماس: فهي حسب لحمداني وإن أتت ببعض مصطلحات علم الدلالة كاختبار السلوك واختبار الإرادة فإنها لم تشر إلى المصدر الذي أومأت فيه سواء إلى نحو القص أو المبنى الحكائي، الذي تجاوز به تودوروف البعد الخاص ليشمل جميع الظواهر اللغوية وغير اللغوية أو إلى منطق الحكي لكلود بريمون، وفي هذا الأخير لم تذكر لا المرجع ولا مصطلحاته الأساسية، ويضرب لحمداني مثلا بمنطق الحكي لكلود بريمون وبالنموذج العاملي وبالمربع السيميائي لغريماس الذي مثّل بنية عميقة ثابتة لأي منظومة دلالية وقواعد ثابتة لمختلف أشكال الخطاب. وبالنتيجة لا تخلص الناقدة لهدفها النظري (البحث عن وسيلة موضوعية لنقد فن القصة) عندما تركّب كعادة جل النّتاج النقدي العربي بين ما هو سوسيولوجي وبين ما هو بنيوي.

3. سعيد يقطين يضع نفسه من خلال مقدمته النظرية لكتابه "القراءة والتجربة، حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد في المغرب" 1985 ضمن البحث في مكونات الخطاب البنيوي والسرديات لكن لا يذكر منها سوى الانزياح السردي ـــ الميثاق السردي ـــ الخلفية النصية، وهي أسلوبية وتتبع فن دراسات الجمهور والاجتهاد الخاص، وتوليد مصطلحات خاصة معقدة للوضع.

4. أما كتاب سيزا أحمد قاسم "بناء الرواية دراسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ" 1985 فامتاز تمهيده النظري حول المنهج البنائي بالاقتضاب لكن بوضوح نظري، وتستفيد الباحثة من المقارنة بين ثلاثية محفوظ وبعض الروايات الغربية، باعتبارها ليس منهجا مستقلا لكن فرع من الدراسات الأدبية وموضوع الدراسة الذي يلتقي مع هدف الدراسة (التحليل البنائي) وتقول أن هناك التاريخ الأدبي المقارن (تهيمن عليه النظرة التاريخية والاجتماعية) والتراجم الأدبية المقارنة (يهتم بنفسية الذوات) والنقد التطبيقي المقارن (يركز على أبنية النصوص الداخلية) بحكم اختيار هذا الأخير فإنها استندت إلى المنهج البنيوي مقصيةً الجوانب الخارجية من أفكار جاهزة وأحكام قيمة، ورجعت إلى النقد الشكلاني والنقد الجديد في أمريكا وفي فرنسا كي تحدّد أوجه الشبه والاختلاف بين ثلاثية محفوظ ونصوص غربية أي مدى تمثّل محفوظ لتلك التقنيات والإبداعات في الثلاثية، ومن أجل ذلك تناولت الحكي من جانب: الزمان ـــ المكان ــ المنظور كما عرّفه جان لوفبر، وكل وحدة في فصل في إطار الطريقة المقارنة كتقنية ووسيلة تحليل بالوصف المبتعد عن حكم القيمة في تبنيها للبنائية، غير أنه حتى يتحدد التمثل كان عليها تحديد شكل البنائية، أمنطقي أم اللساني؟ تجمع بين التركيب والدلالة أم تفصل بينهما؟  ولأنها ولأنها لم تجمع على غرار نقاد الروية العرب بين منهجين أو أكثر يتحرى لحمداني في المتن مدى إخلاصها لأهدافها المنهجية ولو بتحليلها في السياق المقارن لنصوص روائية غير عربية، وهذه النصوص الروائية المُعتبرة متن مرجعي تدخل في تركيب المتن المحوري العربي واتسّعت إلى عناوين واقعية: أوجيني غراندي لبلزاك 1833، مدام بوفاري لفلوبير 1857، المطرقة والفريسة لزولا 1877، وصاحب الأملاك لجون كالزورذي. ورواية ما بعد الواقعية/تيار الوعي: البحث عن الزمن الضائع لمارسيل بروست، عوليس لجيمس جويس، مسز دالُوي لفرجينيا وولف، وهناك نصوص لجأت أيها الناقدة بصورة عرضية.

 1. في الوصف: يُثني لحمداني استدراك قاسم مع بداية كل فصل للتنظير للزمن والمكان والمنظور في الرواية بالطريقة التي فهمتها كونها نظريات من إبداع غربي لكن يعيب عليها الإفراط في بعض الجوانب (الترتيب الزمني للأحداث، وتقديم سريع لوصف البنى الزمنية التجزيئية في الثلاثية والنصوص التي تقارن بها) التي أضاعت تحقيق التحليل الشمولي (البنية العامة) للزمن في الثلاثية بين السرد والقصة، بين الخارجي والداخلي، لأن به نفهم تمثل بنية الزمن من النصوص المرجعية /النموذجية في الثلاثيةـ لأن الصورة التجزيئية في وصف بنية الزمن قد نجد لها مثيلا في روايات عدة مختلفة أشد الاختلاف، وهذه وسيلة للانقياد وراء نظرية الزمن البنائية لتحقيقها وليس لتحقيق بنية زمن السرد الدقيقة والمركبة تركيب أحداث الثلاثية الطويلة نفسها، فعلى سبيل المثال نجد أن المقارنة بين افتتاحية بين القصرين مع افتتاحيات الروايات الواقعية الغربية، الاطار الزمني في افتتاحيات الروايات الغربية قصير مقارنة بالثلاثية، وهذا الطابع التجزيئي الناقص نجده أيضا في وصف البنية المكانية في الثلاثية كي تثبت الناقدة الفروض النظرية في الحكي، مع أن للوصف علاقة وطيدة ببنية المكان في الخطاب غير أنّ الناقدة فصّلت في طبيعة الوصف وظيفته (مشْجَر الوصف) ولم تتبع هذا التفصيل بالنماذج الروائية من متنها الروائي المحوري والمرجعي عن بنية المكان الوثيقة الصلة بالوصف عدا بعض الشروحات النظرية نهاية الفصل كوصف القبعة عند فلوبير والفراش عند محفوظ تليه باستنتاجات (الوصف عند فلوبير من الدرجة الخامسة وعند محفوظ لا يتجاوز المستوى الأول) لكن سرعان ما تقطعها وتعود للقول أنها عثرت في الثلاثية على مقطع وصفي يصل إلى الدرجة الخامسة، أما صورة الكلية التي قدمتها عن بنية المكان فتبقى افتراضية حسب لحمداني، لأنها تقدم أبنية الأمكنة أنها مغلقة تجري في البيوت، فالثلاثية إذن رواية سكونية، وهذا يتفق مع بين القصرين ويخالف رواياتا قصر الشوق والسكرية (الثلاثية بنيتها المكانية القاهرة) كما أن هذا الجانب لا يحسب ميزة فنية إلا في النقد التقليدي، وبذلك تضيع خاصية الطابع البنيوي الشمولي القائم على الانسجام والتناسق في كامل النص المدروس منثمة ستأتي المقارنة بين الثلاثية ورواية الحرب والسلام لتولستوي غير دالة، لأن في تلك تجزيئ وفي هاته توسيع، فوصف بنية المكان لا بد أن يخضع لمبدأ الاقتصاد. ناهيك عن المفاضلة في دلالاته.

  أما بنية المنظور فبه تميّزت واقعية نجيب محفوظ في الثلاثية عن الروايات الغربية الواقعية في القرن 19م، لكونها تمنح فرصة الحوارية، وتعدد الأصوات الدوستويفسكية، لأن محفوظ لم يتعاطف مع أي شخصية تعاطفا مباشرا، بيد أن إقرار القاسم هذا نفسه إقرار عاطفي لما حاولت تفادت وصف متكامل للمنظور (شكل المحتوى)، كونها لم تعطي وصفا شموليا لبنية المنظورات الذاتية والعلاقة القائمة بينها، متوهمة أنها ستسقط في وصف الأيديولوجيا، وكان حسب لحمداني حريّ بها اعتماد النموذج العاملي كونه الأقدر على وصف الصراع الفكري، حيث الدلالة المحايثة/شكل المحتوى هي هنا مطلوبة، وليس التقنية الظاهرة في المستوى السطحي/شكل التعبير. وكما حدث مع بنية الزمن وبنية المكان لا يمكنها المقارنة في غياب بنية المنظور العامة. لكن يبقى عملها غني بالمعلومات النظرية الجديدة خاصة بالنسبة لبنية الزمن عند جيرار جنيت؛ ألمّت بالاسترجاعات والاستباق لكن أهملت المفارقات الزمنية التي تفرق بين زمن الأحداث وزمن السرد، وتنقل الخطاطة الترميزية الرياضية في الاستغراق (الاستراحة، المشهد، الخلاصة، القطع) عن جينيت نقلا غير صائب، لا من حيث تعريب الرموز والرموز الرياضية، ولا من حيث ضبط المعادلات ضبطا صحيحا، وسجّل لها لحمداني استدركاها لنقص المصطلحات بتقديمها لخطاطات شاملة لوصف القضايا النظرية والتطبيقية فكانت جميع الوظائف الواصفة (الزخرفية والتزينية والإيهامية) التابعة للسرد عدا وظيفة الوصف الخلاق، بالإضافة عرضها لحالات جان بويون الثلاث لزوايا الرؤية، واستفادتها من عالم باختين الديالوجي المتعدد الأصوات وإشادتها بشكلانيته الحرفية، لكن حديثها عن مواطنه أوسبنسكي الذي يحتفظ بموقف الكاتب الأيديولوجي، ولا يتخلى عن رأيه إلا فنيا، تجعلها تسقط في التناقض، حيث كان بإمكانها استثمار علاقات الصراع الفكري في بنية المنظور الكلي للثلاثية. وبالنتيجة وصف قاسم البنيوي وصف مستوى شكل التعبير، ومثل هذا الوصف تعوزه بنية الدلالة التي لا تدرك إلا بمراجع غريماس وبريمون، ووصفها لبنية المنظور بقيَ ملامسا لبنية الدلالة وليس مُلما بها. والنتيجة إخلال بالهدف المعلن رغم الجهد النظري البنائي المؤسِس

  2. في التنظيم: الطابع الوصفي للتحليل البنيوي جعل قاسم تُعنى بالتنظيم بوصفه تابعا شكليا له، لكن لم يستهدف هذا التنظيم المحتوى لطغيان المعطيات النظرية من جانب والتجزيئية المبعثرة من جانب آخر، بل قد أخل التنظيم لديها بالمنطلقات المنهجية لما أبدى التأويلات، وفي 3. التـأويل: فأن الانتقال من الإحاطة بالمنهج البنيوي نظريا إلى التطبيق العملي في تحليل النصوص محفوف بمخاطر الانزلاق، وهو ما اصطدمت به قاسم كغيرها من النقاد العرب حسب لحمداني، وهي تحُول أمام تأسيس نظرية نقدية جديدة، وسيزا قاسم تؤكد نبذها للتأويلات الخارجية في قسمها النظري بينما في التطبيق يتغير الأمر وتتوق لمبادئ النقد القديم كما ظهر في إلحاق الدراسة التاريخية للمجتمع عند تعرضها لتاريخ النوع الأدبي كي تقارن بين الرواية الواقعية والثلاثية لولا أن هذا الإلحاق من صميم التحليل البنائي، كونه تناصا تقنيا،  وكثيرا ما أولت الناقدة أحكاما اجتماعية (إدماج الحوادث التاريخية يضفي التماسك الممتد من من العام، وهو النظام السائد في العلاقات الاجتماعية إلى الشعور الخاص بالزمن) وفلسفية (التفسير الدلالي لسير الزمن وعزلة الإنسان في ثلاثية محفوظ تأكيد على حتمية الفناء) والأيديولوجي (ظهر في فسحة الأمل الوجودي) وبهذه الطريقة تكون ربطت الاسترجاع ووصف الصورة عند محفوظ باسترجاع ووصف تيار الوعي، لربط الماضي بالشعور.

   ويُنهي لحمداني نقد دراسة قاسم بتقويم جمالي متبوع باختبار الصحة، من منطلق تبنيها الوصف البنائي الغير مفاضل في طريقة المقارنة يضع جدولا يثبت عكس ما صبت إليه، في مكون الزمن بأنواعه (في الافتتاحية والمتن) ومكون الوصف والمنظور (في الافتتاحية والمتن) كَمُن ما نهت عنه، من استحسان، واستهجان، ومفاضلة تأكيدا لقيمة أدب محفوظ في استفادته من الواقعية وتيار الوعي ثم تجاوزهما، ومن منطلق مراجعة التحليل ونتائجه يختبر صحة مقولة الناقدة سيزا قاسم في التقديم النظري (تخط هيكلا عاما يمكن تكراره في دراسة أعمال روائية أخرى) بتطوير المعطيات النظريات وتركيمها من النماذج الجديدة (في وقت تأليف كتابي قاسم ولحمداني 1985 ــ 1991)، ولعلّ مكونات الزمن، والمكان، والمنظور ضمن هذه النماذج الجديدة، وهي لم تصل إلى وضع أسس قانون ثابت متكامل لتطبق على نوع أدبي واحد، وقد اعترفت الناقدة أنها سعت إلى نموذج خاص بطبيعة دراستها، وهذا يناقض هدف النقد الشاعري، الذي ليس هو خاص بناقد دون آخر، ولا نموذجا دون آخر، بل يسعى استخلاص العام المشترك، ولذلك فشلت في تحديد الخصائص العامة المميزة للثلاثية، وهذا ما ظهر في استنتاج البنية السكونية العامة للمكان في الثلاثية لا تطابق النتائج الجزئية المختلفة من رواية لأخرى، وبخصوص التناص مع الروايات الغربية مزالقه كثيرة للاختلاف في الخلفيات الثقافية، لذلك تغدو الخطاطات الإحصائية والرياضية عملية أمام طول العمل الروائي، ولا يخرج ناقد الناقد عن هذا الإطار، لذلك يكتفي لحمداني بتدوين بعض الملاحظات التي يحتاجها الناقد الأدبي: . لم تدرك قاسم الدلالة الحقيقية للوصف بالرسم والوصف في الرواية في مقولة رولان بارت "الوصف لدى الروائي كأدوات الرسم في يد الفنان التشكيلي"، معتقدة أثناء المقارنة أن الرواية الواقعية تقليد لصور من الواقع.

. ترجمتها للنص الفرنسي غير مخلصة للنظرية الغربية، والتصرف حذفا وإضافة غير ملزم للدقة، المقابل الصحيح لـ Espace الفضاء وليس الفراغ ـــ ولـ Objet هو المادة وليس المنظور.

. عدم تحري الناقدة سيزا قاسم حسب لحمداني للسلامة اللغوية، من نحو ومستوى تعبيري وأخطاء مطبعية وهي غير مقبولة لخصها في جدول، لم نجد لها من أثر بعد رجوعنا إلى طبعة "بناء الرواية دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ" الرابعة المنقحة (2004)، ولعل ما قادنا للارتياب في سوق ودعوى لحمداني (انظر المقارنة أسفله) هو إصراره على سوء التعبير!

الاستنتاجات: "بناء الرواية دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ" أول عمل نقدي بنيوي وعَى الفرق بين المقارنة والمنهج، وهو مع أعمال موريس أبو ناضر ونبيلة إبراهيم النقدية خطوة في الطريق الصحيح نحو تقريب النظرية البنائية من القارئ العربي، وتجاوز النقد التقليدي نهائيا، كون أن الطموح النظري لا يصافيه جانب الممارسة والتطبيق تمام الصفاء، وقد انزاحت الناقدة قاسم بالفعل عن إجراءات شكل المحتوى ودلالة الحكي البنائيين إلى بلاغة السرد أثناء الممارسة، وبذلك ابتعدت عن البنية الكلية التي ميزت الثلاثية إلى بنى جزئية منساقة وراء القبض على المعنى جرّها إلى التأويل، واطلاق أحكام القيمة، والمفاضلة بين النصوص عبر كل وحدة نظرية من الوحدات الشكلية التي اقتبستها من النقد الغربي، مجاوزة لحق الدقة العلمية في ضبط المصطلح ترجمة وإجراءً نقديا بنائيا محضا.

 بوزيان bouziane
بواسطة : بوزيان bouziane
موقع تنويري فكري وشبه أكاديمي، يتغيا تقديم إضافات نقدية تخص تحليل الخطابات الثقافية ونظرية النقد والأدب متوسلا بجماليات التلقي والنقد الثقافي، كما يعنى بنشر إبداع قصصي جديد ليس له ما يماثله على الساحة الجزائرية، والمقال المتناول للشؤون السياسية والإعلامية والاجتماعية المقاربة للظاهرة الأدبية والمحاكية المكملة لها.
تعليقات